مدة القراءة: 5 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت ومركز دراسات الشرق الأوسط (ORSAM) – English_Versionأنقرة، ندوة عبر نظام مؤتمرات الفيديو، تحت عنوان “مستقبل لبنان في سياق الديناميات الداخلية والخارجية”، وذلك يوم ذلك ظهر الخميس 27 آب/ أغسطس 2020.

شارك في الندوة كل من الدكتور عبد الغني بوزكورت عضو الهيئة التدريسية بجامعة رجب طيب أردوغان، والدكتور عماد الحوت النائب السابق في البرلمان اللبناني، والأستاذ الدكتور محسن محمد صالح مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. وأدار الحوار د. سمير العبد الله، خبير دراسات بلاد الشام في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام).

تمحورت الندوة حول الوضع اللبناني وإشكالياته والاتجاهات المستقبلية المحتملة لتطورات الأوضاع. بالإضافة لتأثير الوضع في لبنان على الوضع الإقليمي والدولي وموقع لبنان في الاستراتيجية التركية.

افتتحت الندوة بكلمة للأستاذ الدكتور أحمد أويصال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) الذي اعتبر أن المنطقة ككل، بما فيها تركيا، تمرُّ بلحظات حاسمة، وأن النظام الدولي الجديد سيتشكّل بناءً على نتيجة حسم الصراعات في المنطقة. وأكّد أن شعوب المنطقة عموماً تعاني من الانقسامات والتدخلات وتتعرض للاستعمار الخارجي. وهذا ينطبق على لبنان الذي يعاني من الصراع الطائفي والتدخل الخارجي.

وأشار أويصال إلى أن وجود “إسرائيل” في المنطقة وانتهاكها لحقوق لبنان الاقتصادية في البحر المتوسط، واحتلالها الأراضي الفلسطينية يؤثر سلباً على الوضع في لبنان. وقال أويصال أن هناك صراعاً ملموساً في شرق البحر المتوسط، وهناك قوى إقليمية وفي مقدمتها “إسرائيل” وفرنسا تحاول تحجيم الدور التركي في المنطقة. ورأى أن لبنان يمر في مرحلة حساسة، وتركيا تريد لبنان قوياً ومستقلاً بخلاف الكثير من الدول الأخرى التي تستفيد من زعزعة الأمن والاستقرار. وقال إن لبنان بوابة لشرق المتوسط وهو مكان مناسب للصناعة والتجارة ومن الممكن أن ينهض بسهولة. وشدَّد أويصال على أن لتركيا روابط تاريخية مع الشعب اللبناني وأن جزءاً من شعبه ينحدرون من أصول التركية.

أما النائب السابق الدكتور عماد الحوت فرأى أن لبنان يعاني من استغلال الزعامات والأحزاب السياسية للبعد الطائفي وتوظيف ذلك في الملفات الداخلية والخارجية، ما أدى إلى الفشل في الوصول إلى رؤية وطنية مشتركة. وأضاف أن هذا الواقع الصعب الذي يعيشه لبنان يرجع إلى تعقيدات متشعبة وخلل بنيوي يتمثل في منظومة الفساد التي تعتمد على سياسة المحاصصة الطائفية و”دولة الأحزاب العميقة”.

وأشار الحوت إلى الدور الخارجي في الصراع اللبناني الداخلي من خلال العلاقة التي تربط بعض الأحزاب الطائفية في لبنان بالخارج ومحاولة توظيفها في تحقيق المحاصصة؛ ما أدى إلى تراجع الثقة بالدولة ودورها ومستقبلها. فكل حزب أصبح لديه أجندته الخاصة وأولوياته يقدمها على المصلحة الوطنية العامة، ما أدى إلى إنكار الواقع والدخول في أزمات اقتصادية مركَّبة ورعاية منظومة فساد متجذرة في أجهزة الدولة ومؤسساتها.

وسلَّط الحوت الضوء على التحركات الشعبية التي بدأت في الشارع اللبناني والتي جاءت نتيجة سياسة التجويع والفساد والمحاصصة الطائفية والمستقبل المظلم، غير أن ما يضعف هذه التحركات أنها تحركات غير منظمة. وقد حاولت القوى والأحزاب المتضررة من هذا الحراك بذل ما بوسعها من أجل إضعافه وتوظيفه في خدمة الصراعات الداخلية. وتطرق الحوت إلى حكم المحكمة الدولية بخصوص اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فرأى أنه مخيب للآمال ولم يكن على مستوى التوقعات.

