مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي رقم (21) – نيسان/ أبريل 2010.

ملخص التقدير: تُعد قضية الاستيطان واحدة من أهم القضايا التي تشكل لبّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وخاصة في ظل التسارع الخطير في النشاط الاستيطاني على أرض الضفة الغربية، بما يجعل النتائج المستقبلية المفترضة للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية غير ذات قيمة عملية واستراتيجية بخصوص حدود الدولة الفلسطينية الموعودة؛ التي ترسم لها الوقائع الاستيطانية المحمومة على الأرض ملامح بائسة وجغرافية مشوهة.

وبعيداً عن العثرات التكتيكية التي عطلتها مؤقتاً، تبدو مسيرة المفاوضات في المدى المنظور مرشحة للاستمرار لأجل غير معلوم، في ظل المعطيات والمحددات التي تحكم موازين القوى الراهنة، ومواقف واستعدادات الأطراف المختلفة ذات العلاقة.

ولئن بدا ظاهرياً أن المسار التفاوضي قد ارتكس مرحلياً إبان المرحلة الماضية أو تراجع خطوة إلى الوراء على إيقاع المواقف التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في رام الله، والتي اشترطت فيها تجميد الاستيطان مقابل استئناف المفاوضات، فإن تطورات الأحداث ومؤشرات الواقع تشير إلى تراجع تدريجي في مواقف السلطة، تعيدها شيئاً فشيئاً إلى المربع ذاته من جديد.

مقدمة:
منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، الذي أقر تأجيل قضية الاستيطان إلى مرحلة الحل النهائي للمفاوضات، دخلت دولة الكيان الإسرائيلي في سباق مع الزمن لفرض وقائع ملموسة على الأرض، محاولةً تقليص المساحة الجغرافية التي ستؤول فيما بعد للسلطة الفلسطينية في إطار نتائج أي مفاوضات مستقبلية مع الفلسطينيين.

ولم تفلح مباحثات “كامب ديفيد” عام 2000 التي ناقشت قضايا الحل النهائي في جسر الهوة بين الموقفين: الفلسطيني والإسرائيلي، لتتدحرج الأمور تباعاً وتدخل المفاوضات نفق التكلس والجمود وصولاً إلى مرحلة ما بعد عرفات، التي شهدت تسلم محمود عباس مقاليد السلطة وزمام القرار فيها عام 2005، حيث شُرّعت الأبواب أمام مرحلة جديدة من المفاوضات الثنائية في ظل البرنامج السياسي المعروف الذي يحمله الرئيس عباس؛ الذي لا يؤمن إلاّ بالمفاوضات خياراً استراتيجياً وحيداً لحلِّ الصراع مع الاحتلال.

لم يكن متاحاً أن تشهد مسيرة التفاوض أي حراك حقيقي في ظل حكم شارون، لكن مسار الآمال الفلسطينية الرسمية أخذ طريقه إلى الانتعاش مع انطلاق مؤتمر “أنابوليس” نهاية سنة 2007 في عهد الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة بوش الإبن، ومقرراته التي زرعت في عقل المفاوض الفلسطيني أوهاماً حول إمكانية تحقيق تسوية قريبة، تتمخض عنها دولة فلسطينية وفق رؤية “حل الدولتين” التي نظّر لها بوش. إلاّ أن الأشهر العجاف التي تلت ذلك، والعقم الذي أصاب مسيرة التفاوض نتيجة تردد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت في قضايا محددة وخاصة قضية القدس، بدد كل الآمال الفلسطينية الرسمية  مجدداً وأورثها إحباطاً واضحاً، وخصوصاً في ظل ما قيل بأنه فرصة تاريخية لإنجاز التسوية في ظل الانقسام الفلسطيني، الذي يعطي محمود عباس هامشاً واسعاً وأريحية كبرى لإبرام اتفاقات بعيداً عن “عقدة” حماس ومؤثراتها “المزعجة”.

وعلى ما يبدو، فإن المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين، في عهد أولمرت، قد شارفوا على إنجاز صفقة شبه متكاملة للتسوية، لم يشذ عنها سوى تباينات حول وضع القدس ومستقبلها، حسب العديد من المصادر الفلسطينية والإسرائيلية المطَّلعة على جولات المفاوضات التي كانت تجري بسرية بالغة، لإنجاز الصفقة دون أية عراقيل أو مؤثرات جانبية.

