إعداد: أ. د. وليد عبد الحي.[1]
(خاص بمركز الزيتونة).
مقدمة:
يمكن تعريف الحرب التجارية[2] بأنها نزاع ينتج غالباً عن تبني دولة أو عدة دول السياسة الحمائية Protectionism لبعض قطاعاتها الاقتصادية والتجارية، وتتمثل أبرز أدوات النزاع بين دولتين أو أكثر في المجال التجاري حول عدد من الأبعاد، أبرزها التعريفات الجمركية المتبادلة بين الأطراف ذات العلاقة، وتُعرف أحياناً باسم حروب الجمارك أو حروب الرسوم أو حروب التعريفات الجمركية. وكردّ فعل انتقامي، قد تزيد الدولة المقابلة التعريفات الجمركية على وارداتها، وهو ما يوجِد توتراً في العلاقات بين الطرفين نتيجة فرض دولة رسوماً جمركية إضافية على البضائع المستوردة من دولة أو دول أخرى.
للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> ورقة علمية: مستقبل الحروب التجارية في سياسات ترامب الدولية … أ. د. وليد عبد الحي ![]() |
وتختلف الحرب التجارية، عبر التعريفات الجمركية، عن الإجراءات الأخرى المتّخذة للسيطرة على الواردات والصادرات، مثل العقوبات التجارية، إذ إنّ الحرب التجارية ترتبط أهدافها بالتجارة تحديداً، بينما قد تكون للعقوبات أهداف خيرية بهدف حماية أبعاد إنسانية أو بيئية…إلخ، ويمكن تطبيق سياسات حمائية غير جمركية، على سبيل المثال، من خلال وضع حدّ أقصى لحصص الاستيراد (أي تحديد نسبة معينة للواردات من سلعة معينة من دولة معينة)، أو وضع معايير ومواصفات محددة واضحة للمنتجات، أو تطبيق دعم حكومي للعمليات الصناعية لتقليص الاعتماد على مصادر خارجية…إلخ.[3]
أولاً: شرعية التعريفات الجمركية في القانون الدولي:
مع أنّ التعريفات الجمركية أداة تجارية يُقرّها القانون الدولي، إلا أنّ منظمة التجارة العالمية وضعت حدوداً عليا معيّنة يمكن للدول الأعضاء فرضها، مع الإقرار بتمايز لهذه الحدود من دولة لأخرى، لكنّ تجاوز هذه الحدود يشكل خرقاً للالتزامات المنصوص عليها في المنظمة الدولية.[4]
وتُشكّل قاعدة “الدولة الأولى بالرعاية” في موضوع التعريفات الجمركية قيداً على الدول، إذ إنّ هذه القاعدة تعني منع الحكومات من التمييز بين شركائها التجاريين. وقد يؤدي هذا التمييز إلى نزاعات تجارية أمام هيئة الاستئناف Appellate Body التابعة لمنظمة التجارة العالمية، والمكلّفة بنظام تسوية المنازعات التجارية Dispute Settlement Body، لكنّ هذه الهيئة معطلة حالياً نظراً لامتناع الولايات المتحدة منذ رئاسة دونالد ترامب Donald Trump الأولى عن تعيين أو استبدال قضاتها منذ 2019،[5] مما قد يُعقّد حلّ النزاعات التجارية المحتملة. بالمقابل تسعى الدول التي تنضم إلى اتفاقيات التجارة الحرة إلى زيادة خفض التعريفات الجمركية بينها عن المستويات التي التزمت بها بالفعل في منظمة التجارة العالمية، أو حتى إلغائها، وتُطبق التعريفات الجمركية المنخفضة بعد ذلك على الأطراف الأخرى في اتفاقية التجارة الحرة، والهدف هو تعزيز شروط تجارية أفضل، وتحسين تدفقات التجارة بين الشركاء التجاريين الاستراتيجيين.[6]
ثانياً: الخبرة التاريخية الأمريكية الحديثة والمعاصرة مع الحروب التجارية:
تتصدر الولايات المتحدة دول العالم في انغماسها في هذا النمط من الحروب التجارية القائمة على السياسة الحمائية، فمنذ مطلع هذا القرن، بلغ عدد النزاعات التجارية الأمريكية مع العالم 15 نزاعاً من مجموع 23 نزاعاً تجاريّاً بين إجمالي دول العالم، وكان بعض هذه الحروب التجارية مستمراً منذ أواخر القرن الماضي وبعضها جديد،[7] وهو ما يعني أنّ الولايات المتحدة كانت طرفاً في ما نسبته 65.2% من النزاعات التجارية، أي ما يعادل ثلثيها، مما يعني أنّ سياسات ترامب ليست خروجاً على تقاليد استراتيجية أمريكية تاريخية ولكنها، مع ترامب، أصبحت أوسع نطاقاً من حيث الامتداد الجغرافي (اتّساع عدد الدول)، وأكثر عدداً في القطاعات التي شملتها هذه الحروب التجارية كما سنوضّح لاحقاً.
ودلّت الخبرة التاريخية الأمريكية[8] على أنّ هناك احتمالات لتطوّر النزاعات التجارية إلى حروب مباشرة، كما جرى في سنة 1921 عندما فرضت الولايات المتحدة قيوداً تجارية تفاعلت آثارها لنصل إلى الحرب العالمية الثانية، أو فرض الولايات المتحدة مقاطعة نفطية على اليابان سنة 1941، والتي مهّدت للهجوم الياباني على بيرل هاربور Pearl Harbor ودخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. لكنّ بعض التطورات المهمة تستدعي الحذر في افتراض تطوّر حروب التعريفات الجمركية إلى حروب عسكرية مباشرة، ومن أهم هذه التطورات، أولاً الترابط والتشابك بين الفعاليات الاقتصادية والتجارية بفعل ديناميكات العولمة إلى الحدّ الذي يجعل ضبط التفاعل أمراً في غاية التعقيد. أما التّطوّر الثاني فهو سرعة إيقاع التّغيّر التكنولوجي، وصعوبة توفر القدرة التكيفية “الداخلية” خصوصاً بين القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال قدَّرت دراسة أكاديمية أنّ سياسات ترامب ستزيد من الأعباء على دخل كلّ الطبقات ولو بنسب متفاوتة، وتتراوح الأعباء، خلال الشهور القليلة الماضية من عهد ترامب الثاني، بين 5.8% على 20% من السكان الذين ينتمون للطبقات الفقيرة من المجتمع الأمريكي، و2.9% على الطبقة الوسطى التي تمثل 60% من السكان، بينما سيكون العبء 0.7% على 20% ممن يمثلون الطبقة العليا، وهو ما يؤكد أنّ تداعيات التعريفات الجمركية يجب تناولها بحذر شديد.[9]
ويميل أغلب المؤرخين المعنيين بالحروب التجارية إلى المقارنة بين ظروف الخطاب الحمائي الذي تبنّته دول الاقتصاديات الكبرى سنة 1930، عقب ما يعرف بالكساد الكبير، وبين الظروف القائمة حالياً بعد بروز ترامب في السياسة الأمريكية منذ 2016. وتشير المقارنة بالتحديد إلى ما أقرّه الكونجرس Congress الأمريكي ووقّعه الرئيس الأمريكي هربرت هوفر Herbert Hoover سنة 1930 فيما عرف بقانون التعريفات الجمركية، والذي فرض تعريفات جمركية باهظة وواسعة النّطاق على ما يقرب من 20 ألف سلعة مستوردة، وبلغت الزيادة نحو 50%، وكانت تُعدُّ حينها الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة حتى ذلك التاريخ. وكان الهدف منه الحدّ من المنافسة الأجنبية التي يواجهها المنتجون الأمريكيون، وهو ما ترتب عليه نزعة قومية لدى الدّول المتضررة رافقتها موجة من الإجراءات الانتقامية التجارية من أوروبا (خصوصاً فرنسا وإيطاليا وسويسرا) وكندا، مما أدّى في النهاية إلى تفاقم الكساد الأمريكي وشلّ التجارة العالمية على مدى السنوات الخمس التالية. وهنا تكرّست قناعة لدى النخب الاقتصادية والسياسية المختلفة بأنّ الدرس الرئيسي من تلك الفترة هو أنّ الفوز في الحروب التجارية ليس “سهلاً”، وأنّ معالجة آثارها الضارة يستغرق وقتاً طويلاً للغاية، خصوصاً أنّ السياسة الأمريكيّة أدّت في تلك الفترة إلى تراجع الصادرات الأمريكية بنسبة 66% خلال الفترة القصيرة التالية للقرار، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt إلى تخفيض الرسوم الجمركية بعد أربعة أعوام.[10]
وتكشف الخبرة التاريخية للعلاقات التجارية الأمريكية بُعداً آخر في مجال العلاقة بين الجيواقتصادي والجيوسياسي، فقد انتهجت اليابان مثلاً في فترة لاحقة سياسة حمائية، واعتمدت على سعر صرف ملائم للدولار الأمريكي، فأصبحت اليابان قوةً عظمى في صادرات الصناعات التحويلية، مثل السيارات والإلكترونيات. وبحلول منتصف ثمانينيات القرن الماضي، تجاوز اختلال الميزان التجاري الأمريكي مع اليابان 43 مليار دولار،[11] أي ما يقرب من ثلث إجمالي العجز التجاري الأمريكي، مما أثار مخاوف من هيمنة اقتصادية يابانية. وهنا تشابك البُعد السياسي بالاقتصادي، إذ إنّ اعتماد اليابان على الولايات المتحدة في دفاعها، دفعها للقبول “بحصة طوعيّة” من صادراتها من السيارات والصلب للسوق الأمريكي من ناحية، والقبول من ناحية أخرى بفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على أشباه الموصلات اليابانية.
