مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي (103) – أيلول/ سبتمبر 2017. English_Version

ملخص:

سمحت الوضعية القانونية للفلسطينيين في سورية بممارسة وطنية شكلت الشخصية السياسية لهم من خلال تطور دورهم الريادي في مراحل النضال الفلسطيني المختلفة.

لقد انقسم فلسطينيو سورية بوتيرة مشابهة لحال المجتمع السوري في اصطفافهم السياسي خلال الحرب الدائرة هناك، ووثقت التقارير الحقوقية حالة قتل واعتقال وتهجير مشابهة تقريباً للحالة السورية بالعموم.

بعد ستة أعوام فإن سؤال المستقبل ما يزال يلقي بظلال ثقيلة وغامضة على وضع فلسطينيي سورية، خصوصاً مع تركز أكثر من ثلاثة أرباعهم في العاصمة دمشق التي تضاعف عدد سكانها من 4.4 ملايين في 2010 إلى 8 ملايين في 2016، وشهدت تحولات ديموجرافية نوعية. وهو ما يضعنا أمام ثلاث سيناريوهات محتملة، وهي:  السيناريو الأول: إعادة توزيع الفلسطينيين في سورية على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“. السيناريو الثاني هو عودة وضع الفلسطينيين لما سبق سنة 2011. وأما السيناريو الثالث فهو تهجير الفلسطينيين من سورية إلى خارج البلاد. وعلى ما يبدو وفق المعطيات المتوفرة فإن السيناريو الأول هو الأكثر ترجيحاً.

أولاً: الفلسطينيون في سورية قبل الأزمة:

يعتقد كثير من المراقبين لأحوال اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة أن أوضاع فلسطينيي سورية كانت الأوضاع الأفضل نسبياً من الناحية القانونية والسياسية والاجتماعية. فالمقارنة مع أوضاع اللاجئين في الدول المجاورة وخصوصاً لبنان، تُظهر فارقاً واضحاً لصالح الوضع القانوني الذي يتمتع به اللاجئ الفلسطيني في سورية. ففي سنة 1956 صدر القانون 260 الذي عدَّ اللاجئ الفلسطيني في سورية مساوياً للمواطن السوري في كافة الحقوق والواجبات ما عدا حقَي الترشح والانتخاب. وعُدَّ هذا القانون معياراً في السنوات اللاحقة لكثير من القوانين الصادرة عن الحكومات السورية المتعاقبة. وبالرغم من التفريق بين شرائح متنوعة من اللاجئين الفلسطينيين داخل سورية على قاعدة تاريخ اللجوء إلى البلاد، فقد بقي أكثر من 85% من فلسطينيي سورية مشمولين بوضع قانوني معادل للمواطن السوري في أغلب الحقوق والواجبات على أساس القانون 260.

بقي المكون الفلسطيني في سورية يحمل طبيعة سياسية داخل البلاد بحكم الموقع الجيو-سياسي لسورية من جهة. وبحكم طبيعة النظام السياسي الذي حكم البلاد غالبية العقود الماضية منذ سنة 1963 حتى اليوم؛ فقد قامت الأسس المعيارية لنظام البعث في سورية على تبني موقف سياسي يجعل من القضية الفلسطينية في قلب خطابه وتحركاته كأحد أهم مكتسبات الشرعية السياسية داخلياً وعلى مستوى الإقليم. وهو ما جعل البيئة الوطنية بالنسبة للفلسطينيين في مخيماتهم تحظى بما هو أكثر من المسموح به على مستوى البلاد، فأسهم ذلك في بناء الشخصية الوطنية لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين طوروا دورهم في مختلف مراحل النضال الفلسطيني كطليعة استقطبت مستوى عالٍ للعمل الفلسطيني الفصائلي والشعبي والسياسي العام.

