مدة القراءة: 6 دقائق

Dr_Ali-Mahafzah_6-16يسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يقدم مداخلة الدكتور علي محافظة، حول ”انعكاسات اتفاقية سايكس- بيكو على الخريطة الجيوسياسية في المشرق العربي“.

وقد قدمت هذه المداخلة في في حلقة نقاش ”مئة عام على سايكس بيكو: خرائط جديدة ترسم“، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في بيروت، في 26/5/2016.


لتحميل المداخلة، اضغط على الرابط التالي:

>>
مداخلة: انعكاسات اتفاقية سايكس- بيكو على الخريطة الجيوسياسية في المشرق العربي … د. علي محافظةWord (21 صفحة، 4.3 MB)

>>
مداخلة: انعكاسات اتفاقية سايكس- بيكو على الخريطة الجيوسياسية في المشرق العربي … د. علي محافظة (21 صفحة، 489 KB)

مداخلة: انعكاسات اتفاقية سايكس- بيكو على الخريطة الجيوسياسية في المشرق العربي … د. علي محافظة

تعود فكرة غزو البلاد العربية وتجزئتها للحيلولة دون قيام دولة قوية فيها إلى الحروب الصليبية. فقد سادت هذه الفكرة لدى قادة دول أوروبا منذئذ وما زالت باقية في أذهانهم وفي مخططاتهم السياسية في منطقتنا حتى اليوم. تزامنت نهاية الحروب الصليبية سنة 1291م مع قيام الإمارة العثمانية في شمال غربي الأناضول سنة 1300م. وتوسعت هذه الإمارة التركية في البلقان، وتمكنت من فتح القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، والقضاء على الأخيرة سنة 1453م. واستولت في فتوحاتها على بلغاريا، وصربيا، ومكدونيا، واليونان، والبوسنة، والهرسك، والجبل الأسود، وكرواتيا، وسلوفينيا، وروانيا، وهنغاريا، وأجزاء من أوكرانيا وبولندا. وحاصر العثمانيون فينا، عاصمة الإمبراطورية النمساوية مرتين.

ونشرت هذه الفتوحات الرعب في أوروبا طوال أربعة قرون من الزمن. وما إن توقفت الفتوحات العثمانية، وظهرت بوادر الضعف والتراجع في الدولة العثمانية في القرن الـ 18، حتى اندفعت الدول الكبرى الأوروبية إلى تحريض الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية على التمرد والثورة، فتقلصت ممتلكاتها الأوروبية، وبرزت أطماع الدول الأوروبية في اقتسام أراضيها وتفكيك أوصالها. غير أن الخلاف بين هذه الدول حول هذا الاقتسام حال دون القضاء عليها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918.

وفي أثناء ذلك اتفقت الدول الأوروبية على اقتسام ممتلكات الدولة العثمانية في إفريقيا، فاحتلت فرنسا الجزائر سنة 1830، وفرضت حمايتها على تونس سنة 1881، وعلى سلطنة مراكش سنة 1912 وعلى موريتانيا. واحتلت إيطاليا ليبيا سنة 1911، واحتلت بريطانيا مصر والسودان والصومال وفرضت حمايتها على مصر سنة 1882. وكانت قد فرضت حمايتها على سواحل شبه جزيرة العرب وعقدت معاهدات الحماية مع شيوخها وأمرائها بين سنتي 1839 و1899. ولم يبقَ من البلاد العربية تحت الحكم العثماني سوى بلاد الشام، والعراق، ونجد، والحجاز، واليمن الشمالي.

وما إن اندلعت الحرب العالمية الأولى، ودخلتها الدولة العثمانية إلى جانب دولتي الوسط ألمانيا والإمبراطورية النمساوية – الهنغارية حتى سارعت روسيا القيصرية إلى الاتصال بحليفتيها بريطانيا وفرنسا للتفاوض على اقتسام أراضي الدولة العثمانية بين الدول الثلاث. ففي 19 شباط/ فبراير و4/3/1915 قدم سيرجي سازونوف Sergei Sazonov وزير خارجية روسيا، مذكرتين إلى سفيري فرنسا وبريطانيا في بطرسبرغ، تضمنتا رغبة الحكومة الروسية في ضمّ المناطق التالية في حال انتصار الحلفاء: إسطنبول وشاطئ البسفور الغربي وبحر مرمرة حتى خط إينوس ميديا، والمثلث الواقع بين البسفور ونهر سقاريا، ونقطة تحدد فيما بعد على خليج أزميد والجزر الواقعة في بحر مرمرة وجزيرتي أمبروس وتيندوس. وفي حال قبول الحليفتين لهذا الضم ستعترف الحكومة الروسية بحقوق فرنسا وبريطانيا في الممتلكات العثمانية الآسيوية، بعد تعيين ذلك باتفاقية خاصة بين الدول الحليفة الثلاث. وتضمنت المذكرة الروسية اقتراحاً بأن تتولى حكومة إسلامية مستقلة في شبه جزيرة العرب الحفاظ على الأماكن المقدسة الإسلامية.

وفي 14/3/1915، كشف سفير فرنسا في بطرسبرغ لوزير خارجية روسيا عن أطماع حكومته في سورية وخليج إسكندرونة وكيليكيا، وأبدى رغبته في أن يضمن موافقة روسيا على ضمّ بلاد الشام بما فيها فلسطين لمنطقة نفوذ فرنسا. وكانت فلسطين حجر الزاوية لحماية الروم الأرثوذكس في بلاد الشام، بالنسبة إلى روسيا منذ القرن الـ 18 .

تمّ تبادل مذكرات ورسائل رسمية بين وزراء خارجية روسيا وبريطانيا وفرنسا وبين سفرائهم في عواصم الدول الثلاث، وافقت فيها بريطانيا وفرنسا على المطالب الروسية بعد انتهاء الحرب في 18/3/1915، وبذلك حصلت روسيا بموجبها على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان وعلى منطقة مضيقي البسفور والدردنيل. وبعدها طلبت بريطانيا من فرنسا أن تعيّن مندوباً لها لوضع اتفاقية ثنائية بينهما لاقتسام منطقة الهلال الخصيب. استجابت فرنسا وعيّنت السكرتير الأول في سفارتها في لندن فرانسوا جورج بيكوت François Georges Picot. وعيّنت بريطانيا السير مارك سايكس Sir Mark Sykes وكيل وزارة الحربية من أجل تعيين مناطق نفوذ الدولتين في المشرق العربي. أسفرت مفاوضات سايكس وبيكو عن إبرام اتفاقية في 16/5/1916، وردت في الرسائل المتبادلة بين سفير فرنسا في لندن بول كامبون Paul Cambon ووزير خارجية بريطانيا إدوارد غراي Edward Grey.

وبموجب هذه الاتفاقية قسم العراق وبلاد الشام إلى خمس مناطق: زرقاء (فرنسية) وحمراء (بريطانية)، يباح فيهما لكل من الدولتين:

إنشاء ما ترغبان فيه من شكل الحكم المباشر أو غير المباشر، بعد الاتفاق مع الدولة أو اتحاد الدول العربية. وتشمل المنطقة الفرنسية سورية الساحلية من إسكندرونة حتى رأس الناقورة، وتضم جبل لبنان وكيليكيا وجزءاً من الجنوب الشرقي لآسيا الصغرى. أما المنطقة البريطانية فتشمل جزءاً كبيراً من العراق، من البصرة إلى بغداد ومينائي حيفا وعكا. وأما المنطقة الثالثة (السمراء) فتشمل ما تبقى من فلسطين، وتقام فيها إدارة دولية، بعد التشاور مع روسيا وممثلي شريف مكة وبقية الحلفاء. والمنطقة الرابعة (أ) تتألف من سورية الداخلية وولاية الموصل، والمنطقة الأخيرة (ب) تضم ما تبقى من العراق، ويقام في هاتين المنطقتين (أ وب) دولة عربية أو اتحاد دول عربية تدعمه فرنسا وبريطانيا، على أن يكون للأولى في منطقة (أ) والثانية في منطقة (ب) الأفضلية في تنفيذ المشروعات الاقتصادية وتقديم القروض والمستشارين والموظفين الأجانب .

علمت إيطاليا بالاتفاقية، وبعد مفاوضات طويلة منحت منطقة أضنة في الأناضول بموجب اتفاقة سان جان دوموريان Saint Jean de Maurienne في 19/4/1917 .

مع دخول الدولة العثمانية الحرب، فرض الحلفاء حصاراً مشدداً على البلاد العربية الآسيوية، وأصبح من المتعذر عليها استيراد ما تحتاجه من المواد الغذائية والأدوية وتصدير منتجاتها إلى الخارج. وتعاون العرب، على مضض، مع أحمد جمال باشا في حملته على مصر التي باءت بالفشل. وكان من آثار هذا الفشل اتهام المتنورين العرب بالخيانة لاتصالهم، قبل الحرب، بالقنصلية الفرنسية في بيروت.

ولم يتردد جمال باشا في البطش بهم وتعليقهم على أعواد المشانق في دمشق وبيروت في سنتي 1915 و1916. عندها قرر قادة الحركة العربية في دمشق من أعضاء جمعيتي “العهد” و”العربية الفتاة” الثورة على حكومة الاتحاد والترقي في الأستانة، ووضعوا ميثاقاً قومياً يتضمن وحدة أقطار آسيا العربية واستقلالها عن الدولة العثمانية، كما قرروا عقد معاهدة مع بريطانيا، والدخول في الحرب إلى جانبها، وتفضيلها على غيرها من الدول في المشاريع الاقتصادية، مقابل اعتراف بريطانيا باستقلال هذه الدولة العربية، وإلغاء الامتيازات الأجنبية المفروضة عليها باعتبارها جزءاً من الدولة العثمانية.

وطلب قادة الحركة العربية من الأمير فيصل بن الحسين، عرض هذا الميثاق على والده أمير مكة، فإذا قبل فوَّضوه بالاتصال بالمسؤولين البريطانيين والاتفاق معهم على الاعتراف الرسمي بهذا المشروع العربي وإعلان الثورة العربية على الأتراك.

أجرى الشريف حسين اتصالاته مع المندوب السامي البريطاني في القاهرة السير هنري مكماهون Sir Henry MacMahon بين تموز/ يوليو 1915 وآذار/ مارس 1916، واعتقد أن الحكومة البريطانية قد وافقت على المشروع العربي في الوحدة والاستقلال، وأعلن الثورة في الحجاز في 10/6/1916. وكانت بريطانيا وفرنسا في الوقت نفسه تتفاوضان لإبرام اتفاقية سميت لاحقاً باتفاقية سايكس – بيكو، دون أن تعيرا بالاً للوعود التي قطعتها بريطانيا للحسين بن علي .

إذا كان المشروع العربي الذي تفاوض الشريف حسين مع المسؤولين البريطانيين عليه معبراً عن آمال عرب المشرق في الوحدة والحرية والاستقلال وعن تطلعاتهم المستقبلية، فإن اتفاقية سايكس – بيكو كانت أول ضربة لهذه الآمال. فقد أكدت بريطانيا وفرنسا على مبدأ خطير وهو رفض وحدة الأقطار العربية والآسيوية في دولة واحدة، والإصرار على تجزئتها واقتسامها في ما بينها. وسيكون لهذه الاتفاقية، كما سنرى، تأثير مهم على عرب المشرق. فالترتيبات التي تمت في مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس في سنتي 1919 و1920، استندت إلى هذه الاتفاقية التي أجريت عليها بعض التعديلات التي اقتضتها أحداث الحرب بعد خروج روسيا منها بعد قيام الثورة البلشفية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، ودخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب في السنة نفسها، وازدياد النفوذ الصهيوني في بريطانيا في عهد وزارة ديفيد لويد جورج David Lloyd-George، حيث نجح الصهاينة في الحصول على وعد بلفور في 2/11/1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .

بقي الشريف حسين يجهل اتفاقية سايكس – بيكو حتى قامت الثورة البلشفية في روسيا ونشرت نصوص الاتفاقيات السرية بين الحلفاء. نشرت صحيفة إزفستيا Isvestia نصوص هذه الاتفاقية في 24/11/1917. ونشرتها الصحيفة البريطانية Manchester Guardian في عددها الصادر في 19/1/1918. كما قام القائد التركي أحمد جمال باشا بإبلاغ الأمير فيصل بن الحسين، قائد الجيش العربي الشمالي، في أثناء وجوده في العقبة، بهذه الاتفاقية برسالة مؤرخة في 26/11/1917. غير أن الأمير حوّلها إلى والده الذي أرسلها إلى المندوب السامي البريطاني في القاهرة في 29/12/1917.

ردّ المندوب السامي على الملك حسين برسالة في 12/1/1918، أكد فيها أن “الخطب والتصريحات التي فاه بها كبار الساسة من الحلفاء تدل بأجلى وضوح على شدة رغبة الحلفاء بترقي وتقدم وإحياء الأمة العربية التي كانت نهضة جلالتكم باعثاً عظيماً لها على ذلك ومشجعاً كبيراً في هذا السبيل” .


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/7/2016


>> للمزيد حول حلقة نقاش ”مئة عام على سايكس بيكو: خرائط جديدة ترسم“: اضغط هنا