من جانب آخر، تكشف قضية الموز بين الولايات المتحدة من ناحية وبين أوروبا وأمريكا اللاتينية من ناحية ثانية عن نموذج آخر للحرب التجارية، فعلى مدار القرن العشرين، هيمنت الشركات المرتبطة بالولايات المتحدة في أمريكا الوسطى والجنوبية على سوق الموز العالمي، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى تحديد حصص معينة لوارداته من الموز المستورد من مستعمراته السابقة في منطقة البحر الكاريبي، فردّت خمس دول من أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة بتقديم شكوى صدر حكم لصالحها من منظمة التجارة العالمية سنة 1997، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات تجارية على المنتجات الأوروبية بلغت قيمتها الإجمالية قرابة 200 مليون دولار، وهو ما أجّج النزاع بين الطرفين إلى أن تمت تسويته سنة 2009 من خلال موافقة الاتحاد الأوروبي على خفض الرسوم الجمركية على واردات الموز من أمريكا اللاتينية، بينما استمرت دول منطقة البحر الكاريبي في الحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية في سوق الاتحاد الأوروبي.[12]
ومن الأمثلة الأخرى التي تكشف الخبرة الأمريكية في الحروب التجارية هو موضوع الصلب الأمريكي، فقد هيمنت الولايات المتحدة على أكثر من 50% من هذا القطاع حتى حدود ثمانينات القرن الماضي، غير أنّ هذه الهيمنة بدأت بالتأكل لتصل إلى أقل من 10% مع بدايات القرن الحالي، مما دفع الرئيس جورج بوش الابن سنة 2002 إلى فرض رسوم جمركية بلغت 30% وُصفت “بالوقائية” على واردات بلاده من الصلب، وهو الإجراء الذي استفزّ شركاء الولايات المتحدة التجاريين، مثل كوريا الجنوبية وروسيا والاتحاد الأوروبي، الذين سارعوا إلى وضع خطط لفرض رسوم جمركية انتقامية على الدجاج الأمريكي والمنسوجات وشركات الطيران. وترافق مع الإجراء الانتقامي من تلك الدول ارتفاع أسعار الصناعات الأمريكية التي تشتري الصلب كمواد خام لصناعاتها، مما أدّى إلى خسارة ما يقرب من 200 ألف وظيفة في قطاع استهلاك الصلب. وفي سنة 2003، أصدرت منظمة التجارة العالمية حكماً ضدّ الرسوم الجمركية، وتمّ إلغاؤها بعد فترة وجيزة.[13]
وثمّة نماذج كثيرة للحروب التجارية الأمريكية مع العديد من دول العالم وخصوصاً من حلفائها، مثل التعريفات الجمركية على الدجاج في ستينيات القرن الماضي مع كلّ من فرنسا وألمانيا التي فرضت تعريفات جمركية على الطيور الأمريكية، فردّت الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على الشاحنات الخفيفة وبعض المواد الزراعية الأخرى، وهو ما أضرّ اليابان أيضاً إلى جانب الدولتين الأوروبيتين. وللالتفاف على التعريفات الجمركية الجديدة، أنشأت الشركات الأوروبية مصانع تجميع على الأراضي الأمريكية.[14]
كما شهدت اليابان مواجهة مع أمريكا سنة 1987 حول إنتاج واستيراد السيارات، والإلكترونيات، والدراجات النارية، حيث قامت الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية على هذه السلع ردّاً على عدم تطبيق اليابان اتفاقية بين البلدين تسمح بزيادة الواردات اليابانية من الولايات المتحدة.[15]
واشتبكت الولايات المتحدة مع كندا حول ما سمي “حرب الاخشاب” سنة 1982، والتي أدّت إلى ارتفاع أسعار الخشب الكندي بنحو 40% سنة 2018. كما جرت مواجهة أوروبية أمريكية حول تجارة الصلب والبرتقال في فترة جورج بوش الابن.[16]
ثالثاً: تقييم السياسات الحمائية في الحرب التجارية:
من العسير القول بأنّ الحرب التجارية في بُعدها الحمائي تمثّل خيراً مطلقاً أو شراً مطلقاً، فهي ذات نتائج نسبية، لكن نسبة الفائدة والضرر منها مرتبط بمتغيرات عدّة ترجّح بين منافعها وأضرارها، ولكن هناك اتّجاهان في هذا الجانب:
الاتجاه الأول: المؤيد للحمائية: يرى هذا الاتجاه أنّ السياسات الحمائية تؤدي إلى:[17]
1. أنّ السياسات المُحكمة التصميم تُوفر مزايا تنافسية. فمن خلال منع الواردات أو تثبيطها، تُعزز السياسات الحمائية فرص العمل أمام المنتجين المحليين، مما يُسهم في نهاية المطاف في إيجاد المزيد من فرص العمل.
2. يُمكن لهذه السياسات أن تُساعد في التّغلب على العجز التجاري.
3. يعتقد المؤيّدون أنّ الرسوم الجمركية المؤلمة والحروب التجارية قد تكون السبيل الوحيد الفعّال للتعامل مع دولة تُواصل سياساتها التجارية غير العادلة أو غير الأخلاقية.
الاتجاه الثاني: المعارض للسياسات الحمائية: يرى هذا الاتجاه أنّه: [18]
إذا قبلنا الاتجاه العام للتقديرات الاقتصادية، فإنّ التعريفات الجمركية مع نسبة مهمة من الدّول ستبقى في حدود 10%، بينما ستستقر مع الصين عند 60%، على الرغم من أنّ ترامب يميل لاعتبار 80% هي الأنسب مع الصين. فإذا اعتمدنا هذا الاتجاه العام لحجم التجارة الأمريكية مع العالم، فإنّ المعدل سيستقر عند 20%. ومنذ سنة 1800 حتى سنة 1860، عرفت التعريفة الجمركية الأمريكية تصاعداً، ثم بدأت بعد تلك الفترة تتراجع إلى أن وصلت سنة 2020 إلى نحو 2.42%. غير أنّها عادت للتصاعد إلى 28% مع بداية مرحلة ترامب الثانية، وهو ما يعني أنّ هناك ارتباكاً واضحاً في الرؤية المستقبلية لمشروع ترامب التجاري. وتتضح الإشكاليات في هذا الجانب فيما يلي:[19]
1. أنّ الحمائية غالباً ما تُلحق الضرر بالأشخاص الذين يُفترض حمايتهم من خلال خنق الأسواق وإبطاء النمو الاقتصادي والتبادل الثقافي.
2. قد تبدأ خيارات المستهلكين في السوق بالتقلّص، بل قد يواجه المستهلكون نقصاً في السلع إذا لم يتوفر بديل محلي جاهز للسلع المستوردة التي أثّرت عليها الرسوم الجمركية أو ألغت وجودها.
3. إنّ الاضطرار إلى دفع المزيد من المال مقابل المواد الخام المستوردة يضرّ بهوامش ربح المُصنّعين المحليين.
4. يُمكن أن تُؤدي الحروب التجارية إلى ارتفاع الأسعار، مع ارتفاع تكلفة السلع المُصنّعة تحديداً، وهذا بدوره يُمكن أن يُؤدي إلى تضخّم في الاقتصاد المحلي بشكل عام.
وتشير إحدى الدراسات التي رصدت تداعيات سياسات ترامب حتى نيسان/ أبريل 2025 في مجال التعريفات الجمركية، إلى تراكم لمجموع التعريفات على النحو التالي:[20]
1. عند حساب متوسط معدل التعريفة الجمركية الفعلي المدفوع على جميع الواردات الأمريكية في سنة 2024، تبين أنّ المستوردين يدفعون ما يُقدر بـ 2.2 سنت رسوماً جمركية لكل دولار من السلع المستوردة.
2. بإضافة تعريفات جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات الصينية و25% على الألومنيوم والصلب، وهي إجراءات سارية بالفعل اعتباراً من آذار/ مارس 2025، يرتفع متوسط معدل التعريفة الجمركية الفعلي إلى 7.1%. أي أنّ تكلفة الواردات من الصين سترتفع بنحو 22 سنتاً لكل دولار من السلع المستوردة.
3. بإضافة تعريفات جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك التي تقع خارج نطاق اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، يرتفع متوسط معدل التعريفة الجمركية الفعلي إلى 10.4%. وترتفع المعدلات الفعلية للمكسيك وكندا بشكل حاد، إلى 15.5% و11.9% على التوالي.
4. بتطبيق تعريفات السيارات بنسبة 25%، يرتفع متوسط معدل التعريفة الجمركية الفعلي إلى 12.4%، مما يقود إلى أن تتفاقم أعباء التعريفات الجمركية في قطاعات مثل معدات النقل، ويصل متوسط معدل التعريفة الجمركية الفعلي على مستوى الدولة إلى 30% للمكسيك و20% لكندا. كما نجد أنه بإضافة تعريفة جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من الاتحاد الأوروبي إلى التجارب السابقة، يرتفع متوسط معدل التعريفة الجمركية الفعلي إلى 17%، وهو الأعلى.
رابعاً: مركزية الصين في استراتيجية الحرب التجارية لترامب:
شكَّل برنامج التحديثات الأربعة الصيني منذ التحول الصيني بعد غياب ماو تسي تونغ Mao Zedong نقلة نوعية في المكانة الاقتصادية للصين عالمياً، ثم انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية سنة 2001، وبدأ الميزان التجاري بين الولايات المتحدة والصين يختل تدريجياً لصالح الصين بدءاً من سنة 1985 تقريباً ليبلغ ذروته في سنة 2018 خلال فترة حكم ترامب الأولى بما يفوق 400 مليار دولار، وهو ما استفزّ ترامب وبدأ باتهام الصين باستغلال سياسة التجارة المفتوحة الأمريكية، وسرقة الملكية الفكرية، والمسؤولية عن فقدان الوظائف في قطاعات التصنيع الأمريكية…إلخ، وشرع نتيجة ذلك في سنة 2017 بفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على السلع الصينية، بما في ذلك الإلكترونيات الاستهلاكية والأجهزة الطبية والآليات الميكانيكية، مما دفع الصين لفرض تعريفات جمركية استهدفت الصناعات الأمريكية، مثل السيارات والزراعة، مما أثّر بشكل خاص على صناعة فول الصويا الأمريكية. وعرفت مرحلة جو بايدن Joe Biden (2024-2020) بعض التراجع في حدّة الحرب التجارية بين البلدين، حيث وافقت الصين على تخفيف قواعد الملكية للشركات التي تتلقى استثمارات أجنبية، على الرغم من أنّ إدارة بايدن لم تلغِ تعريفاتها الجمركية الأولية بل فرضت قيوداً تجارية إضافية، مثل فرض قيود على التصدير وحظر الاستثمار في السوق الصينية. [21]
وتمثل خمسة أطراف دولية الثقل الأكبر في التجارة الأمريكية، وتتمثل هذه الأطراف في كتلتين هما الاتحاد الأوروبي (27 دولة) ورابطة الآسيان (10 دول)، ثم ثلاث دول هي كندا والمكسيك والصين. ولمّا كان إجمالي العجز التجاري السلعي الأمريكي في سنة 2024 ما يعادل 1.2 تريليون، فإنّ هذه الأطراف الخمسة تشكّل ما نسبته 82.75% من إجمالي عجز التجارة السلعية الأمريكية حتى نهاية 2024، وهو ما يفسّر احتلالها صدارة نسب الجمارك الجديدة التي فرضها ترامب، مع ملاحظة أنّ العجز التجاري الأكبر بين هذه الأطراف المركزية هو مع الصين.