ثانياً: الفلسطينيون في بدايات الأزمة السورية:

ألقت حالة الاندماج المجتمعي بين الفلسطينيين والسوريين ظلالها على كل مفاصل الحياة العامة. ويبدو أنها كانت استحقاقاً لا مفر منه مع اندلاع الأحداث في الشارع السوري سنة 2011. فقد عاش الفلسطينيون في سورية في ترقبٍ قلقٍ من تطور أحداث الشارع السوري خلال الأشهر الأولى للأزمة في 2011، خصوصاً مع تعمد بعض الأطراف الرسمية الزجّ بالفلسطينيين في الأحداث في درعا واللاذقية، كمحاولة بدت لتطويق الاحتجاجات في الأحياء السورية، والإيحاء إعلامياً أنها ذات هوية غير محلية، كما حدث في التقارير الإعلامية للصحافة الرسمية وشبه الرسمية حول أحداث درعا في 21 آذار/ مارس 2011، وفي المؤتمر الصحفي لمستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان حول أحداث اللاذقية في 26 من الشهر نفسه. ومع امتداد الاحتجاجات السورية على مستوى البلاد ووصولها إلى مناطق بعيدة عن مركز الوجود الفلسطيني في العاصمة والمدن الرئيسية، بات رهان البعض على تصدير الأزمة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين غير ذي جدوى، فتعاملت السلطات مع الواقع كما هو، وقامت بمحاولة تحييد المخيمات خلال المرحلة التالية. فقد اجتاحت قوات النظام السورية مدينة درعا في شهر نيسان/ أبريل 2011 ودخلت كافة أحياء المدينة، باستثناء مخيم درعا، الذي اضطلع بدور إغاثي مشهود في الأشهر التي تلت احتلال المدينة وعسكرتها. تكرر الأمر في مخيم اللاذقية الذي تمّ تهجير سكانه في آب/ أغسطس 2011 خلال قصف حي السكنتوري السوري المتاخم للمخيم، والذي قاد أول احتجاجات شعبية في المدينة، ولم يتم استهداف المخيم لذاته حينها، وإنما دفع المخيم فاتورة الجغرافيا.

ثالثاً: دخول الفلسطينيين إلى قلب الأزمة والآثار الحالية:

على الرغم من دخول عدد من النشطاء الفلسطينيين مبكراً على خطّ الثورة السورية، خصوصاً في مخيمي درعا واليرموك، إلا أن الانخراط الفعلي للمخيمات الفلسطينية في الأحداث لم يبدأ قبل شهر تموز/ يوليو 2012، بعد حادثة إعدام 14 جندياً من مجندي جيش التحرير الفلسطيني في منطقة إدلب، الحادثة التي خضعت لجدل كبير حول هوية الفاعل بين اتهام النظام بافتعالها أو المعارضة بارتكابها. ومع دخول دمشق، حيث يسكن ثلاثة أرباع الفلسطينيين في سورية، قلب الاضطرابات بعد تفجير مبنى الأمن القومي في حي الروضة في 18 تموز/ يوليو 2012، كانت المخيمات الفلسطينية في العاصمة تدخل مرحلة دموية قاسية.

بدأ دخول المخيمات الفلسطينية إلى الأحداث بطابع إغاثي إنساني، حين هَجَر سكان الأحياء الدمشقية، خصوصاً الميدان والزاهرة، مساكنهم نتيجة الحملة العسكرية المكثفة هناك. ونزح إلى مخيم اليرموك وحده خلال تلك الفترة قرابة 250 ألف نازح سوري. وهي الفترة التي بدأ فيها الجدل حول تشكل قوة فلسطينية موالية للنظام بالظهور إلى السطح، حيث نفذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة مشروع اللجان الشعبية المسلحة، بالتنسيق مع السلطات وبعض الفصائل الفلسطينية الأخرى داخل مخيم اليرموك في مرحلة شديدة التوتر، أدت إلى انهيار الأوضاع الأمنية كلياً مع نهاية سنة 2012، حين دخلت كتائب المعارضة المسلحة مخيم اليرموك، وترافق ذلك مع نزوح أهلي كبير لسكان المخيم خوفاً من القصف والأعمال الحربية المتوقعة.

خلال هذه المرحلة، كانت الأوضاع الميدانية في العاصمة تتدهور بشكل دراماتيكي، فقد دخلت المعارضة المسلحة أكبر مخيمين بعد اليرموك في دمشق وهما الحسينية والسبينة الذي يبلغ تعداد الفلسطينيين فيهما مجتمعين قرابة 90 ألفاً. وأدى هذا إلى تهجير كبير للسكان. وبفعل الأعمال العسكرية اللاحقة فقد استعاد النظام في أواخر سنة 2013 المخيمَين، لكنه منع الأهالي من العودة إلا بشكل محدود، اعتباراً من النصف الثاني من سنة 2016.

