مدة القراءة: 7 دقائق

التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2007 – الفصل الأول: الوضع الفلسطيني الداخلي: شقاء الأشقَّاء

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل الأول … للاطلاع على التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2007 كاملاً اضغط هنا      (385 صفحة، 15.01 MB)

مقدمة:

كانت سنة 2007 سنة “الانقسام السياسي والجغرافي” الفلسطيني، سنةً تجاوز فيها الصراع الفلسطيني الداخلي خطوطه الحمراء، ودخل مرحلة “كسر العظم”. ودلّت سنة 2007 على عمق الخلاف الفلسطيني، وعلى وجود قوى متنفذة لا ترغب في بناء مشروع حقيقي للوحدة الوطنية، كما دلَّت على مدى قوة النفوذ الخارجي في القرار السياسي الفلسطيني.

شهد العام 2007 استمرار المساعي لإفشال حركة حماس، وتوفير المناخ الذي يتيح لحركة فتح أن تعود للإمساك بزمام السلطة، التي فقدتها في الانتخابات التشريعية. وقد تمّ استعمال أوراق كثيرة في سياق الحصار المالي الدولي، وكذلك في سياق الضغط الإسرائيلي المتواصل، بدءاً من الاجتياح والاعتقال والقتل المنظم، وانتهاءً باعتقال نواب حركة حماس، من أجل شلّ قدرتهم على تسيير شؤون المجلس التشريعي وقراراته.

ولكن الورقة الأمنية كانت هي الورقة الأبرز التي تمّ استخدامها. وقد جرى دفع الأمور باتجاه ربط أجهزة الأمن كلها بالرئاسة، ومنع الحكومة من التعامل مع أجهزة الأمن وتوجيهها. وتمت هنا ممارسة سياسة توتيرية، أدت إلى مواجهات متصلة، أوجدت حالة من القلق الذي استدعى تحركاً عربياً ساعياً للتهدئة، تبلور في النهاية في المبادرة السعودية التي أسفرت عن اتفاق مكة، الذي تشكلت على أثره حكومة وحدة وطنية.

شكل اتفاق مكة إنجازاً مهماً، لأنه أوقف المواجهة الدموية، ولأنه كرس الشراكة السياسية الفلسطينية، ولأنه قدم دعماً عربياً لمبدأ الشراكة السياسية. ولكن كل هذه الإنجازات لم تستطع أن توقف سعي القوى الأمنية للسيطرة، خصوصاً قوات الأمن الوقائي، ولا أن توقف تمردها، وعادت المواجهات الأمنية إلى أرض الواقع من جديد، وتمت تغطيتها بحملات إعلامية تتهم “الآخر” دائماً بأنه سبب ذلك التوتر. وقد أدى ذلك إلى إفشال حكومة الوحدة الوطنية أمنياً، وإلى انفجار المواجهة المسلحة، التي انتهت بفرض سيطرة حكومة إسماعيل هنية على قطاع غزة، بينما سيطرت الرئاسة الفلسطينية وحكومة الطوارئ برئاسة سلام فياض على الضفة الغربية. ونشأت هنا حالة انقسام سياسي وجغرافي، تلقتها الرئاسة الفلسطينية، وأتبعتها بسلسلة من الإجراءات الهادفة إلى القضاء على نتائج الانتخابات، والدعوة للتوجه نحو انتخابات جديدة. أما تفاصيل هذه الصورة العامة فقد كانت كما يلي:

مرحلة الاتفاق على وثيقة الأسرى المعدّلة:

بدأ العام 2007، وحالة الخلاف بين حركتي فتح وحماس، وبين الرئاسة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية، مستمرة ومتصلة بأشكال مختلفة؛ فالحصار الذي فرضته “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا تواصل وازداد، بينما تابعت الرئاسة الفلسطينية أسلوب الضغط السياسي على حكومة إسماعيل هنية الأولى، وقد راحت تهدد باللجوء إلى الاستفتاء الشعبي حيناً وإلى الانتخابات المبكرة حيناً آخر؛ وبحجة الحاجة إلى حكومة فلسطينية أخرى من النوع الذي يتيح فكّ حالة الحصار. وذلك من خلال تشكيل حكومة جديدة تقبل بشروط اللجنة الرباعية الدولية (الاعتراف بـ”إسرائيل”، والاعتراف بالاتفاقات الموقعة، والتوقف عن مقاومة الاحتلال). وتخلل ذلك كله عمل منظم، خفي وعلني، يعمل على توسيع إطار الفلتان الأمني، وشلّ قدرة الحكومة مهما كان نوعها، حكومة حماس أو حكومة وحدة وطنية، على ضبط الأمن وتوفير حالة من الأمان تتيح للناس العاديين مواصلة حياتهم العادية.