وعندما تولّى ترامب الرئاسة الأولى (2016-2020)، تمّ تخفيض العجز بين الصين والولايات المتحدة من 346.825 مليار دولار إلى 307.966 مليار، أي بنسبة 11.2% من العجز، أي بمعدل 2.8% سنوياً، كما يتضح في الجدول رقم 1، ومعلوم أنّ ترامب بدأ حربه التجارية مع الصين سنة 2018.
ومن الضروري الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة والصين وقّعتا اتفاقية تجارية بينهما في كانون الثاني/ يناير 2020 (السنة الأخيرة لترامب في فترته الأولى)، وركّزت الاتفاقية على قطاعات رئيسية هي: تنظيم العلاقات التجارية بين الطرفين في مجالات الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا والزراعة والخدمات المالية وتوسيع التجارة بين الطرفين، كما تغطي الاتفاقية موضوع الملكية الفكرية بشكل تفصيلي يشمل كلّ ما له صلة بالأسرار التجارية، وبراءات الاختراع، والملكية الفكرية المتعلقة بالأدوية والمؤشرات الجغرافية (GI ) ا[22]، والعلامات التجارية، ومكافحة السلع المقرصنة والمقلّدة.[23]
جدول رقم 1: العجز التجاري الأمريكي مع الصين خلال الفترة 2019–2025 [24]
السنة | 2019 | 2020 | 2021 | 2022 | 2023 | 2024 | كانون الثاني/ يناير + شباط/ فبراير 2025 |
قيمة العجز مليار دولار | 342.629 | 307.966 | 352.806 | 382.133 | 279.107 | 295.401 | 52.911 |
وكان ترامب ضمن دعاة فرض رسوم جمركية منذ ثمانينيات القرن الماضي (عندما شمل “التهديد الياباني” مشتريات يابانية من عقارات نيويورك الرمزية)، وتواصل موقفه منذ ولايته الرئاسية الأولى عندما رفع الرسوم الجمركية على حصة كبيرة من الواردات من الصين وعلى واردات الألومنيوم والصلب من مختلف الدول الأخرى. وخلال حملته الانتخابية سنة 2024، وعد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% (على الأقل) على جميع الواردات من الصين، ورسوم جمركية عالمية بنسبة 10% أو 20% (على جميع الواردات من جميع الدول). كما هدَّد بفرض رسوم جمركية على شركات محددة، مثل جون دير John Deere التي تفكّر في نقل عمليات التصنيع إلى الخارج. ثم تصاعدت ردود الفعل على سياسات ترامب من الصين وغيرها لتصل لأرقام قياسية تراجع عن بعضها فيما بعد، ثم عاد للسماح بفترة 90 يوماً لتجميد تطبيق بعض إجراءاته الجمركية.[25]
ويسعى ترامب من التعريفات الجمركية على الصين وغيرها لتحقيق عدد من النتائج أهمها:
1. إيجاد توازن تجاري بين الصادرات والواردت والتخلص من العجز التجاري.
2. تحفيز المصانع الأمريكية على مزيد من الإنتاج من خلال السيطرة على الواردات الأجنبية.
3. وقف الهجرة غير الشرعية إلى جانب وقف تهريب بعض المواد مثل مادة الفنتانيل fentanyl التي تستخدم لأغراض طبية.
4. العمل على توازن موارد الدولة مع نفقاتها.
5. العمل على كبح بعض سياسات الدول الأخرى خصوصاً في مجال دعم الأمن القومي الأمريكي، فمثلاً وقّع ترامب أوامر تنفيذية في شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2025، طالب فيها وزارة التجارة الأمريكية للنظر في مدى ضرورة فرض رسوم جمركية على واردات النحاس والأخشاب لحماية الأمن القومي، خصوصاً أنّ النّحاس مثلاً يلعب دوراً حيوياً في الصناعات الدفاعية الأمريكية، والبنية التحتية، والتقنيات الناشئة، بينما تُستخدم المنتجات الخشبية في قطاع البناء والجيش.
6. يعتقد البعض أنّ علاقات ترامب “الودية” مع روسيا هي لتحييدها وصرفها عن مساندة الصين في مواجهته التجارية معها، وهو أمر ناقشنا هشاشته في دراسة سابقة، ناهيك عن ملابسات علاقة ترامب بالدوائر الأمنية الروسية.[26]
وتكشف بيانات التوسع التجاري لكل من الصين والولايات المتحدة عن فشل كبير لإجراءات ترامب التجارية، ويكفي المقارنة بين العلاقات التجارية الدولية لكل من الولايات المتحدة والصين، وهو ما يتّضح في الجدول التالي:[27]
جدول رقم 2: مقارنة التوسع التجاري الدولي لكلّ من الصين والولايات المتحدة
السنة | 2001 | 2018 | 2023 |
عدد الدول التي تفوق تجارتها مع الصين التجارة مع أمريكا | 30 | 139 | 145 |
عدد الدول التي تحتل الصين المركز الأول في حجم تبادلها التجاري | – | – | 60 |
عدد الدول التي تحتل أمريكا المركز الأول في تجارتها | – | – | 33 |
عدد الدول التي تصل تجارتها مع الصين إلى ضعف حجم تجارتها مع أمريكا | – | 92 | 112 |
نسبة الاقتصاديات العالمية التي تفوق تجارتها مع الصين تجارتها مع الولايات المتحدة | 15% | – | 70% |
(-): غير متوفرة
ويكشف جدول رقم 2 عن التسارع في السيطرة التجارية الصينية، ولعلّ تراجع ترامب في آخر اتفاق له مع الصينيين (الأسبوع الثاني من أيار/ مايو 2025) لتخفيض تعريفاته التجارية مع الصين، لفترة تجريبية قوامها ثلاثة شهور، من 145% إلى 30%، مقابل تخفيض صيني مقابل من 125% إلى 10%،[28] هو مؤشر على أنّ مشروعات ترامب ليست أكثر من مواقف تفاوضية قابلة للمساومة.
خامساً: إشكاليات إجراءات ترامب الدولية في حروبه التجارية:
يمكن الإشارة بداية إلى أنّ بيانات إدارة ترامب وتصريحات مستشاريه تعكس قدراً من “عدم اليقين” في تقييم التداعيات المحتملة لحربهم التجارية، كما تتداخل الأهداف المتعددة لتصل أحياناً إلى إشارات متعارضة لبعضها البعض، وتتمثل أبرز إشكاليات الأهداف الأمريكية في الآتي:[29]
1. تشجيع نقل الصناعات إلى الداخل: تميل الشركات الأمريكية إلى فتح مصانعها في الخارج، خصوصاً في الدول التي تكون فيها أجور العمالة أقل بشكل واضح، قياساً لما هو عليه في الولايات المتحدة، وهو إجراء يُعظّم أرباح هذه الشركات. وعليه، فإنّ فرض رسوم جمركية أعلى على منتجات هذه الشركات يدعم خزينة موارد الحكومة الأمريكية من ناحية لكنه يثقل كاهل المستهلك الأمريكي، ويزيد من رغبة الشركات الأمريكية للانتقال إلى الداخل من ناحية ثانية.
2. حماية المنتجين الأمريكيين: تسعى سياسات ترامب إلى دعم التصنيع المحلي في المنافسة مع الإنتاج الأجنبي، كما جرى في رفع رسوم الصلب الجمركية في سنة 2017. إذ تسمح هذه الرسوم للمنتجين الأمريكيين برفع أسعارهم، لكنّ هذا الإجراء يرفع أيضاً التكاليف على المنتجين الأمريكيين في المراحل النهائية للإنتاج، مما يجعل الصادرات الأمريكية أقل تنافسية بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ما يكشف التضارب في بعض الإجراءات.
3. خفض العجز التجاري على الصعيدين الثنائي والعالمي: ثمة مستويان في موضوع العجز التجاري الأمريكي، فهناك العجز التجاري الثنائي (بين أمريكا ودولة معينة)، والعجز التجاري الإجمالي الأمريكي مع العالم ككل. ومع أنّ الرسوم الجمركية قد تُسهم في تعديل العجز من ناحية، ولكنها قد لا توصل للنتائج المرجوة إذا وضعنا في الاعتبار متغيرات أخرى مثل سعر صرف الدولار من ناحية، والظروف الاقتصادية الأخرى من ناحية ثانية.
4. إشكالية مبدأ المعاملة بالمثل: يقوم مبدأ المعاملة بالمثل الذي تطبّقه منظمة التجارة الدولية على أساس التساوي في نسبة الرسوم الجمركية من ناحية، والشروط التجارية الأخرى التي لها صلة بالمواصفات والمقاييس وتاريخ الصلاحية للمنتج…إلخ. فمثلاً تصل نسبة الجمارك على السيارات الواردة لأمريكا إلى 2.5% مقابل 10% للسيارات التي تستوردها أوروبا، وهو ما يستوجب إما خفض أوروبا رسومها لتتوازى مع الرسوم الأمريكية، أو رفع أمريكا رسومها لتتوازى مع الأوروبية. وهنا تبرز إشكالية جديدة، فسياسات الرسوم الجمركية في أغلب السلع ليست واحدة في كل الدول، وهو ما يؤثر في ارتباك التصدير والاستيراد نتيجة تباين التعريفات الجمركية، خصوصاً في ظلّ تشابك سلاسل التوريد.[30] فالسلعة المصنّعة في أربع دول مثلاً، وخصوصاً ما تنتجه الشركات متعددة الجنسية، يوجِد جدلاً حول كيفية حساب الرسوم الجمركية، إذا كانت نسبة الرسوم متباينة بين دول الإنتاج المشترك.
