مدة القراءة: 7 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الخميس 13/1/2011 حلقة نقاش علمية تحت عنوان “القضية الفلسطينية: تقييم استراتيجي 2010 – تقدير استراتيجي 2011″، في فندق كراون بلازا في بيروت، وجرى خلالها تقييم التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية بمختلف محاورها في سنة 2010، إضافة إلى محاولة استشراف اتجاهاتها المتوقعة في سنة 2011.

وقد شارك في الحلقة، التي توزعت أعمالها على ثلاث جلسات، نخبة من المتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، ناقشوا خلالها الوضع الفلسطيني الداخلي، والمشهد الإسرائيلي، ومسار التسوية، والمواقف العربية والإسلامية والدولية من القضية الفلسطينية.

وتجدر الإشارة إلى أن حلقة النقاش هذه تندرج ضمن إطار سلسلة ندوات التقييم والتقدير الاستراتيجي للتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي يعقدها المركز على رأس كل سنة، وهي تنعقد للعام الرابع على التوالي، في أجواء إعداد المركز لتقريره الاستراتيجي الفلسطيني السنوي.

 الافتتاح والجلسة الأولى:

في البداية ألقى الدكتور محسن صالح مدير عام مركز الزيتونة كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور، واستعرض أبرز النقاط التي سيتناولها برنامج الحلقة.

ثم ناقشت الجلسة الأولى، التي أدارها أ. محمود سويد، الوضع الفلسطيني الداخلي، وتحدّث خلالها كل من أ. صقر أبو فخر و أ. ماجد أبو دياك، و أ. سهيل الناطور.

وبدأ أبو فخر الجلسة بإشارة إلى أن القضية الفلسطينية لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام خلال سنة 2010، وازداد انحسار أفكار الكفاح المسلّح في أوساط النخب السياسية كأحد وسائل المقاومة، وكأحد سبل التحرر الوطني، وازداد الكلام عن فكرة المقاومة المدنية والمقاطعة كشكل من أشكالها. وأضاف أن الوضع في فلسطين الآن، وبالتحديد في غزة، بات يشبه الوضع في جنوب لبنان، حيث لا سلم ولا حرب ولا مقاومة، في حين تحولت قوى المقاومة إلى قوة ردع في حال وقوع أي عدوان، مما يعني أن الجبهة الفلسطينية باتت كالجبهتين اللبنانية والسورية، مواقع مهة للردع والممانعة، ولكنها ما عادت مواقع للمقاومة الناشطة والفاعلة التي تعمل في سياق خطة ما.

وأشار أبو دياك في ورقته إلى أن سنة 2010 مرت دون أي تغيير على تركيبة الوضع الداخلي الفلسطيني، الذي استمر وفق رؤيتين سياسيتين مختلفتين تتحكم كل منهما برقعة جغرافية محددة، كما تضاعفت المعاناة الفلسطينية بتداعيات الانقسام بين غزة والضفة، فيما واجهت فتح بوادر أزمة داخلية جديدة، بددت النجاح الذي حققه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سنة 2009 في حشد التأييد الداخلي له في مركزية الحركة. وأبدى أبو دياك عدم تفاؤله بوجود أي أفق في سنة 2011 لإنهاء حالة الانقسام السياسي، أو تقريب المواقف بين تيارين متضادين في الساحة، لا سيما وأن السلطة الفلسطينية أعلنت عن تمسكها بخيار التسوية ببدائل متعددة داخل هذا الإطار وليس خارجه.

في حين ذكر الناطور في ورقته أنه فيما يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني في سنة 2010، فقد استمرت عناوين الصراع والمعضلات ذاتها تتراكم من سنوات سابقة، فما بين محاولات لتجاوز الانقسام في الصف الفلسطيني، وجولات صراع سياسي بين فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية حول مواضيع: المفاوضات، بناء مؤسسات الدولة، فك الحصار عن غزة وإعادة إعمارها، وغموض مآل قضية اللاجئين، تفاعل الوضع الداخلي الفلسطيني بهذه المحاور بين جمود سلبي وتعطيل حقيقي للحياة السياسية الفلسطينية وبين محاولات ضعيفة لإعادة صياغة البنية والدور لأهم الفصائل الفلسطينية. وأوضح أن النقطة الخلافية الرئيسية فيما يتصل بالمصالحة بقيت ملف الأجهزة الأمنية، وموضوعها يجسد بامتياز الصراع على السلطة بين الطرفين (فتح وحماس).

 الجلسة الثانية

تناولت الجلسة الثانية، التي أدارها أ.د. مجدي حمّاد، كلاً من المشهد الإسرائيلي والموقف العربي، وتحدّث خلالها أ. عبد الحميد الكيالي، و أ. هاني المصري، و أ. محمد جمعة.

في بداية الجلسة، قدّم الكيالي قراءة في المشهد الإسرائيلي – الفلسطيني في سنة 2010، مشيراً إلى استمرار المشهد السياسي الإسرائيلي في الانزياح أكثر فأكثر نحو اليمين العنصري المتشدد خلال تلك السنة، وما نتج عن هذا الانزياح من قوانين عنصرية استهدفت فلسطينيي 48. كما لفت الانتباه إلى جودة الأوضاع الاقتصادية في “إسرائيل” في سنة 2010، في ضوء الالتفاف حول الحكومة وتوجهاتها من جهة، وهدوء الجبهة الداخلية من جهة أخرى.

أما بشأن الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع الوضع الفلسطيني الداخلي، رأى الكيالي أن “إسرائيل” حافظت في سنة 2010 على الاستراتيجية نفسها التي اتبعتها خلال السنوات السابقة، في ضوء استمرار الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني. وأوضح أن هذه الاستراتيجية في جوهرها تعمل في إطار جملة من المحددات، أبرزها: أولاً: الإبقاء على الاحتلال من خلال استيطان الأرض ومصادرتها، كما هو الحال في الضفة، أو من خلال التحكم في المنافذ البرية والبحرية والجوية، كما هو الحال في قطاع غزة. وثانياً: إعادة تشكيل المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال بما يخدم بقاء الاحتلال. وثالثاً: إعاقة التنمية الاقتصادية في الضفة والقطاع.

من جهته، رأى المصري في ورقته حول آفاق المفاوضات والتسوية في عام 2011، أن أهم ما يميز المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية أكثر من غيرها أنها بدأت وهي محكوم عليها بالفشل؛ لأنها تتم في ظل اختلال فادح بميزان القوى، وغياب الاستعداد لدى الاحتلال للتسوية، وغياب الإرادة الدولية الكافية لإنجاحها، وعدم استخدام العرب أوراق ضغط لفرضها، ومعاناة الفلسطينيين من انقسام مدمر.

وأشار إلى وجود عدة خيارات وبدائل إسرائيلية سيتم محاولة فرض أحدها على الفلسطينيين في هذا الإطار، هي: أولاً: إبقاء الوضع الراهن لأطول فترة ممكنة حتى تستكمل “إسرائيل” تطبيق مخططاتها التوسعية والاستيطانية والعنصرية. وثانياً: العودة لخيار الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب، بحيث تفرض على الفلسطينيين على أرض الواقع دولة “البقايا”. وثالثاً: إحياء الحل الإقليمي بمساعدة الأردن ومصر. ورابعاً: خيار الدولة ذات الحدود المؤقتة الذي يتم باتفاق فلسطيني – إسرائيلي ورعاية أمريكية ودولية، موضحاً أن هذا الخيار يبدو الأكثر تفضيلاً لـ”إسرائيل”، لأنه يجعل الفلسطينيين مسؤولين عن تصفية قضيتهم بأنفسهم، ولكنه مستبعد خصوصاً إذا لم يغطى باتفاق إطار يتناول القضايا الجوهرية.

وحول الوضع العربي، أشار جمعة في ورقته إلى استمرار حالة العجز العربي إزاء الوضع الفلسطيني في سنة 2010، وإلى فشل الأطراف العربية مجدداً في الضغط على الطرف الأمريكي لتحسين شروط العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، معبّراً عن اعتقاده بأن تاريخ الاستجابات العربية في العشر سنين الأخيرة لا يشي بإمكانية وجود أي تغير في سنة 2011، سواء بالمعنى الإيجابي أو السلبي.

كما تحدّث جمعة عن ما وصفه باستفراد مصر تقريباً بملف المصالحة الفلسطينية في سنة 2010، بإسناد سعودي بدرجة أو أخرى، كما حدث في سنة 2009. وتوقف عند موقف الأردن من القضية الفلسطينية، بوصفه طرفاً أكثر قلقاً تجاه عدم قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، حيث أنها بالنسبة له مسألة تتخطي الجغرافيا والديموغرافيا إلى مسألة الأمن، مشيراً إلى غياب الأثر الجدي لهذا القلق الأردني، ومعلّقاً بأن الأوضاع ربما تحتم على الأردن أن يدير سياسة خارجية أكثر توازناً وأكثر انفتاحاً على حركة حماس، وأقل تماهياً مع الاستراتيجية الأمريكية.

 الجلسة الثالثة

أما الجلسة الثالثة والأخيرة من الحلقة، والتي أدارها د. صلاح الدين الدباغ، فقد ناقشت موقف العالم الإسلامي والمواقف الدولية من القضية الفلسطينية، وتحدّث خلالها د. طلال عتريسي، و د. محمد نور الدين، و أ.د. وليد عبد الحي.

وأشار د. عتريسي في ورقته إلى أن انكفاء الدول الإسلامية على ذاتها وعلى همومها بات يؤثر سلباً في اهتمامها بالقضية الفلسطينية، وأن الأولويات باتت متعددة في العالم الإسلامي، ولم تعد فلسطين عملياً هي القضية المركزية. كما لفت الانتباه إلى أن سقف الاهتمام الإسلامي الرسمي بالقضية الفلسطينية بقي في سنة 2010 هو سقف التسوية والتفاوض، حيث لم يُشر قادة الدول الإسلامية إلى أي احتمال آخر، مثل المقاومة أو المقاطعة؛ في حين بقيت إيران تغرد خارج هذا السرب، وكانت مواقفها تنسجم مع منطق حركات المقاومة أكثر مما تقترب من منطق تلك الدول، وهي المواقف التي ستستمر فيها إيران، وفق تقديرات د. عتريسي.

من جهته، ذكر د. نور الدين أن سنة 2010 كانت شاهدة على وصول التوتر في العلاقات التركية-الإسرائيلية ذروة غير مسبوقة نتيجة الاعتداء الإسرائيلي أسطول الحرية، الذي شكّل أبرز محطات التوتر بين أنقرة وتل أبيب، والتي بدأت منذ مطلع العام نفسه. ولكنه لفت الانتباه إلى أنه على الرغم من الخطاب التركي العالي النبرة، وبعض الإجراءات التي اتخذتها تركيا تجاه “إسرائيل”، إلا أن رد الفعل التركي على الاعتداء على أسطول الحرية لم يرتفع إلى حجم الاعتداء ذاته، وكان من الملاحظ أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين قد زادت في سنة 2010 عما كانت عليه في سنة 2009، بنسبة تزيد عن الأربعين في المائة.

وتوقع د. نور الدين أن لا تتقدم العلاقات التركية الإسرائيلية بصورة سريعة نظراً للجرح العميق الذي أصابها، ولكنه رأى أن رغبة أنقرة في الحفاظ على الإنجازات التي حققتها في السياسة الخارجية وعلى دورها المتنامي يجعلها لا تمضي في تصعيد التوتر مع إسرائيل، بل على العكس العمل على احتوائه، وخصوصاً بعد إدراكها أن الموقف من إسرائيل هو جزء من علاقاتها مع الغرب والاتحاد الأوروبي.

وفي الشأن الفلسطيني، أشار د. نور الدين إلى أن الخطاب التركي استمر ملتصقاً بالقضية الفلسطينية، وارتفعت نبرته العاطفية، غير أن التحركات التركية الرسمية تجاه الفلسطينيين في غزة والضفة شهدت تراجعاً كبيراً بسبب العراقيل التي تضعها “إسرائيل” أمام المساعدات التركية إلى الضفة وحصارها غزة. كما أن التحرك التركي لرأب الصدع الفلسطيني كان شبه معدوم واقتصر على الدعوة إلى لمّ الشمل من دون أي مبادرة جدية. ورأى د. نور الدين أنه في ضوء ازدياد الانقسام الفلسطيني والاستقطاب العربي، كما في ضوء انشغال تركيا بمعالجة تداعيات الحوادث التي أفضت إلى توترات مع “إسرائيل”، فإن مستوى التعامل التركي الحالي مع الملف الفلسطيني الداخلي لن يتغير إلا في حال التقدم في تصحيح العلاقات التركية الإسرائيلية.