لكن حسابات أولمرت الخاصة باعدت بينه وبين استكمال عناصر الصفقة شبه الناجزة، ليغادر بعدها حلبة السياسة والحكم، وينشغل الإسرائيليون من جديد بأوضاعهم الداخلية، والترتيب لانتخاباتهم التي أدت إلى صعود اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي تسلم زمام الحكم على أساس برنامج سياسي؛ اتسم بالتشدد والانغلاق إزاء العلاقة مع الفلسطينيين.

وهكذا طُويت صفحة أولمرت بكل ما فيها، وفُتحت صفحة نتنياهو الذي أعاد المفاوضات إلى نقطة الصفر، في ظل معارضة الجانب الفلسطيني الذي حاول مراراً إعادة المفاوضات إلى حيث انتهت إليه مع أولمرت دون جدوى.

ومع صعود أوباما، وما حمله من مواقف غير مسبوقة إزاء القضية الفلسطينية، وخصوصاً حيال قضية الاستيطان، انتعشت الآمال الفلسطينية الرسمية مرة أخرى، وارتفع السقف الفلسطيني التفاوضي، متكئاً على الموقف الأمريكي الجديد، الذي أعلن صراحةً بأن لا مفاوضات إلا بعد التجميد الكامل للاستيطان.

لكن هبوط الموقف الأمريكي وتراجعه إزاء قضية الاستيطان وضع عباس وفريقه التفاوضي في زاوية حرجة للغاية.

الموقف الفلسطيني.. رحلة الصعود والهبوط:
لم يكن محمود عباس أكثر حرجاً على الصعيد التفاوضي طيلة رحلة قيادته للسلطة ومنظمة التحرير كما في الأشهر الأخيرة، التي شهدت تراجعات سياسية إقليمية ودولية غير مسبوقة، ذات صلة بالقضية الفلسطينية ومستقبل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وشكل استمرار الاستيطان النقطة الأكثر خطورة والأشد حرجاً في سياق مواقف وسياسات عباس، التي ارتفعت وتيرتها في علاقة طردية مع ارتفاع وتيرة المواقف الأمريكية عقب انتخاب أوباما، وتصدير مقارباته السياسية الأولية إزاء الملف الفلسطيني – الإسرائيلي.
ووجد عباس نفسه أعلى الشجرة بين عشية وضحاها، مدعوماً بمواقف محلية وإقليمية ودولية اتخذت طابعاً صريحاً آنذاك، ما جعله يبدو وكأنه ليس في وارد القبول بتسويات جزئية لمسألة الاستيطان. وظهرت السلطة الفلسطينية على أنها في حالة الاستعداد لقطف ثمار الضغط الدولي، وخاصة الأمريكي، وتسجيل أول مكسب تفاوضي حقيقي في سجل العلاقة التفاوضية مع الاحتلال منذ ما يقارب عقدين من الزمن.

ولم يطل الأمر كثيراً حتى بدأ التشدد الأمريكي في الذوبان التدريجي، وبدأت المواقف الأمريكية الجادة تتراجع شيئاً فشيئاً على وقع التصلب الإسرائيلي، وتنحو نحو اعتماد التسويات الجزئية التي تقبل باستئناف المفاوضات في ظل تجميد الاستيطان لمدة عام، ليتم خفض سقف الموقف بعدها إلى ستة أشهر، وأخيراً ثلاثة أشهر، إلى أن تماهت إدارة أوباما مع إدارة بوش السابقة بقبولها عودة المفاوضات دون أية شروط مسبقة.

اصاب التراجع الأمريكي عباس بحرج شديد، فلم يكن من السهل عليه التراجع عن مواقفه المتشددة بين عشية وضحاها، ولم يكن سهلاً عليه النزول عن الشجرة دفعة واحدة، وهو يدرك تمام الإدراك أن وضعه الداخلي ومستقبله السياسي يقف على المحك، أمام فصائل المقاومة؛ وفي مقدمتهم حركة حماس، التي تدعو إلى التخلي عن المفاوضات “العقيمة” التي لم تجلب للفلسطينيين سوى مزيد من تضييع الحقوق وهدرٍ للثوابت. وفي ظل تداعيات فضيحة تأجيل تقرير غولدستون التي هزت سمعته ومركزه السياسي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2009.

كان عباس منزعجاً من الموقف الأمريكي، إلا أنه لم يستطع معاندته أو الجهر بمخالفته، وإن حاول “التمنع” لأطول فترة ممكنة، وسرعان ما بدأ مسار التراجع التدريجي تحت وطأة الضغوط المفروضة، الذي انتهى إلى قبول المفاوضات غير المباشرة، تحت ستار الحديث عن رسالة الضمانات أو ورقة الإيضاحات التي طالب عباس بالحصول عليها قبل إعطاء موافقته العلنية، للتخفيف من وقع تراجعه شعبياً وسياسياً، وإحاطته بتبريرات تمكنه من الدفاع عن موقفه، ولو شكلياً، في سياق حملة الهجوم والانتقادات الفصائلية والشعبية الواسعة التي يُتوقع أن تصب جام غضبها في وجهه؛ بل وقد تشارك فيها فئات وقطاعات محسوبة على السلطة وأنصار التسوية.