5. إنّ المراهنة على أنّ رفع الرسوم الجمركية سيزيد موارد الخزينة يجب أن يضع في الاعتبار أنّ رفع الرسوم قد يدفع الدولة المصدرة إلى البحث عن أسواق بديلة غير الولايات المتحدة، والتي تكون رسومها الجمركية أقل بما يمنح السلعة قدرة تنافسية، وهذا التحول سيحرم الخزينة من الرسوم كلها سواء العالية أم المنخفضة، وهنا سيجد ترامب أنّ وعوده بخفض الضرائب، وتعويض ذلك بموارد الرسوم الجمركية، قد يكون رهاناً غير مضمون خصوصاً على المدى المتوسط.
6. التوظيف السياسي للرسوم الجمركية: يربط ترامب أحياناً بين الرسوم الجمركية وبين مطالب لا صلة مباشرة بينها وبين التجارة بشكل عام، فمثلاً هدّد ترامب كلاً من المكسيك وكندا والصين برفع التعريفات الجمركية عليها ما لم تُعالج هذه الدول الاتجار بالمخدرات وتدفقات المهاجرين، كما هدّد دول البريكس BRICS التي تُفكّر في عملة بديلة للدولار بالإجراء نفسه. لكنّ بعض هذه التهديدات ستوجِدُ إشكالاً قد يقود لنسف اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا United States–Mexico–Canada Agreement (USMCA)، التي تفاوض عليها ترامب خلال إدارته الأولى لتحل محل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) North American Free Trade Agreement (NAFTA). وهنا يقفز سؤال ومهم: ما هي ضوابط استخدام التهديد بالرسوم الجمركية كلما اختلفت الولايات المتحدة مع دولة معينة حول أي شأن سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو حتى بيئي؟
7. إشكالية سعر صرف الدولار: ثمة علاقة بين جدوى الرسوم الجمركية وبين سعر صرف الدولار، فقد يرتفع سعر الدولار بسبب ضعف عملات الدول الأخرى التي ستتراجع صادراتها نتيجة ارتفاع الرسوم الجمركية على سلعها، كما أنّ المستثمرين قد يتوجهون إلى الولايات المتحدة طمعاً في أسعار فائدة أعلى أو كملاذ أكثر أمناً لاستثماراتهم في ظلّ الاضطراب الاقتصادي العالمي، بل إنّ بعض الدول قد تقوم بتخفيض قيمة عملاتها لتشجيع صادراتها، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار في مواجهة هذه العملات. لكن ذلك لا ينفي احتمالات أخرى مثل أنّ ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، قد يحمي المستهلكين الأمريكيين من بعض زيادات الأسعار الناجمة عن رفع الرسوم، لكنّه بالمقابل سيجعل الصادرات الأمريكية أقل تنافسية، وهو ما سيترتب عليه تحقيق هدف إيرادات الدولة لكنه سيزيد العجز التجاري.
أما في حالة ضعف سعر صرف الدولار، نظراً للقلق من عدم اليقين من استقرار سياسات ترامب الاقتصادية، أو نتيجة أعباء رفع الرسوم الجمركية، أو مواصلة التضييق والطرد على المهاجرين، أو استمرار تزايد الدَّين العام الأمريكي، أو تشبث ترامب بموقفه بإبقاء أسعار الفائدة أقل مما هي عليه، فإنّ ذلك كلّه سيقود لتخفيض العجز التجاري، لكنّه لن يضمن زيادة إيرادات الخزينة.[31]
8. ومن الضروري التنبّه إلى أنّ رفع الرسوم الجمركية تقود إلى ارتفاع الأسعار على المستهلك من زاويتين:[32]
أ. أنّ التاجر سيرفع سعر السلعة المستوردة ليعوّض ما يدفعه للجمارك.
ب. أنّ المنتج المحلي سيرفع سعر المواد التي ينتجها محلياً ولكنّه يعتمد في إنتاجها ومعالجتها صناعياً وتخزينها على مواد أولية مستوردة من الصين مثل المواد الصيدلانية والأقمشة والمواد الغذائية…إلخ.
سادساً: مستقبل سياسات ترامب التجارية:
تبدو النظرية الميركانتيلية هي الأنسب لفهم سياسات ترامب خصوصاً في بُعدها الاقتصادي الدولي، وتُركّز هذه النظرية على أهمية تحقيق فائض في الميزان التجاري، وتستهدف النظرية ضمان تراكم الثروة والموارد مع الحفاظ على ميزان تجاري إيجابي مع الدول الأخرى، وعليه فهي تولي أهمية لتعظيم الصادرات وتقليل الواردات، مع اتّخاذ التدابير التي تعزز تحقيق ذلك، وخصوصاً كافة آليات الحماية الاقتصادية. وتقوم النظرية الميركانتيلية المعاصرة على السياسات الاقتصادية التي تُقيّد استيراد السلع الأجنبية من خلال رفع الرسوم الجمركية لجعل السلع الأجنبية أقل قدرة تنافسية في السوق المحلي، ناهيك عن تعظيم إيرادات الخزينة من هذه الرسوم.[33]
وشكَّلت خطة ترامب الاقتصادية القائمة على رفع النسب الجمركية على الواردات الأمريكية المؤشر الأكثر دلالة على توجهاته، ولكنّ هذه الخطة لها تداعيات متنوعة نراها على النحو التالي:
1. التداعيات السياسية:
من البديهي أنّ التداخل بين الاقتصاد والسياسة مسلمة مستقرة في علم السياسة، فالتأثير المتبادل بينهما لا يستوجب الشرح فيه كثيراً؛ فالتخطيط الجيوقتصادي يستهدف تحقيق أهداف جيوسياسية والعكس صحيح.[34] فاستخدام التعريفات الجمركية وغيرها من التدابير التجارية قد يكون لأسباب جيوسياسية مثل حماية الأمن القومي أو حماية البيئة، أي أنّ الهدف هو التأثير على تراتبية توازنات القوى بين الدول وليس ضمان الربح أو الرفاه الاقتصادي فقط. وعليه، فإنّ الجغرافيا السياسية تُفسِّر هنا سلوك الدول بناءً على توزيع القوة والنزاع على الزعامة العالمية، وقد تسعى الدول إلى تحسين وضعها الجيوسياسي من خلال ضمان الوصول إلى موارد قيّمة، مثل المواد الخام الأساسية، وأشباه الموصلات، والتقنيات الرقمية، وبناء سلاسل توريد مرنة أو الانضمام إليها. فعلى سبيل المثال، طبّقت الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تدابير مختلفة للحد من وصول بعض المركبات الكهربائية الأجنبية إلى أسواقها المحلية، ولضمان دور قيادي في سلسلة توريد المركبات الكهربائية العالمية.[35]
وقد تستخدم الدول التعريفات الجمركية التجارية كأداة جيوسياسية لتحقيق أهداف محلية، وللحفاظ على القيادة العالمية أو المطالبة بها. إنّ هذه السياسات الجديدة من شأنها أن تقوّض التعاون الدولي والترابط الاقتصادي، في وقت يقول فيه كثيرون إن القواعد والمؤسسات الدولية تتعرض لضغوط متزايدة. ولعل أول تداعيات سياسات ترامب الجمركية هي إرباك الكثير من أدبيات العولمة، خصوصاً التي كانت تجعل من العولمة والأمركة “صنوان”، ففي الوقت الذي تشكّل إجراءات ترامب الجمركية طعنة لحرية التجارة وتدفقها، وبالتالي لأحد أهم آليات العولمة، فإنّ الرئيس الصيني (الاشتراكي) هو الآن وبتعبيره تحديداً من يقود سفينة العولمة والأكثر حرصاً عليها، وهو مشهد مربك للآيديولوجيات المدرسية لأنّها لم تميّز بين العولمة كصيرورة Process وبين العولمة كوجهة Destination، ولعل ذلك يمثّل أحد أبعاد التأثير السياسي الفكري لإجراءات ترامب. ففي الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من العديد من التنظيمات الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتفاق الشراكة عبر الباسيفيكي، أو الاتفاق العالمي بشأن الهجرة، أو اتفاق باريس، أو تهديدات ترامب لمنظمة التجارة العالمية…إلخ، فإنّ الصين تزداد اندماجاً في منظمات عدّة سواء عبر مبادراتها الذاتية مثل مبادرة الحزام والطريق، أو مبادرة التنمية العالمية التي طرحتها الصين سنة 2021 ونالت تأييد أكثر من مئة دولة…إلخ.[36]
أما الجانب الآخر في تداعياتها السياسية، فهو تعبير عن الردة الأمريكية للمنظور الواقعي والويستفالي دون مراعاة المرحلة الانتقالية التي نعيشها الآن في النظام الدولي، حيث التحول من المنظور الصفري Zero-sum Game إلى المنظور غير الصفريNon zero-sum Game. ولمّا كانت الردة قادمة من أهم قوى النظام الدولي فإنها تمثّل محاولة من اتجاه فرعي Sub-trendلتغيير الاتجاه الأعظم Mega-trend، وهو ما يعني أنّ فاعليتها ستكون عابرة ومحدودة، ليعود الاتجاه الأعظم ليجرّها معه ثانية، وخلال فترة أقصر مما يعتقد الكثيرون.[37]
أما البُعد الثالث في تداعيات سياسات الجمركة الترامبية سياسياً، هو الاحتقان في قنوات التفاعل التجاري بقدر قد يُوجِد توترات داخلية في وحدات النظام الدولي وتوترات بين الوحدات، وهو ما قد يمتد للتحالفات العسكرية القائمة “كالناتو NATO” لتصبح موضع نقاش حول بقائها أو حدود وظيفتها أو توزيع أعباء تشغيلها، ناهيك عن دفع المتضررين إلى البحث في استراتيجيات المواجهة، خصوصاً إذا ترتّب على إجراءات الجمارك، وما يتعلق بها من إجراءات اقتصادية أخرى، أضرار تدفع أعداء الأمس ليكونوا حلفاء الغد والعكس صحيح، ولعل الموقف الأوروبي خير دليل على ذلك. ويتعزّز هذا التوجه بجعل شبكات المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة الدولية، والمنظمات المعنية بالبيئة وحقوق الإنسان والهجرات بل والسلم العالمي، في وضع يعرقل من توسيع دائرة عملها مما سيزيد الطين بلة، وهو ما يجعل سياسة ترامب، الدعوة لحروب أقل، لا تسير بخطى حثيثة كما يزعم.[38] ويكفي الإشارة إلى أنّ القيمة المستهدفة من الإجراءات التجارية الأمريكية، هي 549 مليار يورو (نحو 620 مليار دولار)، ما نسبته 97% من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة.[39]
وفي الوقت الذي ستكون الصين هي المتضرر الأكبر، خصوصاً بعد جولات الرفع المتعاقبة، والمرتبكة بعض الشيء، من 20%، ثم 50%، ثم 104%، ثم 145%، فإنّ الروس هم الأقل تضرراً من هذه السياسة الأمريكية، لأن روسيا لم تعد شريكاً تجارياً مهماً للولايات المتحدة، فقد تراجع حجم تجارتها مع واشنطن بعد حرب أوكرانيا وسياسات الديموقراطيين في السنوات الأربع الماضية من 36 مليار دولار سنة 2021 (بداية عهد بايدن) إلى 3.5 مليار دولار سنة 2024. وإذا علمنا أن 1.3 مليار دولار من هذا المبلغ هو للمخصبات والبلوتونيوم، اللذان يصعب على أمريكا تجنبهما في الزراعة والصناعة، فإنّ إجراءات ترامب لن تكون ذات أثر على الاقتصاد الروسي.[40] وعلى الرغم من استقرار الروبل إلى حدّ ما، لكنّ الأثر على روسيا قد يكون من خلال تراجع أسعار البترول الذي يشكل أحد صادرات روسيا المهمة، على الرغم من أنّه ضرر غير مباشر بل يتم عبر تداعيات اقتصادية أخرى. ولعل هذا يتطابق في دلالاته مع حجم الضرر على الاقتصاد الإيراني، بل ربما يكون أقل من حجم الضرر الروسي على تواضعه.
