مدة القراءة: 25 دقائق

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية للباحثة الدكتورة إلهام جبر شمالي حول تجربة التطبيع الإسرائيلي الموريتاني، وما تلاه من انقطاع، والاحتمالات المستقبلية لعودته.

فقد قامت الإدارة الأمريكية السابقة بالإعلان بين الفينة والأخرى عن صعود دول عربية إلى قطار التطبيع الذي أعلنت عنه في آب/ أغسطس 2020، واستمر ذلك حتى في الأيام الأخيرة على رحيلها، ولم يكد يخلو يوم من كانون الأول/ ديسمبر الماضي دون أن يكون للرئيس دونالد ترامب تغريدة عن احتمالية توقيع اتفاقات تطبيع جديدة على غرار اتفاق أبراهام مع الإمارات، ومن ثم البحرين، وكذلك السودان.

وترى الباحثة أن اتفاق إعادة تطبيع العلاقات مع المملكة المغربية لن يكون الاتفاق الأخير، مع حالة السقوط العربي المدوي أمام الإدارة الأمريكية التي اتسمت بإدارة الخوف والتهديد، والمقايضة الاقتصادية، والابتزاز السياسي، فهل ستكون الدولة المقبلة سلطنة عُمان، أم ستكون دولة موريتانيا، أم غيرهما!

وتقول الباحثة أنه قد يعتقد الكثيرون أن موريتانيا كانت في مؤخرة المشهد الأساسي وحركة اللاعبين الرئيسيين فيما يتعلق بردود فعل الصراع العربي- الإسرائيلي، لكن الحقيقة أنها كانت في قلب المنطقة، وشكلت بؤرة الاستهداف الإسرائيلي بصورة مخططة منذ السنوات الأولى لإقامتها، ووضعتها على قائمة أولويات أجندتها السياسية؛ تمهيداً لاختراق القارة الإفريقية، وبثت أجهزتها وشركاتها ذات الجنسيات المتعددة فيها، حيث تمتعت موريتانيا بموقع استراتيجي بالنسبة لدول المغرب العربي، من الناحية السياسية والإقليمية، خصوصاً مع امتلاكها لموانئ مهمة، وثروات طبيعية، ذات أهمية بالغة للاقتصاد الإسرائيلي.

وسلطت الورقة الضوء على مؤشرات التطبيع بين دولة موريتانيا و”إسرائيل”، وقدمت الورقة مراجعة لتاريخ العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية. وبحثت في مجالات التطبيع الموريتاني – الإسرائيلي، فاعتبرت أن العلاقة اتخذت طابع التحالف أكثر منها تطبيع علاقات بين دول متحاربة. ونبهت إلى قطع موريتانيا لعلاقاتها مع “إسرائيل” في آذار/ مارس 2010، بعد أن كانت جمدتها تحت الضغط الشعبي في السنة السابقة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

كما بحثت الدكتورة شمالي في مستقبل العلاقة الموريتانية – الإسرائيلية واحتمالات عودتها، في ضوء التحولات التي شهدتها الإدارة الأمريكية الجديدة، ووضعت ثلاثة سيناريوهات:

1. سيناريو القبول بالتطبيع، واعتبرت أن فرضية هذا السيناريو تنطلق على أساس عمق التطبيع السابق بين الطرفين، سواء كان ذلك على المستوى الديبلوماسي الكامل، أم التعاون الاقتصادي الشامل، إلى جانب التنسيق الأمني، ووجود سفارة إسرائيلية مغلقة في نواكشوط. كما أن النظام الموريتاني أُرغم على قطع العلاقات الديبلوماسية في بيئة داخلية وعربية ضاغطة. ويستند هذا السيناريو إلى وجود مغريات سياسية واقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية للنظام، وفقاً لما جرى من ضغوط وإغراءات للسودان وللمملكة المغربية كذلك، لذلك يفترض هذا السيناريو أنه يصعب على النظام الموريتاني الصمود أمام هذه الإغراءات، بالإضافة إلى أدوات الضغط الأمريكية خصوصاً في ملف حقوق الإنسان الموريتاني الذي يستخدمه الأمريكان وفق هواهم.

2. سيناريو التطبيع الخافت، ويستند سيناريو التطبيع الخافت على خشية من الضغوط الشعبية الداخلية القوية المعارضة للتطبيع ومن خشية النظام السياسي الحالي من حدوث انقلاب عسكري، خصوصاً مع عدم استقرار النظام السياسي في موريتانيا على مدار السنوات الماضية، وتعدد الانقلابات العسكرية بشكل متوالي، والتي وصل عددها نحو 15 انقلاباً عسكرياً ، لذلك قد تكون العلاقة بين موريتانيا و”إسرائيل” متعثرة ومتذبذبة.

3. سيناريو الرفض القاطع للتطبيع، وهو سيناريو تراجعت قوته في هذه الأيام في ظلّ تراجع دعم القضية الفلسطينية من الأنظمة العربية، فلم تعد القضية الفلسطينية، قضية مركزية لدى العديد منها؛ ومع رغبة إدارة الرئيس الأمريكي بايدن بتشجيع مسار التطبيع العربي، وإن بوتيرة أقل من إدارة ترامب.

وختمت الباحثة معتبرة أن ثمة مخاطر لإعادة نسج العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية من جديد في ظلّ الإدارة الأمريكية الجديدة، خصوصاً وأن هناك مساعي إسرائيلية جدية لإعادة فتح السفارة الإسرائيلية في نواكشوط ومزاولة عملها، غير أن أي تطورات في العمل المقاوم في فلسطين، مع تصعيد الفعاليات الشعبية الموريتانية المعارضة للتطبيع التي أثبتت قوتها، ستقف حاجزاً أمام مسار التطبيع.


للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:

>> ورقة علمية: التطبيع الإسرائيلي الموريتاني واتجاهاته المستقبلية … د. إلهام جبر شمالي (30 صفحة، 24 MB)


إعداد: د. إلهام جبر شمالي.[1]
(خاص بمركز الزيتونة).

مقدمة:

ما زالت الإدارة الأمريكية تعلن بين الفينة والأخرى عن صعود دول عربية إلى قطار التطبيع الذي أعلنت عنه في آب/ أغسطس 2020، وذلك حتى في الأيام الأخيرة على رحيلها، وتسلم الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس جون بايدن John Biden لمقاليد الحكم في 20/1/2021. لم يكد كانون الأول/ ديسمبر يخلو يوم دون أن يكون للرئيس دونالد ترامب Donald Trump تغريدة عن احتمالية توقيع اتفاقات تطبيع جديدة على غرار اتفاق أبراهام Abraham Accords مع الإمارات، ومن ثم البحرين، وكذلك السودان. ولن يكون إعادة تطبيع العلاقات مع المملكة المغربية الاتفاق الأخير، مع حالة السقوط العربي المدوي أمام الإدارة الأمريكية التي اتسمت بإدارة الخوف والتهديد، والمقايضة الاقتصادية، والابتزاز السياسي، فهل ستكون الدولة المقبلة تونس، أو سلطنة عُمان، أم ستكون دولة موريتانيا!، هذه الورقة العلمية تسلط الضوء على مؤشرات التطبيع بين دولة موريتانيا و”إسرائيل”.

قد يعتقد الكثيرون أن موريتانيا كانت في مؤخرة المشهد الأساسي وحركة اللاعبين الرئيسيين فيما يتعلق بردود فعل الصراع العربي- الإسرائيلي، لكن الحقيقة أنها كانت في قلب المنطقة، وشكلت بؤرة الاستهداف الإسرائيلي بصورة مخططة منذ السنوات الأولى لإقامتها، ووضعتها على قائمة أولويات أجندتها السياسية؛ تمهيداً لاختراق القارة الإفريقية، وبثت أجهزتها وشركاتها ذات الجنسيات المتعددة فيها، حيث تمتعت موريتانيا بموقع استراتيجي بالنسبة لدول المغرب العربي، من الناحية السياسية والإقليمية، خصوصاً مع امتلاكها لموانئ مهمة، تسهل هجرة اليهود إلى فلسطين، وثروات طبيعية، ذات أهمية بالغة للاقتصاد الإسرائيلي.


للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:

>> ورقة علمية: التطبيع الإسرائيلي الموريتاني واتجاهاته المستقبلية … د. إلهام جبر شمالي (30 صفحة، 24 MB)


أولاً: الأهداف العامة الإسرائيلية من التطبيع:

1. تثبيت وجود “إسرائيل”، وتأمينه دولياً: كدولة ذات سيادة على أرض فلسطين، في محيطها العربي، والإقليمي، وهو ما عبَّر عنه ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion:أ[2] “إن رغبتنا الوحيدة هي خلق الظروف الدولية التي ستقوي من أمننا القومي”.[3] وما زالت “إسرائيل” تدرك أنه بعد 72 عاماً على وجودها، أنها دولة مؤقتة وطارئة، وتحاول إطالة أمد وجودها غير الطبيعي، وغير القائم على أي حق من الحقوق التاريخية، أو القانونية؛ فلذلك تسعى لإيجاد مناخ عربي، وإقليمي، ودولي يقبل وجودها من خلال التشبيك والتطبيع، والاعتراف بها كأمر واقع، وبالتالي اعتبارها جزءاً من منظومة المجتمع الدولي، كدولة طبيعية في المنطقة.

2. ضمان أمن “إسرائيل”: الذي لن يتحقق في ظلّ المواقف المعادية من الدول العربية، ولتدارك هذا الخطر يجب إنهاء مصطلح النزاع العربي – الإسرائيلي، وتحقيق أمنها عبر اختراق دول عربية ذات شأن، وإقامة علاقات معها تؤمّن وجودها، بالمقابل تقدم “إسرائيل” لها الدعم عبر الولايات المتحدة، والإبقاء على أنظمتها الاستبدادية. ويقول بن جوريون: “إن الأسلوب الآخر لضمان أمن “إسرائيل”، يكون عن طريق إقامة علاقات صداقة مع جميع الدول وخاصة دول آسيا وإفريقيا”،[4] وأمن “إسرائيل” هنا بالمفهوم الإسرائيلي يعني التفوق العسكري والاقتصادي على الدول العربية، بالديبلوماسية السياسية، والسبيل لتحقيق ذلك إقامة علاقات صداقة معها تشكل فيها “إسرائيل” رأس الحربة.

3. تحويل القضية الفلسطينية جوهر الصراع إلى شان إسرائيلي داخلي؛ تتفاوض حوله “إسرائيل” مع قلة فلسطينية، والوصول إلى حلّ لا يخرج عن إطار الحكم الذاتي، وهو ما تعمل عليه “إسرائيل” من خلال تطبيق الرؤية الأمريكية “صفقة القرن”.

4. امتداد النفوذ الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي في المنطقة: “إسرائيل” لا تقبل من التطبيع أن يعطيها الأمن وينهي حالة الحرب، بل تريد نفوذاً حقيقياً يعطيها دور الريادة والمحورية لتصبح دولة الاستقطاب الأولى في المنطقة،[5] وفعلياً استطاعت “إسرائيل” الوصول إلى هذا الهدف منذ سنوات التسعينيات.

5. متطلبات العولمة وشروط الانضمام إلى المعاهدات الدولية؛ وضرورة دمج الاقتصاديات المحلية والوطنية والإقليمية في شبكة عالمية، وضعف مكانة الدولة المركزية لصالح ما هو غير حكومي، الذي ألقى بظلاله على الدول العربية، التي وجدت نفسها منخرطة في تفاصيله ومخرجاته، وأصبح التطبيع مع “إسرائيل” جزءاً من التمويل الأجنبي والقروض الممنوحة، مما سمح لـ”إسرائيل” استغلال هذه الثغرة والاندماج في الأسواق العالمية والعربية بشكل مباشر وغير مباشر،[6] فقد كان من شروط الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، تحرير الأسواق، وفتحتها أمام المنتجات العالمية، عبر اتفاقية الكويز،[7] مما ساعدها على تطبيع علاقاتها في المجال الاقتصادي مع العديد من الدول العربية، وضمان سيطرتها الاقتصادية النوعية، وفق الشروط الأمريكية للدول العربية.

ونرى من خلال ذلك، أن استراتيجية التطبيع الإسرائيلية، مرت بعدة مراحل وفق الظروف السياسية، عكست العلاقة التطبيعية والظروف السياسية والتاريخية، التي مرت بها المنطقة العربية في أعقاب إقامة “إسرائيل” سنة 1948، حيث اتسمت أغلب تلك العلاقات بالسرية، وكانت بمثابة مرحلة انتقالية تبدلت بشكل جوهري في أعقاب اتفاقات التسوية العربية – الإسرائيلية.

ثانياً: أهداف النظام السياسي الموريتاني من التطبيع:

أسهمت البنية الفرانكفونية للنظام الموريتاني في دفعها نحو التطبيع على اعتبار أنهم أقرب إلى المحور المغربي – الإسرائيلي منه إلى محور العالم العربي والإسلامي، ورغبة النخبة الحاكمة الموريتانية التطبيع مع “إسرائيل”، الأمر الذي مثَّل بداية تصدع للعلاقات الفرنسية الموريتانية، خصوصاً بعد تزايد المطالبات الفرنسية لموريتانيا بتحسين وضع حقوق الإنسان وإطلاق التعددية السياسية، وخشية من ضعف علاقاتها بفرنسا، نسجت موريتانيا علاقاتها مع “إسرائيل”، لتأمين الحصول على مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من الفرنسية.[8] وهناك جملة من الدوافع على المستويين الداخلي والخارجي، حفزت النظام السياسي الموريتاني على التطبيع، وأهمها:

1. شعور النظام الموريتاني أنه مهدد من الجزائر والمغرب، فالأولى تحدها موريتانيا من الشمال الشرقي، والثانية من الشمال الغربي؛ والجزائر في عهد هواري بومدين سبق لها وأن أطاحت بنظام مختار ولد داده في نواكشوط؛ بسبب وقوفه إلى جانب المغرب في قضية الصحراء الغربية، ثم إن المغرب رفضت قيام كيان موريتاني، وعدَّتها كيان مختلق، وتمثل امتداداً لأراضيها.

2. يعد العامل العسكري عاملاً مهماً في سياسة موريتانيا الخارجية في المراحل الأولى من الاستقلال، وذلك بالبحث عن الدعم العسكري، وإبرام اتفاقيات تعاون عسكري، ومواجهة المشاكل الحدودية مع جارتها مالي، وكذلك حرب الصحراء الأولى سنة 1976، ومنذ الانقلاب العسكري سنة 1978 الذي جعل كل شيء تحت سيطرة الجيش.[9]

3. عدم اعتراف جمال عبد الناصر باستقلال موريتانيا سنة 1960، الأمر الذي جعل النظام الموريتاني ينأى بنفسه عن فكرة القومية العربية التي قادها عبد الناصر.

4. مشاركة “إسرائيل” في بعض أنشطة حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization (NATO) في إطار التعاون مع الحوار المتوسطي لحلف الناتو، جعل دول المغرب العربي تتجه للتعاون معها؛ لأنها عدته الإطار المناسب لضمان استقرارها وحمايتها من أي هزات أمنية، وكذلك الحصول على استثمارات اقتصادية إسرائيلية،[10] ورغبة الولايات المتحدة دمج “إسرائيل” في بعض مشاريع حلف الأطلسي بغرض تطبيع علاقاتها العسكرية مع البلدان العربية ذات العلاقة، كالأردن، ومصر.

5. رأى النظام الموريتاني أن العلاقات التطبيعية مع “إسرائيل”، أنجع السبل لتطوير “السلام” الدائم في المنطقة العربية، فقد رأى رشيد بن صالح وزير الإعلام السابق أن “الهدف إقناع الإسرائيليين بعملية السلام، ومنع الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين”.[11]

6. تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والمدخل لها التطبيع مع “إسرائيل”، وارتبط ذلك بخشية موريتانيا من العقوبات التي تطالب بها منظمات حقوقية موريتانية؛ بسبب سياسة التعذيب والاعتقالات من الحكومة الموريتانية، بالإضافة إلى التمييز العنصري ضدّ بعض الأقليات داخل موريتانيا، الأمر الذي تعارض مع إمكانية حصولها على منح وقروض مالية من الولايات المتحدة.[12]

تختلف السياسة الخارجية من دولة إلى أخرى، وتعكس تلك السياسة توجهات الدولة التي تمليها التجربة التاريخية والظروف الاستراتيجية، التي تميزها الدولة في السياسة الدولية المتجذرة عبر تقاليد وطموحات المجتمعات، وهذا ما يجعل السياسة الخارجية لدولة موريتانيا ذات خصوصية تميزها عن غيرها عن باقي دول العالم، فهي دولة ضعيفة تقع في أقصى المغرب العربي على ساحل المحيط الأطلسي، وأضعف حلقة أمنية بين دول المغرب العربي، والمنطقة الجغرافية صحراوية قليلة السكان، ويصعب السيطرة عليها. وهكذا، فإن هذه الخصوصية جعلت من موريتانيا بؤرة للمشاحنات، واهتمام العديد من القوى الدولية، بالإضافة إلى وجود سياق سياسي داخلي يتسم بعدم الاستقرار وعدم التجانس الاجتماعي، مما جعل السياسة الخارجية الموريتانية تواجه تحدياً فيما يتعلق بتأثير الداخل والمتغيرات الخارجية.[13]