وعن الدور الأمريكي في لبنان أشار الحوت إلى أنه يأتي في إطار تهيئة الأرضية لتمرير صفقة القرن، وتقليص دور إيران في المنطقة والضغط على حزب الله لتحجيم دوره في الحياة السياسية في لبنان، ومنع صعود تيار “الإسلام السياسي” المتمثل في تنظيم “الجماعة الإسلامية في لبنان”. وعن إيران، قال إن طهران تحاول في هذه المرحلة التأثير على المنطقة من خلال حزب الله، وتحاول تمرير الوقت بانتظار الانتخابات الأمريكية. أما روسيا فيرى الحوت أن دورها ما زال محدوداً وهي تحاول أن تحافظ على مصالحها في شرق البحر المتوسط خصوصا فيما يتعلق بملف تجارة النفط والغاز. ويرى د. الحوت أن الدور الفرنسي متطابق مع الدور الأمريكي ويتمايز عنه في تفاصيل صغيرة، ويتركز بشكل أساسي في الحفاظ على مكتسبات الأقلية المسيحية وحمايتها، ويبرز الدور الفرنسي غالباً من خلال السياسة الناعمة أي المبادرات السياسية.

وعن الدور التركي، أكَّد الحوت أن هناك أهمية وأمالاً تُعقد على الدور التركي في لبنان، خصوصاً في الشارع السني حيث أن قاعدته مهيأة لقبول هذا الدور، واعتبر الدكتور الحوت أنه سيكون للدور التركي آثاراً إيجابيةً متعلقة في إحداث حالة توازن سياسي تصبُّ في مصلحة كل لبنان، وتبعدُ عن لبنان التدخلات الخارجية السلبية، خصوصاً إذا كان التدخل التركي يهدف إلى إحداث حالة من الاستقرار السياسي في البيئة اللبنانية.

وحذَّر الحوت من إمكانية استدراج قوى داخلية إلى صراعات مسلحة تؤدي إلى تفكك البلد وطرح مشروع الفدرالية، مستغلة حالة التفكك والأزمة المعيشية وانهار الخدمات العامة. ورأى أن الحالة السنية تعيش مرحلة تضف وتراجع في لبنان؛ ولم يعد مقبولاً استمرار حالة التفرد بتمثيل الساحة السنية من خلال شخصيات معينة.

أما الأستاذ الدكتور محسن صالح فرأى في مداخلته أن حالة العجز التي يعيشها لبنان ليست مرتبطة بمشكلة تشكيل حكومة أو إجراء انتخابات نيابية أو رئاسية بل هي نتيجة حالة العجز والتّرهل التي تعيشها المنظومة السياسية، فالنظام السياسي مبني على المحاصصة الطائفية والحزبية، وهذه المنظومة تغوّلت على البلد خلال الـ70 سنة الماضية، وبالتالي هناك فشل واضح في الانتقال من الحالة الطائفية إلى الحالة الوطنية، وهذه المنظومة الحزبية الطائفية أضعفت الدولة المركزية، ما أدى إلى وجود أزمة ثقة بين الأحزاب والطوائف وبين المواطن اللبناني والدولة.

وأكد صالح على أن حرص كل طرف على تحقيق مكاسب وفرض معادلات وأجندات خاصة، وقدرته على تعطيل الإصلاحات، والاستعانة بالقوى الخارجية لتصفية حسابات داخلية، أدى إلى ظهور تعقيدات كبيرة في المشهد السياسي اللبناني وأضاف تعقيدات وعقبات في طريق النهوض بالدولة اللبنانية والخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية التي عانى منها لبنان. فالدولة اللبنانية أصحبت تعاني من مديونية بسبب الفساد (أكبر ثالث بلد في العالم من ناحية نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي)، رغم أنه يمتلك إمكانيات بشرية واقتصادية وعلمية، ما فتح الباب على التدخلات الخارجية.