ومعلوم في التاريخ الاقتصادي أنّ آليات التفاعل بين الدول في القطاع التجاري تتم عبر تفاوض بين طرفَي العلاقة، لكنّ ترامب انتهج سياسة “الإملاء”، فهو يقرّر دون تفاوض مسبق، وهو ما نظر له الأوروبيون واليابان والهند وآخرون على أنّه “رعونة” وخروج على قواعد القوانين الدولية التجارية، وهو ما يترك انطباعاً سلبياً حول الديبلوماسية الأمريكية.
خلاصة الرأي في البُعد السياسي، أنّ جمارك ترامب زعزعت التحالفات التقليدية لكنّها لم تهدمها حتى الآن، وقد تؤسس لتحولات معينة، لكن فترة أربع سنوات ليست كافية حتى مع تطبيقها لتحويل الاتجاه الفرعي لاتجاه أعظم.[41]
2. التأثير على العلاقات الدولية:
يكاد يُجمع الاقتصاديون على أنّ التجارة الحرة تزيد من مستوى الناتج الاقتصادي والدخل، بينما في المقابل، فإنّ الحواجز التجارية تكبحهما، وبالعودة لحالات رفع الجمارك في مراحل تاريخية مختلفة، يتبين أنّ هذه السياسة كانت تقود غالباً إلى رفع الأسعار، وتُقلل الكميات المتاحة من السلع والخدمات للشركات والمستهلكين، مما يؤدي إلى انخفاض الدخل وتراجع فرص العمل والناتج الاقتصادي. والملاحظ أنّ نسبة رفع الجمارك الأمريكية مع أي دولة ترتبط بدرجة الاعتماد السياسي لتلك الدولة على الولايات المتحدة، أو ما يسمى المسافة السياسية بين الطرفين، فالدولة المعتمدة سياسياً وأمنياً على أمريكا سيكون هامش مساومتها متاح للتذبذب، مثل “إسرائيل” أو تايوان أو بعض الدول العربية والآسيوية، بينما الأقل تبعية لواشنطن ستكون نسبة القسوة عليها أعلى، أي أنّ نسبة الجمارك ترتبط بالميزان التجاري من ناحية، وبمدى التبعية للسياسة الأمريكية مهما جرت محاولة التدثر بغطاء أخلاقي لتفسير ذلك.[42]
من جانب آخر، فإنّ تأثير سياسات ترامب الجمركية مرتبطة بحجم نصيب الولايات المتحدة في التجارة العالمية، فالولايات المتحدة تمثل 13% من حجم الواردات العالمية، ولا بدّ من معرفة أنّ ثلاثين دولة في العالم تمثّل 89.6% من إجمالي واردات الولايات المتحدة، وهو ما يعني أنّ عدد الدول التي ستتأثّر بسياسات ترامب مباشرة هي دول محدودة العدد على الرغم من نصيبها الأكبر في العلاقة التجارية، وهو ما يعني أنّ نطاق تأثيرها الجيوقتصادي المباشر سيكون محدوداً، دون التغاضي عن الأثر غير المباشر عبر تداعيات التأثير على الدول الثلاثين. أمّا في الشرق الأوسط، فتحتل “إسرائيل” المرتبة 21 بين الدول الأكثر صادرات لأمريكا. أما الدول العربية فإنّ أغلبها باستثناء السعودية (المرتبة 33) والعراق (المرتبة 45)، تقع بعد المرتبة 60 (الأردن المرتبة 63)، فإذا علمنا أنّ 163 دولة تقريباً تحوز على 10.4% من الواردات الأمريكية، فذلك يعني أنّ تأثّرها المباشر سيكون محدوداً للغاية، دون نفي التأثر غير المباشر استناداً لما يسمى دولاب المستقبليات Futures Wheel. ا[43]. فالمؤشرات التي أشرنا لها في الصفحات السابقة تدل على توسع تجاري صيني، دون قيود تجارية، بشكل متسارع يفوق بشكل واضح التوسع الأمريكي، واستمر هذا التوسع قبل فترة ترامب الأولى وبعدها.
أما التداعيات الداخلية على الاقتصاد الأمريكي ذاته، فإنّ أغلب الدراسات لا تبدو متفائلة بالقدر الذي يحاول فيه ترامب ترويجه. وتبدو الصين وكأنها عقدة ترامب، لا سيّما أنّ صادراتها للعالم تتفوق على الصادرات الأمريكية بنحو 1.361 تريليون دولار في سنة 2024. ويبدو أنّ تاريخ ترامب في هذا الجانب لا يدعو للتفاؤل، فمثلاً في سنة 2018 (خلال دورته الأولى)، عندما رفع الجمارك على الصلب أدخل ألف وظيفة فقط على هذا القطاع، لكنّه أخرج منه 75 ألف وظيفة وفق سجلات الحكومة الأمريكية الرسمية. وقياساً، فإنّ سياساته الجديدة قد توفّر 80 ألف وظيفة، لكنّها قد تخرج 12 مليون من العاملين في الصناعات التي تستخدم الصلب والألومينيوم على سبيل المثال لا الحصر.[44]
من جانب آخر، هل تحول التجارة من الذهاب لأمريكا إلى الذهاب لأسواق بديلة يقلّص من الريع الذي سيجنيه ترامب من رفع نسبة الجمارك ويقلّل من وزن الدولار في التبادل التجاري، فالاتحاد الأوروبي، وهو شريك مركزي للولايات المتحدة تجارياً، بدأ الآن البحث لعقد اتفاقات مع “ميركوسور Mercosur”، وهي الكتلة الاقتصادية لأمريكا الجنوبية، وبدأ المفاوضات مع المكسيك والهند وماليزيا، وهو ما تفعله الآن بريطانيا مع الهند وغيرها. كما أنّ محاصرة دولة عملاقة كالصين بحاجة لتعاون الآخرين من القوى الاقتصادية، فكيف سيتعاونون وترامب يرجّ الأرض من تحت اقتصادهم؟ فقد بدأت بعض الدول مثل كندا والبرتغال أو من دول الناتو الأخرى تبحث عن بديل لشراء الطائراة الأمريكية الحربية أف-35 أو F-35 كرد فعل على سياسات ترامب.[45] وقد اتّضحت هذه الردود من بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية The Organisation for Economic Co-operation and Development (OECD) التي تؤكد على أنّ تصاعد الحرب التجارية سيؤدي إلى ارتفاع التضخم، مما سيقود إلى بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. وأشارت المنظمة إلى أنّ “مخاطر كبيرة لا تزال قائمة، وأن المزيد من تجزئة الاقتصاد العالمي يبعث على قلق رئيسي، لأنّ الزيادات الأكبر والأوسع في الحواجز التجارية ستؤثر سلباً على النمو العالمي وستزيد من التضخم”. وللتدليل على مخاوفها، أوضحت المنظمة في سلسلة تقاريرها أن نمو الاقتصاد العالمي سيتباطأ من 3.2% في سنة 2024 إلى 3.1% في سنة 2025، ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى التوترات التجارية. وتتوقّع المنظمة أن يبلغ معدل التضخم 3.8% هذه السنة في 20 من أكبر اقتصادات العالم، مقارنة بـ 3.5% التي توقّعتها قبل إعلان ترامب لإجراءاته، وهو ما جعل المنظمة تخفّض توقّعاتها بخصوص نمو الاقتصاد لبعض الدول المهمة مثل بريطانيا (الحليف الأهم لأمريكا)، التي سينخفض نموّها إلى 1.4% في سنة 2025، بدلاً من توقّعاتها السابقة البالغة 1.7%، وإلى 1.2% في سنة 2026، بدلاً من 1.3% قبل إجراءات ترامب. وإذا اتّخذت الدول الأخرى، كرد فعل، إجراءات (اقتصادية أو ذات طابع أمني) مضادة للإجراء الأمريكي سيتم رفع جديد للجمارك، فتزداد الإشكالية تعقيداً. فعلى سبيل المثال، تدفع الشركات الأمريكية، وفقاً لتقديرات داخلية، أكثر من 200 مليار دولار سنوياً كضرائب على القيمة المضافة VAT للحكومات الأجنبية، وهو ما يُمثل “ضربة مزدوجة” للشركات الأمريكية التي تدفع الضريبة على الحدود الأوروبية، بينما لا تدفع الشركات الأوروبية ضرائب للولايات المتحدة على دخل صادراتها إليها، وهو ما سيدفع لسياسات جديدة أقرب للمعاكسة منها للتعاونية بين “حلفاء”.[46]