وبالانتقال إلى الوضع الدولي، رجّح أ.د. عبد الحي في ورقته أن يتم، في ضوء المعطيات الراهنة، دفع الجهود الدبلوماسية الدولية في سنة 2011 باتجاه دعم مشروع سلام فياض “دولة الأمر الواقع”، بوصفه الحل الأكثر تحقيقاً للجهود الدولية، لناحية تجنب التصادم الدولي مع العناد الإسرائيلي بأكبر قدر ممكن، سواء في مجال الاستيطان أو غيره، كما أن هذا الحل يوجد الإحساس بأن الجهد الدولي نحو الدولة الفلسطينية لم يتوقف.

وفي الوقت نفسه، أشار أ.د. عبد الحي إلى أن الحوار الأوروبي – والروسي والصيني وحتى الياباني، وربما حوار شخصيات أمريكية – مع حماس قد يعرف تزايداً بشكل مرافق لجهود دولة الأمر الواقع، وسيكون الهدف الاستراتيجي لهذه الحوارات هو جرّ ناعم لحركة حماس نحو دائرة التسوية من خلال مشاريع مرحلية، على غرار ما جرى مع منظمة التحرير الفلسطينية خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي.

 الختام

وفي ختام حلقة النقاش، شكر د. محسن محمد صالح الحضور، منوهاً بما تمت مناقشته من تقييمات وتوقعات لمسار القضية الفلسطينية، آملاً أن تسهم في خدمة القضية والأطراف العاملة لأجلها، ومشيراً إلى أن هذه المناقشات سوف تشكّل مادة داعمة للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني السنوي الذي يعدّه المركز، والذي يتوقع أن يصدر مع نهاية شهر نيسان/ أبريل المقبل بإذن الله.


صور من فعاليات حلقة النقاش:

 

 

 
د. محسن محمد صالح يلقي كلمة افتتاح حلقة النقاش
 
  
الجلسة الثانية، وفي الصورة من اليمين:
أ. محمد جمعة، أ. هاني المصري، أ. د. مجدي حماد، أ. عبد الحميد الكيالي 
 
 
المشاركون في حلقة النقاش
 

 


برنامج حلقة النقاش: 

 

 

 بيروت – الحمرا – فندق كراون بلازا – الطابق الأول – قاعة: Queen of the Colonies

 الخميس 13/1/2011

الاستقبال 9:00 9:30 تسجيل المشاركين
الافتتاح 9:30 9:40 كلمة الزيتونة  د. محسن محمد صالح
 الجلسة الأولى:
الوضع الفلسطيني الداخلي
9:40 11:30  مدير الجلسة الأولى  أ. محمود سويد
(1) مقدم الورقة الأولى:  أ. صقر أبو فخر
(2) مقدم الورقة الثانية:  أ. ماجد أبو دياك
(3) مقدم الورقة الثالثة:  أ. سهيل الناطور
 الاستراحة الأولى  11:30  11:45  استراحة الشاي الصباحية
الجلسة الثانية:
 المشهد الإسرائيلي،  العالم العربي
 11:45  13:45 مدير الجلسة الثانية  أ. د. مجدي حمّاد
(1) مقدم الورقة الأولى:  أ. عبد الحميد الكيالي
(2) مقدم الورقة الثانية:  أ. هاني المصري
(3) مقدم الورقة الثالثة:  أ. محمد جمعة
الاستراحة الثانية  13:45  15:00  الغداء
الجلسة الثالثة:
 العالم الإسلامي،  الوضع الدولي
 15:00  16:30 مدير الجلسة الثالثة  د. صلاح الدين الدباغ
(1) مقدم الورقة الأولى:  د. طلال عتريسي
(2) مقدم الورقة الثانية:  د. محمد نور الدين
(3) مقدم الورقة الثالثة:  أ. د. وليد عبد الحي
 الختام  16:30  17:00 كلمة الختام، واستراحة الشاي المسائية

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 13/1/2011