وأوضح صالح أن قدرة الطبقة السياسية المتنفذة على السيطرة واستمرار نفوذها في الحالة اللبنانية رغم خروج اللبنانيين الغاضبين إلى الشارع والتظاهرات التي عمت معظم المناطق اللبنانية، هذه التظاهرات كانت أشبه بثورة كبيرة هي الأقوى منذ استقلاله إلا أن نتائجها ما زالت محبطة. وأسهم تزايد الإحباط وتدهور الأوضاع تفشي جائحة كورونا بالإضافة إلى انفجار مرفأ بيروت الذي نتج عنه خسائر قُدرت بأكثر من 15 مليار دولار.

وحذر صالح من خطورة التدخل الأجنبي خصوصاً الأمريكي والفرنسي ومحاولة الاستفادة من حالة الغضب التي يعيشها الشارع اللبناني وتوظيفها لتحقيق مصالح خارجية، من ضمنها تمرير صفقة القرن وتهميش المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، سيكون لها انعكاسات خطيرة على الواقع اللبنانية المعقد والمشحون.

وختم صالح أن الواقع اللبناني أمام احتمالات وسيناريوهات عديدة:

– حكومة وحدة وطنية يكون لحزب الله تمثيل مباشر فيها أو غير مباشر، مع رفض أمريكي، وعدم ممانعة فرنسية.

– حكومة تكنوقراط؛ شُكلت في الأشهر الماضية وليس من السهل تكرارها خلال الفترة القريبة المقبلة.

– انتخابات جديدة، وهذا السيناريو صعب أيضاً، إذ لا يوجد توافق على قانون انتخاب جديد، وهناك تخوّف لدى أطراف رئيسية من خوضها نتيجة تراجع في شعبيتها.

– استمرار الحراك الشعبي؛ ومن المستبعد أن يؤدي بشكله الحالي إلى تأثيرات كبيرة وتغيير جذري في المنظومة السياسية، خصوصاً أنه يعاني من تشرذم قيادي ولا يملك برنامجاً سياسياً واحداً.

– استمرار حكومة تصريف الأعمال والمماطلة في إحداث تغييرات حقيقية، ما يهدد بمزيد من التدهور الاقتصادي ويزيد من احتمالات التدخل الخارجي.

وقد رجح د. صالح السيناريو الأخير وأن يستمر الوضع والتدهور الاقتصادي وإضعاف نفوذ القوى المهيمنة، ما قد يؤدي إلى مخاطر الانفلات الأمني. وحذّر صالح من أن الوضع ليس سهلاً ما لم تتوافق الأحزاب السياسية مع الحراك الشعبي وتقطع الطريق على التدخل الخارجي، وإلا فسيكون الوضع مرشحاً لمزيد من التدهور. ودعا إلى توسيع دائرة المشترك والثقة بين الفرقاء والخروج من الحسابات الحزبية الضيقة التي أدت إلى خسارات كبيرة في إمكانات لبنان الاقتصادية واستُنزفت قواه البشرية.

وتابع د. صالح متحدثاً عن الهجرة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقد حدث نزيف في المجتمع الفلسطيني خلال الفترة الماضية نتيجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، واعتبر أن هناك قوى قد تحاول توريط الساحة الفلسطينية في الصراع اللبناني الداخلي لكن وعي المجتمع الفلسطيني وتوافق القوى السياسية الفلسطينية على الحياد يحول دون حدوث ذلك.

أما الدكتور عبد الغني بوزكورت فرأى أن مصلحة تركيا استقرار لبنان وازدهاره، خصوصاً أن الدولة العثمانية استمرت في لبنان على مدى 400 سنة، فهناك تاريخ مشترك. وأكد بوزكورت أن هناك تأثيرات سلبية لتدخلات القوى الخارجية على الساحة اللبنانية، وتلك التدخلات لا تخدم استقرار وازدهار لبنان. وأكد على أن الدور التركي لا بد أن يصب في مصلحة نهوض لبنان وإحداث توازنات إيجابية في البيئة السياسية اللبنانية. وحذّر بوزكورت من الدور الفرنسي واعتبر أنه لا يمكن له أن يكون كما كان في السابق، بسبب التحولات والتغيرات التي طرأت على المجتمع اللبناني.

واختتمت الندوة بالإجابة على أسئلة المتابعين.


فيديو فعاليات الندوة الحوارية كاملاًُ:


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 27/8/2020