مدة القراءة: 10 دقائق

تقدير استراتيجي (131) – آذار/ مارس 2023.

ملخص:

تجدَّدت الحراكات النقابية في الضفة الغربية منذ بداية سنة 2023، وتُظهر الحراكات تصميم السلطة على جعل الاستجابة للمطالب في حدودها الدنيا، وذلك لأنها تعتقد أن تلبية مطالب النقابات يحتاج تغيير أولويات السلطة في الإنفاق، وهي غير راغبة في ذلك.

وأظهرت النقابات إصرارها على تحقيق مطالبها، وأصبحت الحراكات النقابية مع الوقت أكثر استعصاءً على الاحتواء، الأمر الذي أدخل الرصاص المجهول إلى الميدان، وتوجيهه لتحذير قيادات العمل النقابي.

ثمّة أربعة سيناريوهات محتملة؛ يتمثل الأول في احتمال تراجع النقابيين أمام الضغوط، لكن هذا احتمال غير أكيد لأن شرائح المهنيين لم تعُد قادرة على احتمال الأعباء الاقتصادية. أما السيناريو الثاني؛ فهو تشكيل قيادة موحّدة للإضرابات، وهذا أمر ممكن خصوصاً أن نجاح الإضرابات خلال سنة 2023 كان بسبب تضامن النقابات مع بعضها، والسيناريو الثالث؛ فهو ظهور قيادة نقابية سرّية توجِّه الحراكات، وقد سار المعلِّمون في هذا الاتجاه، ويُحتمل أن يلحق بهم آخرون إن نجح حراك المعلِّمين، أما السيناريو الرابع، فيتمثل في انتقال النقابات من النضال المطلَبي إلى النضال من أجل الإصلاح السياسي، وفُرص هذا السيناريو قائمة، ولكن المحتمل أن يلجأ النقابيون للسيناريو الثاني والثالث على التوالي، فإن لم تنجح مساعيهم ستكون طريقهم مفتوحة أمام السيناريو الرابع.



لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

>> التقدير الاستراتيجي (131): مستقبل العمل النقابي في الضفة الغربية بين الانكفاء وقيادة الإصلاح السياسي (18 صفحة، حجم الملف 2.8 MB)


>> التقدير الاستراتيجي (131): مستقبل العمل النقابي في الضفة الغربية بين الانكفاء وقيادة الإصلاح السياسي (18 صفحة، حجم الملف 1.5 MB)


مقدمة:

شهدت ساحة الضفة الغربية في الثلث الأول من سنة 2023 تطورات مهمة في موضوع العمل النقابي، ويمكن تسجيل اثنين من هذه التطورات لهما ما بعدهما: الأول نجاح قيادة الحراك الموحّد للمعلِّمين في قيادة إضراب ممتد؛ بدأ من 5/2/2023 وما زال مستمراً حتى كتابة هذا التقدير، أما التطور الثاني، فيتمثل في قيام مجهولين بإطلاق الرصاص على سيّارة رئيس فرع نابلس في نقابة المهندسين، الأمر الذي يتطلب دراسة لمدى تأثير المتغيّرات الجديدة على مسار تفاعل العلاقات بين النقابات وبين الحكومة، وسيتناول التقدير محورَين: الأول يشخّص المشكلة، والثاني يحدِّد السيناريوهات المـُحتملة.

أولاً: حالة العمل النقابي في الضفة الغربية في الربع الأول من سنة 2023:

يحتاج توضيح حالة العمل النقابي في الضفة الغربية في الربع الأول من سنة 2023 إلى استعراض المحطات الرئيسية في علاقة السلطة بالنقابات، وذلك من خلال النقاط التالية:

1. غلُب على أداء الاتحادات والنقابات، قبل تأسيس السلطة الفلسطينية سنة 1994، الطابع الوطني العام.[1]

2. بعد تأسيس السلطة، بقيت الاتحادات العامّة مهمّشة في الغالب، حالها حال بقية مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف).