ثالثاً: دوافع “إسرائيل”:

تختلف دوافع “إسرائيل” للتطبيع مع موريتانيا عن بقية دول المغرب العربي، ولكنها تحتكم لمجموعة من المحددات، وتلك المحددات بعضها معلن، والآخر غير معلن، حيث مرت تلك العلاقة بحالة من المد والجزر، فاستغلت “إسرائيل” خلالها وتر التناقضات والخلافات البينية العربية؛ لاستمالة طرف ضدّ الآخر، كما حدث مع موريتانيا بعد عزلها عربياً نتيجة موقفها الداعم لصدام حسين إبان حرب الخليج الثانية سنة 1991م.[14]

هناك عوامل عديدة دفعت “إسرائيل” لتطبيع علاقاتها مع موريتانيا، أهمها:

1. إدراك “إسرائيل” أهمية موقع موريتانيا الاستراتيجي؛ فهي تطل غرباً على المحيط الأطلسي، وجنوباً على دول إفريقية كالسنغال، ومالي، وطول ساحلها الذي وصل 650 كم، بالإضافة للسيطرة على الثروات المعدنية الهائلة من نحاس وملح وحديد، كمدينة شنقيط الموريتانية على سبيل المثال التي تمتلك الحديد، المنتشر على شكل سلاسل جبلية، واحتوائها على نسبة 52 من أكسيد الحديد، النسبة الأعلى في العالم؛[15] هذا بالإضافة إلى الثروة السمكية التي تعد أحد ركائز النشاط الاقتصادي لموريتانيا، الأمر الذي سعت معه “إسرائيل” لتأمين استثمارات لها هناك، وهو أكثر ما أثار الأطماع الإسرائيلية لإقامة علاقات مع النظام الموريتاني، وتعزيز نفوذها في المنطقة بذريعة تطوير المشاريع الاقتصادية.

2. يعتقد الإسرائيليون أن موريتانيا تشكل نقطة انطلاق نحو القارة الإفريقية؛ لأن لديها مساحة واسعة؛ ولأنه يسيطر عليها نظام حكومي ضعيف نسبياً، وقد مهَّد ذلك الطريق لجعل موريتانيا نقطة انطلاق للإسرائيليين تجاه القارة الإفريقية، بدلاً من أن تكون مركز التنوير الثقافي العربي الإسلامي.

3. السعي الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة لتأسيس رؤية أمنية مشتركة ونظام أمني؛ لاستقرار دول البحر المتوسط (في غربه وجنوبه) لاستيعابها كدولة مجاورة؛ لتصبح جزءاً من نظام الأمن المتوسطي.[16]

4. توطيد العلاقات مع بقية دول إفريقيا؛ يعني استمرار سيل هجرة يهود الدول العربية إلى فلسطين والاتصال بهم، وتعبئتهم لخدمة الاستراتيجية الإسرائيلية، تحت إطار تجميع الشتات اليهودي، فعليهم يعتمد التركيب الاقتصادي والاجتماعي، وتدرك “إسرائيل” جيداً أن يهود إفريقيا يشكلون القاعدة المتوسطة في المجتمع “الإسرائيلي”،[17] فالهاجس الديموجرافي ما يزال يشكل هاجساً لـ”إسرائيل” أقوى من الحروب العسكرية، والهجرة اليهودية تعني استمرار وجود “إسرائيل” وهي قضية غير قابلة للنقاش.

5. تعميق الانقسام في الصف العربي، وتسريع عملية التطبيع بما يؤدي لعزل القضية الفلسطينية والاستفراد بالشعب الفلسطيني.

رابعاً: بداية العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية:

رفضت موريتانيا الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة سنة 1967، وعدَّته عدواناً على الأمة العربية، وقد مارست دورها في حثّ الدول الإفريقية على قطع علاقاتها بـ”إسرائيل”، خلال سنوات السبعينيات، ومنعت حامل جواز السفر الاسرائيلي من دخول أرضيها، ووضعت على جواز السفر الموريتاني “ممنوع من دخول إسرائيل وجنوب إفريقيا”، وأقدمت على قطع علاقاتها مع الولايات المتحدة خلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، احتجاجاً على الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل”.[18]

أدى الغياب العربي تجاه موريتانيا دوراً كبيراً في تحول السياسة الخارجية الموريتانية في عهد ولد طايع، لإقامة علاقات مع “إسرائيل”، خصوصاً بعد تدهور العلاقة مع فرنسا، إذ كانت الدول العربية تعوضه مادياً في كثير من الأزمات، ولكن قيام موريتانيا بتأييد غزو الكويت ومساندة العراق سنة 1990، أدى إلى تعليق الدول الخليجية المساعدات العربية المقدمة لموريتانيا،[19] في الوقت الذي تبنت “إسرائيل” أوائل التسعينيات سياسة جديدة تمثّلت فيها أهدافها العملية والمباشرة للوصول إلى علاقات طبيعية مع العالم العربي، وشكَّلت نقطة تَحوُّل مدفوعة بمجموعة من الاعتبارات، أهمها: صعود الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط، ورجحان ميزان القوى العسكري إلى حدّ كبير لصالح “إسرائيل”، مما مكنها من الانخراط في عملية التسوية.

بدأت الاتصالات بين موريتانيا و”إسرائيل” في نهاية التسعينيات في ظروف استثنائية للرئيس ولد الطايع، الذي كان محاصراً من قبل القوى الغربية؛ بسبب الاتهامات بارتكاب مجازر بحق الزنوج، وتلويح الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام ورقة حقوق الإنسان ضده كورقة ضغط لإجباره على التطبيع، فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة لعدد من الضباط لمشاركتهم في قتل العشرات من العسكريين الزنوج وتعذيبهم دون سند قانوني.[20] ولذلك شهدت تلك الفترة سلسلة اتصالات بين موريتانيا و”إسرائيل” على مستوى عالٍ، بوساطة إسبانية في نيويورك ومدريد وبرشلونة، وفي ظروف خاصة وسرية بشكل تام.[21] ورأى شمعون بيريز Shimon Peres تحسُّن العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، عبر توقيع اتفاق التسوية سنة 1993، بداية الانطلاقة نحو تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية بشكل رسمي، وتطوير العلاقات القائمة إلى مستوى أعلى مما هو موجود مع كل من موريتانيا والبحرين وقطر.[22]

وجد الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع، في التطبيع فرصته للبقاء في السلطة، فعقد أول اتصال رسمي بين وزيري الخارجية الموريتاني محمد ولد الكحل، والإسرائيلي شمعون بيريز سنة 1995، برعاية وزير الخارجية الإسباني خافيير سولانا Javier Solana في مدريد، ومهّد أبو بكرة ولد عثمان رئيس جمعية الصداقة الموريتانية – الإسرائيلية، لتوطيد تلك العلاقة، معتبراً أن الفلسطينيين أصحاب القضية قد عقدوا اتفاق التسوية، فلا داعي من استمرار مقاطعة “إسرائيل”.[23]

كما جرى لقاء ثانٍ بين الوزير محمد سالم ولد الكحل مع نائب وزير الخارجية يوسي بيلين Yossi Beilin في عمّان، أسفر عن اتفاق رسمي لفتح مكاتب لرعاية مصالح الطرفين في نواكشوط وتل أبيب سنة 1995، بحضور وزير الخارجية الأردني الأسبق عبد الكريم الكباريتي، واستقبال رئيس مكتب المصالح الإسرائيلية غابرييل أزولاي Gabriel Azoulay في نواكشوط.[24]

واصل مسار التطبيع خطواته، وتمكَّن السفير الموريتاني في المملكة الأردنية الهاشمية محمد ولد الأكحل، ووزير الخارجية الداه ولد عبد الجليل، من رفع مستوى التمثيل الديبلوماسي، وفتح سفارتين بين البلدين في 28/10/1999، ومثل ذلك اعتراف رسمي بـ”إسرائيل”، واستجابة للضغوط الأمريكية التي مارستها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت Madeleine Albright،[25] وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة General Assembly (GA) للأمم المتحدة بنيويورك؛ لتصبح موريتانيا ثالث دولة تقيم علاقات بهذا المستوى مع “إسرائيل” بعد مصر والمملكة الأردنية الهاشمية،[26] ووقّع الاتفاق وزيرا الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي David Levy، والموريتاني أحمد سيدي أحمد؛ لإقامة علاقات ديبلوماسية كاملة مع موريتانيا بمقر وزارة الخارجية الأمريكية، وقد سخَّرت وزارة الخارجية الأمريكية كل جهودها للوصول لهذا الاتفاق، بمتابعة مدير عام وزارة الخارجية إيتان بنتسور Eitan Bentsur، ومساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى مارتن أنديك Martin Indyk، الذي عمل على تنشيط عملية التطبيع التي عدَّتها الإدارة الأمريكية الهدف العملي لـ”عملية السلام”.[27] وحاول عضو لجنة الشؤون الخارجية الموريتاني ولد موسى تبسيط الأمر حول التطبيع قائلاً: “فتحنا سفارة في إسرائيل، وفتحوا سفارة في بلادنا، كما فعلت الأردن ومصر”.[28]

