مدة القراءة: 5 دقائق

(قانوني فلسطيني بارز يؤكد عدم مشروعية تمديد ولاية الرئيس محمود عباس)

 خدمة مركز الزيتونة – بيروت: بعد تصاعد الحديث في الساحة الفلسطينية عن تمديد ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي تنتهي في أوائل 2009، وصعوبة إجراء انتخابات رئاسية في ظل استمرار الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، أبدى أحد أبرز القانونيين الفلسطينيين معارضته لفكرة التمديد هذه، مبيناً مخالفة مشروعية تمديد ولاية رئيس السلطة المحددة دستورياً بغير الطريق الدستوري الديمقراطي؛ وهو الانتخاب.

ورأى الدكتور أحمد مبارك الخالدي عميد كلية الحقوق بجامعة النجاح سابقاً، ورئيس لجنة صياغة الدستور ووزير العدل الفلسطيني السابق، أنه لتمديد ولاية رئيس السلطة، لا بد من توافر المشروعيتين الديموقراطية والدستورية لهذا التمديد، وهو ما لا ينطبق في هذه الحالة.

وفيما يختص بالمشروعية الديموقراطية، أوضح الخالدي أنه وفقاً للنظام الدستوري الفلسطيني، يتم “إسناد السلطة إلى الرئيس بالانتخاب، لذا يجب أن تكون ولايته محددة المدة تمشياً مع المبدأ الديمقراطي الذي يقضي بوجوب أن تحدد مدة تنصيب الرئيس في رئاسة السلطة؛ حيث يجب في نهايتها تجديد الانتخابات بصفة دورية، حتى تكون سلطة الرئيس تحظى بالشرعية ديمقراطياً”.

وأضاف أن التعديل الدستوري للقانون الأساسي في 13/8/2005 حدّد “فترة بقاء رئيس السلطة الوطنية وأعضاء المجلس التشريعي بطريقة مشروعة بأربع سنوات من تاريخ الانتخاب، بشكل صريح بالنسبة للمجلس التشريعي، وبشكل ضمني بالنسبة لرئيس السلطة”. ورأى أنه “لا غموض في ذلك؛ لأنه عندما يذكر نص المادة (36) من القانون الأساسي المعدل سنة 2005 أن مدة ولاية الرئيس هي أربع سنوات، فإن ذلك يعني بشكل قاطع أن المدة تبدأ من تاريخ انتخابه وليس من تاريخ ميلاده أو من التاريخ الذي يحدده لاحقاً حسب المصلحة الحزبية أو الشخصية”.

وأشار الخالدي إلى أنه “لما كان رئيس السلطة هو من يملك دستورياً الدعوة إلى انتخابات رئاسية، فإنه بنهاية مدة ولاية الرئيس دون أن يدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية يعد مركز الرئيس شاغراً”.

أما فيما يتعلق بالمشروعية الدستورية، فقد تطرق الخالدي إلى ما يتردد من القول بتمديد ولاية الرئيس حتى نهاية ولاية المجلس التشريعي استناداً إلى قانون أو أمر رئاسي بقانون للانتخابات العامة، مؤكداً أن هذا الأمر مخالف للقانون الأساسي، ويمكن أن تترتب عليه تداعيات سلبية كبيرة. وبنى تفسيره هذا على شقين: أولهما اختلاف بداية ولاية رئيس السلطة عن بداية ولاية المجلس التشريعي، وبالتالي اختلاف ميعاد تجديد انتخابات الرئاسة عن ميعاد إجراء انتخابات المجلس التشريعي؛ وثانيهما هو أن القانون الأساسي هو “دستور” لا يعدل بقانون عادي.

وفي الشق الأول، أوضح الخالدي أن اختلاف ميعاد تجديد انتخابات الرئاسة عن ميعاد إجراء انتخابات المجلس التشريعي يتبين من خلال المادة (36) من القانون الأساسي المعدل في 2005، والتي تقرر أن مدة رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية هي أربع سنوات؛ وحيث تم انتخاب الرئيس في 9/1/2005 فإن فترة ولايته تنتهي في 8/1/2009. كما يتبين من خلال المادة (47/3) من القانون الأساسي المعدلة سنة 2005، والتي تقرر أن مدة المجلس التشريعي هي أربع سنوات من تاريخ انتخابه، وأن الانتخابات تجرى مرة كل أربع سنوات بصورة دورية؛ وحيث تمت انتخابات المجلس التشريعي في 26/1/2006 لذلك تنتهي مدة نيابة أعضائه وتمثيلهم للشعب في 25/1/2010.

وخلص إلى القول: “بناءً عليه فإن موعد إجراء انتخاب رئيس جديد للسلطة الفلسطينية أو تجديد انتخابه يجب أن يتم قبل 8/1/2009. والرئيس هو المكلف بالدعوة لإجراء انتخابات رئاسية قبل ثلاثة شهور من حلول تاريخ 9/1/2009”.

وأضاف أنه “حيث يحل موعد الانتخابات الرئاسية بالتحديد الوارد في القانون الأساسي قبل حلول موعد الانتخابات التشريعية بعام ونيف، فإن النص في القانون الأساسي في الأصل قد فصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية، وهو ما أراده المشرع الدستوري في القانون الأساسي، ولم يرد في القانون الأساسي أي نص يفيد أن المشرع الدستوري أراد توحيد مواعيد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية”.