3. أما النقابات التي كانت موجودة في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل تأسيس السلطة، فقد حافظت على تجديد قيادتها عبر الانتخابات الدورية، لكن دورها الوطني العام تراجع.

4. تمكّنت حكومة سلام فياض وحركة فتح من استخدام الاتحاد العام للمعلِّمين التابع لـ”م.ت.ف”، ونقابة الموظّفين العموميين في إرباك العمل الحكومي في غزة، وذلك من خلال الدعوة لعصيان الموظفين، وتمّ ذلك بتناغمٍ كبير بين حكومة سلام فياض وتلك النقابات.

5. وظّفت حركة فتح، بدءاً من سنة 2012، نقابة الموظّفين العموميين ضدّ سلام فياض وحكومته، ووصل الأمر حدِّ إعلان إضراب شامل للموظّفين في 17/10/2012 احتجاجاً على تأخُّر صرف الراتب.[2]

6. بعد تسلّم رامي الحمد الله رئاسة الوزراء، تبنّت الحكومة وحركة فتح سياسة تغييب الحراكات النقابية التي استُخدمت سابقاً، حيث تمّ اعتقال بسام زكارنة، وحلّ نقابة الموظّفين العموميين على اعتبار أنها نقابة لا تملك أيّ صفة قانونية.

7. بدأت سنة 2014 حراكات متنوعة في الضفة الغربية، بعضها ضدّ سياسات الاحتلال، والبعض الآخر للمطالبة بالإصلاح الداخلي، خصوصاً في سياق الحديث عن الفساد والمحسوبية، وعلى خلفية اشتداد الصراع بين محمد دحلان ومحمود عباس،[3] إضافة إلى بروز الأزمة المالية لدى السلطة والمتمثلة في تراجع المساعدات الخارجية، وصعوبة استمرار الحصول على قروض من البنوك المحلية.[4]

8. في هذه الأجواء أبرزت الدراسات حالة غياب العدالة في توزيع الموارد،[5] ولم تقم السلطة بالإصلاحات التي نادى بها الخبراء، ولجأت للمماطلة في منح الشرائح المهنية العلاوات المالية التي يستحقّونها.

9. يرجع السبب في رفض السلطة الاستجابة لمطالب النقابات، خصوصاً المعلِّمين؛ إلى أن هذا سيُغيّر أولويات السلطة في توزيع الموارد، الأمر الذي أدّى إلى تصعيد الحراكات النقابية، وعلى وجه الخصوص حراكات نقابة المحامين، والأطباء، والمهندسين، والحراك الموحّد للمعلِّمين.

فيما يتعلق بحراك المحامين فلم يكن مطلبياً، وإنما كان إصلاحياً، وجاء احتجاجاً على القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس محمود عباس والهادفة إلى تحجيم دور القضاء، وجعله دائرة ملحقة بمكتب رئيس السلطة.[6]

وأعلنت نقابة المحامين الإضراب، وامتنعت عن حضور جلسات المحاكم، لكن الرئيس رفض الاستجابة لمطالبهم، إلى أن تقدّم جبريل الرجوب بمبادرة، فتراجع الرئيس عن القرارات المذكورة أعلاه،[7] لكنه عاد وشكّل مجلساً أعلى للقضاء برئاسته في 28/10/2022، الأمر الذي أثار موجة جديدة من الاستنكار في أوساط المحامين ومؤسسات حقوق الإنسان.[8]

وفيما يتعلق بنقابة الأطباء فإنها تقدّمت بمطالب محدّدة تمثّلت في رفع نسبة علاوة المهنة لجميع الأطباء بنسبة 200%، إلا أن الحكومة أبقت العاملين في الطب العام على علاوة بنسبة 150%، وقامت النقابة بالتضامن مع إضراب نقابة المحامين ضدّ القرارات بقوانين التي يُصدرها الرئيس، وهذا نقل فعالياتها من المجال المطلَبي إلى الجانب الإصلاحي. [9]