مناورة تكتيكية:
يحاول عباس امتصاص الحرج البالغ والتداعيات السلبية التي قد تنشأ نتيجة العودة غير المشروطة للمفاوضات.

ولعل أبرز تجليات هذه التحولات الطلب من “الوسيط الأمريكي” تحويل المفاوضات المباشرة إلى مفاوضات غير مباشرة لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر. وربط موافقته تلك بتوفير بعض المتطلبات، مثل:

1- الحصول على توضيحات أمريكية حول عدد من القضايا (الحدود والقدس والاستيطان) وتقديم ضمانات بشأنها إن أمكن.
2- توفير غطاء عربي لقرار العودة للمفاوضات؛ وقد تمثل ذلك بدعوة الجامعة العربية لعقد اجتماع خاص للجنة المتابعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة الأمر ومباركته، وقد تم ذلك في 2/3/2010، فأعلن المجلس دعم مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية غير مباشرة تجري لمدة أربعة أشهر.

محمود عباس ليس في وارد تحدي الإدارة الأمريكية، لكنه يشعر أن مشروعه السياسي المرتكز أولاً وأخيراً على المفاوضات في خطر كبير، وما لم يُمارِس نوعاً من التشدد والاستعصاء التكتيكي فإن صورته قد تتهاوى في نظر أنصاره ومؤيديه قبل بقية الفلسطينيين الذين خبروا نتائج المفاوضات طيلة المراحل الماضية، ولم يجنوا من ورائها سوى مزيد من تكريس الاستيطان وتواصل المعاناة والإرهاب والعدوان.

يدرك عباس قبل غيره أن طلب التوضيحات من الإدارة الأمريكية لا يقدم أو يؤخر في ميزان نتائج المفاوضات شيئاً، فالإدارة الأمريكية التي عجزت عن إلزام حكومة الاحتلال بأي شيء مرحلي بخصوص قضية الاستيطان، ستكون أعجز عن إلزامها بأي شيء حيال القضايا الأكثر حساسية وخطورة كقضايا القدس واللاجئين وسيادة الدولة الكاملة على أرضها.
ولا ريب أن استياء السلطة من التوضيحات التي حملها ديفيد هيل نائب المبعوث الأمريكي إلى المنطقة مؤخراً؛ التي تعطي أجوبة ناقصة على رسالة مطالب الفلسطينية حيال قضايا الوضع الدائم، تشكل أصدق تعبير عن الدائرة المفرغة التي تدور في فلكها جهود إحياء التسوية.

مواقف الأطراف:

1. الموقف الإسرائيلي:
لا يبدو أن حكومة نتنياهو في عجلة من أمرها لإبرام أية صفقة تسوية، وفق متطلبات عباس، بل لعلها معنية أكثر بإدامة وضع المفاوضات في صورتها الحالية (مجمدة – غير مباشرة) مما يتيح لها استمرار سياسة فرض الأمر الواقع على الأرض و/ أو التخفيف من حدة الانتقادات الدولية الموجهة لها.

في حين يجب أن لا يغيب عن بالنا بأن تشكيلة الحكومة الحالية وبرنامجها السسياسي، يحولان دون إبداء أية مرونة في قضايا: الحدود، القدس واللاجئين، والإصرار على عدم وقف الاستيطان بما فيه “النمو الطبيعي”، ورفض استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في كانون الثاني/ ديسمبر 2008.

2. الموقف الأمريكي:
أما إدارة أوباما فهي معنية بإطلاق المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، ولو بهدف تسكين الجرح الفلسطيني مؤقتاً؛ ما لم يكن التوصل إلى قيام دولة فلسطين إلى جانب “إسرائيل” أمراً ممكناً. وذلك سعياً منها لأخذ الوقت اللازم لمداواة جروحها المفتوحة في العراق وأفغانستان، ومعالجة العديد من الملفات، التي يقف الملف النووي الإيراني في صدارتها، فضلاً عن محاولتها الحفاظ على الحد الأدنى الذي يحول دون انهيار صورة الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي.