عيِّن فريدي إيتان Freddy Eitan سفيراً لـ”إسرائيل” بنواكشوط، وأشارت أولبرايت إلى “أن هذا الاتفاق سيعود بثمرات طيبة على الشعب الموريتاني”، وسبق توقيع الاتفاق قيام وزير الخارجية الموريتاني العافية ولد محمد بزيارة لتل أبيب في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 1998. وبعد ذلك بأسبوعين تمّ تعيين العافية ولد محمد رئيساً للحكومة الموريتانية، مما عُدَّ مكافأة له على زيارته لـ”إسرائيل”،[29] وذلك ما رفضه الشعب الموريتاني، وعبَّر عن سخطه في مظاهرات عمت المدن الموريتانية.

هذا الاتفاق جعل موريتانيا تتجه أكثراً فأكثر نحو العزلة عن البيئة العربية، فقد اتخذت ليبيا موقفاً مشدداً، فجمَّدت مساعداتها الاقتصادية وطردت العمال الموريتانيين، واتهمت موريتانيا العراق بدعم المظاهرات والمعارضة في نواكشوط سنة 1999، فساءت العلاقات بين الطرفين، تبعها قطع العلاقات الديبلوماسية بينهما،[30] كما خفضت موريتانيا تمثيلها مع سورية، اعتقاداً من الرئيس الموريتاني أن العلاقات الكاملة مع “إسرائيل” هي الأفضل، وأنها قد تُوفِّر له الاستقرار في حكمه عبر اللوبي اليهودي Lobby في الولايات المتحدة الأمريكية، والحصول على القروض والتبرعات، الأمر الذي أسفر عن عزل موريتانيا عن العالم العربي.[31]

وضمن جهود تعزيز التطبيع، زار موريتانيا وفد من الكنيست Knesset سنة 2000، برئاسة نعومي شازان Naomi Chazan عن حزب العمل، وضمّ الوفد كلاً من مكسيم ليفي Maxim Levy من “كتلة إسرائيل”، وجدعون عزرا Gideon Ezra من حزب الليكود Likud، وهاشم محاميد من القائمة الموحدة للحزب العربي،[32] واستقبلهم الرئيس الموريتاني ولد الطايع، لتعزيز التعاون بين البلدين، وكان من نتائجه تأسيس جمعية موريتانية – إسرائيلية؛ لدعم جهود “السلام”. وأدانت الحركات السياسية والشعبية تلك الزيارة، ولكن موريتانيا رفضت قطع علاقاتها مع “إسرائيل”، في الوقت الذي قامت به عدة دول بقطع علاقاتها مع “إسرائيل” في ظلّ قيام أريل شارون Ariel Sharon بتدنيس المسجد الأقصى سنة 2000. بل إن وزير الخارجية الموريتاني اجتمع مع شارون سنة 2001؛[33] وأقام السفير الإسرائيلي أرييل كرم Ariel Kerem، مراسم “عيد الاستقلال الإسرائيلي” بحضور عدد من المسؤولين الموريتانيين، وتناست موريتانيا أن هذا اليوم يمثل ذكرى للنكبة الفلسطينية سنة 1948، التي ما زالت ماثلة للعيان حتى اليوم، مع استمرار الممارسات والاعتداءات الإسرائيلية؛ مما يدلل على متانة العلاقات بين البلدين، في الوقت الذي كانت تنفِّذ فيه “إسرائيل” هجمتها على الفلسطينيين في القدس، والضفة الغربية، وقطاع غزة.

تعززت العلاقات بين الطرفين بقوة من خلال المتغيرات التي وقعت في العالم والمنطقة العربية، خصوصاً الحرب الأمريكية على العراق، وفي ضوء الاستراتيجية الأمريكية التي أخذت ترسم أسس جديدة لـ”الشرق الأوسط الكبير”، فقد التقى شمعون بيريز معاوية ولد الطايع على هامش قمة الأرض في جوهانسبورغ سنة 2002. وبلغ التطبيع مداه، حينما أقام السفير الإسرائيلي في نواكشوط، احتفالاً بيوم استقلال “إسرائيل”، بحضور شخصيات موريتانية في 15/5/2003، وبحضور السفير أيضاً، اختتم مهرجان الشباب الموريتاني الثالث.[34] وشكلت زيارة سيلفان شالوم Silvan Shalomإلى موريتانيا سنة 2005، واستقباله من وزير الخارجية محمد فال ولد بلال، نقطة تحول في حجم العلاقة بين البلدين،[35] ولكن أمام حالة السخط الشعبي من الزيارة قطع شالوم زيارته، وغادر العاصمة الموريتانية، خشية من تفاقم الأوضاع.

وقد أقر المجلس العسكري الموريتاني الذي أطاح بولد طايع سنة 2005، الالتزام بجميع المعاهدات والاتفاقات السابقة مع “إسرائيل”؛[36] أي أن الثمن الذي دفعه النظام الجديد للحصول على اعتراف دولي كان الحفاظ على تلك العلاقة، بالرغم من المعارضة الشديدة لنظام الطايع بسبب علاقته مع “إسرائيل”.

خامساً: مجالات التطبيع الموريتاني:

تنوعت مجالات التطبيع الموريتاني، وأخذت طابع التحالف أكثر منها تطبيع علاقات بين دول متحاربة.

1. التطبيع الأمني: بعد تصدع العلاقات الفرنسية، وطرد الضباط الفرنسيين من موريتانيا، وبهدف الحصول على دعم الولايات المتحدة، لجأت موريتانيا لتوطيد علاقاتها الأمنية مع “إسرائيل”، وحصلت على الدعم اللوجستي الأمني، والاستخباراتي من “إسرائيل”، فوصل مئة خبير أمني إسرائيلي إلى نواكشوط، وشهد التعاون الأمني والاستخباراتي ذروته عندما وقَّعت موريتانيا على اتفاق أمني موريتاني – إسرائيلي، لدفن نفايات مفاعل ديمونا Dimona النووي سنة 1998، مقابل مساعدات مالية، وحطت الطائرات الإسرائيلية المحملة بالنفايات النووية في مطار تجكجة؛[37] إلا أن الحكومة الموريتانية نفت ذلك، وأدى ذلك لسجن عدد من زعماء المعارضة،[38] وتمّ إحالة ملف النفايات النووية إلى المحكمة العليا في بريطانيا.[39]

كما منحت موريتانيا تسهيلات لقطع البحرية الإسرائيلية، وذلك بعد زيارة قائد البحرية الاسرائيلية الجنرال يديديا يآري Yadidya Yaʼariقائد سلاح البحرية الموريتانية سنة 2004، مقابل تقديم مساعدات سنوية وصلت إلى نحو 25 مليون دولار. كما كشف زئيف بويم Ze’ev Boim مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي، المسؤول عن مجمع التصنيع العسكري، وخصوصاً الصواريخ البالستية طويلة المدى في الصحراء الموريتانية؛ إصابة أهداف معينة بصواريخ إسرائيلية، وإجراء التجارب على بعض المنظومات القتالية التي تتطلب مديات بعيدة.[40]

ونرى من خلال ما سبق ذكره، أن هذا المستوى من التغلغل الأمني الإسرائيلي الذي وصل في القارة الإفريقية شكل تهديدا ًصريحاً للأمن القومي العربي، وجعل “إسرائيل” تتحكم في مفاصل الحياة الموريتانية.