لكنّ الرئيس عباس اتخذ خطوة تصعيدية ضدّ نقابة الأطباء، فأصدر قراراً بقانون في 23/10/2022 يقضي بحلِّ النقابة القائمة، وتشكيل نقابة جديدة، إلا أن الاحتجاجات تصاعدت من قبل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والنقابات، فسقط القرار بقانون خلال أيام.[10]

وبخصوص نقابة المهندسين فإن نزاعهم مع الحكومة محدّد، ويتمثل في أن النقابة رفعت مطالبها القاضية بحصول المهندسين على زيادة علاوة المهنة من 90% إلى 120% أسوة بالصيادلة وأطباء الأسنان، وأنه تمّ التوقيع على اتفاق مع الحكومة سنة 2020 بهذا الخصوص، وبمقتضى ذلك الاتفاق كان ينبغي البدء بالتطبيق في 1/1/2022، لكن هذا لم يحدث،[11] ولهذا أعلنت نقابة المهندسين الإضراب، وخلال سير الإضراب أطلق مجهولون النار على سيارة رئيس لجنة فرع نابلس في نقابة المهندسين، المهندس يزن جبر، في 6/3/2023 ليلاً،[12] واستنكرت نقابة المهندسين في بيان رسمي الاعتداء، وطالبت الشرطة والأجهزة الأمنية القيام بواجبها واعتقال المنفِّذين، وأعلنت تصميمها على الاستمرار في الإضراب حتى تطبيق الاتفاق،[13] لكن النقابة اتفقت مع الحكومة بوجود وسطاء من المؤسسات المجتمعية في 7/3/2023، على تطبيق الاتفاق بالتدريج، بحيث تبدأ الزيادة بـ 5% على الراتب، على الرغم من أن هذا كان مرفوضاً في السابق، وأصدرت نقابة المهندسين في الضفة الغربية في 9/3/2023 بياناً شكرت فيه الحكومة والرئيس، وعدّت الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين الحكومة والنقابة، يعني أن نضال المهندسين ونقابتهم، قد أثمر، وأوضح البيان أن تطبيق الاتفاق سيبدأ بمنح المهندسين علاوة 5% على راتب شهر آذار/ مارس، في حين يتم استكمال الـ 25% المتبقية في حال تحسّن الوضع المالي للحكومة.[14]

أما المعلِّمون فليس لديهم نقابة منتخبة تُمثِّلهم، والاتحاد العام الذي يتصدّر الحديث باسمهم، هو اتحادٌ مُعيّن من قبل (م.ت.ف)، وقام أكثر من مرة بالتدخّل لصالح الحكومة، وبعد جولات من الإضرابات، فرضت الحكومة عقوبات على قيادة الحراكات النقابية، ومنها إحالة المعلِّم صامد صنوبر إلى التقاعد المبكر دون إبداء الأسباب، وجاء ذلك على خلفية مشاركته في قيادة حراك المعلِّمين سنة 2018.[15]

ولهذا لجأ المعلِّمون لاختيار قيادة سرّية لحراكاتهم، وأطلقوا عليها اسم “حراك المعلمين الموحد”، وقد نجح هذا الحراك في تعميم الإضراب على كافة مدارس الضفة الغربية بدءاً من 5/2/2023، وذلك احتجاجاً على عدم تطبيق الحكومة لتعهداتها في أيار/ مايو 2022.

وبعد حوارات أعلنت المؤسسات الأهلية المختصّة بالشأن التربوي والحقوقي أنه تمّ الاتفاق بين الاتحاد العام للمعلِّمين ومجلس الوزراء، ورأت أن هذا الاتفاق كافٍ لاستئناف العملية التعليمية، وأوضحت أن الاتفاق يستند إلى تطبيق مبادرة أطلقتها تلك المؤسسات في أيار/ مايو 2022، وأن تلك المبادرة تتكوَّن من خمسة بنود هي:

1. علاوة 15% للمعلِّمين على أن يتمّ ذلك بالتدريج.

2. دمقرطة اتحاد المعلِّمين.

3. اعتماد نظام مهنة التعليم.

4. إعادة الخصومات.