لقد شهد منتصف سنة 2006، بروز “وثيقة الوفاق الوطني”، التي عرفت باسم “وثيقة الأسرى”، وكانت الرئاسة الفلسطينية تهدد طوال فترة الحوار حول هذه الوثيقة، بالدعوة إلى استفتاء حولها، إذا لم تتمّ الموافقة عليها. وقد أمكن الوصول إلى اتفاق حولها، بعد إدخال تعديلات، قبلتها جميع الأطراف؛ وبرز على أساس ذلك موضوع تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع. غير أنه في النصف الثاني من سنة 2006 ظهر في المقابل تحركان متساوقان؛ الأول: تحرك سياسي من قبل رئاسة السلطة، يهدد بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، وقد تكرر ذلك في تصريحات الرئيس عباس في 21/5/2006، و27/9/2006، و16/12/2006، و19/1/2007 . والثاني: تحركٌ أمني مكثف، زاد من حالة الفلتان الأمني، اندفع إلى واجهته اسم محمد دحلان الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي.

وبسبب المواجهات المسلحة، وسقوط قتلى وجرحى من الطرفين، شهد مطلع العام 2007 لقاءين متتاليين في غزة، بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية. وأعلن هنية أنه اتفق مع الرئيس على سحب المسلحين من شوارع غزة، وأنهما أكدا على ضرورة استمرار الهدوء؛ بينما لم يُدلِ الرئيس عباس بأية تصريحات بعد هذه الاجتماعات، ولكن حركة فتح أصدرت بياناً تجاهل الدعوة للتهدئة وقال “الدم بالدم، والعدوان بالعدوان، … وعلى الجميع من أبناء الحركة الرد على كل اعتداء بشكل مفتوح” .

وكانت تقف في خلفية هذه الأحداث قضيتان؛ الأولى: إقدام الإدارة الأمريكية على تخصيص مبلغ 86.4 مليون دولار لدعم قوات حرس الرئاسة الفلسطينية، وذكرت وثيقة أمريكية أن الجنرال كيث دايتون Keith Dayton منسق الأمن الأمريكي بين “إسرائيل” والفلسطينيين، يشرف على تنفيذ برنامج لدعم وإصلاح عناصر قطاع الأمن الفلسطيني، التي تسيطر عليها رئاسة السلطة الفلسطينية . أما النقطة الثانية: فهي الخلاف المتصل بين الرئاسة والحكومة حول تشكيل “القوة التنفيذية” التي يشرف عليها وزير الداخلية سعيد صيام، والتي أصبحت منذ تشكيلها هدفاً لهجمات أجهزة الأمن الفلسطينية التابعة للرئاسة في غزة. وتماشياً مع هذا الموقف أصدر مكتب الرئيس عباس في 6/1/2007 قراراً يَعدُّ “القوة التنفيذية، ضباطاً وأفراداً، غير شرعية، وخارجة على القانون، وسيتمّ التعامل معها على هذا الأساس، ما لم يتمّ دمجها فوراً في الأجهزة الأمنية الشرعية المنصوص عليها في القانون الأساسي” . وقد زاد هذا القرار من حدة التوتر الأمني، كما زاد من المواجهات الأمنية بين الطرفين، وساد مناخ سياسي يقلل من فرص التوصل إلى اتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية، بل ويتخوف من احتمال مواجهة أمنية شاملة.

ودفع كلاً من أحمد بحر، رئيس المجلس التشريعي بالنيابة، وإبراهيم أبو النجا، أمين سر لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية، إلى إطلاق جولة جديدة من الحوار الهادف إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية . وقال الرئيس عباس إنه ما زال يحتفظ بهامش لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ولكنه مصمم على اللجوء للانتخابات المبكرة في حال إخفاق هذا المسعى