رابعاً: فلسطينيو العاصمة:

وقع مخيم اليرموك الذي كان يبلغ تعداد سكانه من الفلسطينيين نحو 220 ألفاً تحت ظروف مأساوية، شهد فيها حصاراً أودى بحياة 196 جوعاً ومرضاً. وعبر المراحل المختلفة لم يتبقَ في مخيم اليرموك إلا قرابة ثلاثة آلاف نسمة فقط.

إن القراءة العامة لأوضاع الفلسطينيين في سورية يمكن التقاطها من خلال الوجود الفلسطيني في العاصمة دمشق التي كانت حتى قبيل الأزمة موطناً لنحو ثلاثة أرباع فلسطينيي سورية أو يزيد. وعلى الرغم من حضور مخيمات درعا والرمل وحندرات بقوة في مشهد الأزمة، إلا أن التعداد العام لسكان هذه المخيمات يجعل القراءة من خلالها مسألة جزئية بالرغم من أهميتها.

فبالنظر إلى المخيمات الكبرى في دمشق يمكن ملاحظة التراجع الحاد في التعداد السكاني الفلسطيني كما يلي:

مخيم اليرموك من 220 ألفاً بقي داخله نحو 3 آلاف فقط.

مخيم الحسينية من 65 ألفاً، سُمح لنحو 30 ألفاً بالعودة حتى اليوم.

مخيم السبينة من نحو 33 ألفاً، سُمح لـ 3 آلاف فقط بالعودة حتى اليوم، ويتوقع أن يسمح لألفين آخرين. كما أن السماح بالعودة تتم فقط للقسم الجنوبي من المخيم الذي يقترب من الريف الحوراني، وما يزال سكان القسم الشمالي المتصل بأحياء القدم والعسالي القريبة من مركز العاصمة محظرواً عليهم العودة.

لا بدّ من ملاحظة أن أكثر من نصف الفلسطينيين في سورية يسكنون هذه المخيمات الثلاث (بحدود 310 آلاف)، والباقي يتوزع على عشرة مخيمات أخرى، والأحياء والمدن السورية خارج المخيمات.

لقد وصل الوضع الميداني في مخيم اليرموك حيث باتت كل الفصائل المسلحة داخل المخيم بما فيها تنظيم داعش الذي يطلق على نفسه تنظيم الدولة الإسلامية، على استعداد لتوقيع أيّ تسوية للخروج الآمن من المخيم، ولكن كل هذه الاتفاقيات فشلت في التوصل إلى صيغة نهائية، حتى اليوم، دون وجود أسباب جوهرية لذلك. وهذا يضع مستقبل مخيم اليرموك تحديداً (الأقرب لقلب العاصمة؛ ستة كيلومترات) أمام سؤال كبير. وبالرغم من أن مخيم خان الشيح شهد تطورات مأساوية، إلا أن سيطرة سلطات النظام عليه في أواخر سنة 2016 بعد التسوية التي أبرمت مع الجماعات المسلحة والإغاثية داخل المخيم لم تدفع بالمخيم إلى مصير مشابه لمخيمات اليرموك والحسينية أو السبينة، حيث عاد حتى اليوم قرابة نصف سكان المخيم، ورُفعت القيود تقريباً عن النازحين من سكانه في المناطق المجاورة. إن الفارق الجوهري الوحيد بين وضع مخيم خان الشيح ومخيمات جنوب العاصمة (اليرموك، والسبينة، والحسينية) هو موقعه الجغرافي الطرفي، حيث يقع على بعد 25 كم جنوب غرب العاصمة.

خامساً: سيناريوهات المستقبل لفلسطينيي سورية:

الأمر الأهم في تصوراتنا للاحتمالات المستقبلية هو التغيرات الجوهرية التي طرأت على البنية الديموجرافية في مدينة دمشق، حيث يسكن نحو ثلاث أرباع اللاجئين الفلسطينيين، ثلثاهم في المخيمات الثلاث (اليرموك، والحسينية، والسبينة) التي يفرض النظام قيوداً صارمة على عودة أهاليها.
بناءً على ما سبق فإن الاحتمالات قد تنحصر في ثلاثة سيناريوهات:

السيناريو الأول: إعادة توزيع الفلسطينيين في سورية على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“:

وهذا يلبي التطلعات الأمنية للسلطات التي تبدو في دمشق قائمة على أساس وقائع التحولات الديموجرافية التي خلفتها الحرب.