2. التطبيع الاقتصادي: يُعدُّ تطوير العلاقات الاقتصادية المدخل القوي لإقامة علاقات ديبلوماسية مع الدول الإفريقية التي عانت الفقر، والضعف الاقتصادي، وقد أدى الخطاب الإعلامي والسياسي الإسرائيلي دوره في هذا المجال، للالتفاف على المقاطعة العربية، التي شكلت سياسة عربية ثابتة قبل الدخول في معترك التسوية السياسية، استطاعت معه “إسرائيل” كسر حاجز المقاطعة، وبلغت قيمة الصادرات والواردات الإسرائيلية الموريتانية نحو 334 ألف دولار، خلال الفترة من 1958-1964.[41]

استغلت “إسرائيل” المؤتمرات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا “مينا MENA” للتغلغل في الأسواق العربية لدعم اقتصادها، والمحافظة على تفوقه، فقد صرح السفير الإسرائيلي في نواكشوط شلومو آفيتال Shlomo Avital”لكي تكون العلاقات مهمة عليها أن نكون ذات محتوى، لهذا وقَّعنا اتفاقات ضمن علاقاتنا المتبادلة، ونحن نقوم بالعمل على تقديم المساعدة للشعب الموريتاني خاصة في مجال الزراعة والصحة”.[42]

وما زال التطبيع الاقتصادي هدفاً إسرائيلياً ثابتاً في استراتيجيتها لـ”السلام” مع الدول العربية، على كافة الأصعدة، والانفتاح على الأسواق العربية، وتحقيق طموحاتها في المياه والطاقة بشكل أساسي.

لقد وصف التطبيع الإسرائيلي مع موريتانيا بالتطبيع الاحتكاري، بتوقيع اتفاقية سنة 2000، الخاصة بالبحث والتنقيب عن معدن الليثيوم Lithium، الذي تمتلكه موريتانيا الاحتياطي الأول في العالم، والمستخدم في العديد من الصناعات الزراعية والصناعات المتخصصة في مجالات الاتصالات. فقد أقامت “إسرائيل” 14 مركزاً؛ لاستخراج معدن الليثيوم في عدة مناطق موريتانية، بعد أن أثبتت التجارب العلمية فوائده من حيث الجودة والتكاليف، وحققت العديد من الشركات الإسرائيلية والعالمية مكاسب اقتصادية من ورائه، وتولت رعاية ذلك شركتي بيليفون Pelephone وأورانج Orange الإسرائيليتين للاتصالات، بالإضافة للشركات الزراعية الإسرائيلية الأخرى، التي استفادت من هذا المعدن المهم.[43]

ولأجل ذلك فزعت “إسرائيل” من الانقلاب العسكري سنة 2005، الذي قام به العقيد ولد فال السباعي، الذي كان يشغل منصب مدير الأمن الوطني سنة 1985، وأطاح بالرئيس ولد طايع في أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية للتعزية بوفاة الملك فهد بن عبد العزيز،[44] فطالبت بحماية استثماراتها ومصانعها، وذلك ما عبَّر عنه إيهود أولمرت Ehud Olmert بأن “إسرائيل” ستحمي استثماراتها بالقوة، متعهداً بأنها ستظل المتحكم الأول في البحث والتنقيب عن مادة الليثيوم، والمصدر الأول لها في العالم.[45] أظهر هذا التصريح أن “إسرائيل” لا يهمها من يحكم موريتانيا أو استقرار أوضاعها، بقدر ما يهمها مصالحها الاستثمارية واحتكارها للاقتصاد الموريتاني.

كما قدمت “إسرائيل” خبراتها لتطوير زراعة النخيل الموريتانية، وعقدت الملتقى الدولي للنخيل في مدينة إطار الموريتانية سنة 1992، وقد موِّل مشروع لحماية النخيل تحت غطاء برنامج مكافحة التصحر، وتضمن المشروع زراعة النخيل في القصر الرئاسي الموريتاني أيضاً، وتعاونت مع رجال أعمال موريتانية في مشروع زراعة البطاطس بتكلفة 26 مليون دولار تقريباً.[46]

وروجت “إسرائيل” لصناعاتها التكنولوجية داخل موريتانيا كصناعة أجهزة “مودم Modem” التابعة لشركة راد RAD، والأدوية الإسرائيلية، وصناعة الملابس، وللتحايل على المواطن الموريتاني، أدخلت السلع على أنها منتجات لشركات فرنسية،[47] مما دلل على الرفض الشعبي للتعاطي مع المنتج الإسرائيلي داخل السوق الموريتاني.

هكذا قامت “إسرائيل” بجهود حثيثة للسيطرة على الاقتصاد الموريتاني، وإخضاعه لتوجيهاتها وتصوراتها.

3. التطبيع الصحي: اتخذت “اسرائيل” من سوء الأوضاع الصحية مدخلاً للتقرب من الشعب الموريتاني، فأرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية وفوداً طبية إسرائيلية لموريتانيا عدة مرات، ومنها زيارة الوفد الطبي نواكشوط في 1999/7/11؛ لإجراء عمليات جراحية للعيون لنحو مئة مريض، وضمّ الوفد الطبي إيريت روزمبلات Irit Rosemplate، آنا روبنسون Anna Robinson وقام الوفد بعلاج ما يقارب من ألف شخص مصاب بأمراض العيون، وطالب الرئيس الموريتاني من الوفد الطبي الإسرائيلي تمديد الزيارة،[48] إلا أنه خلال الزيارة تعرضت روزمبلات لصفعة من الطبيب الموريتاني الزايد ولد الخطاط، احتجاجاً على التطبيع ورفضاً للزيارة الإسرائيلية.[49]

وأسست “إسرائيل” سنة 2005، مركزاً لعلاج مرض السرطان في نواكشوط، ضمّ تجهيزات طبية إسرائيلية، وغرف عمليات متطورة، وأخرى للتدريبات المهنية بالتعاون مع مراكز طبية في “إسرائيل”،[50] وقد فرضت عليه حراسات أمنية مشددة، ليشكل المركز أول مؤسسة إسرائيلية على الأراضي الموريتانية، واستمرت “إسرائيل” بمتابعة العمل به حتى سنة 2009، وانتقل العمل بالمركز إلى الإشراف الإيراني،[51] أي مع وقف التطبيع الموريتاني بموجب قرار مؤتمر الدوحة.

4. التطبيع العلمي والإعلامي: عقدت موريتانيا مؤتمراً علمياً بعنوان “الإنسان والماء والكربون” بجامعة نواكشوط سنة 1997، بمشارك ثلاثة إسرائيليين. وتعهد المشاركون، بتقديم دورات للجامعة وبعض الوزارات في عدة مجالات منها اللغة الإنجليزية التخصصية، وإدارة التعاونيات الزراعية، وتسيير المشاريع، والتنمية الجماعية، وتكثيف الإنتاج الحيواني في المناطق الحارة، واستخدام أساليب الري الحديثة، في المعاهد والجامعات الإسرائيلية.[52] ولكن ذلك قوبل بسخط أكاديمي وشعبي، فلم يتقدم أحد لتلك المنح والدورات من الطلبة والموظفين الموريتانيين. ووفرت دورات تدريبية للقطاع المصرفي الموريتاني، ورفض محاسبان موريتانيان قبول تلك المنح والسفر إلى تل أبيب.[53]

وقد مثلت تلك الدعوات والدورات محاولة لجذب الشعب الموريتاني لزيارة “إسرائيل”، وتوطيد العلاقات معها على المستوى الشعبي للخروج من إطار التطبيع الحكومي الرسمي.

وطرأ تحول نوعي في التطبيع الموريتاني حينما بث التلفزيون الرسمي الموريتاني حفل السفارة الإسرائيلية في نواكشوط بمناسبة مرور 53 عاماً على إقامة “إسرائيل”، بمشاركة أعضاء من الحكومة الموريتانية.[54] وفي الإطار ذاته، قامت صحيفة موريتانية بإجراء حوار مع السفير الإسرائيلي بوعز بوسميث Boaz Bosmithسنة 2004، تهجم فيه على المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي رفضه الشارع الموريتاني معبرين عن استياءهم.[55] لقد أثبتت مثل تلك اللقاءات مدى الرفض الشعبي للتعاون الإسرائيلي الموريتاني، والتضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية.