إنّ الضرورة تقتضي إدراك أنّ الاقتصاد الأمريكي يعاني بكيفية أعمق مما يظن ترامب بأنّ إجراءاته ستحل المشكلة، فمثلاً كان الناتج الصناعي الأمريكي يمثل 28.4% من إجمالي الناتج الصناعي العالمي سنة 2001، لكنّه لم يعد يُمثِّل في سنة 2023 إلا ما نسبته 17.4%، أي أنّه تراجع 11% خلال عقدين تقريباً، ولعل ذلك يفسر أنّه خلال الفترة 1997-2024، فقدت الولايات المتحدة نحو 5 ملايين وظيفة في قطاع التصنيع، وشهدت واحدة من أكبر الانخفاضات في العمالة في قطاع التصنيع في تاريخها.[47] كما تقتضي الضرورة الإشارة إلى أنّ نحو 8% من اليد العاملة الأمريكية تعمل في قطاع الإنتاج الصناعي، وهو 8% من إجمالي التشغيل، وهو ما يعني أنّ إجراءات ترامب لن تزيد، بالنظرة المتفائلة، هذه النسبة أكثر من 2%.[48]
وثمة مشكلة أخرى يواجهها الاقتصاد الأمريكي، إذ تتراوح التكلفة السنوية للاقتصاد الأمريكي نتيجة إنتاج بعض الدول الأخرى للسلع المقلدة والبرمجيات المقرصنة وسرقة الأسرار التجارية ما بين 225 مليار دولار و600 مليار دولار. وهذه المنتجات المقلَّدة تُشكِّل خطراً كبيراً على القدرة التنافسية للولايات المتحدة في هذه القطاعات.[49]
لكنّ أنصار سياسات ترامب الجمركية يجادلون في أنّ سياساته قد تؤدي إلى تخفيض الواردات الأمريكية بنسبة 25% (نحو 800 مليار دولار)،[50] ويساند تحليل اقتصادي أجري سنة 2024 هذه النظرة الإيجابية التي ترى أنّ فرض تعرفة جمركية عالمية بنسبة 10% من شأنه أن يؤدي إلى نمو الاقتصاد بمقدار 728 مليار دولار، وإيجاد 2.8 مليون وظيفة، وزيادة الدخول الحقيقية للأسر بنسبة 5.7%،[51] مع ملاحظة أنّ الفارق الحالي بين نسبة الجمارك الأمريكية على المستوردات وبين نسبتها في الدول الأخرى يُعدّ فارقاً واضحاً، من 3.5% إلى 10%، وفي بعض السلع الزراعية والصناعية يصل الفارق بين 2.5% في أمريكا إلى 40% في الدول الأخرى، خصوصاً في قطاعات معينة مثل السيارات، بعض الإلكترونيات، الأرز، وبعض الفواكه مثل التفاح…إلخ.[52]
لكنّ هناك بُعدٌ آخر في هذه المناقشات لتقييم سياسات ترامب لا يجوز إغفاله، وهو توجّهات الرأي العام تجاه مخططات ترامب، فأغلب توجهات الرأي العام العالمي لا تؤيدها، بما في ذلك التوجهات في الولايات المتحدة، حيث إنّ المعارضة بين الأمريكيين جعلت الموافقة على مشروع ترامب يهوي إلى نسبة 37% في نيسان/ أبريل 2025، كما أنّ نسبة المعارضة بين الجمهوريين تصل إلى نحو الربع. وبالعودة إلى فترة ترامب الأولى، نجد أنّ المعارضة لإجراءاته الجمركية في تلك الفترة (وهي أقل حدة من الحالية) كانت 68% بحسب استطلاع شمل 33 بلداً، من ضمنها ألمانيا حيث بلغت المعارضة فيها 85%، وبلغت في كوريا الجنوبية واليابان 82%.[53]
ومن الضروري ملاحظة أنّ ترامب قابل للتراجع عن مواقفه أو تعديلها؛ ففي دورته الأولى اتّخذ موقفاً متشدداً من اتفاقية نافتا، ولكن عاد وتراخى في تطبيق تهديداته، وفي هذه المرة هناك نحو خمسين دولة شرعت في التفاوض مع ترامب أو أعضاء إدارته لهذا الموضوع، مما يعني أنّ المسافة السياسية بين الولايات المتحدة وكل دولة لا يجوز التغاضي عنها عند تحديد نسبة الجمارك التي ستُفرض على الواردات من هذه الدول.
الخلاصة:
شكّل العجز التجاري الأمريكي مع أغلب دول العالم وخصوصاً مع الصين مؤشراً مقلقاً على مستقبل الدور الأمريكي في السياسات الدولية، ويقوم هذا العجز على دعائم ثلاث هي:
1. عدم التوازن بين مستويات الادخار[54] ومستويات الاستثمار.
2. اتّساع الفجوة بين الإنفاق الحكومي من ناحية وإيرادات الضرائب.
3. عدم التوازن بين الصادرات والواردات.
وعند النظر في إجمالي العجز الناتج عن هذه الأبعاد، نجد أنّ الولايات المتحدة بلغت مستوى من العجز في موازنتها الفيدرالية يصل إلى 1.8 تريليون دولار في سنة 2024، وهو يقارب نحو 6.4% من إجمالي ناتجها المحلي بزيادة نحو 0.1% عن سنة 2023،[55] وهو رقم يمكن الاتكاء عليه لبناء سيناريوهات متشائمة ما لم يتم اتخاذ إجراءات وقائية لتفادي تداعياته، خصوصاً أنّ الدول المنافسة للولايات المتحدة في المجال الاقتصادي لا تعاني من هذه المشكلة الهيكلية بمقدار ثقلها على كاهل الاقتصاد الأمريكي.
ذلك يعني أنّ المدخل المباشر لتحقيق التوازن يتم أولاً بضبط الإنفاق الحكومي داخلياً، والإقدام على مثل ذلك سيقود إلى ردات فعل شعبية ومن بعض القطاعات المختلفة اقتصادياً، فهل سيقابل المواطن الأمريكي تخفيض الرعاية الصحية أو التعليم…إلخ بالترحاب؟ كما أنّ تعهدات ترامب بتخفيضات ضريبية، كما قال، ستؤدي إلى تفاقم الاختلال المالي، لأنّ إيرادات الضريبة ستقل لمواجهة مستويات الإنفاق الحكومي.
أما مسألة التعريفات الجمركية، خصوصاً في مواجهة دول عملاقة كالصين، فإنّ نجاحها مرهون بعوامل عدة منها:
1. ردّ الفعل من الدول الأخرى على نسبة جماركها على السلع الأمريكية، وهو ما يجعل هذه السلع أقل جذباً نظراً لارتفاع أسعارها في حالة تطبيق ردّ الفعل عليها، فكل زيادة في التعرفة يليها وبشكل فوري زيادة في سعرها مما يقلّل من قدرتها التنافسية.
2. القدرة على التعويض في الأسواق، ففرض الجمارك على السلع الأمريكية مع معظم أسواق العالم سيزيد من سعرها في كل الأسواق، بينما السلعة الصينية ستبقى قدرتها التنافسية بل ستزداد مع الدول التي تبقى فيها السلع الصينية على المستوى نفسه من التعريفة الجمركية، فما كانت تبيعه في الأسواق الأمريكية سينتقل إلى أسواق أخرى. ويكفي أن نشير إلى أنّ إجمالي الفائض التجاري الصيني مع أهم عشرين شريك تجاري لها كان سنة 2024 نحو 992.2 مليار دولار، منها 361 مليار مع الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن الصين بافتراض نظري بسيط لو تمّ إغلاق تجارتها مع الولايات المتحدة بنسبة 100%، فإنّ فائضها التجاري سيبقى في حدود 631 مليار دولار،[56] لكنّ الصين ستنقل بعضاً مما تقفل الأسواق الأمريكية في وجهه إلى دول أخرى مثل منطقة الآسيان (تبلغ تجارتها مع هذه المجموعة نحو 982 مليار)، أو مع الاتحاد الأوروبي (786 مليار دولار)، وهو ما سيرفع الرقم السابق بنسبة كافية لامتصاص الأثر الأمريكي.[57]
3. تنتهج الصين سياسة معينة، فهي تقوم بنقل صناعاتها التي تفرض عليها الولايات المتحدة تعريفة جمركية إلى دول أخرى، وتصدّرها للولايات المتحدة على أساس أنّ المنتج هو تلك الدولة، وخصوصاً الدول التي تكون نسبة التعريفة الجمركية الأمريكية عليها متواضعة، وهنا تستفيد الدولة المستقبلة للصناعة الصينية من ناحية، وتستفيد الصين بتمويه الدخول للسوق الأمريكي ولكن بزي الدول المضيفة لصناعاتها. ومع أنّ بعض الدول مثل فييتنام لم تُبدِ ترحيباً بالفكرة (لأسباب سياسية تاريخية)، فإن غيرها سيجد ذلك فرصة له. وحيث إنّ الرسوم الجمركية الأمريكية تمس صادرات صينية إليها تصل إلى نحو 300 مليار دولار، فإذا تمكّنت الصين من إيجاد أسواق بديلة لنصف بضائعها، فإن تأثير الإجراءات الأمريكية سيكون أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي الصيني.[58]
4. من بين ردود الفعل الصينية هو تخفيض الصين لقيمة عملتها، وهو ما يجعل القيمة السعرية للسلع الصينية أقل، لكنها ستصبح أكثر جاذبية للمشتري الرشيد لأنها أرخص، وإذا تمكّنت الصين من ضبط التراجع في قيمة عملتها فإنها تستطيع تعويض تخفيض قيمة عملتها بزيادة الإقبال على إنتاجها السلعي بحكم رخص الاسعار.
5. إنّ رفع الصين لقيمة تعريفتها الجمركية على السلع الأمريكية سيجعل أسعار السلعة الأمريكية مرتفعة جداً في ظلّ ارتفاع سعرها أصلاً بسبب ارتفاع معدلات الأجور في الولايات المتحدة، وهو ما يًسهم في رفع سعرها في الأسواق العالمية (فقيمة أجر العامل الصيني تساوي تقريبا 20% من أجر العامل الأمريكي).[59]
6. من الضروري ملاحظة أنّ إجمالي الإنفاق العسكري الأمريكي سنة 2024 يفوق نظيره الصين بنحو 566 مليار دولار (939 مقابل 373 مليار دولار)، وهذا يعيدنا لنبوءة بول كينيدي Paul Kennedy عن التمدد الزائد وأعبائه الاقتصادية Overstretch، الأمر الذي يزيد الأمور تعقيداً في وجه طموحات ترامب.[60]
7. ثمة ظاهرة برزت منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، وهي أنّ الإنتاج السلعي، وخصوصاً الصناعي، يعرف الآن ظاهرة يطلق عليها علماء الاقتصاد اسم “سلاسل القيمة العالمية”، والتي تعني توزيع كل مراحل الإنتاج (من التصميم إلى التسليم للسلعة) في دول متعددة، ومن المؤكد أنّ هذه السلاسل متواجدة في خارج الولايات المتحدة، كامتداد للمركز. والمشكلة هي أنّ نموذج التصنيع الذي يُشكّل أساس نهج ترامب لم يكن موجوداً منذ ما يُقارب الأربعين عاماً، وبالتالي كيف ستُوفِّق سياسة ترامب الجمركية بين ترابط سلسلة القيمة العالمية وبين “قطريته المحصورة في المراحل المتواجدة داخل الولايات المتحدة فقط”، خصوصاً أنّ أي سعي لإعادة سلاسل التوريد بأكملها إلى الولايات المتحدة ستكون سبباً في ارتفاع أسعار المستهلك، وستجعل السلع الأمريكية غير قادرة على المنافسة دولياً.[61]
من الواضح أنّ ترامب منحاز للسياسات الاقتصادية الصرفة أكثر من عنايته بالأبعاد السياسية والاجتماعية والقانونية الدولية، وقد يبدو ذلك ممكناً في المدى القصير، لكن الترابط الاقتصادي والسياسي والأمني والاجتماعي الذي كرّسته العولمة، بغض النظر عن المنظور المعياري لها، ستُجبر ترامب أو من يليه على احترام اتجاهها، مهما أوهمته نرجسيته المرضية بأنّه يعيد صياغة العالم، ويعيد للولايات المتحدة عظمتها، كما يقول شعار أطروحاته ومنظمته MAGA، ناهيك عن التداعيات السياسية المربكة التي ضربت منظومة الروابط للكتلة الرأسمالية التقليدية.
لكننا لا نستبعد أن يعمل ترامب على محاولة التعويض عن ثغرات مشروعه التجاري العالمي بالاتّكاء على بعض الأقاليم، خصوصاً في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، من خلال الاستجابة الأمريكية لهواجس بعض الأنظمة العربية على استقرارها الداخلي أو الإقليمي مقابل تقديم هذه الدول أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والتجارية لأمريكا، والتي قد تصل حدّ إجبار العرب على تبنّي قيود في سياساتهم التجارية مع بعض الدول، خصوصاً مع الصين.
[1] خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونُشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المحكّمة.
[2] Trade war, site of Business Dictionary, https://web.archive.org/web/20180621043058/http://www.businessdictionary.com/definition/trade-war.html
[3] Protectionism: Examples and Types of Trade Protections, site of Investopedia, 31/5/2024, https://www.investopedia.com/terms/p/protectionism.asp
[4] تنقسم التعريفات الجمركية لأعضاء منظمة التجارة العالمية إلى نوعين: الأسعار المقيدة Bound، وهي الأسعار القصوى المدرجة في “جداول” الأعضاء أو قوائم التزاماتهم، والأسعار المطبقة Applied، وهي الأسعار التي يفرضها الأعضاء حالياً، والتي قد تكون أقل من الأسعار المقيّدة. للتفاصيل انظر:
Tariffs, site of World Trade Organization (WTO), https://www.wto.org/english/tratop_e/tariffs_e/tariffs_e.htm
[5] Philip Blenkinsop, At WTO, growing disregard for trade rules shows world is fragmenting, Reuters News Agency, 3/10/2023, https://www.reuters.com/business/wto-growing-disregard-trade-rules-shows-world-is-fragmenting-2023-10-02
[6] Insight: The geopolitics of trade tariffs: The new Trump presidency, site of House of Commons Library, UK Parliament, 12/3/2025, https://commonslibrary.parliament.uk/the-geopolitics-of-trade-tariffs-the-new-trump-presidency
[7] Robert Abad, “Trade Wars in the 21st Century: Perspectives From the Frontline,” site of Western Asset, August 2018, https://www.westernasset.com/sg/qe/pdfs/whitepapers/trade-wars-in-the-twenty-first-century-2018-08.pdf
[8] للاطلاع على التفاصيل التاريخية للأمثلة التي نسردها في هذه الدراسة، انظر:
Ibid; Alex Gendler, America’s trade wars: Past and present, site of VOA News, 5/3/2025, https://projects.voanews.com/trade-wars; and Douglas A. Irwin, “Trade Policy in American Economic History,” Annual Review of Economics journal, Vol.12, 2020, https://www.annualreviews.org/content/journals/10.1146/annurev-economics-070119-024409
[9] Kimberly Clausing and Mary E. Lovely, PIIE Chart: Trump’s bigger tariff proposals would cost the typical American household over $2,600 a year, site of Peterson Institute for International Economics (PIIE), 21/8/2024, https://www.piie.com/research/piie-charts/2024/trumps-bigger-tariff-proposals-would-cost-typical-american-household-over
[10] Smoot-Hawley Tariff Act, site of Britannica, https://www.britannica.com/topic/Smoot-Hawley-Tariff-Act; and Franklin D. Roosevelt, Speech to Congress on Foreign Trade, 2/3/1934, site of Teaching American History, https://teachingamericanhistory.org/document/speech-to-congress-on-foreign-trade
[11] “Macroeconomic Influences on the U.S.-Japan Trade Imbalance,” Federal Reserve Bank of New York (FRBNY) Quarterly Review, Spring 1986, site of Federal Reserve Bank of New York, https://www.newyorkfed.org/medialibrary/media/research/quarterly_review/1986v11/v11n1article2.pdf
[12] Alex Gendler, America’s trade wars: Past and present, VOA News, 5/3/2025.
[13] Ibid.
[14] See Sarah Shamim, Before Trump: The long US history of tariff wars with Canada and the world, site of Al Jazeera, 4/2/2025, https://www.aljazeera.com/news/2025/2/4/before-trump-the-long-us-history-of-tariff-wars-with-canada-and-the-world
[15] See Ibid.
[16] See Ibid.
[17] Tejvan Pettinger, Benefits and costs of tariffs, site of economics, 21/11/2017, https://www.economicshelp.org/blog/218/trade/benefits-and-costs-of-tariffs; and Marina Azzimonti et al., “Tariffs: Estimating the Economic Impact of the 2025 Measures and Proposals,” Economic Brief, site of Federal Reserve Bank of Richmond, April 2025, No. 25-12, https://www.richmondfed.org/publications/research/economic_brief/2025/eb_25-12
[18] Countries & Regions, site of Office of the United States Trade Representative (USTR), https://ustr.gov/countries-regions; and U.S. Trade in Goods by Country, site of United States Census Bureau, https://www.census.gov/foreign-trade/balance/index.html
[19] Paritosh Bansal, Davide Barbuscia and Jeff Mason, In Trump’s circle, some expect high tariffs even after trade deals, Reuters, 9/5/2025, https://www.reuters.com/world/us/amid-trumps-muddled-trade-agenda-one-thing-is-clear-tariffs-will-be-higher-2025-05-09
[20] Marina Azzimonti et al., “Tariffs: Estimating the Economic Impact of the 2025 Measures and Proposals”.
[21] Alex Kliment and Luisa Vieira Graphic Truth: The US trade deficit with China, from zero to now, site of GZERO Media, 17/4/2025, https://www.gzeromedia.com/gzero-north/graphic-truth-us-china-trade-howd-we-get-here-anyway
[22] وتعني معالجة احتمالية الإفراط في حماية المؤشرات الجغرافية GIs الخاصة بإنتاج وإدارة وتحليل وتخطيط كافة أنواع البيانات المتصلة بخرائط على شبكة الكومبيوتر وتحدد المواقع الأنسب للتجارة. وكانت الولايات المتحدة تتهم الصين بأنها توظّف هذا الجانب بكيفية تُقصي المنتجين الزراعيين والغذائيين الأمريكيين تحديداً.
[23] United States – China, Phase One Trade Agreement, USTR, https://ustr.gov/phase-one; Economic and Trade Agreement Between the United States of America and the People’s Republic of China: Fact Sheet, USTR, https://ustr.gov/sites/default/files/files/agreements/phase%20one%20agreement/Phase_One_Agreement-IP_Fact_Sheet.pdf; Robert Abad, “Trade Wars in the 21st Century: Perspectives From the Frontline,” Western Asset, August 2018; and Jack Caporal, The U.S. Trade Balance With Every Country, site of The Motley Fool, 7/5/2025, https://www.fool.com/research/us-trade-balance/#toc_the-us-trade-balance-with-china
وللتعرف على طبيعة العلاقة التجارية الأمريكية الصينية، انظر:
China, Mongolia & Taiwan, USTR, https://ustr.gov/countries-regions/china-mongolia-taiwan
[24] Trade in Goods with China, United States Census Bureau, https://www.census.gov/foreign-trade/balance/c5700.html
[25] David Nelson, Trump Trade 2.0, site of Center for Strategic and International Studies (CSIS), 20/12/2024, https://www.csis.org/analysis/trump-trade-20
انظر أيضاً تفاصيل نسب التعرفات التي فرضها ترامب على مختلف الدول في:
Insight: The geopolitics of trade tariffs: The new Trump presidency, House of Commons Library, UK Parliament, 12/3/2025.
