قدّم أ. د. محسن محمد صالح، المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، مداخلة في الجلسة الرابعة التي حملت عنوان “الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة” ضمن فعاليات منتدى الجزيرة السادس عشر “من الحرب على غزة إلى التغيير في سوريا: الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة”، وذلك يوم 15/2/2025 في الدوحة.
تساءل د. محسن في بداية مداخلته عن ما يطرحه ترامب عن قطاع غزة، هل لديه القدرة على استملاك قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منها؟ وماذا يريد ترامب عملياً من طرح هكذا أفكار؟ هل هي محاولة للتغطية على إعادة تشكيل المؤسسة أو الدولة العميقة في داخل أمريكا؟ أم أنها محاولة للابتزاز السياسي للفلسطينيين وللدول العربية المحيطة، وخصوصاً مصر والأردن، من خلال رفع سقف كبير جداً ثم الوصول إلى ما يريده وكأنه يقدم تضحيات، أم أنها مجرد محاولة لتضييع فرحة الانتصار في قطاع غزة خصوصاً بعد أن فرضت المقاومة شروطها؟ أم أنها
مجرد حالة جهل وتجاهل وعجرفة؟ أم أنها محاولة لإعادة تلميع أنظمة عربية بشكل أو بآخر حتى تظهر بموقف معارض وبطولي وأنها تحافظ على أمنها القومي والوطني، وبالتالي يعاد تقديمها في خطة إعادة تأهيل غزة بأدوار رئيسية وكبيرة؟
وتحدّث د. محسن عن شخصية ترامب النرجسية، وأنه شخص غير قابل للتوقع، ويمارس شخصية أو عقلية تاجر العقارات، ويمثل شخصية المسيحي الإنجيلي فيما يتعلق بمستقبل فلسطين، وأنه شخص دائماً يرغب في الإنجاز المستعجل، ولديه شخصية تأزيم، لكنها لا ترغب في الدخول في الحروب. وأضاف أنه عندما نحلل شخصية ترامب في الإطار المستقبلي للمنطقة وفي إطار أي تسويات، نجد أن ترامب يخلط بين ثلاث قضايا، القضية الأولى هي حسابات السوق وعقلية السوق، والقضية الثانية هي الحسابات الاستراتيجية المتعلقة بإدارة المنطقة، والقضية الثالثة مرتبطة بالقيم الإنسانية العليا التي من خلالها ينظر إلى هذه المنطقة. وأضاف أنّ هناك عدم تفريق بين الوطن بقدسيته واستقلاله وبين المزرعة أو الحظيرة أو العقار في طريقة التفكير، وهناك الكثير من التجاهل لطبيعة أرض فلسطين وقدسيتها وحضارتها وتراثها وتاريخها وارتباط شعبها بها واستعدادهم للتضحية والتجذر فيها، وهناك عدم تفريق بين القيم الإنسانية العليا، الحرية والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية، وبين قيم السوق في البيع والشراء والاستملاك والشطارة، كما أنّ هناك عدم إدراك أو تعمد عدم إدراك أو تجاهل أن الاحتلال الإسرائيلي أصلاً لم يتملك قطاع غزة ولا يستطيع أن يتصرف بها، وأنّه خاض خمس حروب في القطاع وفرض حصاراً لمدة 17 عاماً، ولم يستطع أن يسيطر عليه، كما عُرضت الكثير من مشاريع التهجير، وكلها فشلت، فعلى أي أساس يريد أن يتملك القطاع؟
وقال د. محسن إنّ الإدارة الأمريكية والإسرائيليين يُسوّقون بأنّ الكيان الإسرائيلي قد انتصر في المعركة، بينما في الحقيقة أن الكيان قد فشل في تحقيق كل أهدافه التي أعلن عنها بنفسه؛ فقد فشل في سحق المقاومة في سحق حماس، وفشل في احتلال قطاع غزة، وفشل في تحرير الأسرى، وفشل في تقرير اليوم التالي لقطاع غزة، وفشل في تأمين غلاف قطاع غزة، وفشل في تهجير أهل قطاع غزة وفي برامج الاستيطان، كما أنّه يعاني بشكل كبير مما أصاب مؤسسته العسكرية، واقتصاده، والهجرة العكسية، وما زال النزيف مستمراً. وفي المقابل، دفعت المقاومة أثماناً كبيرة جداً نتيجة صمودها وبطولتها مع صمود الحاضنة الشعبية.
وأضاف د. محسن أنّ كل الحلول المطروحة حالياً معنية بحل مشاكل الجانب الإسرائيلي، وبمكافأة الاحتلال الإسرائيلي ومعاقبة الضحية، وباستبعاد الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني، ومعاقبته وتهجيره، واستبعاد القوى الأساسية في الشعب الفلسطيني التي تعبر عن إرادته. وأكّد أنّ الحل ليس في التخلص من المقاومة، بل في أن يقر الجميع في الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وأن تُحترم إرادته، وأن يتم التعامل مع قوى المقاومة التي أثبتت كفاءتها على أنها هي حائط الصد للأمة، وأنها هي الرافعة لكرامتها، وأنها الخط الأول للدفاع عن الأمن القومي العربي، المُهدّد من خلال مشاكل التهجير وغيرها، والتي أزعجت الأنظمة العربية. وقال إنّ الأصل هو التحالف مع المقاومة ودعمها والاستناد إليها وليس التخلص منها، وبالتالي إضعاف البيئة العربية حتى يكون هناك مزيداً من التغول الإسرائيلي الصهيوني عليها.
وختم د. صالح بقوله إنّ السيناريو المرجح هو أنّ البيئة العربية ستسعى إلى نوع من الرفض الناعم لخطط ترامب ومحاولة استيعاب اندفاعاته وتُبرِّدها تدريجياً، وتتجنب أي احتكاك مباشر معه، ولكن لا تحاول إطلاقاً أن تتجاوز إرادة الشعب الفلسطيني والخط العام الذي يعبر عن روحه.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 18/2/2025
أضف ردا