مدة القراءة: 5 دقائق

بقلم: د. محمد خير علي فرج.

لا شكّ أن صفحات الحياة الإنسانية بقِيَمها العليا هي المُكوِّن الأساسي لأي كتاب وخصوصاً ذاك الذي يحاكي نبض الإسلام والمسلمين، في وقت تُشوَّه فيه صورة الأديان وخصوصاً الإسلام تحت شعار ”الإرهاب“. ولذا شعرت بثقل المسؤولية على كاهلي لمَّا شرَّفني مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بقراءة علمية لإصداره الثَّري عن الجماعة الإسلامية في لبنان.

معلومات النشر:

– العنوان: ”الجماعة الإسلامية في لبنان: 1975-2000“
– إعداد: أمل عيتاني ورنا سعادة وفاطمة عيتاني
– إشراف وتحرير: د. محسن محمد صالح
– عدد الصفحات: 382 صفحة
– تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2017
– سعر النسخة الورقية: 15$
– ISBN: 978-9953-572-64-2
– الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات


للمزيد حول الكتاب: اضغط هنا

Cover_AlJamaah_alIslamiyyah_Leb_1975-2000

لكنني نشطت من عقال لما قرأت عن صفحة حياة الجماعة في كتاب سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشهيد حسن خالد: ”بأنها مصدر غنى للوطن“، مما جعلني أقرأها بعين الموضوعية العلمية، شاكراً أسرة التحرير التي انسجمت مع مفهوم الجماعة فعملت كفريق عمل متجانس، فقسموا الكتاب إلى أربعة فصول: التنظيم والدعوة، والأداء السياسي، والمقاومة، والمؤسسات، ثم ذيلوه: بخاتمة، وتعريف بشخصيات معلومات الكتاب، وملاحق للصور والوثائق. فجمعت حبات عقدها الحضاري المنثور على مدى 25 عاماً في الفترة ما بين عامي 1975-2000 في صفحات كتاب الجماعة التي بلغت 382 صفحة؛ وذلك وفق الآتي:

الدعوة والتنظيم: برز في هذا الكتاب بداية عوامل النشوء، وما رافقها من معوِّقات، بطَّأت من الحضور العَلَني للجماعة على المستوى التنظيمي والدعوي، وتزامن معها محفزات أسهمت في إضفاء مناخ حاضن للفكر الإسلامي الحركي. فكان من المعوقات الوجود السوري الأمني الضاغط على الساحة الإسلامية؛ رافقه الاستفادة من حلفائه المحسوبين على تيارات إسلامية، والتي تمثلت بالأحباش الذين كفّروا عدداً من رموز المجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى افتعالهم المشاكل في عدد من المساجد مقدمة لمنع أي نشاط فيها. كما كان للمد اليساري الحاضر في كل المحافظات والبلدات الدور المهم في مواجهة الحضور الإسلامي الناشئ عبر الشباب الواعد؛ وهذا كان له تأثيره على مستوى الساحتين اللبنانية والمخيمات الفلسطينية.

إلا أن حصر فكر الجماعة في الإطار الدعوي كان من المعوقات الأساسية في تأخير حضورها التنظيمي والسياسي، أي أنها حركة دعوية لا حزبية. والحقيقة أن الدعوة من غير تنظيم لخطواتها لا تكتب لها الحياة.

أما المحفزات التي أمَّنت المناخ الحاضن فهي دور العلماء والشيوخ الذين تربوا على مائدة الفكر الحركي لاستنهاض المجتمع والأمة، إضافة لحسن التعاون بين الجماعة والأوقاف الإسلامية في بناء المساجد ورعايتها، وخصوصاً ذاك التواصل المستمر مع رموز العلماء والقادة الفاعلين: كصبحي الصالح، ومحمد كنعان، وزكريا غندور، وبعض رموز المبعدين إلى مرج الزهور، والعالم الدمشقي زهير الشاويش، والمفتي الميس، وسيد عسكر، أحد علماء بعثة الأزهر الشريف، والمفتي محمد سليم جلال الدين، وقاسم الشماع الرفاعي، ومحمد رشيد ميقاتي، وسعيد شعبان. على أن التنوع الإسلامي مصدر قوة وفق شمولية الإسلام. وهنا يحضرني الدكتور الحصيف مدير عام الأوقاف الإسلامية في لبنان مروان قباني، الراعي المباشر لأي عمل إسلامي، الذي يُقدم همَّ الدعوة على أي حسابات إدارية أو ذاتية أو محلية.

المرجعية الدينية: والأهم من ذلك التكامل مع دور دار الفتوى كممثلة لرمزية السلطة الإسلامية؛ فكان الدعم الواضح من المفتي الشهيد حسن خالد ومن مفتي جبل لبنان د. محمد علي الجوزو لأبناء الجماعة في القضايا الإسلامية الكبرى. وبرز من خلالهما التعاون في العمل الطلابي لجهة العناية بالتدريس الديني في المدارس الرسمية والخاصة، بالإضافة إلى ازدهار بناء المساجد ورعايتها دعوياً خصوصاً في قرى وبلدات الإقليم.

التكفير: ولفت نظري وسطية الجماعة تجاه من يخالف جوهر مشروعها أنها لم تخرجه من دائرة الإسلام، كما لم تخلع عنه رداء الصفة الحركية، فصنَّف الكتاب ”الأحباش“ ضمن بعض الجماعات الإسلامية. والمهم أنهم المجموعة الوحيدة التي أنهت الجماعة العلاقة معهم لعدم وجود مساحة مشتركة بالحوار بسبب تكفيرهم للعديد من رموز الشارع الإسلامي، ولتسببهم باعتقال رموز وقادة، ومن محاولة إلصاق تهمة ”الإرهاب“ بالجماعة. وعلى الرغم من قطع العلاقة معهم، فقد نسق المجاهدون أيضاً مع الأحباش على مواقع المحاور في بيروت العاصمة.

الطائفية: بدا أن البعد الطائفي هو أحد مرتكزات الأزمة اللبنانية مع القضية الفلسطينية، والهدف إسقاط لبنان بلد الحريات كمنبر إعلامي. فعمل الانتداب الفرنسي على جمع السلطة بمفاصلها السياسية والأمنية والمالية بالمارونية المسيحية بناء على إحصاء جائر سنة 1932؛ أكد فيه الفرنسيون أكثرية الطائفة المسيحية. فسلطت الجماعة الضوء على تعديل الدستور كحل مبدئي للبناء الوطني.

بددت الجماعة صورة المسلم الطائفي والإرهابي بحمايتها لمن تبقى من المسيحيين في شرق صيدا. وتجلت مرونة الفكر الإسلامي في قبول فكرة الائتلاف مع غير المسلمين في انتخابات بلدية بيروت، وكان قبول مرشحها على اللائحة المشتركة لتأكيد مشروعية المشاركة تجاه المشروع الإسلامي. وعلى الرغم من فوز رابطة الطلاب المسلمين لسنوات متتالية بكامل مقاعد المجلس الطلابي، لم يمنعها إعطاء المسيحيين غير الانعزاليين بعض المقاعد.

المقاومة والعمل الجهادي: اتسم العمل الجهادي لدى الجماعة بصفة الدفاع عن مناطق التوتر الداخلي في الشمال بسبب الكتائب الذين وصفوا بالانعزاليين.

ارتكاب القوى الانعزالية مجازر مروعة خصوصاً بالفلسطينيين بعد مقتل بشير الجميل تمثلت بصبرا وشاتيلا، جعل الجماعة تتنازع وجهتي نظر في العمل المقاوم بين العمل النظامي كالجيش وبين أن المقاومة باتت واجباً شرعياً وسياسياً. فتعاونت الجماعة مع حزب الله في التصدي للقوات الانعزالية. كما نجحت الجماعة في إغاثة المخيمات إنسانياً في أثناء حصار حركة أمل لها.

اتسم دور المقاتلين بالانضباط بأخلاقية الحرب وفق قيم الإسلام، فلم يقصفوا مثلاً جنازة أحد اللحديين على الرغم من احتشاد العسكريين بكثرةٍ قرب الكنيسة، خصوصاً وأن عملاء الصهاينة قد انحصروا في القوى الانعزالية.

وتعاونت الجماعة مع الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يمتلك الأسلحة الثقيلة والفعّالة خصوصاً على محور برجا وتلالها المشرفة على ”الجيّة“ حيث منطقة العملاء؛ فنفذت دوريات بشكل استطلاع مع كمائن في عمق مناطقهم.

المذهبية: ألغت الجماعة الذهنية المذهبية بتعاطيها مع حزب الله؛ وإيران المرجعية، ولم تدخل بالصراع الدامي بين الحزب والحركة. بل شكلت حماية أمنية لعباس الموسوي أمين عام حزب الله، ونجحت أمنياً بتوجيه ضربة شديدة للصهاينة بعمل مقاوم مشترك، ثم انقطعت العلاقة هذه لأسباب خارجية لا تخصها كجماعة.

تبنت الجماعة العمل الإسلامي في المخيمات الفلسطينية، وخففَّت ما استطاعت من حصار المخيمات من حركة أمل لحُسن علاقتها بالسيد عباس الموسوي، لأن القرار هو سياسة الدفاع لا الهجوم. ولذا لم تُستدرج الجماعة لأي حرب داخلية؛ حتى مع النظام السوري. وخففت الجماعة من حدة التوتر المذهبي بإرسال الشيخ محرم العارفي مع السيد عيسى الطبطبائي إلى ”مخيم الرشيدية“ المحاصر من أمل المدعومة من النظام السوري وبالمقابل حزب الله مع إيران المؤيد للفلسطينيين. واللافت أن معسكرات الجماعة قد استفاد منها حزب الله بسبب الخلاف والاقتتال مع حركة أمل.

كما أن انفتاح الجماعة ظهر مثلاً في تعاونها مع حركة أمل في العمل الطلابي، كما حدث في لجنة طلابية لمتابعة المُصلَّى في المدرسة المهنية في صيدا، وأيضاً في البقاع.

الحريري: حكمت العلاقة مع الحريري أسلوب المصلحة المؤقتة، وكانت محل تنافس لاشتراكهما بنفس الساحة الانتخابية. ثم اهتزت لمسارين: الأول، اعتماده على رفقاء شبابه من منظمة العمل الشيوعي، والثاني، التزامه بالمسار العربي الرسمي تجاه فلسطين؛ أي منظومة السلام لا الجهاد بكل وسائله. وهكذا بقية الزعامات التقليدية.

العلمانيون: تأثر الحضور السياسي للجماعة باحتضان النظام السوري لكل المدارس العلمانية مقابل خصومته للتيارات الإسلامية. واللافت أن علاقة الجماعة كانت جيدة مع العلويين والقوميين والبعثيين، لحسن انفتاحها على النظام السوري على الرغم من ممارسته سياسة الإقصاء والاعتقال لرموزها.

الفلسطينيون: مثّلت منظمة التحرير الفلسطينية أحد ألوان الآحادية في القضية الأمنية التي أثرت على الحضور السياسي للجماعة في ظل التسلط السوري. وقد تواصلت الجماعة مع كل القوى الفاعلة الفلسطينية وفي مقدمتها منظمة التحرير، وخصوصاً مع قيادييها ذي التوجه الإسلامي.

أبرز الكتاب أثر المبعدين إلى مرج الزهور على الواقع الإسلامي الفلسطيني كما اللبناني، وخصوصاً على المخيمات.

المرأة: سعى نواب الجماعة إلى تحقيق جملة إصلاحات أساسية كانت المرأة في مقدمتها؛ حيث طرحوا قانون إعطاء المرأة الذمة المالية المستقلة عن زوجها.

وقد برزت المرأة المسلمة المنتمية للجماعة من خلال مشاركتها لوجستياً مع تنظيم ”المجاهدون“ في طرابلس في حرب السنتين، حيث قمن بإخلاء المواطنين المسلمين من البترون، وعملن بشكل مباشر على إمداد المقاومين بالطعام في بيروت على مواقع المحاور.

الدولة الإسلامية: اللافت في أبجديات الخطاب الإسلامي عند الجماعة الإسلامية في لبنان، هو اعتبار قيام الدولة الإسلامية في بلد متعدد الطوائف، لا يتحقق إلا بالحوار الذي يُثمر موافقتهم على الاحتكام للشريعة الإسلامية. ولذا كانت الديموقراطية المحتَرِمة لتعدد الطوائف وغير المتجاوزة لثوابت الدين هي الضمانة لحفظ الحقوق. ولتجسيد ذلك اقترحت الجماعة إنشاء حزب سياسي يتماهى مع التنوع تاركة الأمور الدعوية للمؤسسة الأم، كحركة دعوية قائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

***
وأخيراً فإن المهم هو أن أسلوب توثيق المعلومات في الكتاب أحيا فينا أهم خصائص الأمة وهي الإسناد في توثيق الخبر، مما أضفى قيمة علمية رصينة، إلا أن كتاب الجماعة يتميز عنه اعتماد مُعِدِّي الكتاب حصراً على الرواة الثقاة؛ وإن برز عند بعضهم رؤاه الذاتية. وبالمقابل كنت أرغب أن يُصدَّر الكتاب بتمهيد يتضمن أسس فكر الجماعة الذي يُبنى عليها مشروعها السياسي بعمقه الإسلامي وبُعده الحضاري في صبغته الوطنية والإنسانية؛ ليتسنَّى لنا رصد التزامها بقواعد البناء الفكري، أو إخفاقها العملي في تحقيق أهدافها المرحلية أو الاستراتيجية.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 3/7/2017