[26] وليد عبد الحي، ترامب وإشكالية التحول في العلاقات الروسية الأمريكية، موقع مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 28/3/2025، في: https://www.alzaytouna.net
[27] Roland Rajah and Ahmed Albayrak, Data Snapshot: China versus America on global trade, site of Lowy Institute, January 2025, https://interactives.lowyinstitute.org/features/china-versus-america-on-global-trade; and John Edwards, What’s next in the US trade conflict?, site of The Interpreter, Lowy Institute, 14/4/2025, https://www.lowyinstitute.org/the-interpreter/what-s-next-us-trade-conflict
[28] Josh Boak and Didi Tang, What’s next with Trump’s trade war truce with China, The Associated Press (AP), 13/5/2025, https://apnews.com/article/trump-tariffs-whats-next-2d597284774fddd6ad9fa4f60e783d34
[29] David Nelson, Trump Trade 2.0, CSIS, 20/12/2024; and Michelle L. Price, How Trump justifies his tariffs — from budget balancing to protecting ‘the soul’ of America, AP, 26/3/2025, https://apnews.com/article/trump-tariff-justifications-50f0b4416234e63c7136eaa5c5f96759
[30] Trump’s Economic Disruption: The World Adapts, site of Council of Councils (CoC), Council on Foreign Relations (CFR), 1/5/2025, https://www.cfr.org/councilofcouncils/global-memos/trumps-economic-disruption-world-adapts
[31] David Nelson, Trump Trade 2.0, CSIS, 20/12/2024.
[32] Dara-Abasi Ita, How Tariffs on Chinese Goods Could Affect Your Grocery Bill, Investopedia, 16/1/2025, https://www.investopedia.com/tariffs-on-chinese-goods-8773900
[33] Mercantilism, site of Corporate Finance Institute (CFI), https://corporatefinanceinstitute.com/resources/economics/mercantilism
[34] Insight: The geopolitics of trade tariffs: The new Trump presidency, House of Commons Library, UK Parliament, 12/3/2025.
[35] Risks in 2025: Geopolitical instability and trade wars, site of Everstream Analytics, https://www.everstream.ai/articles/2025-risks-geopolitical-tariff-wars
[36] Xin Ping, Guest Opinion: China’s leading role in globalization, site of Xinhuanet, 26/11/2024, https://english.news.cn/20241126/4e07c7850bf844a3aee871a136190094/c.html
[37] Juan Carlos Palacios Cívico,Trump protectionism and tariffs: a threat to globalisation, or to democracy itself?, site of The Conversation, 13/3/2025, https://theconversation.com/trump-protectionism-and-tariffs-a-threat-to-globalisation-or-to-democracy-itself-252072
[38] Nancy Qian, Trump’s Trade War Is about More Than Trade, Kellogg Insight magazine, Kellogg School of Management, 17/2/2025, https://insight.kellogg.northwestern.edu/article/trumps-trade-war-china
[39] Camille Gijs, Trump’s trade war threatens €549B of EU goods, Brussels warns, site of POLITICO, 6/5/2025, https://www.politico.eu/article/trumps-probes-and-tariffs-threaten-to-hit-e549b-of-eu-goods-eu-trade-chief-warns
بينما تقدر مصادر أخرى أن إجراءات ترامب تمس 70% من الصادرات الأوروبية للولايات المتحدة، والتي تصل قيمتها الإجمالية إلى 585 مليار دولار. انظر:
Philip Blenkinsop, EU seeks unity in first strike back at Trump tariffs, Reuters, 7/4/2025, https://www.reuters.com/markets/eu-seeks-unity-first-strike-back-trump-tariffs-2025-04-06
[40] Russia not on Trump’s tariff list, British Broadcasting Corporation (BBC), 3/4/2025, https://www.bbc.com/news/articles/cdjl3k1we8vo
[41] للاطلاع على التداعيات السياسية والاقتصادية لإجراءات ترامب والاضطرابات المحتملة لنشوب حروب عسكرية بسببها، انظر:
How Trump’s Trade Wars Could Ignite World War III, site of LinkedIn, https://www.linkedin.com/pulse/how-trumps-trade-wars-could-ignite-world-war-iii-shocking-harvey-mwlyc; and Susan A. Hughes, The Trump administration’s tariff threats are as much about politics as they are about economics, experts say, site of Harvard Kennedy School, 10/2/2025, https://www.hks.harvard.edu/faculty-research/policy-topics/democracy-governance/trump-administrations-tariff-threats-are-much
[42] Ana Swanson, ‘Totally Silly.’ Trump’s Focus on Trade Deficit Bewilders Economists, site of The New York Times, 9/4/2025, https://www.nytimes.com/2025/04/09/business/economy/trump-trade-deficit-tariffs-economist-doubts.html
[43] لمزيد من التفاصيل حول التجارة الأمريكية عالمياً انظر:
Global Trade Update (December 2024), site of UN Trade and Development (UNCTAD), https://unctad.org/publication/global-trade-update-december-2024; and United States trade statistics, site of World Integrated Trade Solution (WITS), https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/USA
وللتعرف أيضاً على حجم كل دولة في التجارة العالمية ومقارنتها مع أمريكا انظر:
Trade statistics by Country/ Region, WITS, https://wits.worldbank.org/countrystats.aspx?lang=en; U.S. International Trade in Goods and Services, December and Annual 2024, site of U.S. Bureau of Economic Analysis (bea), https://www.bea.gov/news/2025/us-international-trade-goods-and-services-december-and-annual-2024; and Impact of the recent US Tariff Decisions on Middle East Businesses: What to do now?, site of PwC, April 2025, https://www.pwc.com/m1/en/services/tax/me-tax-legal-news/2025/impact-us-tariff-decisions-on-middle-east-businesses-what-to-do-now.html
[44] Max Yoeli, Trump’s tariff policy undermines his own agenda and the foundations of US economic power, site of Chatham House, 26/3/2025, https://www.chathamhouse.org/2025/03/trumps-tariff-policy-undermines-his-own-agenda-and-foundations-us-economic-power
[45] Esra Tekin, Canada looks for alternatives to US-made F-35 fighter jets: Defense minister, Anadolu Agency, 15/3/2025, https://www.aa.com.tr/en/americas/canada-looks-for-alternatives-to-us-made-f-35-fighter-jets-defense-minister/3510340
[46] Sophie Kiderlin, U.S. and global economic outlooks cut by OECD as Trump’s trade tariffs weigh on growth, site of CNBC, 17/3/2025, https://www.cnbc.com/2025/03/17/oecd-cuts-us-and-global-economic-growth-outlooks-as-trumps-trade-tariffs-weigh.html; OECD Economic Outlook, Interim Report March 2025: Steering through Uncertainty (Paris: OECD, 2025), https://www.oecd.org/content/dam/oecd/en/publications/reports/2025/03/oecd-economic-outlook-interim-report-march-2025_47a36021/89af4857-en.pdf; and Fact Sheet: President Donald J. Trump Declares National Emergency to Increase our Competitive Edge, Protect our Sovereignty, and Strengthen our National and Economic Security, site of The White House, 2/4/2025, https://www.whitehouse.gov/fact-sheets/2025/04/fact-sheet-president-donald-j-trump-declares-national-emergency-to-increase-our-competitive-edge-protect-our-sovereignty-and-strengthen-our-national-and-economic-security
[47] Fact Sheet: President Donald J. Trump Declares National Emergency to Increase our Competitive Edge, Protect our Sovereignty, and Strengthen our National and Economic Security, The White House, 2/4/2025.
[48] Explainer: How do tariffs work and how will they impact the American and global economy?, Harvard Kennedy School, 9/4/2025, https://www.hks.harvard.edu/faculty-research/policy-topics/public-finance/explainer-how-do-tariffs-work-and-how-will-they
بل هناك من يرى أنّ النسبة ستكون أقل من ذلك، انظر:
James Scott, Trump’s tariffs: what is behind them and will they work?, site of King’s College London, 2/4/2025, https://www.kcl.ac.uk/trumps-tariffs-what-is-behind-them-and-will-they-work
[49] Globalization and Digitization Usher In a New Era of Intellectual Property Theft, site of National Crime Prevention Council, https://www.ncpc.org/resources/ip-theft/trends; and Fact Sheet: President Donald J. Trump Declares National Emergency to Increase our Competitive Edge, Protect our Sovereignty, and Strengthen our National and Economic Security, The White House, 2/4/2025.
[50] Imports in the U.S. – statistics & facts, site of Statista, https://www.statista.com/topics/3840/us-imports/#topicOverview
[51] Tariffs Work — and President Trump’s First Term Proves It, The White House, 2/4/2025, https://www.whitehouse.gov/articles/2025/04/tariffs-work-and-president-trumps-first-term-proves-it
[52] See World Tariff Profiles, WTO, https://www.wto.org/english/res_e/reser_e/tariff_profiles_e.htm
[53] Richard Wike, Jacob Poushter, Janell Fetterolf and Shannon Schumacher, “Trump Ratings Remain Low Around Globe, While Views of U.S. Stay Mostly Favorable,” site of Pew Research Center, 8/1/2020, https://www.pewresearch.org/global/2020/01/08/little-support-for-trumps-international-policies; and Jason Lange, Americans sour on Trump’s handling of the economy, Reuters, 23/4/2025, https://www.reuters.com/world/us/americans-sour-trumps-handling-economy-reutersipsos-poll-finds-2025-04-23
[54] تعدّ الولايات المتحدة من بين الدول الصناعية الأقل ادخاراً نتيجة ارتفاع النزعة الاستهلاكية، انظر:
Gross domestic savings (% of GDP), site of World Bank Group, https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDS.TOTL.ZS
[55] The Federal Budget in Fiscal Year 2024: An Infographic, site of Congressional Budget Office, 20/3/2025, https://www.cbo.gov/publication/61181
[56] Site of Time Magazine, https://time.com/7277506/us-china-trade-balance-surplus-exports-imports-tariffs-trump
[57] Site of General Administration of Customs of the People’s Republic of China (GACC), 13/1/2025, http://www.customs.gov.cn/customs/302249/zfxxgk/2799825/302274/302275/6312783/index.html
[58] John Edwards, What’s next in the US trade conflict?, The Interpreter, Lowy Institute, 14/4/2025.
[59] Torsten Sløk, US Wages vs Wages in China and India, site of Apollo Academy, 16/9/2024, https://www.apolloacademy.com/us-wages-vs-wages-in-china-and-india
[60] Military expenditure, defence sector PPP, site of Lowy Institute, Asia Power Index, 2024 Edition, https://power.lowyinstitute.org/data/military-capability/defence-spending/military-expenditure-defence-sector-ppp
[61] Linda Yueh, President Trump’s challenge to global value chains, site of London Business School, 26/2/2025, https://www.london.edu/think/president-trump-challenge-to-global-value-chains
للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> ورقة علمية: مستقبل الحروب التجارية في سياسات ترامب الدولية … أ. د. وليد عبد الحي ![]() |
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2/6/2025
أضف ردا