مدة القراءة: 5 دقائق

استضاف منتدى الأربعاء في مؤسسة الإمام الحكيم المدير العام لمركز زيتونة للدراسات الدكتور محسن صالح في حوار تحت عنوان ” الديمقراطية والإصلاح في ظل سلطة الاحتلال” بحضور حشد من الشخصيات والفعاليات الدينية والسياسية والثقافية اللبنانية والعراقية.

قدم الندوة وأدارها المحامي الأستاذ بلال الحسيني الذي شرح مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان انطلاقاً من المواثيق الدولية وأكد أن حقوق الإنسان ضرورية للديمقراطية وأنه في حالة الواقع الفلسطيني هناك انتهاك كبير لحقوق الإنسان سواء بسبب الاحتلال الصهيوني أو بعض الأوضاع الداخلية وأضاف ” أن العقبات التي تواجه حقوق الإنسان في فلسطين كثيرة وعديدة ومنها الاحتلال والفساد واختصار السيادة والعقاب الجماعي ، فهل يوجد ديمقراطية حقيقية في فلسطين وهل هناك ممارسة حقيقية للديمقراطية تحت ظل الاحتلال”.

ثم تحدث الدكتور محسن صالح فاعتبر ” أن اشكالية الديمقراطية تحت الاحتلال موجودة في العديد من الدول ولكن سيتم التركيز على التجربة الفلسطينية وهناك العديد من الملاحظات والإشكالات التي يمكن تسجيلها لتشكيل مدخل للحوار ومنها:

•عندما نتحدث عن مشكلة الاحتلال الإسرائيلي يجب شرح أبعاد المشروع الصهيوني الذي يختلف عن نماذج الاحتلالات الأخرى كالاحتلال البريطاني أو الفرنسي للدول العربية. فالمشروع الصهيوني بني على خليفة ” مشروع استيطاني” يدّعي أن الأرض أرضه”، ولذلك عمد لإحضار فئة لكي تقيم في أرض فلسطين بحجة أن هذه الأرض لهم. وهو استعمار إحلالي فهو لا يريد أن يوطن اليهود بل أن يجعلهم بديلا ًعن الشعب الفلسطيني، وهو استعمار توسعي ولا يكتفي بما احتله من الأرض بل يريد التوسع نحو دول أخرى. ولذلك فهو معاد لأهل المنطقة ويعتمد على الدعم الخارجي وأصبح شرط بقاؤه واستمراره أن يكون كل ما حوله ضعيفاً. وأصبحت المشكلة ترتبط بكل المنطقة.

وأضاف ” أن الصفة الأخرى للاحتلال الصهيوني هي صفة العمالة، أي أنها تخدم مشاريع غربية وأنظمة استعمارية أخرى. ولذلك نحن لسنا أمام حالة استعمارية تقليدية بل نحن أمام شكل جديد من الاستعمار الذي يتعاطى مع العربي والفلسطيني كنقيض ويريد إلغاءه كلياً وكأنه غير موجود ويريد تغيير طبيعة المكان وإلغاء هويته، وهذا ما حدث وما يحدث في مدينة القدس ومدن أخرى. ” وهنا تساءل عن مدى إمكانية إقامة حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزة اللتان لا تشكلان سوى قسم بسيط من الأراضي الفلسطينية؟. ووجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية أنها تريد إقامة هذا الحكم تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية، أما وجهة النظر الإسرائيلية فهي تنطلق من العمل لإقامة حكم تابع للكيان الصهيوني ويخدم المشاريع الصهيونية”.

واستعرض بعدها ذلك الدكتور صالح معنى الديمقراطية ومدى التطابق بين الديمقراطية والاحتلال؟ وقال: ” كيف يمكن للفصائل الفلسطينية التي اعترضت على اتفاق أوسلو أن تشارك في الانتخابات وهل ستحقق بذلك الديمقراطية الحقيقية؟ وكيف يمكن التوفيق بين المشروع الصهيوني الهادف لإلغاء الشعب الفلسطيني وبين تمثيل هذا الشعب؟

ولذلك لاحظنا أن بعض الفصائل الفلسطينية رفضت المشاركة في الانتخابات بداية لكن هذه الفصائل عادت وشاركت في الانتخابات مثل حركة حماس.”

وتابع دكتور صالح ” لقد كان هناك مخاوف لدى الأميركيين والإسرائيليين من مشاركة حماس وسعى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لاقناعهم بضرورة مشاركة حماس لأنها تعطي شرعية للسلطة ولأن كل التقديرات كانت تشير لفوز حركة فتح في الانتخابات”.

لكن الذي حدث جاء بخلاف كل التوقعات وفازت “حماس” بالأغلبية البرلمانية الفلسطينية مما أدى إلى القيام بحصار دولي ـ إسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. ودفع هذا الشعب ضريبة كبيرة لأنه أراد أن يعبّر عن رأيه الصحيح.

واليوم وبعد حصول الانقسام السياسي الفلسطيني لاحظنا أن أهم الشروط التي كانت تطالب بها السلطة الفلسطينية: ضرورة الاتفاق على مشروع سياسي ينسجم مع اتفاق أوسلو والاعتراف بالكيان الصهيوني بوضوح (أو كالكريستال كما عبّر أحمد قريع). كما طالبوا الاعتراف بشروط اللجنة الرباعية الدولية والتي تتضمن الاعتراف بالكيان الصهيوني والاتفاقات الدولية مما جعل تطبيق الديمقراطية الفلسطينية مرتبطة باتفاق أوسلو. ولذلك نحن أصبحنا أمام مشكلة جديدة ” أن الديمقراطية الفلسطينية الداخلية مرتبطة بشروط خارجية  وموافقة المحتل الاسرائيلي على ما يجري. مما يعني أن هناك مشكلة كبيرة في ممارسة الديمقراطية وجعل كل الأوضاع مرتبطة بحسابات المحتل”.

وأضاف الدكتور صالح ” أنه من ضمن شروط إقامة السلطة الفلسطينية كان لا بد من وجود جهاز أمني قوي ينسق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وهذا الجهاز الأمني يطارد بعض القيادات والكوادر التي انتخبت من قبل الشعب الفلسطيني، مما يعني أن الجهاز الأمني يعادي السلطة التشريعية القائمة والمنتخبة من الشعب. وإذا كانت ممارسة الديمقراطية تحت ظل الاحتلال من أجل تحقيق بعض مطالب الناس فإن ما جرى ويجري في فلسطين يتعارض مع هذا الاتجاه. كما أن الكيان الصهيوني يتعاطى مع الضفة الغربية وقطاع غزة وكأنها أرض متنازع عليها وليست من حق الشعب الفلسطيني”. 

وبعد أن استعرض كل الممارسات الصهيونية للتضييق على الشعب الفلسطيني وتغيير كل المعالم الجغرافية وإقامة الجدار العازل والتحكم بالمداخل والمخارج تساءل: ” أية ديمقراطية يمكن أن تمارس في ظل الاحتلال؟ وكيف يمكن أن تتشكل السلطة الفلسطينية وتطويرها نحو الأفضل كما كانت تسعى لذلك السلطة الفلسطينية القائمة؟

” لكن بعد 18 سنة من اتفاق أوسلو أصبحنا اليوم أمام واقع صعب وتحولت السلطة الفلسطينية إلى جهاز لتنفيذ ” الوظائف القذرة” التي يريدها الاحتلال الصهيوني.

وأن إحدى أهم المشاكل التي تواجهها أية سلطة تحت الاحتلال بروز العديد من المفاسد وانتشار الزبائنية وتراجع الحالة الثورية وتضخم الأجهزة الإدارية على حساب القوى المقاومة والحركات السياسية المناضلة وفي الضفة الغربية اليوم أعلى نسبة لرجال الأمن مقارنة بالسكان على الصعيد العالمي ” رجل أمن واحد لكل 84 مواطن”.. ولذا نحن اليوم في أسوأ سجن في العالم”..

ودار نقاش بعد ذلك بين المحاضر والحضور حيث طرحت بعض الأسئلة منها:

1.لماذا شاركت حركة حماس في الانتخابات إذا كانت العملية الديمقراطية لخدمة الاحتلال؟
2.وما هي الطرق لمواجهة الاحتلال إذا تعذر خيار المقاومة وهل هناك أساليب سياسية للمواجهة؟

وقدّم الدكتور حسن الزين مداخلة ومما قاله: الحديث عن الديمقراطية لا يتم إلا بوجود الدولة ووجود القانون للدفاع عن الشعب؟ وفي فلسطين لا توجد دولة فلسطينية بل يوجد استعماري صهيوني؟ فكيف تتحقق الديمقراطية؟ حتى في قلب إسرائيل لا توجد ديمقراطية لأنه ليس هناك مساواة بين اليهود والعرب.

وأن الانتخابات ليس هدفها إيصال النواب إلى البرلمان بل حماية المواطن؟ وإذا لم يتحقق ذلك فليس هناك ديمقراطية.

الشيخ مسلم الربيعي قدّم مداخلة اعتبر فيها ” أنه كان من المفيد معرفة الإشكالية القانونية حول ممارسة الديمقراطية تحت ظل الاحتلال” ومن ثم الحديث عن النموذج الفلسطيني الذي ليس له شبيه في العالم. وما يجري في فلسطين هو نموذج خاص للاستعمار. ولذلك فإن الديمقراطية التي حصلت في العراق وأفغانستان نجحت في إقامة دولة وهذا نموذج مختلف عما يجري في فلسطين”.

من جهته الأستاذ أحمد الزكي (ممثل حزب الدعوة في لبنان) قال ” أن مشاركة حركة حماس في الانتخابات هي إشكالية كبيرة. وأما في العراق فنحن نستفيد حالياً من العديد من الأجواء الحريات لممارسة الديمقراطية رغم وجود الاحتلال، والسؤال كيف يمكن لمن لا يؤمن بالديمقراطية أن يشارك في الانتخابات”.

الدكتورة أحلام شهيد (معاون المستشار الثقافي في السفارة العراقية) تساءلت عن إشكالية الخلافات بين الشعب الفلسطيني وهل المشكلة في الاحتلال فقط أو في المجتمع الفلسطيني ولماذا لم يقدّم المحاضر الحلول لمواجهة الاحتلال والتواصل إلى رؤية مستقبلية لمعالجة المشاكل والإحباط.

فضيلة الشيخ شُبر الفقيه اعتبر ” أن هناك مشكلة كبيرة على صعيد أداء حركة حماس ومدى تطبيقها للديمقراطية” وأن الديمقراطية اليوم هي ديمقراطية الأقليات، ولم نر أي تغيير حقيقي اليوم في فلسطين رغم ما يجري من تطورات في العالم العربي. وعلينا أن نحدد كيف نتعامل مع إسرائيل، هل هي دولة نظام حكم؟ أو أنها نظام احتلال؟ نحن لم نحسم خياراتنا؟ وكنت أتمنى أن يتم الحديث عن كيفية معالجة الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني؟ ولماذا لم يتم الحديث عما يجري في غزة؟

وبعد ذلك أجاب الدكتور محسن صالح عن الأسئلة والإشكالات  ومما قاله:

” أنا لا أمثل هنا أي طرف بل كأكاديمي والموضوع كان محدداً أن أتحدث عن تجربة السلطة الفلسطينية تحت الاحتلال. وأما بالنسبة لمشاركة حركة حماس في الانتخابات، فإن جوهر مشروع حماس كان مقاومة الاحتلال، ولو حصلت الانتخابات ولم تشارك لكانت تركت الشرعية الشعبية للقوى الأخرى ولذلك فضلت المشاركة في الانتخابات لتأكيد دورها الشعبي وعلى ضوء ذلك يمكن أن تساهم بالحركة الإصلاحية داخل المجتمع الفلسطيني لكن “حماس” لم تمكّن من ممارسة الديمقراطية وتم فرض شروط على حكومة “حماس”. وأن “حماس” كانت تسعى لمنع اجتثاث المقاومة عبر تأكيد حضورها الشعبي رغم ما تتعرض له من ظروف صعبة”.

وأما الخيارات المطلوبة للفصائل الفلسطينية فأهمها إعادة ترتيب البيت الفلسطيني خصوصاً منظمة التحرير الفلسطينية وتحديد الألويات وكيفية إقامة السلطة وإيجاد ميثاق وطني وصناعة القرار الفلسطيني وفق أولويات فلسطينية وعربية وليس وفق حسابات أميركية أو إسرائيلية وبعد ذلك تحدد آليات العمل والموقف من السلطة”.

المصدر: مؤسسة الإمام الحكيم، 8/4/2011