إضافة إلى ذلك، اتجه رجال أعمال إسرائيليون لشراء عقارات في أماكن متعددة من المدن الموريتانية، خصوصاً في هضبة عاقر السياحية لإقامة المشاريع الاستثمارية، وبناء فندق صباح، ومصانع الألبان.[56]

سادساً: تجميد العلاقات:

عبّر الشعب الموريتاني عن رفضه لمحاولات التطبيع مع “إسرائيل”، وطالبت مجموعة من الأحزاب السياسة، والقوى الشعبية الرئيس ولد الشيخ عبد الله سنة 2008، قطع العلاقات مع “إسرائيل”، وتعرضت السفارة الإسرائيلية في نواكشوط لهجوم مسلح في 2008/2/1، احتجاجاً على استمرار التطبيع واستغلال الثروات الموريتانية.[57] ثم جاء فوز محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية لسنة2009 ، ليعزز من شرعيته في السلطة، بعدم الإشارة لأي علاقة مع “إسرائيل” ضمن خطابه الأول في 2009/8/11، حينما حثّ على تحقيق “السلام” العادل في منطقة الشرق الأوسط.[58] ثم قرَّر محمد ولد عبد العزيز تجميد العلاقات الديبلوماسية مع “إسرائيل” سنة 2009، رفضاً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سنة 2009، واستدعاء سفيرها من تل أبيب،[59] في أثناء قمة غزة التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، وهو ما مثَّل استجابة لمطالب الأحزاب المعارضة والشعب الموريتاني وتضامنه مع الشعب الفلسطيني، وامتصاصاً لحالة الغضب والنقمة، وخشية من حدوث تطورات سياسية وتحديات داخلية وخارجية للنظام الحاكم، الذي لم يمضِ على استلامه السلطة سوى أشهر، بالإضافة لمحاولة إنهاء عزلة موريتانيا عن الدول العربية، والحصول على الدعم المالي العربي والإسلامي، وذلك ظهر في خطاب الرئيس الليبي معمر القذافي بطلبه عرض مشروع قانون التكلفة الاقتصادية لقطع العلاقات الموريتانية الإسرائيلية، لكسر الحصار الذي فرضته الدول الأوروبية بعد الانقلاب العسكري.[60]

وجاء قرار التجميد لاعتبارات موريتانية عديدة منها، كإجراء وقائي من النظام السياسي لمعالجة أزمته الداخلية بعد الانقلاب العسكري الذي وقع سنة 2008، وما نتج عنه من تحديات داخلية وخارجية للنظام الجديد.[61] وسعياً للحصول على شرعيته، خصوصاً وأن قرار تجميد العلاقات مع “إسرائيل” قوبل بترحاب من كافة القوى السياسة والأحزاب الموريتانية الحكومية والمعارِضة. إلى جانب محاولة لفك عزلة موريتانيا على الصعيدين الإقليمي والدولي، بغية الحصول على الدعم المالي العربي والإسلامي، بالإضافة إلى رغبة الشعب الموريتاني والأحزاب الوطنية دعم القضية الفلسطينية، وبالتالي امتصاص الغضب الشعبي المتفاقم إزاء سياسة النظام السابق، ومن ثم تفكيك المعارضة الموريتانية للمشاركة في العملية السياسية الموريتانية.[62]

ومن ثم أعلنت الناها بنت حمدي ولد مكناس وزيرة الخارجية الموريتانية عن قطع العلاقات مع “إسرائيل” بشكل نهائي في 2010/3/22، تحت الضغط الشعبي والمظاهرات الموريتانية، ليتم إغلاق السفارة وإنزال العلم الإسرائيلي،[63] ومما جاء في كلمتها “فليعلم العالم من هنا أن موريتانيا قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل مرة واحدة بشكل نهائي”، ورفض وزير الخارجية السابق أفيجدور ليبرمان Avigdor Lieberman، الاتهامات الإسرائيلية بأن قطع العلاقات مع موريتانيا قد جاء بسبب ترؤسه لوزارة الخارجية، ففي مقابلة مع صحيفة معاريف الإسرائيلية “البيان النهائي لقطع تلك العلاقات صدر من نواكشوط قبل أيام، ولكنه بالتأكيد لم يتخذ بسببي”.[64] وأكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه لا جديد في الإعلان الموريتاني، فالعلاقات شبه متوقفة منذ عام، ولم يكن هناك سفير إسرائيلي في العاصمة نواكشوط، وذلك بفعل التقارب الموريتاني الإيراني،[65] والمساعدات المالية التي وعد بها نائب الرئيس الإيراني علي سعيدلو Ali Saeedlu خلال زياراته لنواكشوط.[66] استمرت الحكومة في قطع علاقاتها الرسمية، خصوصاً بسبب الضغوط الشعبية، واستخدمت لغة مخففة تجاه الدول التي طبعت مع “إسرائيل”؛ وكان ثمة مؤشرات أنها تتعرض لضغوط خليجية للسير باتجاه التطبيع، غير أن حساباتها السياسية الداخلية لم تمكنها، حتى كتابة هذه الورقة، من العودة لتطبيع العلاقات. ولذلك فقد كشفت زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للمملكة العربية السعودية في 2019/6/22، دون تقديم أي مساعدات مالية أو وعود بالاستثمارات، الزيارة باهتة، وعبَّرت عن خلاف عميق مع السعودية، حيث كشف موقع أفريكا أنتليجانس Africa Intelligence، أن السبب في ذلك الخلاف ضغوط محمد بن سلمان لإعادة العلاقات الموريتانية الاسرائيلية، وإنهاء القطيعة، والتواصل المباشر مع بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu، الأمر الذي رفضه ولد الغزواني، لأنه رأى أن ذلك يتطلب سياسة عربية موحدة تجاه “إسرائيل” حسب المبادرة العربية، وتعرض الغزواني لـ”ابتزاز” سياسي من بن سلمان، حينما امتدح الرئيس السابق محمد ولد بن العزيز في مخالفة مكشوفة للديبلوماسية السياسية المعهودة.[67] ومما لا شكّ فيه أن محمد بن سلمان أراد دفع الدول العربية نحو التطبيع حتى قبل الإعلان عن “صفقة القرن”، وطالما استخدمت الأداة المالية لدفع الدول العربية لتغيير مواقفها تجاه قضية من القضايا التي تواجه الدول العربية، إلا أن الأمر بدا صارخاً فيما يتعلق بمقايضة التطبيع مع “إسرائيل”، ومثَّل سقوطاً عربياً مدوياً يعبِّرُ عن ما وصلت إليه الحالة العربية في الآونة الأخيرة.

رحَّبت وزارة الخارجية الموريتانية بـ”اتفاق أبراهام” للتطبيع بين دولة الإمارات و”إسرائيل” في 2020/8/13، وأشادت بالاتفاق،[68] الذي ينم حسب وصفها عن حكمة القيادة الإماراتية “دولة الإمارات تتمتع بالسيادة المطلقة والاستقلال التام في إدارة علاقاتها وتقييم المواقف التي تتخذها بما يتفق مع مصالحها الوطنية ومصالح العرب والمسلمين”،[69] ومن ثم التطبيع البحريني والسوداني، والاتفاق بين المملكة المغربية و”إسرائيل” خلال الأيام الأخيرة من ولاية دونالد ترامب، الذي وقّع في 10/12/2020. وأظهرت المؤشرات الإسرائيلية احتمالات صعود كلٍّ من موريتانيا وسلطنة عُمان قطار التطبيع، لأن هناك مباحثات إسرائيلية تتم لتطبيع تلك العلاقات من أعلى مستويات إسرائيلية.[70] ودعا فريدي إيتان السفير الإسرائيلي السابق لدى موريتانيا في 2020/8/16، موريتانيا لمتابعة الخطوة الإماراتية وتجديد العلاقات مع “إسرائيل”، ووجه دعوته لعقد المباحثات في باريس، متهماً إيران بأنها هي من خربت العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية، وتحاول الانتشار في الدول الإفريقية السُّنِّية.[71]

سابعاً: الموقف من التطبيع:

أثَّرت العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية على الإصلاحات السياسية والدستورية في البلاد، وسادت حالة من عدم الاستقرار السياسي، وانتقد معظم الإسلاميين والدعاة اتفاق التطبيع، بمن فيهم بعض الداعمين للنظام، في فتوى تحرم التطبيع، وأدى ذلك لانشقاق بالحكومة التي مارست القمع.[72] وانتشرت موجة مستمرة من الغضب الشعبي تمثلت في المظاهرات رفع رايتها طلاب المعاهد والمؤسسات التعليمية، وشكلت الأحزاب السياسية المعارضة للعلاقات مع “إسرائيل” لجنة وطنية لمحاربة “إسرائيل”. وفي سنة 2000، أُسِّس الرباط الوطني لمقاومة التطبيع والاختراق الصهيوني، وتوعية المواطنين بمخاطر التعامل التجاري مع العدو، وقيادة حملات شعبية للتشهير بالبضائع الإسرائيلية.[73] ورفض الشعب الموريتاني تطبيع بعض الدول العربية لعلاقاتها مع الكيان الإسرائيلي بكافة صوره، واحتجت المعارضة الموريتانية على الترويج الذي مارسته المملكة العربية السعودية للتطبيع مع “إسرائيل”، بما في ذلك تبريره من على منبر المسجد الحرام، فقد اتهم محمد الشنقيطي الشيخ محمد السديس باستغلال منصة المسجد الحرام في مكة.[74]

ثامناً: سيناريوهات التطبيع:

يمكن وضع سيناريوهات لمستقبل العلاقة الموريتانية – الإسرائيلية في ضوء التحولات التي شهدتها الإدارة الأمريكية الجديدة.