غير أن أميركا تدرك قدرتها المحدودة على الضغط على “إسرائيل”، ومدى نفوذ اللوبي الصهيوني الإسرائيلي في صناعة القرار الأمريكي المتعلق بالشرق الأوسط. هذا، فضلاً عن أن الولايات المتحدة غير جادة وغير راغبة في تعريض شراكتها الاستراتيجية مع “إسرائيل” للخطر، إذ تظل “إسرائيل” المحدد الأول لصناعة القرار الأمريكي في المنطقة.

وعلى الرغم من الاستياء الأمريكي من إعلان “إسرائيل” عن بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في منطقة القدس، إلا أن الإسرائيليين اعتذروا عن عدم مناسبة التوقيت لتوافقه مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي بايدن للمنطقة، وليس عن عملية البناء نفسها. وقد بدا واضحاً أن الإدارة الأمريكية ليست بوارد اتخاذ إجراءات حاسمة وملزمة لـ”إسرائيل”، وبدل أن تتم طمأنة الجانب الفلسطيني المتضرر والواقع تحت الاحتلال، فقد تمت طمأنة الجانب الإسرائيلي، خصوصاً في أثناء زيارة نتنياهو لأمريكا وانعقاد مؤتمر الإيباك، بالالتزام المطلق بأمن “إسرائيل” وبالشراكة بين الطرفين.

وتحدث نتنياهو في أمريكا عن أن القدس ليست مستوطنة وأن البناء فيها كالبناء في تل أبيب. وبالتالي فإن التوجه الأمريكي هو أن تكون هناك عملية تسوية ومفاوضات جارية حتى لا يحدث انهيار لمفاوضات السلام، وحتى لا يحدث فراغ يتم ملؤه ببدائل أخرى تقودها التيارات الإسلامية وتيارات المقاومة.

3. الموقف العربي:
ما تزال العديد من الدول العربية تتفاعل إيجاباً مع تطلعات الرئيس الأمريكي أوباما تجاه العالمين العربي والإسلامي، التي عبر عنها في خطابيه الشهيرين في كل من تركيا ومصر. لذلك، هي تحاول مساعدته لتحقيق تطلعاته تلك.

الذي يزيد من تقدير هذه الدول لسياسة أوباما الخارجية، هو تفهم الموقف العربي من مسألة عدم تقديم وديعة عربية لـ”إسرائيل” ما لم تلتزم الأخيرة بشرط تجميد الاستيطان، وعدم مطالبتهم بإجراءات تطبيع “علنية” مع “إسرائيل”.

قد تكون هذه المعطيات هي التي أسهمت في ترجيح كفة الدول العربية التي تدعو إلى استئناف مفاوضات دون شروط مسبقة؛ كما ورد في بيان مشترك ضم وزراء هذه الدول إلى جانب وزيرة الخارجية الأمريكية في 26 أيلول/ سبتمر 2009. كما جاء في بيان مجلس وزراء الخارجية العرب في 3/3/2010 إجراء مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية غير مباشرة، حيث جرى التأكيد على أن الخطوة العربية هذه جاءت: تسهيلاً لدور الولايات المتحدة. وقد وفر هذا القرار لعباس مخرجاً مناسباً لمتابعة المفاوضات، بعد إصراره على شرط وقف الاستيطان.

ومع إعلان “إسرائيل” بناء 1600 وحدة سكنية في القدس، عادت أزمة المفاوضات لتظهر من جديد، وتبرز الصلف والعجرفة الإسرائيلية، وتبالغ في إحراج السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية التي أكدت في مؤتمر القمة العربي في سرت تمسكها بـ”السلام” خياراً استراتيجياً، مع اشتراط وقف بناء الوحدات السكنية هذه لاستئناف المفاوضات.

السيناريوهات والتداعيات:
في إطار ما سبق يمكن اعتبار سيناريو استئناف المفاوضات؛ تحت ستار المفاوضات غير المباشرة وفقاً للتفاهمات الفلسطينية – الأمريكية التي جرى بلورتها مؤخراً، أمراً واقعاً.

وهذا السيناريو يشكل حلاً مؤقتاً وظرفياً لأزمة المواقف المسبقة التي تشدد عباس في التمسك بها إزاء التجميد التام للاستيطان، وتوطئة لعودة انسيابية إلى مسار المفاوضات الثنائية المباشرة، ربما في غضون أربعة أشهر.

