مدة القراءة: 9 دقائق

 مع تصاعد الحديث عن احتمالات قيام “إسرائيل” بشنّ عدوان جديد في المنطقة، عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في مقرّه في بيروت حلقة نقاش بعنوان “إسرائيل واحتمالات الحرب في سنة 2010” في 22/4/2010. وقد نظّمت الحلقة بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان؛ وحضرها نخبة من الباحثين والمهتّمين بالشأن الفلسطيني، من لبنان والأردن.

بدايةً كانت كلمة افتتاحية موجزة للدكتور محسن صالح، مدير عام مركز الزيتونة، الذي رحّب بالحضور ووضع قيد الطرح مجموعة من الأسئلة المحوريّة في هذا المجال، أولها، إمكانية لجوء “إسرائيل” للخيار العسكري؛ وثانيها، في حال تم اللجوء لمثل هذا الخيار، فعلى أية جبهة سيتم: غزة أم لبنان أم سوريا أم إيران؟ أم على أكثر من جبهة؟؛ وثالثها، نوعية الضربة المحتملة من حيث كونها حرب مواجهة أو ضربة نوعية سريعة، وماذا عن ردود الفعل حينها؟؛ مضيفاً أن الإجابة عن هذه الأسئلة ليست بسيطة، وتحتاج لقراءة في عدة عوامل ومتغيرات، أولها الجبهة الإسرائيلية الداخلية، وثانيها الجبهات المعنية (فلسطين ولبنان وسوريا وإيران)، وثالثها البيئة الإقليمية المحيطة والساحة الدولية، وخاصة الموقف الأمريكي.

ثمّ كانت بداية الجلسة الأولى التي ركّزت على ترتيب الوقائع والمعلومات المتوفرة ضمن محاور رئيسية بحسب الجبهات المحتملة. فكانت البداية مع مداخلة مطوّلة للكاتب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، حلمي موسى، عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث سعى موسى للإجابة عن سؤال: “هل يوجد قرار إٍسرائيلي متخذ بشن حرب على أي من الجبهات؟”. موسى أوضح أن طبيعة “إسرائيل” الوجودية تختلف عن كافة الدول والكيانات الأخرى، بأنها كيان قائم على مبدأ القوة، وتربط قدرتها على الاستمرار بقدرتها على الاحتفاظ بهذه القوة؛ وبالتالي فإن من أساسيات نظرية الأمن القومي الإسرائيلي هو أن “وجود “إسرائيل” لا يحتمل تعرضها لأية هزيمة”.

لكن موسى نبّه إلى الفارق بين الاستعداد الدائم للحرب، وبين أخذ قرار بالحرب، خاصة مع التغيرات التي تشهدها المنطقة، إن لجهة ما نتج عن حرب 2006 وعدوان غزة 2009 وتنامي حركات المقاومة، أو لجهة تغير العلاقة الأمريكية الإسرائيلية والمأزق الأمريكي الحالي في الشرق الأوسط. واستبعد موسى إمكانية لجوء “إسرائيل” حالياً للخيار العسكري تجاه أي طرف من الأطراف، وإن كانت قد تهدد بذلك كنوع من الابتزاز السياسي، غير أن الوضع الحالي -على جموده- يخدم مصالحها أكثر، فغزة لا تشكل تهديداً حقيقياًً لها، كما “إسرائيل” تسير بمخططاتها الاستيطانية التوسعية والتهويدية في الضفة الغربية والقدس. وهي نقطة أيدتها مداخلات الحاضرين، الذين أجمعوا أن “إسرائيل” لا توفّر فرصة للاستفادة من الوضع الحالي من انقسام فلسطيني وانسداد في عملية السلام.

وهنا كانت المداخلة المطوّلة الثانية للدكتور جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان، عن إمكانية شنّ حرب على غزة، وماهية الأهداف التي قد تدفع “إسرائيل” للقيام بضربة عسكرية شاملة ضد القطاع. أبرز هذه الأهداف، بحسب الحمد، هو الحاجة الإسرائيلية لتحقيق نصر معنوي وحفظ ماء وجهها بعد الحربين الأخيرتين؛ خاصة وأن غزة هي اليوم “الحلقة الأضعف” أو “الخاصرة الرخوة” بين الجبهات المحتملة. وأضاف الحمد أنه على الرغم من أن هذه الجبهة لا تعني كثيراً لـ”إسرائيل” بالمعنى الاستراتيجي، إلا أن الجوّ العام في “إٍسرائيل” يشير إلى التهيؤ لها، سياسياً وعسكرياً، بانتظار اللحظة المناسبة، واصفاً المسألة بأنها “مسألة وقت ونضج إقليمي ودولي”.