1. سيناريو القبول بالتطبيع:

فرضية هذا السيناريو تنطلق على أساس عمق التطبيع السابق بين الطرفين، إذ تفوق العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية السابقة حدود التطبيع، سواء كان ذلك على المستوى الديبلوماسي الكامل، أم التعاون الاقتصادي الشامل، إلى جانب التنسيق الأمني، ووجود سفارة إسرائيلية مغلقة في نواكشوط. وقد رأى النظام الموريتاني أن ابتعاده الجغرافي عن دائرة الصراع العربي – الإسرائيلي يشكّل دافعاً لإقامة علاقات مع “إسرائيل”. فالنظام الموريتاني أُرغم على قطع العلاقات الديبلوماسية إرغاماً، خلال قمة الدوحة سنة 2009، ولم يكن الأمر مرضياً لها، وإنما جاء لتلبية لضغوط سياسية داخلية لنظام لم يمضِ على تسلمه الحكم سوى أشهر قليلة، إلى جانب وعود من الدول العربية بإعادة المساعدات الاقتصادية لسابق عهدها، شرط قطع العلاقات مع “إسرائيل”، كما طرح الزعيم الليبي السابق. ويستند هذا السيناريو أيضاً على دعوة السفير الإسرائيلي السابق في موريتانيا إيتان إلى التطبيع، وإعادة العلاقات إلى طبيعتها في أقرب فرصة ممكنة، وإجراء مباحثات في باريس لإعادة نسج العلاقة بين الطرفين، وذلك بعد أيام من توقيع اتفاق أبراهام، وتقديم مغريات سياسية واقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية للنظام، وفقاً لما جرى من ضغوط وإغراءات للسودان وللمملكة المغربية كذلك، لذلك يفترض هذا السيناريو أنه يصعب على النظام الموريتاني الصمود أمام أدوات الضغط الأمريكية خصوصاً في ملف حقوق الإنسان الموريتاني الذي ما زال مفتوحاً حتى الآن.

2. سيناريو التطبيع الخافت:

يستند سيناريو التطبيع الخافت على خشية النظام السياسي الحالي من حدوث انقلاب عسكري، خصوصاً مع عدم استقرار النظام السياسي في موريتانيا على مدار السنوات الماضية، وتعدد الانقلابات العسكرية بشكل متوالي، والتي وصل عددها نحو 15 انقلاباً عسكرياً، ورفض الشارع الموريتاني للتطبيع، لذلك قد تكون العلاقة بين موريتانيا و”إسرائيل” متعثرة ومتذبذبة.

3. سيناريو رفض التطبيع:

وهو سيناريو تراجعت قوته في ظلّ تراجع دعم القضية الفلسطينية من الأنظمة العربية، فلم تعد القضية الفلسطينية، قضية مركزية لدى العديد منها؛ ومع رغبة إدارة الرئيس الأمريكي بايدن بتشجيع مسار التطبيع العربي، وإن بوتيرة أقل من إدارة ترامب.

***

يمكننا القول بأن تداعيات تطبيع بعض الدول العربية مع “إسرائيل” وتسارع وتيرته، يشكل الرافعة الأساسية لـ”إسرائيل” للمضي قدماً في تعنتها ورفضها لإعطاء الفلسطينيين أي حقوق، ويعمل على زيادة التغول الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية، وعربياً تكون “إسرائيل” دولة صديقة في العالم العربي، ويتبدل مفهوم العداء إلى صداقة وعلاقات طبيعية، وأن العدو الرئيسي لبعض الأطراف العربية هو “الإسلام السياسي” أو إيران وليس “إسرائيل”، لتستغل “إسرائيل” تلك التحولات في صياغة مفاهيم جديدة لطبيعة الصراع في الشرق الأوسط، ولتكون القضية الفلسطينية آخر أولويات تلك الدول.

ومن خلال ما سبق يمكن القول أيضاً، أن الفرص مهيأة لإعادة نسج العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية من جديد في ظلّ الإدارة الأمريكية الجديدة، خصوصاً وأن هناك مساعٍ إسرائيلية جدية لإعادة فتح السفارة الإسرائيلية في نواكشوط ومزاولة عملها. غير أن أي تطورات في العمل المقاوم في فلسطين، مع تصعيد الفعاليات الشعبية الموريتانية المعارضة للتطبيع التي أثبتت قوتها، ستقف حاجزاً أمام مسار التطبيع.