هذه الصورة، من الممكن أن تجر على الوضع الفلسطيني التداعيات التالية:

1. سقف تفاوضي أدنى:
فمع استئناف جولات المفاوضات لن يكون أمام عباس وفريقه التفاوضي سوى القبول بالسقف التفاوضي الإسرائيلي المعروف الذي يمنح الفلسطينيين صفقة تسوية مشوهة، أو البقاء في إطار المراوحة التفاوضية لأمد غير معلوم، أو التراجع وإبداء التمنّع والاستنكاف الذي يستجلب ضغوطاً دوليةً تتدرج في حدتها ما بين الانتقاد والهجوم السياسي مروراً بالمقاطعة السياسية المحدودة ووقف الدعم المالي جزئياً، وانتهاءً بالمقاطعة الشاملة التي انتهى إليها الراحل ياسر عرفات، وذلك في إطار محددات البقاء السياسي التي تحكم وجود السلطة برمتها. ويعزز من هذا الاحتمال أن التجربة التاريخية تشير إلى أن أميركا والقوى المتنفذة في المجتمع الدولي ليست في وارد الضغط على “إسرائيل”، وأن الضغوط عادة ما تتجه نحو “الحلقة الأضعف” وهي هنا الجانب الفلسطيني.

2. انفجار غضب الشارع الفلسطيني:
قد يحاول محمود عباس، الاستفادة من حالة الغضب الفلسطيني على المفاوضات واستمرار عملية قضم الأرض الفلسطينية وتهويد المقدسات؛ بإطلاق تحذيرات للمجتمع الدولي، وعلى رأسه الإدارة الأمريكية، من مغبة عودة العنف في الضفة الغربية، حال فشل خيار التسوية خلال المرحلة المقبلة؛ ما لم يتم الضغط بشكل جدي وحقيقي لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بدفع استحقاقات التسوية.
ولكن هذه الأطراف تدرك واقع الحال الذي تفرضه أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية، والبيئة الأمنية هناك، وبالتالي فإنهم سيضعون هذه التحذيرات في إطار المناورة السياسية والضغوط التكتيكية، التي لا يملك عباس إنفاذها، فضلاً عن معرفتهم المسبقة بعدم قناعته بذلك من حيث المبدأ!.

3. الذهاب إلى مجلس الأمن:
مع تزايد المشاعر الفلسطينية والعربية الرسمية بوصول مشروع التسوية السلمية إلى طريق مسدود، وأن المفاوضات تأخذ طبيعة لا نهائية، يستفيد منها الطرف الإسرائيلي في بناء الحقائق على الأرض، بينما تضيع الأرض وتذوب إمكانات قيام دولة فلسطينية؛ أخذت تتعالى دعوات فلسطينية وعربية بإعلان وصول التسوية إلى طريق مسدود، وإعادة الأمر إلى الأمم المتحدة لتقوم بالتزاماتها في تنفيذ قراراتها المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة دولته وانسحاب “إسرائيل” من الأرض المحتلة سنة 1967. غير أن مثل هذه الدعوات والصيحات لا تحمل حلولاً حقيقية يمكن الركون إليها، لاحتمالات دخولها في دوامات ودهاليز الأمم المتحدة التي تؤدي إلى مزيد من ضياع الوقت، فضلاً عن إمكانية تعطيلها وإفشالها من القوى الكبرى وخصوصاً أمريكا.

التوصيات:

– وقف المفاوضات السياسية الحالية مع سلطات الاحتلال، لأنها تفتقد للجدية، وتطيل أمد الاحتلال، ولا توجد لها مرجعية محددة تحترم حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية.
– التداعي إلى بلورة استراتيجية وطنية موحدة ترتكز على التعامل مع الخيارات المتاحة في إطار المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا.
– حثّ مسيرة المصالحة الفلسطينية، والحرص على إنزال موجبات التوافق ومقتضيات الوحدة منزل التنفيذ، وعدم إبقائها إطاراً شكلياً منفصماً عن آليات العمل والتطبيق، ووضع أسس معقولة للشراكة الوطنية التي تهيئ من بعد للتصدي للاحتلال الإسرائيلي، وحملات الاستيطان والتهويد و”الأسرلة” في فلسطين المحتلة.
– إعادة بناء وتشكيل منظمة التحرير على أسس تنظيمية وسياسية جديدة، وبحيث تكون مظلة لكافة الفلسطينيين وفصائلهم في الداخل والخارج، وإجراء انتخابات المجلس الوطني وفق الآليات التي يتم التوافق عليها وطنياً، وبحيث تعبِّر بقوة وفعالية عن مصالح الشعب الفلسطيني.
– تشكيل قوى ضغط فلسطينية، مؤسسية وشعبية، تشكل رافداً لفصائل العمل الفلسطيني، وعنصر تحشيد للقوى والطاقات الشعبية واستثمارها في إطار مقاومة الاحتلال ومخططاته الاستيطانية التوسعية.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ مؤمن بسيسو بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/4/2010