وحول القانون رقم (9) لسنة 2005 بشأن الانتخابات العامة، والذي يستند إليه المؤيدون لتمديد ولاية الرئيس إلى حين حلول موعد الانتخابات التشريعية، فقد رأى الخالدي أن هذا القانون، بصرف النظر عن عدم دستوريته، فإنه في ذاته يناقض التأويل الذي يريد “فقهاء السلطان” أن يبرروا من خلاله مشروعية التمديد دستورياً، موضحاً ذلك في النقطتين التاليتين:

1. أن المادة (94/3) من القانون رقم (9) لسنة 2005 نصت على أن “يتولى الفائز بمنصب الرئيس رئاسة السلطة الوطنية بعد شهر من إعلان لجنة الانتخابات للنتائج النهائية، ويقوم بممارسة صلاحياته بعد أداء القسم وفقاً لأحكام القانون الأساسي”. وحيث تم انتخاب الرئيس في 9/1/2005 فقد بدأت ولايته من تاريخ ممارسته لصلاحياته، وعليه فمدة ولايته تنتهي بنهاية الأربع سنوات التي حددها القانون الأساسي في التعديل الذي أدخل على المادة (36) من القانون الأساسي، والذي أصبح ساري المفعول بتاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 18/8/2005، كما جاء النص على ذلك في المادة (3) من التعديل.

2. لا يمكن الاستناد إلى نص المادة (97) الفقرة (4/أ)، لأن هذه المادة لا علاقة لها بالحالة محل البحث، المتعلقة بتمديد ولاية رئيس السلطة؛ فالمادة المشار إليها وضعت حكماً لحالة شغور منصب الرئيس بوفاته، أو لاستقالته المقبولة، أو لفقدانه الأهلية القانونية. فهذا الحكم يطبق على الرئيس الجديد الذي يجيء بعد شغور منصب الرئاسة بهذه الأسباب، فلا ينطبق الحكم على الرئيس القائم في سدة الحكم وتسلم الحكم بالانتخاب، وليس نتيجة وفاة أو استقالة أو فقدان أهلية من سبقه.

وفي الشق الثاني لتفسيره وجود مخالفة للقانون الأساسي في تمديد ولاية الرئيس حتى نهاية ولاية المجلس التشريعي، أشار الخالدي إلى أن القانون الأساسي هو “دستور” لا يعدل بقانون عادي، ورأى أن “الخروج على هذا المبدأ يعدّ عيباً جسيماً وظاهراً، يجعل القانون العادي المعدل للدستور، بغير تفويض صريح في الدستور ذاته، باطلاً لدرجة الانعدام”.

وأضاف أنه بتطبيق ذلك على الحالة محل البحث، فإنه يتبين أن المادة (2/1) من قانون الانتخابات العامة رقم (9) لسنة 2005 أضافت حكماً لم يرد في القانون الأساسي، حيث نصت على أن يتم انتخاب الرئيس وأعضاء المجلس التشريعي في آن واحد، موضحاً أن هذا الأمر يستحيل قانوناً في ظل نص كل من المادة (36) والمادة (47/3) من القانون الأساسي، اللتين حددتا مدة ولاية كل من الرئيس والمجلس بأربع سنوات من تاريخ انتخاب كل منهما؛ فولاية الرئيس تنتهي قبل سنة من انتهاء ولاية المجلس.

كما أن الجمع بين الانتخابات التشريعية والرئاسية (سواء ما ورد في المادة 2 أو المادة 97/4 أو المادة 111) يتطلب تعديل نصوص في القانون الأساسي.

وتعديل القانون الأساسي كما جاء في المادة (120) منه لا يتم إلا بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي، وعليه فإن التعديل الذي أدخله قانون الانتخابات باطل لعدم دستوريته لمخالفته لنصوص القانون الأساسي.

مع العلم بأن القانون الأساسي لم يفوض المشرع العادي (المجلس التشريعي) بإضافة أحكام أو استكمال ما لم يرد له حكم في القانون الأساسي.

أما بخصوص القرار الرئاسي بإصدار قانون انتخابات عامة جديد برقم (1) لسنة 2007، فأكد الخالدي أنه “باطل بطلاناً مطلقاً يصل لدرجة العمل المادي المنعدم؛ لأنه يمثل اغتصاباً لوظيفة المجلس التشريعي”. وأرجع قوله بعدم دستورية وبطلان هذا القرار إلى وجود مخالفتين جوهريتين؛ أولاهما هي أن هذا القرار فيه تعديل بالإضافة، يتمثل في الحكم الذي أدخله في المادة (111) على القانون الأساسي بتمديد مدة ولاية رئيس السلطة، بالمخالفة لصريح نص القانون الأساسي في المادة (36). وهو صادر عن رئيس السلطة بغرض أن يمدد ولاية نفسه. أما المخالفة الثانية، فهي أن الرئيس لم يفوض من القانون الأساسي بالتشريع مطلقاً، فعلى سبيل الاستثناء فوضه القانون الأساسي اتخاذ تدابير إدارية مؤقتة في حال توفر شروط حالة الضرورة الواردة في المادة (43)، ولم يفوضه في تعديل أو إلغاء القانون الأساسي أو القوانين العادية.

ونبّه الخالدي من أنه “بذلك نصل إلى حالة من الفراغ القانوني لمركز رئيس السلطة إذا لم تجري انتخابات رئاسية قبل 8/1/2009. الأمر الذي من شأنه أن يعكس تداعيات عملية أبرزها تكريس الانفصال عملياً بين الضفة وغزة”.


إعداد: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات 10/9/2008

اضغط على الرابط التالي لتحميل الورقة الكاملة:
“التداعيات القانونية لانتهاء ولاية الرئيس محمود عباس”   (10 صفحات، 149 KB)  
بقلم : أ. د. أحمد مبارك الخالدي

“التداعيات القانونية والسياسية لانتهاء ولاية الرئيس محمود عباس”   (10 صفحات، 159 KB)  
بقلم : أ.د. عبد الستار قاسم