مدة القراءة: 6 دقائق

ورقة عمل: موقف الجبهة الديموقراطية من المصالحة وطُرق تفعيلها … أ.سهيل الناطور” (نسخة نصيّة HTML)

للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (8 صفحات، 599 KB)

قدم أ. سهيل الناطور هذه الورقة في مؤتمر “المصالحة الفلسطينية: الآفاق والتحديات”، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت بالتعاون مع مركز إفريقيا والشرق الأوسط AMEC (ومقره جنوب إفريقيا) في 25-26 /2015/3.

ورقة عمل: موقف الجبهة الديموقراطية من المصالحة وطُرق تفعيلها … أ.سهيل الناطور* [1]


تحتدم المنافسة وصولاً إلى الصراع على النظام السياسي الفلسطيني وحول قواعد وأسس تطويره، إن لم يكن إعادة صياغته في بعض المجالات. ويدور هذا الصراع على عدد من القضايا الرئيسية، تتصل بنسقي هذا النظام: منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، بتمايزهما واستقلالهما عن بعضهما البعض، لكن أيضاً بتداخلهما المؤسسي في مفاصل رئيسية، ضمن اختصاصات محددة وتراتبية واضحة، تفرد للمنظمة مكانة المرجعية السياسية العليا للشعب الفلسطيني بأسره وللسلطة الفلسطينية في آن، ومن هنا تَصدّر المنظمة لهذا النظام. كما تفرد للسلطة الفلسطينية مسؤولياتها في الإدارة السياسية وفي الشأن الحياتي بنطاق ولايتها على الشعب والأرض في الضفة والقطاع، وإن كانت هذه الولاية —إذا اعتدلنا في التعبير— منقوصة بقيود وإكراهات الحكم الذاتي الرازح تحت الاحتلال.

بالنسبة للمنظمة فإن الصراع يدور حول إعادة بنائها على أسس ديموقراطية وتعددية، من خلال تفعيل وتطوير هيئاتها ومؤسساتها. والبوابة الأهم لهذا كله هي انتخاب مجلس وطني جديد في الوطن وحيث أمكن في الشتات، بالاعتماد على قانون انتخابي يقوم على النسبية الكاملة. والأمر نفسه ينطبق على السلطة الفلسطينية من بوابة انتخابات رئاسية وتشريعية، أيضاً بواسطة قانون التمثيل النسبي الكامل. دون أن ننسى إنجاز انتخابات المجالس المحلية والبلدية سواء تلك التي انقضت ولايتها أو التي لم تجرها أصلاً، وتعميم التمثيل النسبي الكامل على سائر مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الوطن والشتات، وبخاصة الاتحادات الشعبية والمهنية والنقابات ومجالس الطلبة وغيرها. كما يدور الصراع حول أسلوب استعادة وحدة المؤسسات الفلسطينية التي انقسمت على نفسها بفعل أحداث 2007، والصيغة التي سترسو عليها: فيدرالية في امتداد الشرخ السياسي والجغرافي، أم موحدة حقاً بتجاوز صيغ الانقسام السافر أو المقنع.

إن الصراع الدائر بين فتح وحماس، من زاوية معيّنة، هو صراع على السلطة، صراع منحاه من يمسك بالسلطة في إطار النظام السياسي الفلسطيني، ما يقود تلقائياً إلى تسليط الضوء على بعد آخر، مختلف تماماً، من الموضوع، يتصل بموقف أوسع القوى (السياسية والمجتمعية) التي تناضل من أجل إصلاح هذا النظام من منطلقات ديموقراطية حقيقية، تعبّر عن تطلعات أوسع الفئات الشعبية، وطموحات الفئات الوسطى، الصراع على السلطة هو الذي يفسر نزوع فتح وحماس لعقد الصفقات الثنائية، وفحواها تقاسم السلطة باعتبار أنه ليس بمقدور أي منهما —في المدى المرئي— أن يحسمها لصالحه، مع الإشارة إلى أن هذا النزوع أكثر ثباتاً عند حماس، القوة الصاعدة.. وأقل ثباتاً عند فتح، القوة المتراجعة.. التي تجد مصلحتها في الاستعانة بتحالف منظمة التحرير للحفاظ على مواقعها في مؤسسات نسقي النظام السياسي (المنظمة والسلطة)، دون أن يعني أن حماس —بدورها— لا ترعى تحالفاتها الخاصة.

وصراع من أجل التطور الديموقراطي..

الصراع من أجل التطوير الديموقراطي للنظام السياسي، بنسقيه، هو الذي يحدد بالنسبة للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين درجة التلاقي مع أو الابتعاد عن طرفي الصراع على السلطة، فالجبهة الديموقراطية ليست من أنصار الوقوف على نفس المسافة الستاتيكية الجامدة من طرفي الصراع. ومواقفها حيال أي قوة سياسية —وهذا ما ينطبق بالتأكيد على طرفي الصراع على السلطة— يحدده الموقف السياسي لهذه القوة من القضية المطروحة، اقتراباً منها أو ابتعاداً عنها. والأولوية التي تحكم سياسة الجبهة الديموقراطية، باستمرار، هي أولية استخلاص الجامع الوطني المشترك بين أوسع القوى. وفي هذا الإطار سعت الجبهة الديموقراطية بكل طاقتها في إطار مشاركتها بمؤتمر الحوار الوطني من أجل تقديم حلول مبدئية وواقعية لحل قضايا الخلاف التي ما زالت تعترض سبيل التوصل إلى حل يعبّر عن الإجماع الوطني، والجبهة الديموقراطية ستبقى تناضل من أجل:

أ. إقرار قانون انتخابي يقوم على مبدأ التمثيل النسبي الكامل وبدون عتبة حسم. وبأقصى الحالات يمكن القبول بنسبة حسم لا تتعدى الواحد (1%) أو الواحد والنصف (1.5%)، وذلك من أجل ضمان أوسع مشاركة سياسية ومجتمعية ممكنة في الأطر التشريعية (المجلس الوطني + المجلس التشريعي) توطيداً للوحدة الوطنية واسترشاداً بالتجارب المتقدمة للشعوب (جنوب إفريقيا…إلخ).

ب. إجراء انتخابات للمجلس التشريعي ولرئاسة السلطة التزاماً بالاستحقاقات المحددة قانوناً، وإفساحاً للمجال أمام الشعب، بعيداً عن ترهات أن هذا التنظيم أو ذاك لم يأخذ فرصته في “الحكم” كاملة، لكي يجدد الشعب الولاية لمن يعتقد أنه أفضل من يعبّر عن رأيه ويدافع عن مصالحه.

ج. توحيد فعلي للأجهزة والمؤسسات المنقسمة على نفسها يأخذ بالاعتبار البعدين الاجتماعي (عدم رمي الموظفين في مجهول البطالة) والقانوني (قانون الخدمة).

د. حلّ مبدأي وعملي لاشتراك نواب الشعب المعتقلين في سجون الاحتلال بأعمال المجلس التشريعي، بما في ذلك التصويت على مشاريع القرارات والقوانين الصادرة عنه، وذلك من خلال رفض منحى الإقصاء التام للنواب المعتقلين، كما ورفض بدعة التوكيلات التي تكشف التشريعي على طعون في مكانته التمثيلية والقانونية. وعليه، تقترح الجبهة الديموقراطية صيغة حل تجمع ما بين إقرار ميثاق شرف بعدم الاستغلال الحزبي والسياسي لواقع اعتقال النواب من أجل فبركة أكثريات عددية من جهة، ومن جهة أخرى اعتماد آلية للتعويض تقوم على الاستبدال المؤقت للنواب المعتقلين من بين المنتخبين أصلاً على القائمة النسبية —وليس الدوائر.

ﻫ. انتخابات فورية للمجالس المحلية والبلدية التي انقضت فترة ولايتها أو التي لم تنتخب أصلاً، وضد سياسة التعيين التي تستسيغ بعض الأوساط فرضها.

و. إصدار قانون انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة التمثيل النسبي الكامل، وبالتوازي مع هذا تفعيل سائر مؤسسات منظمة التحرير.

ز. تشكيل حكومة وفاق وطني لفترة انتقالية وإلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. أما البرنامج السياسي لهذه الحكومة، ومن أجل تجاوز الخلاف القائم —والمفتعل إلى حدّ ما— بين صيغتي الالتزام بالاتفاقيات التي وقعت عليها قيادة منظمة التحرير أو احترام هذه الاتفاقيات، فبالإمكان الدفع باتجاه صيغة تنطلق من التأكيد على كون المنظمة هي المرجعية السياسية العليا للسلطة الفلسطينية، وبأن اللجنة التنفيذية هي المعنية بإدارة العملية السياسية (التفاوضية)، وعليه تساند حكومة الوفاق الوطني تلك المساعي السياسية التي تؤدي إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

الاحتلال الإسرائيلي، احتلال كلي، لا مجال للخلاص منه إلا بتعبئة قصوى للطاقات الفلسطينية في الوطن والشتات تحت مظلة وفي إطار استراتيجية كفاحية في الميدان، تتحدد عناوينها تبعاً لنسبة القوى السائدة، فضلاً عن شرط المكان. من هنا، أهمية الوحدة الداخلية التي وحدها تسمح بتعبئة الطاقات وحشد الموارد المتوافرة، لكي تصبّ جميعها في اتجاهات العمل الرئيسية المتوافق عليها وطنياً.

ومن هنا أيضاً الخلاصة المسلم بها: الوحدة الداخلية هي الرافعة الضرورية لتثمير سياسة كفاحية في الميدان، على طريق المقاومة الشعبية الشاملة، وكل أشكال النضال المشروع في مقاومة الاحتلال والتهويد والاستيطان، فضلاً عن العزل والحصار. والوحدة الداخلية هي الأساس الذي لا غنى عنه من أجل تدعيم مرتكزات استراتيجية البناء والصمود والدفاع في قطاع غزة، كما واستراتيجية صمود وثبات وتطوير حركة اللاجئين في كل مكان، دفاعاً عن حق العودة إلى الديار والممتلكات. إذ هنا يستدعي بذل منظمة التحرير كل الجهود اللازمة لإسناد صمود أبناء شعبنا في سورية كأولوية مطلقة وبكل الوسائل المتاحة، وكذلك في لبنان.

ومواجهة سياسة الاحتلال الإسرائيلي باتباع سياسة خارجية نشطة ومبادرة بدبلوماسية هجومية، تنأى بنفسها عن المساومات والمقايضات عبر تفعيل انتساب دولة فلسطين إلى المؤسسات والوكالات الدولية، ونقل جرائم الاحتلال، من حصار جماعي، واستيطان، وقتل للمدنيين العزل، إلى محكمة الجنايات الدولية، لمقاضاة المسؤولين الإسرائيليين، وعزل الكيان، ونزع الشرعية عن الاحتلال، وتوسيع دائرة المقاطعة الدولية الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والسياسية لدولة الاحتلال، وتوسيع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبالحقوق المشروعة لشعبنا.

العمل الحثيث لاستعادة الوحدة الوطنية، اعتماد سياسة كفاحية في الميدان في إطار استراتيجية شاملة في صلبها وفي القلب منها المقاومة الشعبية، تبني سياسة خارجية تحاصر “إسرائيل” في المجال الدولي، تضيّق الخناق عليها، وتعرضها لأقصى درجات الحصار والمقاطعة والعزل دولياً، سياسة اقتصادية مالية اجتماعية جديدة تعزز مقومات الصمود الوطني في وجه الاحتلال وتدعم قدرة المجتمع على مجابهته..

هذه هي الاتجاهات الأساس لاستراتيجية العمل الوطني، التي بادرت الجبهة الديموقراطية إلى طرحها وتبنيها منذ مطلع سنة 2011.

أهمية الوحدة الداخلية في الحالة الفلسطينية بنفس أهميتها في الحالة العربية، والانقسام الفلسطيني المركب، المؤسسي والسياسي والجغرافي، يكاد يُكمل عامه الثامن، ولا مؤشرات لأفق واعد وملموس، لاستعادة وشيكة للوحدة المفقودة. وها نحن نقترب من العام على صدور بيان مخيم الشاطئ لتنفيذ الاتفاقات السابقة لاستعادة الوحدة، والأمور عملياً ما تزال على حالها، ولم يغيّر منها شيئاً تشكيل الحكومة الأخيرة بالاتفاق ما بين حركتي فتح وحماس، التي سرعان ما انتقلت إلى دائرة المراوحة في المكان بالنسبة للملفات الحيوية المطروحة بحدة في قطاع غزة: الإعمار، فتح المعابر، وتسوية وضع موظفي حكومة حماس سابقاً، ناهيك عن المسائل الأخرى المتصلة بتوحيد الإدارات والتشكيلات الأمنية والعسكرية.

إن الحل المقترح للخروج من هذا المأزق الوطني المستحكم بمتناول اليد، ويتحرك على مستويين:

المستوى الأول: الخاص بالمسائل المباشرة لقطاع غزة يقتضي حضوراً لحكومة التوافق الوطني على أرض القطاع واضطلاعها بكامل مسؤولياتها، مهما كانت الملاحظات على دورها، أو التعطيل المتعمد لأعمالها. في هذا السياق لا بدّ للوفد الذي شكلته اللجنة التنفيذية مؤخراً بعضوية جميع الفصائل، بما فيها حركتا حماس والجهاد، إلى الإسراع بالتوجه إلى القطاع لمساندة جهد الحكومة من أجل حلّ المسائل الآنف ذكرها وغيرها من الملفات.

أما المستوى الثاني: وهو الأهم، فيقوم على دعوة الإطار القيادي المؤقت لـمنظمة التحرير الذي انقطع عن الاجتماعات منذ حوالي العامين دونما مبرر، إلى اجتماع عاجل، علماً أن هذا الإطار القيادي هو الآلية الأهم، والآلية المخولة —بحكم مستواها القيادي الرفيع— أكثر من غيرها لإدارة هذا الحوار. في هذا السياق ندعو الإطار القيادي الذي يضم جميع القوى السياسية إلى جانب المستقلين، إلى وضع خطة تطبيقية لاستعادة الوحدة الداخلية، خطة ندعو إلى أن تنعكس سريعاً على توسيع التمثيل السياسي في المؤسسات.

أخيراً اليوم تبدو الحاجة إلى استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية أكثر من أي وقت سابق، فالانتخابات الإسرائيلية أعطت النجاح لنتنياهو الذي أعلن سياسته برفض قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والغرب يتغطى بتمسكه بها ولكن دون تنفيذ، وبتضمين مشاريعه في الهيئات الدولية شروطاً تهدد حقوقنا، من نمط “يهودية الدولة” أو تبادل الأراضي، كما المشروع العربي أيضاً الذي يوكل لـ”إسرائيل” عملياً رسم مصير اللاجئين عبر تضمينه بند حلّ متفق عليه لمسألة اللاجئين، وأخيراً يأتي المشروع الأمريكي الجديد لغزة الذي قدمه روبرت ماليه والذي يهدف حقيقة لفصل القطاع عن الضفة بحجة هدنة خمس سنوات، وكل ذلك لا يمكن مواجهته وتجاوز ثغراته وسلبياته إلا بوحدة فلسطينية متراصة، ما زالت متباطئة الخطر رغم قرارات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية أخيراً بتعجيل استعادة الوحدة.

[1] عضو اللجنة المركزية للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.

للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (8 صفحات، 599 KB)