في جو هذا السجال، أقامت حركة فتح مهرجاناً مركزياً في ملعب اليرموك في غزة في 7/1/2007، احتفالاً بذكراها السنوي، وتزعمه النائب محمد دحلان. وقد توعد دحلان في المهرجان قادةَ حركة حماس بأنهم لن يكونوا “بمنأىً عن قوتنا”، واصفاً حركة حماس بأنها “عصابة”، وقال “إذا اعتدي على فتحاوي سنرد الصاع صاعين”. ورد ناطق باسم حماس على تهديدات دحلان قائلاً إنه يعمل لصالح أجندة أمريكية – إسرائيلية ، بينما قال مصدر مقرب من هنية، رئيس الوزراء، “إن دحلان يسعى للسيطرة على فتح… ويعمل من أجل ترتيب أوضاعه الخاصة وفق أجندات يعلمها الجميع”، وقال إن الأجهزة كلها ترفض التعاون مع وزير الداخلية سعيد صيام .

وخوفاً من انفجار هذا الوضع المتوتر بادرت الفصائل الفدائية للتسريع في عقد جلسات للحوار (الشعبية)، ولبحث وثيقة تحمل عنوان “مبادئ عامة لإنهاء الفلتان الأمني، واستئناف الحوار الوطني، لتشكيل حكومة وحدة وطنية” . ولكن جلسة الحوار الفاعلة عقدت في دمشق بعد وصول موفدَين إليها لتهيئة الأجواء، وهما زياد أبو عمرو وخالد سلام (المعروف بمحمد رشيد)، كما انضم إليهما وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، أحمد عبد العزيز آل محمود، حيث سعوا للتمهيد للقاء المنتظر بين الرئيس عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس . كانت مواضيع الوساطة الرئيسية تتركز حول الأمور التالية:

1. رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، هل تكون لحركة حماس صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي، أم تكون لشخص مستقل لإرضاء اللجنة الرباعية الدولية؟.
2. كتاب التكليف، وماذا سيتضمن، على صعيد الاعتراف بشروط اللجنة الرباعية، وهل سيكون برنامج الحكومة متفقاً مع مواقف كتاب التكليف، أم متحفظاً عليها؟.
3. وزارات السيادة (الخارجية، والداخلية، والإعلام، والمالية) هل ستكون كلها لحركة حماس؟ أم سيكون جزء منها لحركة حماس، أم ستسند إلى مستقلين، وباتفاق بين الطرفين حول أسمائهم؟.

وبلور وفد الوساطة في دمشق اتفاقاً حول الحكومة المنشودة، يقوم على قاعدة ترشيح مستقلين للوزارات السيادية، تختار حماس بعضهم، وتختار حركة فتح بعضهم الآخر، ومن دون أن يتمّ الاتفاق على الأسماء. وتطرق عرض الوساطة هذا إلى اقتراح حلّ وسط يتعلق بمضمون كتاب التكليف لردم الفجوة في الموقف بين الرئاسة والحكومة، كما تطرق العرض إلى اقتراح تشكيل مجلس أمني جديد، والبحث في إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية .

رافق نشاط وفد الوساطة القطري في دمشق، قراراً من نوع خاص اتخذه الرئيس عباس، ولكنه أوجد حالة من الشكّ وعدم الاطمئنان خيّما على الخلاف السياسي. القرار هو تعيين محمد دحلان قائداً أعلى لجميع أجهزة الأمن الفلسطينية. وقد تمّ الكشف عن هذا القرار بداية في الصحف الإسرائيلية ، وأوضحت جريدة معاريف Maariv أنه تمّ تسليم التعيين لدحلان شفهياً. وقد أثار هذا النبأ مخاوف الكثيرين، وفي مقدمتهم حركة حماس ووزير الداخلية سعيد صيام، خصوصاً وأن هذا التعيين مخالف للقانون الذي يمنع الجمع بين عضوية المجلس التشريعي وأية وظيفة تنفيذية أخرى. وفي جو القلق من هذا التعيين، وصل الرئيس عباس إلى دمشق يوم 20/1/2007، واجتمع مع الرئيس بشار الأسد، وكان المرجو أن يقود هذا الاجتماع إلى دور سوري يسهل نجاح الوساطة بين فتح وحماس، خلال اللقاء المنتظر بين عباس ومشعل. وصدر بعد لقاء عباس – الأسد تصريح رئاسي يدفع بهذا الاتجاه، وقال التصريح إن الرئيس الأسد شدد على “ضرورة تماسك الشعب الفلسطيني… ووجوب نبذ الاقتتال وتعزيز اللحمة الوطنية، واعتماد لغة الحوار كلغة وحيدة بين الفصائل الفلسطينية للوصول إلى حكومة وحدة وطنية”.

وأضاف الرئيس السوري إن بلاده “تدعم كل ما يتفق عليه الفلسطينيون، ومستعدة لتقديم المساعدة في هذا الصدد” . وكان مأمولاً بعد ذلك أن يتمكن وفد الوساطة الفلسطيني من بلورة بنود الاتفاق، بحيث يتكلل اللقاء بين عباس ومشعل بالنجاح الكامل. ولكن الأمور لم تسر بهذا الاتجاه، وكان هناك خلاف أساسي حول كتاب التكليف الذي سيرسله الرئيس عباس إلى رئيس الوزراء المكلف، وصيغة ردّ رئيس الوزراء عليه. فبينما كان الرئيس عباس يريد صيغة “تلتزم” فيها حكومة برئاسة حماس بقرارات منظمة التحرير الفلسطينية، وبالاتفاقات الموقعة، وبقرارات القمم العربية، وبقرارات الشرعية الدولية، وبقرارات المجالس الوطنية الفلسطينية؛ كانت حركة حماس تقترح صيغة “احترام” هذه القرارات كلها، وبين كلمة “الالتزام” وكلمة “الاحترام” فشلت الوساطة، ولم يتمكن عباس ومشعل من عقد اللقاء المنتظر بينهما.

وبالرغم من أن الخلاف يبدو بسيطاً حول كلمة واحدة، إلا أنه خلاف جدي وعميق ويتعلق بمنهجين سياسيين مختلفين، ليس من السهل كسر أحدهما لصالح الآخر، إلا من خلال صيغة توافقية. وتشير التصريحات المنسوبة إلى الرئيس عباس إلى أنه كان يدرك طبيعة الخلاف وعمقه؛ فالتصريحات كانت تقول على لسانه “أريد حكومة يقبلها العالم وترفع الحصار”، وهو ما يعني قبول شروط اللجنة الدولية الرباعية، التي رفضتها حركة حماس منذ اللحظة الأولى، إضافة إلى أنها تتناقض مع كل نهجها السياسي. ونقل عنه أيضاً تصريح آخر يقول فيه “إن الأمريكيين لن يقبلوا كلمة احترام” . وحين تأكد أن الاجتماع لن يعقد بين عباس ومشعل، تدخلت دمشق بقوة رافضة أن تكون العاصمة التي يتكرس فيها الخلاف الفلسطيني، وضغطت على الطرفين من أجل عقد لقاء بينهما يتمحور حول أربعة مبادئ هي؛ رفض الاقتتال الداخلي، والتمسك بالوحدة الوطنية الفلسطينية، ورفض الدولة الفلسطينية المؤقتة، واستمرار الحوار للتوصل إلى حكومة وحدة وطنية … وهو ما تمّ بالفعل.

حين وصلت أصداء حوارات دمشق إلى غزة، قال مسؤول في الجبهة الشعبية، وهو ناشط في ترتيب الحوار بين فتح وحماس “إن فشل لقاء عباس – مشعل لن يؤثر على ما يتمّ إقراره في الداخل في مسألة بدء الحوار الوطني”. وكانت الجبهة الشعبية نجحت خلال أربعة لقاءات عقدتها مع كل من فتح وحماس في إقناع الفريقين في العودة إلى مائدة الحوار، وشارك في هذه اللقاءات قياديون من الجهاد الإسلامي، ورئيس المجلس التشريعي بالوكالة أحمد بحر، وأمين سرّ لجنة المتابعة العليا إبراهيم أبو النجا، وتمخض الاجتماع الرابع في 20/1/2007، الذي دام خمس ساعات عن اتفاق على استئناف الحوار، وتفعيل المكتب المشترك الفتحاوي – الحمساوي، وكذلك تفعيل اللجنة الإعلامية المشتركة بين الحركتين. وقد انعقد اجتماع الحوار فعلاً يوم 23/1/2007، من أجل البحث في النقاط التي ما زالت عالقة في الحوار، الذي بدأ قبل أكثر من ثمانية أشهر في غزة ورام الله، وانتهت آخر فصوله في دمشق، وركز على ضرورة وقف كل أشكال الاعتداء وردود الأفعال السلبية .

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل الأول … للاطلاع على التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2007 كاملاً اضغط هنا      (385 صفحة، 15.01 MB)