لقد شهدت العاصمة دمشق هجرات واسعة بالاتجاهين، إلى خارج وإلى داخل المدينة، إلا أن عدد سكانها تضاعف تقريباً منذ بداية الأزمة حتى اليوم. ففي سنة 2010 قدر الإحصاء الرسمي للمدينة عدد سكانها بـ 4.4 مليون نسمة، وفي سنة 2016 تضاعف هذا العدد ليصبح 8 ملايين نسمة وفق تأكيدات عضو مجلس محافظة دمشق حسام البيش، وهذا بالرغم من حالة التهجير التي حدثت لسكان المدينة خلال سنوات الحرب (بلغت تقديرات اللاجئين السوريين كافة خارج البلاد 6 ملايين، أي ربع السكان). هذه الزيادة الهائلة في تعداد سكان العاصمة تعني بالضرورة أزمة سكن خانقة (كانت العاصمة تعاني منها قبل الأزمة). وهي أزمة تتناقض بشكل مباشر مع سلوك النظام تجاه مخيمات فلسطينية كبرى في العاصمة ما تزال مساكنها خالية في أجزاء كبيرة منها، على الرغم من الهدوء التام فيها منذ سنة 2013.

إن المخيمات ذات الكثافة السكانية العالية والقريبة من مركز العاصمة والتي تعرضت لتطورات ميدانية خلال فترة الأزمة، قد لا يكون بالإمكان إعادتها كما كانت عليه قبل سنة 2011. وعليه فإن السلوك الحالي للسلطات تجاه هذه المخيمات ومنع أيّ تسويات فيها تسمح بعودة طبيعية للسكان خصوصاً في مخيم اليرموك، قد يعني مشروع إعادة توزيع الفلسطينيين داخل العاصمة بما يخدم الاحتياجات الأمنية للنظام. يقترب هذا الاحتمال مع تسريبات ما تزال تحتاج إلى تأكيد حول مشروع ناقشته محافظة دمشق حول إعادة تخطيط منطقة جنوب العاصمة (جنوب المتحلق الجنوبي) من المنطقة الممتدة من داريا حتى طريق المطار الدولي، وهي منطقة تقع فيها كبرى مخيمات العاصمة التي تعاني من عدم السماح للأهالي بالعودة الطبيعية (اليرموك، والحسينية، والسبينة). إذ تقول التسريبات أن المشروع يهدف لتأمين جنوب العاصمة، الذي كان البوابة الأوسع للاضطرابات العسكرية خلال الأزمة، من خلال إعادتها عمرانياً.

السيناريو الثاني: عودة وضع الفلسطينيين لما سبق سنة 2011:

وهو سيناريو يرى أن قدرة النظام على الصمود ارتكزت أساساً على قدرته على اجتراح جدلية قائمة على تفسير أو تبرير، أحياناً، سلوكه القمعي ارتكازاً على موقفه السياسي الذي يطرح القضية الفلسطينية في صلب خطابه العام.

على الرغم مما يحمله هذا الطرح من موضوعية في تفسير المآلات التي وصل إليها الوضع السوري، إلا أنه يفسر جزءاً يسيراً من النتيجة التي ربما نجحت في صناعة حكاية متداولة في مستوى القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام السوري لا أكثر. ويبقى شكل التحالفات والتحولات الإقليمية وتداعيات الثورة المضادة بعد الربيع العربي وحجم إمكاناتها إطاراً تفسيرياً أوسع مما يمكن اختزاله في الحالة الفلسطينية. خصوصاً بالنظر لما تعرض له الفلسطينيون في سورية حيث وثّقت المؤسسات الحقوقية 3,580 قتيلاً فلسطينياً، تتحمل السلطات مسؤولية وفاة ثلاثة أرباعهم تقريباً، فيما ما يزال ملف أكثر من 1,600 معتقل فلسطيني مجهولاً لديها. ولو نظرنا في بعض التحولات القانونية التي شهدتها المرحلة الماضية، مثل استثناء الفلسطينيين من إعلان توظيف قدمته وزارة التربية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2012، واستثناء الفلسطينيين من الاستفادة من مرسوم الابتعاث العلمي لسنة 2013 كما كان معمولاً به في السابق، فإن كل هذا قد يعني استعداداً حكومياً كبيراً لاتخاذ إجراءات تعسفية بحق الفلسطينيين لإعادة إنتاج وضعيتهم القانونية، كأقلية تحتاج حماية السلطة في أي منعطف.

السيناريو الثالث: تهجير الفلسطينيين من سورية إلى خارج البلاد:

على الرغم من التداول المستمر لهذا السيناريو بشكل شعبوي، وبروز مؤشرات ما في اتجاهه، إلا أن الوقائع بعد ستة أعوام من الحرب لا تكفي للركون لهذا الاحتمال. فبالرغم من الحقيقة التي تقول إن الصراع السوري بات ملفاً إقليمياً ودولياً، ومن الصعب الوصول إلى حلّ كامل بدون نقاش كافة المسائل المرتبطة بوجود الكيان السياسي لنظام سورية المرتبط بفكرة ”القضية الفلسطينية“ وبالتالي قضية اللاجئين الفلسطينيين كجوهر للصراع، فالواقع ما يزال يشير إلى وجود أكثر من 400 ألف فلسطيني داخل سورية. والعدد المهجّر خارج البلاد من فلسطينيي سورية البالغ تقديراً 175 ألفاً يقترب من نسبة المهجرين السوريين التي تبلغ ربع التعداد العام للسكان، وهو مؤشر إلى أن عملية التهجير نتجت عن إجراءات واحدة تخص كل السكان في البلاد. أضف لكل ذلك أن فكرة ”القضية الفلسطينية“ في خطاب النظام شكلت مستنداً لا بدّ من الإقرار بثبوته لدى شريحة ليست قليلة، ولن يتم التخلي عنه إذا أثبت نجاعته.

وعليه، فإن السيناريوهات المحتملة خلال المرحلة المقبلة قد ترجح السيناريو الأول على قاعدة ”فلسطينيون أقل في العاصمة وأكثر في الأطراف“. وهو سيناريو قد يعطي تفسيراً لتباين التعامل العام للسلطات في إعادة المهجّرين الفلسطينيين إلى مخيماتهم المختلفة بعد استقرار وضعها، إذ يُظهر الرصد تساهلاً في السماح بالعودة إلى المخيمات الطرفية مثل خان الشيح في العاصمة، ومخيمات حمص، وحماة، واللاذقية خارج العاصمة. فيما يبدو التشدد واضحاً في مخيمات الخط الجنوبي من العاصمة والتي تقترب من مركز دمشق أكثر من غيرها مثل اليرموك، والحسينية، والسبينة. وبالنظر إلى ما يتردد حول مشروع ”سورية المفيدة“، فإن ”الفلسطيني المفيد“ هو جزء من هذه الرؤية إن صدقت، وستضع الاعتبار الأمني لوجوده من عدمه معياراً للسلوك العام للسلطات في هذا الملف.

سادساً: توصيات ومقترحات:

1. التأكيد دوماً على ضرورة الالتزام بالقانون 260 لسنة 1956 وعدم المساس به في أي تطور لوضع الفلسطينيين في سورية.

2. مع تآكل السيادة الوطنية للدولة السورية، فإن أي تطور على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية ينبغي ألا يكون مسألة سوريّة داخلية، بل لا بدّ من إشراك الفلسطينيين (كافة مستوياتهم) في بلورة مستقبل مخيماتهم في سورية.

3. في ظلّ الانسجام الطارئ بين موقف منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مع النظام السوري، فإن التوافق الفلسطيني – السوري الرسمي قد يبدو متاحاً تجاه أي رؤية مستقبلية. وهذا يطرح مخاطر الاتفاق على شكل يخدم التسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي كانت وما زالت تصطدم بعقبة اللاجئين، خصوصاً كتلة الفلسطينيين في سورية، بحكم الدور والموقف ضدّ التسوية خلال الفترة الماضية. هذا لا بدّ أن يستدعي دوراً للمستويات غير الحكومية فلسطينياً في تقرير أي تطور محتمل.

4. ضرورة أن تولي الجهات الفلسطينية الفاعلة (فصائل ومؤسسات) أولوية لوضع ومستقبل فلسطينيي سورية، والتأكيد على نقطة الحياد التام كمحطة انطلاق في أي نقاش حول المسألة مع الجهات ذات الصلة.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ طارق حمود بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.


لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

>> التقدير الاستراتيجي (103): مستقبل فلسطينيي سورية Word (10 صفحات، 94 KB)

>> التقدير الاستراتيجي (103): مستقبل فلسطينيي سورية (10 صفحات، 559 KB)

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/9/2017