5. انتظام الدوام والتعويض عن الفاقد.[16]

أعلن الاتحاد العام للمعلِّمين التوصّل إلى اتفاق مع الحكومة يوم الخميس 9/3/2023،[17] لكنّ الحراك الموحّد للمعلِّمين أعلن في اليوم ذاته أن الإضراب مستمر؛ لأن الاتفاق لا يُلبّي مطالب المعلِّمين، ويشتمل على تجزئة جديدة للحقوق تفتح الأبواب أمام المماطلة،[18] ونظّم المعلِّمون اعتصاماً حاشداً شارك فيه الآلاف يوم الإثنين 13/3/2023، أمام مقر رئاسة الوزراء في رام الله.[19] فلجأت السلطة إلى القضاء واستصدرت قراراً بوقف إضراب المعلِّمين، كما فعلت مع المهندسين من قبل، لكن إضراب المعلِّمين بقي متواصلاً.

ثانياً: السيناريوهات المتوقعة:

يمكن توقع مجموعة من السيناريوهات التي قد تتطور إليها الأحداث، سواء على صعيد استمرار تصاعد النضال النقابي، أم على مستوى نجاح الحكومة وأجهزتها الأمنية في إحباط الحراكات النقابية، وتتلخص في السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول: تراجع قيادات العمل النقابي:

يُتوقع أن تتراجع الحراكات، ويدعم هذا السيناريو المسائل التالية:

أ. قدرة الحكومة على فرض عقوبات إدارية بحقِّ قادة الحراكات النقابية.

ب. قدرة الحكومة على تحريض الناس متّكئة على الأضرار التي تلحق بهم جراء تعطُّل المرافق العامة.

ج. قدرة الحكومة على استصدار قرارات قضائية تُجبر النقابات على وقف الفعاليات، وإلا تعرّضوا للعقوبات.

د. دخول “الرصاص من قبل مجهولين” على خطِّ تهديد قادة العمل النقابي.

نجحت الحكومة في إحباط العديد من الحراكات النقابية قبل دخول الرصاص من قبل مجهولين على خط المواجهة، وهذا يجعل الخوف أو التراجع محتملاً بعد دخول التهديد بالرصاص المجهول على خطِّ أدوات تخويف قيادات العمل النقابي، ويعزِّز ذلك موافقة نقابة المهندسين على توقيع الاتفاقية الجزئية مع الحكومة.

لكن هذا ليس مؤكّداً في كل الحالات، خصوصاً أن حراك المعلِّمين الموحّد رفض الاتفاقية التي تُجزّئ المطالب، وواصل فعالياته الاحتجاجية.

السيناريو الثاني: تَوحُّد النقابات، وتعاظم الاحتجاجات:

أظهر العام الأخير أكثر من إشارة على وجود تنسيق بين النقابات المختلفة، ويُحتمل أن يتصاعد التنسيق بسبب الاعتبارات التالية:

أ. وصول النقابات إلى قناعات بأن تعامل الحكومة مع مصالح واحتياجات الشرائح المهنية غير محتمل، يؤكّد هذه القناعة تكرار الاحتجاجات والمطالب.

ب. إدراك النقابات أن استفراد الحكومة بالنقابات يساعد الحكومة على إحباط الفعاليات، ويُمكّنها من التنصّل من تطبيق الاتفاقيات، خصوصاً وأن الاتفاقيات التي اضُطرت الحكومة لتوقيعها كانت بعد إسناد النقابات لبعضها.

ج. توصّل النقابات إلى استنتاج بأن ما يعانيه المهنيون يرجع إلى سبب واحد، وهو سُلّم الأولويات الذي وضعته الحكومة لنفسها، وبناءً عليه وزّعت الموارد، وجعلت شرائح المهنيين في أسفل السلَّم، الأمر الذي يتطلب نضالاً مشتركاً.

ويُحتمل أن تتسع وتترسّخ مسألة التنسيق بين النقابات، خصوصاً وأن النقابات لم تعُد قادرة على تحمّل استمرار الوضع الراهن، وكذلك الحكومة لا تُبدي أي استعداد لتغيير أولوياتها، إضافة إلى أنها تُصعّد إجراءاتها.