الجدير ذكره أن مداخلات الحضور تباينت بهذا الشأن، واستبعد أغلبهم إمكانية قيام “إسرائيل” بشنّ ضربة عسكرية شاملة لإعادة احتلال القطاع – كما استبعدوا رغبتها بذلك أساساً؛ ورجّحوا أن تكتفي بالضربات النوعيّة المحدودة في حال اختارت التعامل مع القطاع عسكرياً، مثل التوغلات المحدودة أو عمليات الاغتيال.

أما بخصوص احتمالات الحرب على الجبهة الشمالية ولبنان تحديداً، فكانت المداخلة الثالثة للعميد الدكتور أمين حطيط، الذي وصف المرحلة القائمة حالياً في المنطقة بأنها مرحلة “عرض القوة”، لكن الانتقال إلى مرحلة استعمال هذه القوة مرتبط بمسألتين أساسيتين: اطمئنان القوة المهاجمة إلى قدرتها على تحقيق أهدافها أولاً، وثانياً إلى قدرتها على توظيف نتائج الحرب لخدمة مصالحها السياسية. وفي حالة لبنان، فإن المتغيرات بعد حرب 2006 ليست في صالح شنّ “إسرائيل” لمثل هكذا حرب، خاصةً مع الإعلان الثلاثي الأخير في دمشق. وأكّد حطيط أن عملية ترميم القوة والاستعداد للحرب هي عملية قائمة دائماً في “إٍسرائيل”، إلا أن اتخاذ قرار بدء الحرب المحدد في تفصيل “متى التنفيذ” هو المؤجل، ليختم مداخلته بالقول أنّ الحرب على لبنان مستبعدة في المدى المنظور (6-16 شهراً).

احتمالات الحرب على جبهة إيران كان موضوع المداخلة المطوّلة الرابعة قبل فتح الباب للنقاش؛ والتي قدّمها الدكتور طلال عتريسي، وبدأها باستعراض سريع للوقائع، خاصة تلك المتعلقة بالعلاقات الإيرانية الأمريكية منذ وصول باراك أوباما للحكم، وكيف تغيرت من رغبته الأولية بمقاربة مختلفة والعودة لحوار، ليصل مرحلة التصعيد بعد الانتخابات الإيرانية، وعودة الحديث إلى “طرح كل الخيارات للتعامل مع الملف الإيراني”.

وأضاف عتريسي أن الضغوط التي مورست على إيران فشلت، سواءً في فك تحالفها مع سوريا، أو في إرباكها ومعمعتها داخلياً؛ وأن مسألة العقوبات المطروحة للمناقشة لن تكون مجدية في ظل اعتراض الصين وروسيا على أية عقوبات جدية، مما يبقينا أمام احتمالين: أولاً، ضرب إيران عسكرياً وردود الفعل المحتملة، التي لا يمكن حالياً لأمريكا معرفتها أو الاستخبار عن حدودها: هل ستمتنع عن الرد لتبدو بصورة الضحية، أم سترد رداً محدوداً؟ أو شاملاً؟، تماماً كما لا يمكن لأمريكا المجازفة باتخاذ هكذا خطوة في ظل أزماتها الحاضرة في العراق وأفغانستان، وعدم وجود بيئة مهيأة لمثل هذه الضربة عند دول الخليج العربي.

والاحتمال الثاني هو التعامل “الواقعي” مع فكرة امتلاك إيران لقدرات نووية، ووضع خطوط حمر تحكم هذا الامتلاك مثل: ممنوع استخدام هذا السلاح، ممنوع نقل هذه المواد أو بيعها، ممنوع أن تصل للمنظمات “الإرهابية” إلخ… . والاحتمالان بحسب عتريسي يشيران إلى حدوث تغيّر فعلي في التعامل الأمريكي مع إيران، يدفع لحد القول باستحالة حصول عمل عسكري ضدها في ظل الظروف الراهنة؛ مضيفاً أنه حتى الضربات المحدودة مستبعدة بسبب الغموض الذي يحيط بطبيعة رد الفعل الناتج وما سينبني عليه إقليمياً ودولياً.

ثمّ كانت مداخلات الحضور التي بدأها النائب العميد وليد سكرية، الذي ركّز على التغيّر الذي شهدته حركات المقاومة وقوى الممانعة، وعلاقتها ببعضها البعض، مشبهاّ إياها بـ”أحجار الدومينو التي إن سقط أحدها يسقط الكل”. وأضاف سكرية أن أمريكا تسعى حالياً لتفكيك قوى الممانعة وعزل إيران عن العرب، وأنه في حال كانت هناك ضربة عسكرية لإيران فلن تكون من أمريكا بل من “إسرائيل”؛ متسائلاً عن مدى استعداد “إسرائيل” لمثل هذه الضربة، المستبعدة.

  أما بالنسبة لسوريا، فإن الحرب مع سوريا ليست من مصلحة “إٍسرائيل” لعاملين رئيسيين، أولهما أن سوريا اليوم قد طورت استراتيجيتها الدفاعية، وبالتالي قادرة على الرد نوعاً ما؛ وثانياً، وهو الأهم بحسب سكرية، أن هذا الردّ بالصواريخ سيكلّف “إسرائيل” خسائر أعلى بكثير من سوريا، سواء اقتصادياً أو سكانياً حيث أن الشعب السوري قادر على التحمل والتضحية أكثر.

صقر أبو فخر، الكاتب والباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نبّه إلى أنه قد يكون هناك تسرّع في استبعاد احتمال الحرب، وأن احتمال الحرب قائم نظرياً، وحتى عملياً، فإن هناك إشارات ذات دلالة ضمنها المناورات والاستخبارات الناشطة وعمليات التسلح من قبل كافة الأطراف المعنية، مما يدلّ أنه “على الرغم من ضآلتها، فإن احتمالات الحرب قائمة”.

أمّا زميله المتخصص في الشؤون الإسرائيلية في المؤسسة ذاتها، أحمد خليفة، فأشار إلى أن جميع المداخلات السابقة استثنت من النقاش التركيب الحالي للجبهة الإسرائيلية الداخلية، ومدى تأثير ذلك على قرار الحرب. وبحسب خليفة، فإن هذا العامل له تأثير حاسم، يليه عامل آخر أيضاً، وهو العلاقة بين “إسرائيل” وأمريكا، ومدى قدرة الثانية على دفع الأولى إلى حرب أو لجمها في حال اختارت الذهاب إلى حرب.

الباحث الفلسطيني، وليد محمد علي، دعا إلى عدم حصر التفكير بالحرب مع “إسرائيل” بالمعنى التقليدي، فالحرب قائمة وطبيعة الحرب هو ما يختلف؛ في إشارة إلى الممارسات الإسرائيلية المستمرة من حصار غزة وتهويد واستيطان القدس والضفة الغربية، والتنسيق الأمني، وغيرها من محاولات تصفية المقاومة وإعادة صياغة اصطفافات المنطقة.

المسؤول السياسي لحركة حماس في لبنان، علي بركة، توسّع في مسألة النظر للأبعاد المختلفة، فأشار إلى جمود عملية التسوية، وإلى رفض نتنياهو لحل الدولتين، وإلى الموقف المصري من حكم حماس في غزة، مذكراً أن خيار الحرب ليس بالضرورة خيار حرب شاملة أو حرب إنهاء وجود، بل ربما تكون حرب بهدف الإضعاف في حالة إيران، أو حرب بهدف إسقاط حكم حماس وليس احتلال غزة مجدداً.

الباحث والكاتب، د. محمد نور الدين، لفت إلى أن امتلاك إيران لسلاح نووي لا يشكل بحد ذاته تهديداً وجودياً لـ”إسرائيل” بسبب إمكانية استخدامه، لكنه يشكل خطراً وجودياً من حيث تهديده لطبيعة العلاقة بين أمريكا و”إسرائيل”، حيث أنّ أمريكا مع الوقت بدأت تشعر بأن حماية وجود “إسرائيل” ومصالحها لم يعد خياراً استراتيجياً في مصلحتها كالسابق، وبأن عليها البحث في الخيارات الأخرى وفي طليعتها الحديث مع دول المنطقة.

ثم كانت نهاية الجلسة الأولى، واستراحة تبعتها الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور جواد الحمد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان.

أولى المداخلات في هذه الجلسة كانت للأستاذ سهيل الناطور، الذي أعاد طرح مجموعة من الأسئلة أعلاه في محاولة لترتيب المحاور الرئيسية التي تحدد الإجابة عن سؤال احتمالات الحرب في 2010. أبرز المحددات بحسب الناطور هي: العلاقة بين أمريكا وإسرائيل؛ سيناريوهات الحرب بمعنى ردود الفعل التي قد تنبني على قيام “إسرائيل” بخطوة عسكرية تصعيدية؛ مدى تهيؤ البيئة الإقليمية والدولية للحرب؛ طبعاً إلى جانب الموقف الإسرائيلي الداخلي. وشدد الناطور في ختام مداخلته على ضرورة الانتباه لمسائل أخرى لا تقلّ أهمية عن احتمالات الحرب، مثل مخاطر بقاء الواقع الفلسطيني على حاله مما قد يؤدي إلى “تعفّنه” بحسب تعبير الناطور.

ثم كانت مداخلة موجزة للأستاذ تيسير الخطيب، الذي استبعد إمكانية بقاء الواقع على ما هو عليه من جمود، ودعا الحاضرين للنقاش في السيناريوهات المختلفة، وطرح للبدء بذلك مثالاً سؤال: “ماذا لو حصلت حرب على غزة؟ هل سيتدخل حزب الله؟ ومتى؟”. ليؤيده بذلك الدكتور حسين أبو النمل في مداخلته التالية، حيث أبدى أبو النمل قلقه من “الإيقاع العالي الذي يتردد في المنطقة، والذي يعيده شخصياً إلى 1967، فإسرائيل ليست وحدها من يتحدث عن الحرب وتكفي نظرة سريعة على الصحافة العربية لندرك هذا الإيقاع”.

وحذّر أبو النمل أن مثل هذا الإيقاع قد لا يكون من مصلحة المقاومة، خاصةً من حيث التركيز على إيجابيات المقاومة وسلبيات “إسرائيل”، وتجنّب الحديث عن إيجابيات “إسرائيل” وما اكتسبته وطورته بعد الحربين الأخيرتين؛ مضيفاً أن الحرب مسألة جدية وكلفتها باهظة، وأن مثل هذا الإيقاع قد يؤدي إلى تشكل رأي عام مفاده “إذا كنا أقوياء وقادرين على التصدّي لإسرائيل، لماذا لا نقوم نحن بشنّ الحرب؟”.

أما بخصوص غزة، فذكر أبو النمل أنّ “إسرائيل” ليست قلقة كثيراً من الوضع في غزة، فهو مريح بالمعنى العملي في الظروف الراهنة، لكنها قلقة من مسألة إيران لأنها أبعد من مسألة تهديد نووي، بل ترتبط بأيديولوجيا الإسلام السياسي والإسلام الحاكم وثبات وقوة حركات المقاومة، وجميعها من المفاهيم التي تسعى “إسرائيل” وأمريكا لمحاربتها، الأولى بهدف حماية مصالحها في المنطقة، والثانية بهدف تطبيع وجودها.

وإلى هذا، أضاف الدكتور طلال عتريسي، ثلاث ملاحظات لأخذها بعين الاعتبار، الأولى أن وجود استعداد للحرب في المنطقة ليس بأمر جديد بل يكاد يكون “طبيعياً”، ويبقى مسألة شنّها؛ والثانية أن مسألة الحرب مرتبطة كثيراً بمدى قناعة “إسرائيل” أن الجبهة المقابلة ستكون فعلاً جبهة واحدة أم لا، حيث أن “إسرائيل” بالطبع لا ترغب بخوض حرب شاملة؛ والثالثة أنّ عبارتيّ “الظروف الراهنة” و”المدى المنظور” مرتبطة كثيراً بواقع العراق، وبإمكانية انسحاب أمريكا منه وتبعات ذلك على الملف الإيراني.

أمّا حلمي موسى، فتطرّق إلى مسألة دول الجوار، والمقاربة الإسرائيلية للتعامل معها، فالأردن ومصر بالنسبة لـ”إسرائيل” يؤمنان لها حدودها بشكل قد لا تستطيع هي نفسها تأمينه. كما أن سوريا بمثابة “عدو تعرفه خير من عدو تجهله”. وعليه، فإن “إسرائيل” ترى في جميع الأنظمة العربية القائمة شيئاً تعرفه، والبديل المجهول هو على الأرجح بالنسبة لها أسوأ بكثير. وأضاف موسى أننا عندما نقرأ الواقع نقرأه على أساس المنطق والتوازنات، ولكن يبقى جزء الطيش والحماقات وهو موجود ولا يمكن إنكاره، لكننا لا نستطيع قراءته؛ خاصة في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، حيث أنه حتى الولايات المتحدة الأمريكية اليوم صارت تركّز في علاقاتها مع “إسرائيل” على المؤسسة العسكرية لفقدانها الثقة بالمؤسسة السياسية، ولإدراكها أن الكلمة الأقوى والأكثر تأثيراً هي للمؤسسة العسكرية؛ وهذا يعود بالنقاش إلى ما طرحه البعض، أي ضرورة التركيز على مسألة التركيبة الداخلية للجبهة الإسرائيلية.

رئيس تحرير جريدة السبيل الأردنية، عاطف الجولاني، ربط إمكانية شنّ حرب على غزة بذكر ثلاثة عوامل تحددّ ما إذا ستكون الحرب محدودة أو شاملة، أولاً جاهزية الجانب الإسرائيلي، وثانياً البعد المتعلّق بتحمّل الثمن القانون والأخلاقي، وهو عامل جديد بعد تقرير غولدستون، وثالثاً الموقف الأمريكي والأوروبي؛ حيث تساءل عن مدى جدية الأزمة بين أمريكا وإسرائيل، وإمكانية أن تكون فعلاً بداية مرحلة جديدة من العلاقة بينهما.

وعمّا إذا كانت الجبهة الثلاثية (إيران وسوريا وحزب الله) ستسمح بسقوط غزة، كانت مداخلة للعميد أمين حطيط مفادها الأساسي أنّها قد تسمح بسقوط غزة عسكرياً أو كنظام سياسي، لكنها لن تسمح بالقضاء على حماس نهائياً، أي لن تسمح بسقوط غزة كقضية مقاومة وتصفيتها كما يحصل في الضفة الغربية؛ حيث أنه في حال بدت النية الإسرائيلية لذلك، فإن قوى الممانعة ستتدخل، وتدخلها سيكون عبر ذرائع ومبررات موجودة حالياً لتدخل حزب الله العسكري المباشر، مثل خروقات “إسرائيل” المتكررة للقرار 1701 ومسألة مزارع شبعا، وأداء اليونيفيل المنحاز.

إلا أن النائب العميد وليد سكرية، وإن اتفق مع حتمية تدخل قوى الممانعة لمنع القضاء على حماس؛ إلا أنه استبعد احتمال سعي “إسرائيل” لذلك في المقام الأول، لأن غزة لا تشكل لها تهديداً أمنياً، ولا تشكل عائقاً لأية تسوية سياسية حيث أن التسوية السياسية ليست جاهزة أصلاً؛ بل على العكس، فبحسب سكرية، فإن أية حرب قد تقوم بها “إسرائيل” على غزة ستقوم بها إما كنوع من “الهروب للأمام” أو لإثارة بعض الدخان لتغطي على ممارساتها في الضفة الغربية؛ والحرب الشاملة ستكون بالنسبة لها نوع من الانتحار.

وهنا أضاف موسى أن “إسرائيل” لا يهمها كثيراً من يحكم غزة، لكن يهمها أن من يحكم غزة يأخذها كثيراً في الحسبان؛ لتكون من ثمّ مداخلة للدكتور محسن صالح عن موضوع “كي الوعي” المتبادل من خلال الحربين الأخيرتين، حيث أن حركات المقاومة اليوم تختلف عنها سابقاً في كونها “تضبط نفسها بنفسها”، مستشهداً بالتهدئة القائمة حالياً في غزة وتوقف إطلاق الصواريخ، ومتسائلاً عما إذا كان ذلك إنجازاً يحسب لـ”إسرائيل” أم نوعاً من “النضج” لدى حركات المقاومة ناتج عن تجربتها السياسية؟ كما علّق صالح على مسألة استغلال “إسرائيل” للجمود الحالي في الظروف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في الضفة، بالحاجة إلى مناقشة الحدّ الذي ستتحمّله “إسرائيل” من هذا الوضع، وما هي النقطة الحرجة التي لن تسمح “إسرائيل” بعدها بتنامي قوى المقاومة وتضطّر لكسر الجمود واتخاذ خطوة ما لتغيير الوضع؟.

ثمّ كان ختام الجلسة الثانية، حيث شكر الدكتور جواد الحمد الحضور وأطرى على غنى الحوار “الذي أثار أسئلة كبيرة، وكثيرة؛ أكثر من الإجابات؛ وترك العديد منها معلقاً برسم الإجابة”؛ تبعه الدكتور محسن صالح بشكر الحضور أيضاً، واختتام حلقة النقاش.