الهوامش:
[1] باحثة في الدراسات الفلسطينية، ومتخصصة في تاريخ الحركة الصهيونية. حاصلة على درجة دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة عين شمس.
[2] ديفيد بن جوريون (1886-1973)، زعيم صهيوني ولد في بولندا، وأصبح أول رئيس وزراء لـ”إسرائيل” سنة 1948.
[3] إبراهيم العابد، سياسة إسرائيل الخارجية، أهدافها ووسائلها وأدواتها (بيروت: مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، 1968)، ص 10-11.
[4] عواطف عبد الرحمن، إسرائيل وإفريقيا 1948–1973 (بيروت: مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، 1974)، ص 28.
[5] عصام عبد العزيز، التطبيع أهدافه، انعكاساته، إمكانية استمراره في الأهداف الصهيونية من التطبيع (4-1)، مجلة فلسطين المسلمة، العدد 1، 1995، ص 47.
[6] إلهام شمالي، التطبيع الاقتصادي بين المملكة الأردنية الهاشمية و”إسرائيل” 1994-2018، مجلة البحوث التاريخية، جامعة مسيلة، الجزائر، 2019، ص 7.
[7] اتفاقية الكويز أو المنطقة الصناعية المؤهلة؛ هي اتفاقية تجارية وقعت في 16/11/1997 بين مصر والأردن و”إسرائيل” والولايات المتحدة، سمح من خلالها لمصر والأردن بتصدير منتجاتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية معفاة من الجمارك، طالما استخدمت مواد خام “إسرائيلية” المنشأ، شرط إسهام الدول المقام بها المناطق الصناعية المؤهلة بنسبة 35% من القيمة المضافة للسلعة المصدرة على أن توزع تلك النسبة بين الدول و”إسرائيل”. انظر: محمد العضيمي، الكويز وأخواتها، المؤتمر الخامس والعشرون للاقتصاديين الزراعيين (القاهرة: جامعة عين شمس، 2017)، ص 229.
[8] يحيى أبو زكريا، لماذا اختارت موريتانيا التطبيع، مجلة البيان، العدد 182، ص 96-97.
[9] Mohamed M. Ali Abu Khadra and Mohamed Mohamed Husein Mustafa, “Israeli – Mauritanian Relations from 1999 to 2008,” Asian Social Science, Canadian Center of Science and Education, vol. 13, 2017, p. 90.
[10] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 379، أيلول/ سبتمبر 2010 ص 55.
[11] Mohamed M. Ali Abu Khadra and Mohamed Mohamed Husein Mustafa, “Israeli – Mauritanian Relations from 1999 to 2008,” p. 97.
[12] خالد شعبان، العلاقات الإسرائيلية – الموريتانية، الدائرة الإسرائيلية، مركز التخطيط الفلسطيني، مذكرة عدد 234، 2000، ص 12.
[13] Mohamed M. Ali Abu Khadra and Mohamed Mohamed Husein Mustafa, “Israeli – Mauritanian Relations from 1999 to 2008,” p. 90.
[14] مأمون سويدان، “علاقات “إسرائيل” مع العالم العربي،” في عاطف أبو سيف، علاقات إسرائيل الدولية، السياقات والأدوات الاختراقات والاخفاقات (رام الله: مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، 2014)، ص 412؛ و
Stéphanie Pézard, Anne-Kathrin Glatz, Arms in and around Mauritania: National and Regional Security Implications (Geneva: Small Arms Survey, Graduate Institute of International and Development Studies, 2010), p. 11.
[15] يحيى أبو زكريا، لماذا اختارت موريتانيا التطبيع، مجلة البيان، العدد 182، ص 97.
[16] Mohamed M. Ali Abu Khadra and Mohamed Mohamed Husein Mustafa, “Israeli – Mauritanian Relations from 1999 to 2008,” p. 94.
[17] إبراهيم العابد، سياسة إسرائيل الخارجية، أهدافها ووسائلها وأدواتها، ص 20.
[18] محمد الغابد، العلاقات الموريتانيا الإسرائيلية التاريخ والمآل، موقع شبكة رصد، 11/3/2017، انظر: https://bit.ly/2IKXI8n
[19] سعد علي حسين وعلي سعيدي عبد الزهرة، معوقات الإصلاح السياسي والدستوري في موريتانيا، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية، العراق، كلية العلوم السياسية، ص 132.
[20] المرجع نفسه، ص 131.
[21] Mohamed M. Ali Abu Khadra and Mohamed Mohamed Husein Mustafa, “Israeli – Mauritanian Relations from 1999 to 2008,” p. 90.
[22] The UAE-Israel deal shows the Netanyahu Doctrine at work, The Jerusalem Post, 3/9/2020, http://bit.ly/3oB9p1g
[23] خالد شعبان، العلاقات الإسرائيلية – الموريتانية، الدائرة الإسرائيلية، مركز التخطيط الفلسطيني، مذكرة عدد 234، 2000، ص 7.
[24] فؤاد وليد، التطبيع مع إسرائيل حلقة أساسية في المخططات الإمبريالية بالمنطقة، موقع الحوار المتمدن، 5/1/2006، انظر: https//bit.ly/3mgO1wM؛ وانظر أيضاً:
Michael M. Laskier, Israel And The Maghreb At The Height of The Arar Israel, Middle East Review of International Affairs, vol. 4, no. 2, June 2000, p. 106.
[25] Alex Thurston, Mauritania.s Islamists, The Carnegie Papers, Carnegie Endowment MiddleEast 2012, p. 7.
[26] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، ص 54.
[27] بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية بشأن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين إسرائيل وموريتانيا في 27/10/1999، مجلة الدراسات الفلسطينية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، المجلد 11، العدد 41، ص 237.
[28] Mohamed M. Ali Abu Khadra .op. cit.p.94
[29] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، ص 58.
[30] سعد علي حسين وعلي سعيدي عبد الزهرة، معوقات الإصلاح السياسي والدستوري في موريتانيا، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية، العراق، كلية العلوم السياسية، ص 132.
[31] تزايد التوترات في العلاقات بين إيران وموريتانيا، موقع مركز القدس، 30/6/2018، انظر: http://bit.ly/2LD1jXB (باللغة العبرية)
[32] Mohamed M. Ali Abu Khadra and Mohamed Mohamed Husein Mustafa, “Israeli – Mauritanian Relations from 1999 to 2008,” p. 95.
[33] مأمون سويدان، “علاقات “إسرائيل” مع العالم العربي،” ص 426.
[34] محمد الغابد، العلاقات الموريتانيا الإسرائيلية التاريخ والمآل، موقع شبكة رصد، 11/3/2017.
[35] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، ص 60.
[36] المرجع نفسه، ص 60.
[37] مأمون سويدان، “علاقات “إسرائيل” مع العالم العربي،” ص 426.
[38] خالد شعبان، العلاقات الإسرائيلية – الموريتانية، الدائرة الإسرائيلية، مركز التخطيط الفلسطيني، مذكرة عدد 234، 2000، ص 9.
[39] محمد الغابد، العلاقات الموريتانيا الإسرائيلية التاريخ والمآل، موقع شبكة رصد، 11/3/2017.
[40] نقلاً عن صحيفة العرب، الناصرة ، فلسطين، 13/3/2005: نظيرة خطاب، التطبيع بين دول المغرب العربي وإسرائيل، مجلة الدراسات الفلسطينية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، العدد 2، 2005، ص 7.
[41] عواطف عبد الرحمن، إسرائيل وإفريقيا 1948–1973، ص 64.
[42] محمد الغابد، العلاقات الموريتانيا الإسرائيلية التاريخ والمآل، موقع شبكة رصد، 11/3/2017.
[43] مأمون سويدان، “علاقات “إسرائيل” مع العالم العربي،” ص 427.
[44] علي المهداوي وفاطمة لطفي ثابت، التطورات السياسية في موريتانيا 2001-2005، وموقف الرئيس ولد الطايع منها، مجلة كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة بابل، العراق، المجلد 36، العدد 1، آذار/ مارس 2019، ص 10.
[45] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، ص 62.
[46] جهان مصطفى، التطبيع تاريخ من التنازلات المجانية، موقع المجد الأمني، انظر: https://almajd.ps/news205/
[47] مسار العلاقات الموريتانية الإسرائيلية، موقع الجزيرة.نت، 18/3/2015، انظر: https://bit.ly/3lJjwQa
[48] خالد شعبان، العلاقات الإسرائيلية – الموريتانية، الدائرة الإسرائيلية، مركز التخطيط الفلسطيني، مذكرة عدد 234، 2000، ص 7.
[49] مسار العلاقات الموريتانية الإسرائيلية، الجزيرة.نت، 18/3/2015.
[50] تدشين المركز الطبي الذي تقيمه دولة إسرائيل، موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، 13/6/2007، انظر: https://bit.ly/2KiZ2jI
[51] تزايد التوترات في العلاقات بين إيران وموريتانيا، موقع مركز القدس، 30/6/2018.
[52] مأمون سويدان، “علاقات “إسرائيل” مع العالم العربي،” ص 426.
[53] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، ص 63.
[54] هل أتاكم نبأ التطبيع الموريتاني؟، موقع صحيفة الدستور، عمّان، 30/5/2007، انظر: https://bit.ly/2UDevwu
[55] المرجع نفسه.
[56] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، ص 63.
[57] JihadYoram Schweitzer, The Terrorism Threat against Israel fromal-Qaeda and Global, Military and Strategic Affairs, vol. 2, no. 1, June 2010.
[58] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، ص 74؛ والتطبيع مع إسرائيل، هل موريتانيا الخط؟، مركز القدس، 17/5/2020.
[59] Anouar Boukhars, Mauritania,s Precarious Stability And Islamist Undercurrnt, Carnegie Endowment for International Peace, 2016, p. 17.
[60] أحمد ولد أسلم، موريتانيا موقف في المزاد، موقع شبكة فلسطين للحوار، 10/2/2009، انظر: https://bit.ly/38OY0Wk
[61] Alex Thurston, Mauritania.s Islamists, The Carnegie Papers, Carnegie Endowment MiddleEast 2012, p. 11.
[62] Stéphanie Pézard, Anne-Kathrin Glatz, Arms in and around Mauritania: National and Regional Security Implications, p. 12.
[63] محمود صالح الكروي، العلاقات الموريتانية الإسرائيلية من التطبيع إلى التجميع إلى القطع، مجلة المستقبل العربي، ص 74؛ والتطبيع مع إسرائيل، هل موريتانيا الخط؟، مركز القدس، 17/5/2020.
[64] وزير الخارجية الإسرائيلي: قطع العلاقات الدبلوماسية مع موريتانيا لم يكن بسببي، موقع صحراء ميديا، 4/4/2020، انظر: http://bit.ly/39yzhnR
[65] التطبيع مع إسرائيل، هل موريتانيا الخط؟، مركز القدس، 17/5/2020.
[66] تتزايد التوترات في العلاقات بين إيران وموريتانيا، 3/6/2018، انظر: https://gravitating67.rssing.com/chan-64030807/article818-live.html (باللغة العبرية)
[67] هل سعى بن سلمان لتوريط الرئيس الموريتاني في مستنقع التطبيع، موقع TRT عربي، 21/5/2020، انظر: http://bit.ly/3mOmF0A
[68] Ofir Winter and Yoel Guzansky, Islam in the Service of Peace: Religious Aspects of the Abraham Accord, Institute for National Security Studies (INSS), 6/9/2020.
[69] Mauritania supports ‘good judgment’ of UAE leadership on Israel accord, The Jerusalem Post, 16/8/2020, http://bit.ly/3bryoQQ
[70] Palestinian Authority official names five countries set to establish ties with Isra, The Jerusalem Post, 17/9/2020, http://bit.ly/2LGYtAg
[71] التطبيع مع إسرائيل، هل موريتانيا الخط؟، مركز القدس، 17/5/2020، انظر: http://bit.ly/3qmN73B (باللغة العبرية)
[72] Anouar Boukhars, Mauritania,s Precarious Stability And Islamist Undercurrnt, Carnegie Endowment for International Peace, 2016, p. 6.
[73] سعد علي حسين وعلي سعيدي عبد الزهرة، معوقات الإصلاح السياسي والدستوري في موريتانيا، المجلة السياسية والدولية، الجامعة المستنصرية، العراق، كلية العلوم السياسية، ص 132.
[74] Sermon suggests Saudi Arabia near normalizing ties with Israel, The Jerusalem Post, 6/9/2020, http://bit.ly/2LE0nC1

للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:

>> ورقة علمية: التطبيع الإسرائيلي الموريتاني واتجاهاته المستقبلية … د. إلهام جبر شمالي (30 صفحة، 24 MB)


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 23/2/2021



جميع إصدارات ومنشورات المركز تعبّر عن رأي كتّابها ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات



المزيد من المقالات والتحليلات السياسية: