مدة القراءة: 5 دقائق

استؤنفت في بيروت اليوم أعمال مؤتمر “السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية”، الذي يعقده مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في فندق كراون بلازا في بيروت، بحضور عدد كبير من الخبراء والأكاديميين المختصين في القانون الدولي والمهتمين بالشأن الفلسطيني، من نحو 20 بلداً عربياً وأجنبياً. بوجود مشاركات مهمة من وفود تمثل جامعة الدول العربية، والخارجية اللبنانية، وسفراء وممثلي سفارات بريطانيا وألمانيا والنرويج وبلجيكا ورومانيا ومصر وفلسطين والسودان وجنوب أفريقيا وإيران وإندونيسيا.

وسيصدر عن المؤتمر في نهاية اليوم بيان ختامي، يدعو الدول الأوروبية للضغط على “إسرائيل” قانونياً وسياسياً واقتصادياً لإلزامها باحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وكان المؤتمر قد بدأ أعماله يوم أمس الأربعاء، وناقش نحو 18 ورقة عمل متخصصة، موزعة على ست جلسات، سعى من خلالها إلى تحقيق جملة من الأهداف، أهمها: دراسة محددات السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، والعلاقات الأوروبية الإسرائيلية، واستكشاف مدى الاختلاف بين المواقف الشعبية والرسمية الأوروبية من القضية الفلسطينية، وإمكانية استثمار هذا الاختلاف فلسطينياً وعربياً. إلى جانب البحث في مداخل وإمكانية تعزيز المواقف الأوروبية على المستوى الشعبي من القضية الفلسطينية، وإمكانية التأثير في المواقف الرسمية الأوروبية فلسطينياً وعربياً.

أعمال اليوم الثاني

وبالعودة إلى أعمال اليوم الثاني والأخير من المؤتمر، فقد كانت الجلسة الأولى بعنوان “العلاقات الأوروبية الفلسطينية”، وأدارها الوزير السابق أ. بشارة مرهج، وفيها قدم أ.د. نصر عبد الكريم ورقة عمل بعنوان: “العلاقات الأوروبية الفلسطينية: الدور الاقتصادي الأوروبي”، قال فيها إن أحداً لا يتوقع أن يكون هناك نمو حقيقي للاقتصاد الفلسطيني في ظل تحكم الاحتلال وانتهاكه للموارد الطبيعية الفلسطينية الرئيسية، وفي طليعتها الأرض والمياه. أما الاتحاد الأوروبي، فبوصفه تجمعاً لدول قوية تضم اثنين من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وبوصفه أيضاً الشريك التجاري الأول لدولة الاحتلال، فإنه يحمل إلى جانب مسؤوليته التاريخية مسؤولية أخلاقية بخصوص التوصل لحلّ للصراع في الشرق الأوسط. وأضاف إنه على الاتحاد الأوروبي أن يلعب دوراً سياسياً أكثر فاعلية في عملية السلام، وألا يكتفي بكونه مجرّد مموّل لهذه العملية.

ثم قدمت أ. آشلينج بيرن تحليلاً نقدياً للدور الأوروبي في إصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أكدت فيها أنه في الوقت الذي يوصف فيه بناء الدولة بأنه الطريق إلى قيام دولة فلسطينية، فإن ما نراه هو عملية تفكيك للدولة بدعوى محاربة الإرهاب، مما أدى، إضافة إلى تفكيكها، إلى اعتمادها على التمويل الخارجي. وأشارت إلى أن من يقود هذه العملية هم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمحتمون بهم من الفلسطينيين، فيما تستمر “عملية السلام” في كونها غطاء مضللاً لـمشروعهم “السياسي بامتياز”. وأضافت أن الحملات التي قيل إنها تهدف إلى إعادة النظام العام قد وفرت غطاء لقمع المعارضة السياسية، وعلى رأسها حركة حماس، وضرب المكونات الطبيعية لمشروع بناء الدولة، أي المساءلة الديموقراطية، والرقابة البرلمانية والشرعية الشعبية والتطوير المؤسسي، والمصالحة السياسية، فهذه الأمور ليست غائبة فقط، بل تم تدميرها عمداً بشكل أو بآخر. 

بعد ذلك، كانت ورقة للأستاذ أسامة حمدان بعنوان ” المواقف الأوروبية من التعامل مع حركات المقاومة الفلسطينية: حركة حماس نموذجاً” رأى فيها أن أوروبا لم تنجح في بناء دور مستقل تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه المقاومة على وجه الخصوص، ورضيت أن تلعب دور من يملأ فراغ الموقف الأمريكي، أو من يحاول إحداث بعض التوازن في محطات سياسية مختلفة. وأضاف أن المطلوب من أوروبا كثير لاعتبارات ثلاثة: عدم قدرة الولايات المتحدة على استعادة توازنها تجاه المنطقة قضاياها، ولا سيما القضية الفلسطينية؛ الدور الاقتصادي الذي تلعبه أوروبا على صعيد القضية الفلسطينية، فشل عملية التسوية، ودور ومكانة المقاومة الفلسطينية على المستوى الوطني والإقليمي والإسلامي، والأفق الإيجابي لمستقبلها ودورها وتأثيرها خصوصاً في ظل انهيار التسوية.

الجلسة الثانية كانت بعنوان “الدور الأوروبي في تسوية القضية الفلسطينية”، أدارها د. محسن محمد صالح، وقدم فيها الدكتور آري جون كنودسن ورقة تحت عنوان “السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية: النرويج ما بعد أوسلو (دراسة حالة)” أكد فيها أن على الرغم من وجود نزعة داخلية للتركيز على الأمن القومي والمصالح الاقتصادية النرويجية، لا تزال النرويج أحد المانحين الرئيسيين لفلسطين، غير أنها ليست لاعباً رئيسياً في الموضوع الفلسطيني. وأضاف أن النرويج والدبلوماسية النرويجية ترغب في لعب دور ما، غير أنه لم يعد هناك دور واضح لدولة صغيرة مثل النرويج.

بعد ذلك قدم أ.د. نظام بركات ورقة بعنوان “الموقف الإسرائيلي من الدور الأوروبي في تسوية القضية الفلسطينية”، رصد فيها أهم الاتجاهات الإسرائيلية نحو الدور الأوروبي في المنطقة مستقبلاً، فرأى أن المستقبل يظهر ضعف الإرادة الأوروبية في تقديم مبادرات سلام في المنطقة، وتراجع الأولويات في الأجندة الأوروبية من الاهتمام بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، والاهتمام بطرح مشاريع جانبية لها علاقة بالتسوية السياسية في المنطقة ولكنها لا تدخل في هذا الموضوع بصورة مباشرة، وازدياد التحريض ضد “إسرائيل” واليهود في أوروبا، والذي تسميه “إسرائيل” بالحرب الناعمة ضد الوجود الإسرائيلي، والتقليل من شرعية الدولة الإسرائيلية وسياساتها.

ثم قدّم أ.د. عبد الفتاح الرشدان ورقة بعنوان “المواقف الفلسطينية والعربية من الدور الأوروبي في تسوية القضية الفلسطينية”، خلص فيها إلى أنه لا يمكن إعفاء الدول العربية والقوى الفلسطينية من مسؤولياتها تجاه استغلال المصالح الأوروبية في المنطقة العربية، وتوظيفها بشكل إيجابي للضغط على أوروبا من أجل أن تتحمل مسؤولية أكبر وأن يكون لها دور أكثر فعالية واستقلالاُ في المساهمة في تسوية القضية الفلسطينية.

أما الجلسة الأخيرة فكانت بعنوان “المواقف الشعبية الأوروبية من القضية الفلسطينية” وأدارها د. حافظ الكرمي، قدمت فيها الدكتورة نهلة الشهال ورقة تحت عنوان “تحولات الرأي العام الأوروبي والمواقف الشعبية تجاه القضية الفلسطينية”، وأكدت فيها أن جلّ ما يعني الحراك الشعبي الأوروبي هو إنهاء الاستيطان والعنصرية، بغضّ النظر عن جغرافية فلسطين تحديداً. فهذه القيم هي قيم عالمية، لا يمكن حصر تبنّيها بزمان أو مكان معيّنين، بل واجبٌ تبنيها أينما كانت وبجهود الجميع المباشرة. ولهذا، أصبحت حملة المقاطعة الدولية لـ”إسرائيل” هي الخيار الاستراتيجي للحركة، وهي تحتلّ حيّزاً أساسياً اليوم في هذا السياق.

بعد ذلك قدم أ. حسام شاكر ورقة بعنوان “دور الإعلام الأوروبي في رسم السياسة الخارجية الأوروبية من القضية الفلسطينية”، سلّط فيها الضوء على الخصائص التي تطبع تفاعل الإعلام الأوروبي مع القضية الفلسطينية، وترصد بعض الاتجاهات والظواهر في هذا التفاعل، ثم أتبع ذلك باقتراح “أدوار منتظرة” من الإعلام الأوروبي في التفاعل مع القضية الفلسطينية، وذلك تأسيساً على الدور “الوسيط” لوسائل الإعلام، داعياً الإعلام الأوروبي إلى المسؤولية في التعاطي الإعلامي، وتقديم التوضيحات اللازمة والتفسيرات الموضوعية، والتحرر من التأثيرات الدعائية المضللة، وتنمية الحس النقدي لدى الجمهور بشأن السياسات، ومراجعة المسؤولية الأوروبية إزاء القضية الفلسطينية.

واختتمت الجلسة الثالثة بورقة لـ أ.د. طارق رمضان حول “دور الجالية العربية والإسلامية في أوروبا في التأثير على السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية”، دعا فيها المواطنين الأوروبيين ذوي الأصول العربية المسلمة إلى العمل على ثلاثة مستويات: داخل المجتمعات المدنية، وعن طريق محاولة الحصول على صوت في وسائل الإعلام، والانخراط أكثر في الساحة السياسية. وأكد أن العقود الماضية شهدت تغيراً هاماً في الحساسية الشعبية الأوروبية تجاه الصراع، وأرجع ذلك إلى وجود الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا، والتي لم يعد أفرادها مجرد جاليات بل أصبحوا مواطنين. غير أنه أقر بأنه ما زال هناك الكثير مما يتعين القيام به لتحسين السياسات الأوروبية المختلفة.

البيان الختامي

وفي ختام أعمال اليوم سيصدر عن المؤتمر بيان ختامي، يلحظ المسؤولية التاريخية الأوروبية تجاه نشأة المشكلة اليهودية، وتجاه إنشاء الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، وما نتج عن ذلك من نشوء القضية الفلسطينية، ومأساة الشعب الفلسطيني. ويتضمن دعوة الدول الأوروبية للضغط على “إسرائيل” قانونياً وسياسياً واقتصادياً لإلزامها باحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وباحترام قرارات الشرعية الدولية، وبالانسحاب غير المشروط من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم، ووقف تهويد القدس، وتفكيك المستوطنات. إضافة إلى دعوة هذه الدول إلى القيام بدور فعال في رفع الحصار عن قطاع غزة، وإلى عدم تطبيق أية سياسات من شأنها زيادة معاناة الشعب الفلسطيني.

كما سيطالب البيان الدول الأوروبية بتحمل مسؤولياتها تجاه مسار التسوية السلمية، وإلى المراجعة النقدية للتحربة غير الناجحة لهذا المسار، وإلى التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية تحرير وعدالة وكرامة واستقلال، قبل أن تكون قضية تحسين لأوضاع اقتصادية أو لتحسين شروط الاحتلال، داعياً إياها لرفع حركات المقاومة الفلسطينية من قوائم الإرهاب، والنظر إليها باعتبارها حركات تحرر وطني، والتواصل الإيجابي معها بما يحقق فهماً أفضل للواقع الفلسطيني، ودوراً أوروبياً أكثر فعالية وعدلاً.

وفي الوقت نفسه، سوف يُحيّي المؤتمر في بيانه الجهود الشعبية الأوروبية وجهود العديد من السياسيين الأوروبيين، والجالية العربية والمسلمة في أوروبا في دعم القضية الفلسطينية، وجهود مقاطعة “إسرائيل”، ومحاولات كسر الحصار عن قطاع غزة وغيرها، مطالباً بأن تتخذ هذه الجهود أشكالاً أكثر منهجية وأكثر تنظيماً وفاعلية.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 4/11/2010