مدة القراءة: 7 دقائق

الصفحات الأولى من “ورقة عمل: موقف إيران و”محور الممانعة” تجاه المقاومة الفلسطينية …  أ.د.طلال عتريسي” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من ورقة العمل … للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (23 صفحة، 590  KB)

ورقة عمل: موقف إيران و”محور الممانعة” تجاه المقاومة الفلسطينية …  أ.د.طلال عتريسي [1] 

تمهيد:

لم تنجح “إسرائيل” في العدوان الذي شنته على قطاع غزة في 7/7/2014 لا في القضاء على حركة حماس ولا على فصائل المقاومة الأخرى. ولم تنجح حتى في تحقيق أيّ من الأهداف التي وضعتها لنفسها في أثناء المواجهات، مثل تدمير الأنفاق أو الحد من إطلاق الصواريخ… .

لذا تعدُّ هذه الحرب فشلاً واضحاً من منظور الأهداف وموازين القوى بين الطرفين حماس وقوى المقاومة الفلسطينية من جهة، والجيش الإسرائيلي من الجهة المقابلة. وما فاقم من هذا الفشل العسكري الإسرائيلي أن الجيش اضطر لأن يستمر في هذه الحرب 51 يوماً دون توقف عمليات قصف وتدمير معظم البنى التحتية في القطاع، والمؤسسات والوحدات والأبراج السكنية، وفي ظلّ استهداف القصف المدفعي والطيران الحربي المدنيين الذين شكلوا النسبة الأكبر من ضحايا هذا العدوان.

أولاً: العدوان فرصة “إسرائيل” السانحة:

لقد حصل العدوان في ظلّ ظروف صعبة ومعقدة وغير مؤاتية بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينية عموماً وبالنسبة إلى حركة حماس خصوصاً. وقد اعتقد “الإسرائيلي” أن هذه الظروف الصعبة هي فرصة ثمينة لشن العدوان ولإضعاف حركة حماس أو القضاء عليها. فعلاقة حماس مع مصر ليست علاقة متدهورة وسيئة فحسب، بل تتعرض حماس لحملة تحريض إعلامية رسمية واسعة ضدها تتهمها بالإرهاب وبتخريب الأمن في مصر. وبسبب هذه التهمة تمّ تدمير القسم الأكبر من الأنفاق التي كانت رئة القطاع الاقتصادية في إدخال المواد التموينية والغذائية ومواد البناء المختلفة، وكانت في الوقت نفسه رئة تهريب السلاح للمقاومة.

وعلاقة حماس مع المملكة السعودية أيضاً سيئة ومتدهورة، ويعود السبب إلى اتهام الإخوان بتأسيس خلايا في داخل المملكة للانقلاب على النظام، وإلى الموقف المشترك السعودي المصري من الإخوان ومن حركة حماس، باعتبارهما طرفاً واحداً له أهداف واحدة وسياسات واحدة. لقد كان الإخوان في موقع الملاحقة في مصر، وقد زجّ بهم في السجون، أما في المملكة فقد وضعوا على لائحة الإرهاب؛ وهذا يعني أن حماس قد تأثرت سلباً بما جرى للإخوان، وخصوصاً أنها فقدت أحد أهم الأوراق الإقليمية التي راهنت عليها في مصر بعدما أسقط نظام الإخوان.

أما على المستوى العربي فلم تكن الأوضاع أفضل حالاً. فالانقسامات في داخل كل بلد، وفيما بين الدول مشتعلة ومتواصلة. والسمة العامة للوضع العربي هي عدم الاستقرار السياسي من جهة، والتوترات الأمنية والاجتماعية من جهة ثانية. كما ترافقت هذه الانقسامات مع حالة غير مسبوقة من العنف الذي تفاوتت قسوته بين بلد وآخر من سورية، والعراق، وليبيا، إلى تونس ومصر… فلا حكومات مستقرة، وصراعات وتنافس دموي، وتفجيرات متنقلة، وانقسام سياسي واجتماعي ومذهبي يعصف بمعظم بلدان المنطقة. وكان من الطبيعي في ظلّ أوضاع متفجرة من هذا النوع وفي ظلّ حالة من عدم الاستقرار ومن الارتباك بعد الربيع العربي، أن يؤدي ذلك كله إلى تراجع الاهتمام بقضية فلسطين. بحيث رأت كل القوى الإسلامية وغير الإسلامية التي برزت بعد الربيع العربي، أو وصلت إلى السلطة، أن أولوياتها هي ترتيب البيت الداخلي، مثل إجراء الانتخابات وتعديل الدستور ووضع البرامج المناسبة لحل الأزمات المزمنة الاقتصادية والاجتماعية، قبل أي أولوية خارجية بما فيها قضية فلسطين… .

في ظلّ علاقات حماس السيئة والصعبة مع كل من مصر والمملكة السعودية، وبرود علاقتها مع إيران أيضاً، وبعدما فقدت موقعها في سورية وغادرت دمشق، ومع فشل التفاهم الفلسطيني – الفلسطيني… رأت “إسرائيل” أن اللحظة باتت أكثر من مؤاتية بعد مقتل ثلاثة مستوطنين، لشن حرب على غزة تنهي معها حركة حماس (المعزولة) وتقضي على المقاومة في القطاع. كما اعتقدت “إسرائيل” أن هذه الأوضاع العربية هي فرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف، طالما أن أنظار الشعوب العربية تتجه إلى تلك الانقسامات ومشغولة بتلك الخلافات، حتى أن إسحق هرتسوغ رئيس حزب العمل الإسرائيلي تحدث ليديعوت أحرونوت في 15/8/2014: “عن حلف في المنطقة يشمل مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والسعودية ودول الخليج…”، ما يعكس تقدير الإسرائيلي لطبيعة التحولات التي تحصل من حول فلسطين، وكذلك للتحالفات التي يمكن أن تضيق الخناق على حماس وعلى المقاومة في فلسطين أو في المنطقة عموماً، لأن الحلف المفترض الذي يتحدث عنه هرتسوغ أو يطمح إليه هو بين أطراف لا علاقة لها بمشروع المقاومة، بل تقف على النقيض من هذا المشروع. ولو لم يكن هذا هو موقفها من المقاومة لما أشار هرتسوغ ولو على سبيل التمني، إلى مثل هذا الحلف بين “إسرائيل” وبين أطراف فلسطينية وعربية. كما عبّر عن هذه الرؤية نفسها للواقع المحيط بحركة حماس بعد يومين على اندلاع الحرب على غزة، عضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية يائير لبيد بقوله: “إن حماس أضعف من أي وقت مضى، وإنه يجب بحث كافة السيناريوهات المحتملة في حال سقوطها ومن سيعبئ الفراغ الذي سيحدثه تطور كهذا…” . حتى أن شيمون بيريز قال بعد نحو أسبوعين على العدوان: “لم يعد هناك عالم عربي معاد لإسرائيل”.

عندما شنت “إسرائيل” الحرب في 7/7/2014 كانت تدرك تماماً تلك المعادلة الإقليمية، وطبيعة الواقع العربي وعلاقات حماس الإقليمية. ومع ذلك، كانت ذريعة الحرب هي الانتقام لمقتل ثلاثة مستوطنين، ثم تطورت لتجعل هدم الأنفاق هدفاً لها، وانتهت بضرورة ما سمته “كيّ الوعي”. والمقصود بهذا “الكيّ” تكرار منهجية التدمير الشامل وارتكاب المجازر بحق المدنيين (نحو عشرة آلاف جريح، و2,174 شهيداً….)، وأن “يعي” قادة المقاومة والجمهور المؤيد لهم حجم الخسائر التي ستلحق بهم جميعاً بسبب هذه المقاومة إذا عادوا إليها مرة ثانية. أي عليهم أن يدركوا تماماً الثمن الباهظ الذي سيدفعوه من أرواحهم وأرزاقهم والذي سيفوق بكثير، وإلى الحد الذي لا يحتمل، أيّ مكسب يمكن أن تحققه المقاومة… .

مهما قيل في أهداف الحرب التي تحقق بعضها، أو لم يتحقق منها أيّ شيء، بحسب وجهات النظر الإسرائيلية وبغض النظر عن البيئة الإقليمية التي حصل فيها هذا العدوان، فإن ما لا يمكن تجاهله أن ما جرى هو جولة في إطار الصراع المفتوح مع الاحتلال. أي أنه ليس نهاية الحرب، وليس نهاية الأهداف مهما كان نوعها، أو مستوى ما تحقق منها. والمقصود من التأكيد على أنها جولة، أنها تأتي بعد جولات عدوان سابقة حصلت على قطاع غزة نفسه في السنوات 2008 و2009 و2012، من أجل القضاء على المقاومة. وهي جولة استناداً إلى الحروب المفتوحة ضدّ الاحتلال منذ سنة 1948… وعندما نقول إنها جولة فللتأكيد على أنها حلقة في سلسلة من العدوان ومن المقاومة، وأن جولات أخرى من المواجهة ستأتي ويفترض الاستعداد لها في الأيام القادمة.

إذاً انتهت هذه الجولة من الحرب والعدوان بفشل إسرائيلي واضح، وبانتصار فلسطيني مقابل؛ حتى أن وزير السياحة الإسرائيلي عوزي لانداو، وبعد نحو شهر على الحرب، رأى “أن العملية العسكرية على غزة لم تحقق حتى هدفاً واحداً” … لأن القيادة الإسرائيلية لم تكن قد حددت أهدافها بوضوح من العدوان؛ ما دعا عضو المجلس الوزاري المصغر يائير لبيد إلى القول بعد أيام على العدوان: “على إسرائيل أن تضع لنفسها أهدافاً استراتيجية بعيدة المدى، وهي نزع السلاح كلياً من قطاع غزة إضافة إلى منع الأنفاق…” .

لقد كتب الكثير عن معجزة الصمود الفلسطيني على الرغم من حجم التدمير الهائل الذي تعرضت له غزة، ما اضطر حتى الأوساط العسكرية والسياسية البحثية والصحفية الإسرائيلية إلى الاعتراف بأن جيشهم عجز عن تحقيق الأهداف.

لكن في نهاية هذه الجولة، وكما يجري في كل المواجهات والحروب المماثلة، يبدأ حساب الأرباح والخسائر وحساب التحالفات ومصادر القوة ونقاط الضعف التي واكبت جولة القتال التي مرت، وكيف سيتم التعامل مع هذه النقاط والمصادر في الجولة المقبلة. وما يعنينا في هذه المسألة هو دور قوى الممانعة في هذه الجولة وما يمكن أن يقوم به هذا المحور في الجولة المقبلة، خصوصاً وأن الإسرائيلي يطمح إلى تشكيل محور عربي يتعاون معه، ويتحدث من جانب آخر عن “عدم وجود عالم عربي معاد لإسرائيل”. فكيف يفترض، والحال هذه، أن تكون علاقة أطراف هذا المحور فيما بينها بعدما كانت هذه العلاقة على غير ما يرام مع حركة حماس في هذه الجولة الحالية من الحرب ومن العدوان على قطاع غزة.

 إن أيّ تأمل فيما جرى بعد الربيع العربي منذ سنة 2011 سوف يبين لنا أن واقع محور الممانعة لم يعد كما كان في السابق، فقد تصدع النظام في سورية وفقد الكثير من أوراق قوته الإقليمية وانصرف إلى معالجة أزمته الداخلية التي تحولت إلى أولوية قصوى، كما خرجت حماس من سورية وانقطعت علاقتها مع النظام، وتراجعت علاقتها مع إيران على قاعدة هذا الخلاف حول الموقف من سورية وما يجري فيها… أي أنه بات لمحور الممانعة سياسات متباينة وعلنية، وليس سياسة واحدة تجاه ما يجري في المنطقة وتجاه أطرافه نفسها. كما باتت حماس أكثر قرباً من النظام المصري بعد حكم الإخوان، بحيث تحولت مصر بموقعها وأهميتها بديلاً محتملاً أو مفترضاً لعلاقات حماس السابقة مع سورية ومع إيران.

وقد رغبت الحركة في نقل مركز ثقلها القيادي من سورية إلى مصر.. إذ كان وصول حركة الإخوان المسلمين إلى الحكم المؤشر الأهم إلى إمكان حدوث تلك الخطوة. كما كان المؤشر الآخر هو قرب مصر جغرافياً من غزة، أهم مراكز قوة الحركة في العالم، الأمر الذي يسهل التواصل بين الجناحين السياسيين الداخلي والخارجي للحركة، كما يفيد جناحها العسكري من حيث سهولة تنقل أفراده إلى العالم. لكن قراءة حماس السياسية لم تكن قادرة على تخيّل عزل الإخوان عن السلطة وعودة المؤسسة العسكرية إلى الحكم… .

ومع هذا التقدير لحركة حماس الذي اختلفت فيه مع تقدير إيران للوضع في سورية، باتت خيارات أطراف محور الممانعة أقل تماسكاً تجاه تحولات الربيع العربي، وخصوصاً تجاه ما جرى في سورية ومصر… .

في مقابل الاختلاف بين أطراف هذا المحور حول تحولات المنطقة بعد الربيع العربي تشكل نواة “محور” آخر بين تركيا وقطر وحركة حماس. لكن أهداف التقارب بين أطراف هذا المحور لم تكن أولوية المقاومة في فلسطين. ولم يقدم هذا المحور نفسه بديلاً عن محور الممانعة في التعامل مع حماس أو مع المقاومة، أو حتى في التعامل مع مشاريع تسوية القضية الفلسطينية، بل كان أطراف هذا المحور أيضاً متناقضين أشد التناقض تجاه قضية المقاومة. ففي الوقت الذي تؤيد فيه قطر وتركيا التسوية والتفاوض مع “إسرائيل” وهي في هذه المواقف أقرب إلى ما يسمى محور الاعتدال (السلطة الفلسطينية، والأردن، ومصر، والسعودية…)، أي المحور الذي يريد رئيس حزب العمل الإسرائيلي إسحق هرتسوغ التحالف معه لتضييق الخناق على حماس وعلى المقاومة…، كانت حماس في موقع آخر الذي هو موقع المقاومة. ومن المعلوم أن حماس ومن هذا الموقع، كانت على خلاف شديد مع السلطة الفلسطينية بسبب أدائها في المفاوضات وفي مشاريع التسوية، وبسبب موقفها السلبي من المقاومة. هذا في حين تحظى هذه السلطة وخياراتها الاستراتيجية بالدعم والتأييد الكاملين من تركيا ومن قطر.

لقد اجتمع هذا المحور في الواقع على قضيتين محددتين:

• دعم الإخوان المسلمين.
• إسقاط النظام في سورية.

أي أن المقاومة في فلسطين أو في المنطقة عموماً لم تكن ضمن أولويات هذا المحور ولا حتى ضمن أهدافه. فالخيارات الاستراتيجية لتركيا وقطر ليست خيار المقاومة. في حين أن دعم الإخوان وإسقاط النظام في سورية كانا أولوية واضحة للدولتين، لحسابات لها علاقة بالأدوار والطموحات الإقليمية، وبالخلافات مع دول إقليمية أخرى مثل الخلاف القطري – السعودي والخلاف التركي مع السعودية ومصر… . في المقابل، كان الأمر على عكس ذلك تماماً مع “محور الممانعة” الذي اختلفت أطرافه مع حماس حول قضيتي الإخوان والنظام في سورية، في حين لم يتبدل موقف سورية وإيران من المقاومة على المستوى الاستراتيجي. علماً بأن إيران كانت من أول من أيّد نظام الإخوان في مصر وأطلق “مرشد الثورة” على ما حصل فيها “الصحوة الإسلامية”، كما تأخرت إيران وترددت كثيراً في الاعتراف بالنظام الجديد في مصر… لكن في واقع الأمر لم يمس هذا الاختلاف حول النظام في سورية أو حول الإخوان اتجاهات هذا المحور من قضية فلسطين ومن المقاومة، ومن دورها وأولويتها في هذه القضية.

[1] عميد معهد الدكتوراه والآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية، حائز على ليسانس في علم النفس من الجامعة اللبنانية، ودكتوراه في علم الاجتماع التربوي من جامعة السوربون في باريس.

النص المعروض هو للصفحات الأولى من ورقة العمل … للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (23 صفحة، 590  KB)