مدة القراءة: 8 دقائق

تقدير استراتيجي رقم (36) – آب/ أغسطس 2011.

ملخص:

شعر قادة الكيان الإسرائيلي بخيبة الأمل جراء إعلان اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، الأمر الذي دفع حكومة نتنياهو للمبادرة إلى اتخاذ سلسلة إجراءات عقابية ضد السلطة في الضفة الغربية والتهديد باتخاذ إجراءات إضافية تكون أكثر شدة وقسوة على قادة السلطة وعلى الحياة العامة للفلسطينيين في الضفة والقطاع، على حد سواء.

وبموازاة ذلك، أطلق الجانب الإسرائيلي حملة دبلوماسية لإظهار “مخاطر” المصالحة في صورتها الحالية على “إسرائيل”، والمطالبة بضرورة “التزام” حكومة التوافق بشروط اللجنة الرباعية وفي مقدمتها الاعتراف بـ”إسرائيل”.

ما بين السلوك الإسرائيلي وأداء السلطة من المتوقع أن يتراوح موقف حكومة نتنياهو ضمن الاحتمالات التالية:

1. تشديد الإجراءات العقابية وتنفيذ أعمال عسكرية وأمنية ضد الفلسطينيين، فيما لو تمت ترجمة المصالحة على أرض الواقع.

2.
القيام ببعض الإجراءات التنغيصية وتشويش الحياة العامة للفلسطينيين، في حال تم تنفيذ بعض ملفات المصالحة بشكل جزئي.


3.
بقاء الإجراءات الإسرائيلية في الضفة والقطاع على حالها واستمرار الأمر الواقع، خصوصاً إذا بقي الاتفاق حبراً على ورق.

مقدمة:
بعد مضيّ أربعة أشهر على توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية ما تزال اتجاهات الموقف الإسرائيلي بالغة التشدد والسلبية تجاه التطور الأهم فلسطينياً، خلال الأعوام الأربعة الأخيرة على حالها، وإن بدا أن تعثر تطبيق التوافق الفلسطيني الداخلي قد نزع الاحتقان الإسرائيلي العارم، ولو مؤقتاً، وأدخل تجسيدات السلوك الإسرائيلي المعلن تجاه السلطة الفلسطينية والوضع الفلسطيني العام طور التجميد الظرفي المرتبط بمدى تطور مسار المصالحة وانطلاق عجلتها وطبيعة الملفات والقضايا المتفاعلة فيها.

ولعل تشعّبات وتعقيدات الحالة الفلسطينية الداخلية التي تمخضت عن مصالحة ليس لها من الواقع نصيب إلاّ اسمها وشكلها، باستثناء بعض الإجراءات الفرعية هنا وهناك، تملي علينا البحث في طبيعة وآفاق السلوك الإسرائيلي المتوقع تجاه ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية، وخصوصاً في ظل اقتراب ما تسميه السلطة “استحقاق أيلول” الذي يستهدف تحصيل عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وما يمكن أن يحمله ذلك من تطورات وانعكاسات على الواقع الفلسطيني الداخلي لجهة تكريس التوافق الفلسطيني، ودفع عجلة المصالحة الداخلية بين حركتي فتح وحماس إلى الأمام.

طبيعة الموقف الإسرائيلي:

 شكل اتفاق المصالحة الفلسطينية صدمة للكيان الإسرائيلي، بكافة مؤسساته السياسية والأمنية والعسكرية، وخصوصاً لحكومته التي فوجئت بإعلان الاتفاق.

ويمكن القول إن المواقف الإسرائيلية إزاء اتفاق المصالحة الفلسطينية توزعت على مستويات ثلاث:

المستوى الأول: يتزعمه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأفيغدور ليبرمان وزير خارجيته، والعديد من الوزراء وقادة الأحزاب الإسرائيلية، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات عقابية فورية ضد السلطة الفلسطينية في رام الله لإجبارها على التراجع عن اتفاق المصالحة مع حركة حماس.

وكان لافتاً أن التوتر السياسي – الذي أرخى بظلاله على المشهد الإسرائيلي الرسمي عقب إعلان نبأ إنجاز المصالحة- قد تجلى أوضح ما يكون في تصريحات نتنياهو الذي خيّر أبا مازن رئيس السلطة بين تحقيق السلام مع “إسرائيل” أو المصالحة مع حماس، وتصريحات ليبرمان الذي وجّه أشدّ تهديداته وتحذيراته للسلطة وقادتها، مروراً ببعض الوزراء وقادة الأحزاب والقادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين الذين عبروا عن خيبة أملهم لما جرى.

المستوى الثاني: وهو اتجاه يتبناه بعض وزراء الاحتلال وعدد من قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويدعو إلى الانتظار إلى مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية التوافقية، ومعرفة برنامجها السياسي، وكيفية تعاطيها مع القضايا الهامة والاستحقاقات الأساسية، وعلى رأسها الموقف من “إسرائيل”، والتنسيق الأمني، وسلوكها الميداني. بشكل يتسم بالتأني والتريث قبل اتخاذ أية مواقف حاسمة ونهائية؛ ويطرح شروط الرباعية كأساس لقبول أي حكومة فلسطينية قادمة.

المستوى الثالث: ويمثله بعض السياسيين والمسؤولين السابقين، ومراكز الأبحاث والدراسات والخبراء والأكاديميين، ويدعو هؤلاء إلى عدم التدخل في اتفاق المصالحة، ويعتقدون أن الخلافات بين حركتي حماس وفتح عميقة وكفيلة بانهيار الاتفاق بين الجانبين نظراً لاختلاف البرنامج السياسي لكل منهما، ويرون أن التدخل أو الضغط الإسرائيلي يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، وأن يساعد الطرفين على تجاوز الخلافات وتحقيق المصالحة بدلاً من انهيارها.

ومع ذلك، ينبغي التنويه إلى أن الموقف الإسرائيلي الرسمي قد التزم الصمت والهدوء النسبي الذي استتبع موجات المواقف العنيفة والمتشددة إثر توقيع اتفاق المصالحة، وذلك إثر الإخفاق الفلسطيني في تشكيل الحكومة التوافقية المنشودة، وبالتالي تجميد الإجراءات الإسرائيلية العقابية التي هُدّدت بها السلطة، وربطها بمدى تقدم مسار المصالحة وملفاتها الأساسية.    

بواعث الموقف الإسرائيلي:

تنطلق حكومة الاحتلال في مواجهتها لاتفاق المصالحة الفلسطينية من البواعث والأسباب التالية:

1. تعطيل مخططاتها وحرمانها من المكاسب الاستراتيجية التي حققتها خلال فترة الانقسام الفلسطيني، من قبيل:

– سحب ذريعة الاحتلال حول مقولة عدم وجود شريك فلسطيني، إذ طالما تذرعت “إسرائيل” بالانقسام الفلسطيني، وعدم قدرة رئيس السلطة أبو مازن على بسط سيطرته على قطاع غزة.
–  ضرب الوحدة السياسية والجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الأمر الذي تحقق من خلال الانقسام.
– تعزيز وتطوير التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة، حيث حقق التنسيق الأمني في فترة الانقسام مستويات ومعدلات غير مسبوقة.
– تمكين “إسرائيل” من الاستفراد بالضفة والقطاع كلاً على حدة. فلا يخفى أن “إسرائيل” استطاعت فرض قواعد لعبة جديدة في الضفة والقطاع، بحيث تمكنت من تحييد الضفة وتوظيف أجهزة أمن السلطة لحماية أمنها وضرب المقاومة فيها، كما تمكنت من فرض واقع الحصار على غزة وتقييد المقاومة فيها.

2. تقوية الموقف الفلسطيني وإضعاف الموقف الإسرائيلي دولياً. فلا ريب أن توحيد الصف الفلسطيني، وبلورة مقاربات سياسية توافقية متوازنة على الساحة الفلسطينية، من شأنه أن يعضد الموقف الفلسطيني ويزيد من فرص تغلبه على الموقف الإسرائيلي على الحلبة الدولية، وخصوصاً في ظل القناعة المتزايدة لدى كثير من دول العالم بضرورة وضع حد للتغول الإسرائيلي على حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.

3. تعبيد الطريق نحو شرعنة حماس دولياً. وتتأسس مخاوف الاحتلال على إمكانية أن يشكل اتفاق المصالحة جسراً لمنح حماس شرعية سياسية على المستوى الخارجي، ويعتقد أن البراغماتية والنضج السياسي الذي تبديه حماس، وتبنيها نظرية التهدئة الميدانية وترشيد المقاومة، كفيل بتطوير العديد من المواقف الأوروبية الداعية إلى الحوار مع حماس، تمهيداً لكسر الحظر السياسي عنها.

4. تهيئة الأجواء الفلسطينية الداخلية تجاه تفجير انتفاضة فلسطينية ثالثة. فالواضح تماماً أن استعادة زمام التوافق الوطني بين حركتي حماس وفتح، من شأنها رفع الحظر عن انخراط عناصر الحركتين في الفعاليات الوطنية الميدانية التي منعوا منها سابقاً بسبب الانقسام، فضلاً عما توفره المصالحة من إعادة ترميم البنية النفسية للفلسطينيين، التي تعيدهم إلى ممارسة دورهم الكفاحي، وهو ما يوفر الأساس الذاتي لاندلاع انتفاضة جديدة ثالثة في وجه الاحتلال وإجراءاته القمعية ومخططاته العنصرية.

سبل إحباط المصالحة:

تأسيساً على ما سبق، فإن المخطط الإسرائيلي الرسمي -الذي حيكت بنوده وتفاصيله عقب توقيع اتفاق المصالحة- ينص على استخدام كل وسائل وأساليب الضغط المتاحة لإجبار السلطة على الانكفاء والتخلي عن توافقاتها مع حماس.

ولا يعني تجميد الإجراءات العقابية ووسائل الضغط، التي سنعرض لها أدناه، إثر توقف مسيرة المصالحة عند نقطة تشكيل الحكومة، أن هذه الإجراءات قد تم إلغاؤها تماماً من الأجندة الإسرائيلية، فهي تبقى جاهزة للتطبيق بحسب التطورات.

ويشتمل المخطط الإسرائيلي الذي يستهدف إحباط المصالحة على وسائل الضغط التالية:

أولاً: الضغط الدبلوماسي: فقد أطلقت “إسرائيل” حملةً دبلوماسيةً واسعةً على المستوى الدولي لإظهار المخاطر والتهديدات التي يحملها اتفاق المصالحة الفلسطينية على واقع الأمن والاستقرار في المنطقة، وعلى مسيرة التسوية والمفاوضات.

وتبلورت الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية في إطار زيارات وحلقات تواصل مكثفة مارستها وزارة الخارجية الإسرائيلية والساسة الإسرائيليون لضرب المنجز الفلسطيني الجديد، وتشويه صورة التوافق الحاصل فلسطينياً، وتأليب العالم على السلطة بهدف إجبارها على التراجع عن المصالحة في مواجهة الضغط الدولي.

ثانياً: الضغط السياسي: إذ لم تتأخر حكومة الاحتلال عن طرح واستحضار شروط الرباعية المعروفة وإلقائها في وجه الفلسطينيين، وحثّ العالم على رهن قبوله للتعامل مع الحكومة الفلسطينية القادمة بالتزامها الكامل بشروط الرباعية القائمة على الاعتراف بـ “إسرائيل”، ونبذ العنف، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة.

ويشاطر الموقف الإسرائيلي بعض المواقف الهامة الأخرى، وعلى رأسها الموقف الأميركي وبعض المواقف الأوروبية، التي لا تبدي استعداداً للتعامل مع أي حكومة فلسطينية جديدة إلاّ تحت مظلة شروط الرباعية.

ثالثاً: الضغط الاقتصادي: لا شك أن السلوك الاقتصادي الضاغط على الفلسطينيين يشكل أهمية فائقة في سياق المخطط الإسرائيلي لكبح عجلة المصالحة الفلسطينية.

الخطوة الأولى كانت التهديد بتجميد عائدات الضرائب الفلسطينية، ومن ثم تجميدها فعلياً، قبل أن تَفُكَ حكومة الاحتلال الحظر عنها إثر انكفاء مسيرة المصالحة.

كما خططت حكومة الاحتلال لوقف التعامل مع البنوك الفلسطينية، وفرض قيود على حرية الحركة في الضفة الغربية لضرب عمل المرافق الاقتصادية وتراجع معدلات النمو، إلى جانب المس بالعمل في الكثير من المشاريع الإنشائية ومشاريع البنى التحتية التي شُرع فيها في كثير من مناطق الضفة.

ويتضمن المخطط أيضاً العمل على تعطيل الشاحنات التجارية وإدخال البضائع عبر المعابر التجارية، وتخفيض عدد تصاريح العاملين داخل الخط الأخضر كي يجدوا أنفسهم بلا عمل، ويشكلوا ضغطاً على السلطة.

رابعاً: الضغط الأمني: لم تتوقف حكومة الاحتلال يوماً عن استخدام الورقة الأمنية في وجه السلطة، ففي الوقت الذي تستشعر فيه تقصيراً أمنياً فلسطينياً لا تتوانى عن الأخذ بزمام المبادرة وممارسة العمل الأمني بنفسها عبر عمليات ميدانية تستبيح فيها أي منطقة تشاء في طول الضفة الغربية وعرضها، وتمارس خلالها ما تريد من اغتيال أو اعتقال.

ومع ذلك ينبغي التأكيد أن استخدام هذه الورقة مرتبط أساساً بطبيعة السلوك الأمني الفلسطيني، ومدى التزامه بالتنسيق الأمني. وحتى اللحظة لم تصدر أية إشارة من السلطة حول إمكانية تعديل مسار التعاون الأمني أو تخفيف وتيرته مع الاحتلال، ما يجعل العمل الأمني الإسرائيلي قاصراً على مجموعة من الإجراءات المشوشة على المصالحة، وأهمها إعادة اعتقال نواب حماس في الضفة، وتوظيف قادة وكوادر الأجهزة الأمنية للسلطة لمزيد من التشديد على عناصر حماس وأنصارها في الضفة، تضييقاً واستدعاءً واعتقالاً، وتفعيل دور العملاء لمواصلة بث روح الفرقة واليأس والتخذيل بين أبناء الشعب الفلسطيني.

خامساً: الضغط الميداني: ويتمثل في نشر مئات الحواجز في جميع مناطق الضفة الغربية، وتعطيل أعمال الفلسطينيين، وإطلاق يد المستوطنين والسماح لهم بالتظاهر عند مداخل الضفة وفي شوارعها الرئيسة، وإغلاق الطرق هناك، وذلك بهدف الاعتداء على الفلسطينيين وزيادة المعوقات الحياتية والعراقيل الميدانية أمامهم وتحويل حياتهم إلى جحيم.

سادساً: الضغط الشخصي: تدرك قيادات السلطة أن أي مواجهة حقيقية أو تحدّ فعلي لإرادة الاحتلال كفيل بإفقادهم كافة المزايا والتسهيلات الشخصية التي حصلوا عليها، ومنها حرية التنقل عبر بطاقة (VIP).

لذا، لم يكن مستغرباً أن يجاهر ليبرمان بتحذيره بسحب هذه البطاقات وإلغاء كل التسهيلات الممنوحة لقيادات السلطة حال إتمام المصالحة، بل إن ليبرمان ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حين هدد بحبس أبي مازن في الضفة وتقييد حركته فيها، في رسالة واضحة لقيادات السلطة تؤكد أن حق “المنع” و”المنح” إسرائيلي بامتياز.

سيناريوهات المستقبل:

لا تكاد تخرج السيناريوهات المتوقعة للسلوك الإسرائيلي في مواجهة المصالحة الفلسطينية واستحقاقاتها عن أحد السيناريوهين التاليين:

السيناريو الأول: سيناريو نجاح حركتي حماس وفتح في تشكيل حكومة توافقية في مرحلة ما بعد أيلول/ سبتمبر المقبل، الذي تنوي السلطة فيه طلب تقديم عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

ووفقاً لهذا السيناريو يمكن أن يقود نجاح الفلسطينيين في تأليف الحكومة إلى أحد مسارين:

المسار الأول: حدوث تغييرات، بشكل أو بآخر، بدرجة أو بأخرى، مصاحبة أو لاحقة لتشكيل الحكومة، من قبيل وقف الاعتقال السياسي في الضفة، وإعادة إحياء نشاط حماس وبُناها ومؤسساتها هناك، وتخفيف وتيرة التنسيق الأمني.

وها هنا فإن السلوك الإسرائيلي المتوقع سوف يكون قاسياً لجهة اتخاذ إجراءات قوية وفرض عقوبات مشددة باتجاهين، الأول نحو السلطة، يتراوح سقفها ووتيرتها بحسب درجة التغيير المرتبطة بموقفها، ولا شك أن وقف عائدات الضرائب ستكون في مقدمتها، ولن تكون الضغوط الميدانية والأمنية وتكثيف عمليات التوغل والاستباحة لمناطق الضفة إلاّ جزءاً أساسياً منها. أما الثاني باتجاه حماس وقطاع غزة، ويتمثل في تشديد إجراءات الحصار بطريقة تحبط أمنيات الفلسطينيين من توقع تخفيف الحصار أو كسره، وتفعيل دور العملاء في تنفيذ عمليات أو اغتيالات، وتنفيذ ضربات جوية أو توغلات محدودة؛ سعياً لإيجاد أجواء لحرف مسارات المصالحة وتبديل أولويات الساحة الفلسطينية.

ومن واقع استقراء مواقف السلطة وخريطة سلوكها العام يمكن القول إن هذا المسار لا يحظى بأرجحية واقعية، أو لا يملك رصيداً كبيراً يؤهله لملامسة الواقع خلال المرحلة القادمة. 

المسار الثاني: أن لا تطرأ أية تغييرات جوهرية على خريطة الوضع الفلسطيني العام والعلاقة مع الاحتلال. وفي هذه الحالة فإن السلوك الإسرائيلي لن يتغير كثيراً ولربما يبقى على ما هو عليه في إطار العلاقة الحذرة مع السلطة القائمة حالياً، أو يبادر إلى اتخاذ إجراءات تنغيصية للتشويش على واقع الحكومة الجديدة، لكنها تبقى رغم ذلك محدودة وتكتيكية وبعيدة عن النزعة الاستراتيجية.

ومما يبدو فإن هذا الاحتمال يبدو أكثر واقعية من سابقه، وأكثر ترشيحاً للنجاح فلسطينياً بحسب المعطيات الراهنة.

السيناريو الثاني: سيناريو فشل حركتي حماس وفتح في تشكيل الحكومة، واستمرار الوضع على حاله الراهن.

ويرتكز هذا السيناريو على صعوبة إحداث اختراق في أي من الملفات الأساسية للمصالحة، دون أن يعني ذلك غياب إمكانية تحقيق “لفتات” أو بوادر حسن نية على طريق المصالحة، وخصوصاً في جانبها الاجتماعي، إلاّ أنها تبقى دائرة في إطار الجزئيات والفرعيات التي لا يُعوَّل عليها كثيراً طالما تعمل بعيداً عن الأصول والكليات.

ويستتبع هذا السيناريو بقاء السلوك الإسرائيلي الحالي دون أي تغيير، مما يبقي شكل العلاقة مع الاحتلال واتجاهاتها رهناً للتطورات السياسية والميدانية المختلفة.

ومع ذلك، فإن المعطيات المختلفة تشير إلى ضعف إمكانية تحقيق هذا السيناريو في مرحلة ما بعد أيلول/ سبتمبر، وخصوصاً أن العجز المتوقع للسلطة عن تحقيق إنجاز لافت في الأمم المتحدة حينها، بحكم العضوية المنقوصة للدولة نتيجة لاستخدام الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي، كما هو متوقع، سوف يدفعها لا محالة إلى حسم تباطئها في قضية تشكيل الحكومة وإنهائها في أسرع وقت.

مقترحات وتوصيات:

في مواجهة السلوك الإسرائيلي الذي يستهدف إحباط المصالحة الفلسطينية، يمكن الإشارة إلى المقترحات والتوصيات التالية:

1. تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا على سائر الحسابات الضيقة والاعتبارات الحزبية، عبر إنجاز تشكيل الحكومة التوافقية في أقرب وقت ممكن، وعدم رهنها بالضغوط الإقليمية والدولية.


2.
التنفيذ الدقيق والتطبيق الأمين لكافة ملفات المصالحة، والبدء في تنفيذها عبر آلية معالجة جديدة تسمح بإنجازها على التوازي وليس على التوالي، بهدف تجاوز أية عثرات أو عراقيل قد تطرأ على أي ملف من الملفات.


3.
العمل على إيجاد مصادر تمويل ذاتية بديلة عن التمويل الدولي المسيّس، وذلك من خلال إنشاء ورعاية مشاريع اقتصادية وصناعية داخل فلسطين وفي دول عربية وإسلامية مختلفة.


4.
توجيه رسالة حازمة لحكومة الاحتلال، تضع كل ما يختص بالعلاقة معها في إطار التبادلية والندية الكاملة، وربط أي تصرف أو إجراء إسرائيلي عدائي بتصرف وإجراء فلسطيني مقابل.


5.
إطلاق الحريات العامة والخاصة في مناطق السلطة، والسماح بالتظاهرات والفعاليات الجماهيرية التي تعبّر عن حقيقة التوجه الفلسطيني الشعبي نحو المصالحة، بما يسهم في إيصال الموقف الفلسطيني بكل شفافية ووضوح إلى العالم الخارجي، ويدفع باتجاه فهم أكبر لطبيعة الوضع الفلسطيني الداخلي، وبالتالي تقليل حجم ومستوى الضغوط الممارسة على السلطة حيال المصالحة.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ مؤمن بسيسو بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 24/8/2011