السيناريو الثالث: ظهور قيادة نقابية سرية توجّه الحراكات:

أسفرت التفاعلات عن تحوّلٍ في المعادلة الحاكمة في العلاقة بين النقابات والحكومة، يُمكن إجمالها فيما يلي:

أ. كانت الحكومة وحركة فتح تستخدمان النقابات خصوصاً في عهد حكومة سلام فياض.

ب. في عهد حكومة رامي الحمد الله بدأت الحراكات النقابية تتفاعل، وأظهرت الحكومة وحركة فتح قدرة على احتواء تلك الحراكات بالأساليب الناعمة والخشنة.

ج. في عهد حكومة محمد اشتية تزايدت الحراكات النقابية، وأصبحت الحكومة أقل قدرة على احتوائها، فلجأت إلى استصدار قرارات من المحاكم لإيقاف الإضرابات، وبالرغم من ذلك بقيت بعض الحراكات النقابية قادرة على التجدّد.

‌د. أبرز ما استجدّ على صعيد العمل النقابي هو بروز قيادة سرّية لحراكات المعلِّمين، تحمل اسم “الحراك الموحد للمعلمين”، وهذا الحراك أثبت قدرته على قيادة فعاليات متواصلة بالرغم من كل محاولات الإجهاض والاحتواء.

هذه التحولات تُشير إلى أن اللجوء إلى قيادة سرّية لكلّ نقابة من النقابات أمر محتمل، وذلك حتى يتفادى النقابيون عقوبات الحكومة، وكذلك الرصاص الذي يُطلقه مجهول.

السيناريو الرابع: قيادة النقابات للإصلاح السياسي كمدخل لتحقيق المطالب الفئوية:

وَلَجَت الفعاليات النقابية باب الإصلاح السياسي، وذلك من خلال إضراب المحامين ضدّ القرارات بقانون التي أصدرها الرئيس أبو مازن، وإسناد نقابة الأطباء والمهندسين لهذا الإضراب، وهذا يجعل الباب مفتوحاً أمام تصدُّر النقابات للإصلاح السياسي، ويدعم هذا السيناريو مجموعة الاعتبارات التالية:

‌أ. توصّل النقابات إلى قناعة بأن أسباب غياب العدالة في توزيع الموارد يرجع لأسباب سياسية، وليس لأسباب فنية، وبالتالي فإن تحقيق المطالب الفئوية يتطلب خوض نضال سياسي.

‌ب. إدراك قادة النقابات أن حالة السلطة تسمح بخوض هذا النضال الإصلاحي من جانب النقابات، وأن هذا النضال الإصلاحي سيجد له مؤيدين من داخل السلطة، لأنهم لن يروا فيه تهديداً لوجود السلطة، بل رافعة لها.

ج. يحتاج هذا السيناريو قناعة من قبل الفصائل بدعم هذا التوجّه، وإفساح المجال له، وعدم التدخل للسيطرة عليه أو الاستفادة منه في المنافسات التقليدية بين الفصائل.

الترجيح بين السيناريوهات:

باختصار يمكن القول إنه على الرغم من التهديدات، فإن احتمال تراجع النقابات غير أكيد قبل تحقيق مطالبها، لكنها ستُفضّل اللجوء إلى نضالات نقابية موحّدة يتوازى فيها المطلبي الحقوقي مع الإصلاحي، وإن كانت الأولوية ستكون للمطلبي الحقوقي في المدى القريب، وإن تعثّرت عملية نيل الحقوق فقد يُفرز الواقع قيادات نقابية سرّية إلى جانب العلنية تنقل النضال النقابي المطلبي بالتدريج نحو النضال الإصلاحي.

التوصيات:

1. التوصيات الخاصة بالحكومة: حتى ينتهي الحراك النقابي بتحقيق مطالب النقابيين دون تصدعات واحتقانات داخلية، يمكن للسلطة أن:

أ. تُنهي العقوبات التي فرضتها على النقابيين.

ب. تتخذ إجراءات جادة في تغيير أولويات الإنفاق، بحيث تسمح الميزانية برفع رواتب قطاعات المهنيين، وخصوصاً المعلِّمين.

ج. إنهاء حالة احتكار اتحاد المعلِّمين لتمثيل المعلِّمين بطريقة غير ديموقراطية، وفتح المجال أمام تنسيب المعلِّمين في عضوية الاتحاد، وتسهيل إجراء انتخابات حقيقية لقيادته.

2. التوصيات الخاصة بالفصائل: حتى تكون الفصائل رافعة للحراك النقابي، وليست عبئاً عليه، يجب أن تنتبه إلى:

أ. عدم تسييس هذه الحراكات في المرحلة الراهنة، وقطع الطريق على السلطة التي تحاول استخدام “التسييس” ضدّ هذه الحراكات.

ب. تقديم كل الإسناد المطلوب لإنجاح الحراكات على الصعيد الإعلامي والجماهيري.

ج. ضرورة تخلي بعض الفصائل عن لعب دور الوسيط بين النقابات والسلطة، وأن يتركز دورها في إسناد الحراكات النقابية.

3. التوصيات الخاصة بالنقابات: يجب أن تُدرك النقابات أن نضالها من أجل تحقيق العدالة لقطاعات المهنيين طويل وشاق، ويتطلب جسارة وحكمة، كما يتطلب تنسيقاً دائماً بين النقابات المعنية بتحقيق العدالة، وهذا يحتاج إلى:

أ. فتح حوار مستمر بين مجالس النقابات مع بعضها، وبين الكتل النقابية في مختلف النقابات مع بعضها.

ب. وضع الجماهير في صورة المشاكل والحراكات والمطالب بشكل مستمر، حتى يبقى الجمهور داعماً للحراكات النقابية، التي يبدو أنها ستكون شاقة وذات آثار جانبية متعددة، ويُفضّل أن تقوم النقابات بوضع كل الحراكات والنشطاء، سواء الميدانيين أم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وشخصيات المجتمع العامة، في صورة آخر التطورات حتى تضمن تأييدهم.

ج. ينبغي على مجالس النقابات أن تَحْذَر من سياسات الاحتواء والإجهاض وتفتيت الصفوف، وإمكانية سعي السلطة لقلب الرأي العام ضدّ الحراكات النقابية.


[1] رجا الخالدي، المشهد النقابي في فلسطين، موقع صحيفة السفير، بيروت، 11/12/2013، انظر: https://assafirarabi.com
[2] موظفو مؤسسات السلطة الفلسطينية يضربون عن العمل في الضفة الغربية، موقع جريدة النهار الجديد (النهار أونلاين)، الجزائر، 17/10/2012، انظر: https://nhar.tv/sTQi0
[3] دحلان يتهم أبو مازن بسرقة أكثر من مليار دولار من اموال الفلسطينين، مقابلة مع محمد دحلان على تلفزيون دريم مع الصحفي وائل الأبراشي، موقع يوتيوب، 17/3/2014، انظر:https://www.youtube.com/watch?v=fakHEyf3uB8
[4] محمد السمهوري، قراءة في الأزمة المالية الفلسطينية، نشرة صدى الإلكترونية، برنامج الشرق الأوسط، موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 3/5/2019، انظر: https://carnegieendowment.org/sada/79060
[5] انظر: نصر عبد الكريم، تقرير حول فجوة الرواتب في الوظيفة العمومية – الواقع والإجراءات المقترحة لردمها، موقع الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة – أمان، رام الله، فلسطين، أيلول/ سبتمبر 2017؛ وانظر: صابر رمضان، حراك المعلمين الموحد في الضفة الغربية: الواقع، والديناميات، وآفاق المستقبل، سلسلة دراسات علمية محكمة (3) (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2017).
[6] لماذا يُضرب المعلمون؟ وأين هي نقابتهم؟، موقع متراس، 27/2/2023، انظر: https://metras.co
[7] الرئيس عباس يتراجع عن القرارات بقانون التي اعترضت عليها نقابة المحامين، وكالة الصحافة الوطنية (نبأ)، 10/8/2022، انظر: https://npa.ps/post/19293
[8] عباس يصدر مرسوما بتشكيل مجلس أعلى للقضاء برئاسته، وكالة شهاب، 28/10/2022، انظر: https://shehabnews.com/p/109931
[9] مقابلة مع شوقي صبحة، رئيس نقابة الأطباء، برنامج شد حيلك يا وطن، وكالة وطن للأنباء، يوتيوب، 20/7/2022، انظر: https://www.youtube.com/watch?v=qK6-KyWJ_k0
[10] كاد “الانقلاب” ينجح.. ما الذي جرى مع الأطباء؟، متراس، 8/11/2022.
[11] مقابلة مع يزن جبر، رئيس فرع نقابة المهندسين في نابلس، برنامج شد حيلك يا وطن، وكالة وطن للأنباء، يوتيوب، 22/2/2023، انظر: https://www.youtube.com/watch?v=GZFzl6Di6l0
[12] إطلاق نار يستهدف سيارة المهندس يزن جبر عضو مجلس نقابة المهندسين، موقع نقابة المهندسين، مركز القدس، 7/3/2023، انظر: https://www.paleng.org/?p=160675
[13] نص بيان نقابة المهندسين استنكاراً إطلاق النار على سيارة يزن جبر، في: موقع نقابة المهندسين، مركز القدس، 7/3/2023، انظر: https://www.paleng.org/?p=160672
[14] نص بيان نقابة المهندسين بتاريخ 9/3/2023 الخاص بالتوصل لاتفاق مع الحكومة، في: موقع نقابة المهندسين، مركز القدس، 9/3/2023، في: https://www.paleng.org/?p=160709
[15] صيدم يحيل رئيس حراك المعلمين الى التقاعد المبكر والناطق باسم الوزارة “ليس لدي علم بالموضوع”، موقع وكالة وطن للأنباء، 5/3/2018، انظر: https://www.wattan.net/ar/news/243187.html
[16] إعلان المؤسسات الأهلية المختصة بالشأن التربوي، انظر: تصريح صحفي صادر عن مبادرة إنهاء أزمة المعلمين، موقع الهيئة المستلقة لحقوق الإنسان – ديوان المظالم، في: https://www.ichr.ps/statements/7229.html
[17] إضراب التعليم بالضفة يدخل شهره الثاني: إجراءات تصعيدية لنقابة الأطباء، وقع عرب 48، 7/3/2023، انظر: https://www.arab48.com؛ والحكومة الفلسطينية توقع اتفاقيات تنهي خلافات مع النقابات… حراك المعلمين: إضرابنا مستمرّ، عرب 48، 9/3/2023.
[18] للاطلاع على منشور حراك المعلمين الموحد، انظر: الحكومة الفلسطينية توقع اتفاقيات تنهي خلافات مع النقابات… حراك المعلمين: إضرابنا مستمرّ، موقع عرب 48، 9/3/2023، انظر: https://www.arab48.com
[19] تقرير عن اعتصام المعلمين أمام مقر رئاسة الوزراء، انظر: ما حقيقة الخلاف بين السلطة الفلسطينية ونقابة المعلمين وحراكهم؟، قناة الحرة، يوتيوب، 13/3/2023، في: https://www.youtube.com/watch?v=5HNlA1p5rJY



لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

>> التقدير الاستراتيجي (131): مستقبل العمل النقابي في الضفة الغربية بين الانكفاء وقيادة الإصلاح السياسي (18 صفحة، حجم الملف 2.8 MB)


>> التقدير الاستراتيجي (131): مستقبل العمل النقابي في الضفة الغربية بين الانكفاء وقيادة الإصلاح السياسي (18 صفحة، حجم الملف 1.5 MB)

* يتقدم مركز الزيتونة للدكتور نهاد الشيخ خليل بخالص الشكر على إعداد هذا التقدير.


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/3/2023


المزيد من التقديرات الاستراتيجية: