مدة القراءة: 8 دقائق

تقدير استراتيجي (74) – أيار/ مايو 2015.

ملخص:

شكّل موضوع التنسيق الأمني مثار جدل فلسطيني داخلي كبير منذ بدء عمل السلطة الفلسطينية، حيث ثبّتت الاتفاقات الفلسطينية – الإسرائيلية الوظيفة الأمنية كمقياس لمدى كفاءة السلطة، وما يمكن أن تمنحه لها “إسرائيل” من تنازلات في المقابل. ولكن مع مضي الوقت والتعثر المستمر للمفاوضات، تبين أن سقف هذه “التنازلات” لا يقارب الحد الأدنى الذي يمكن لقيادة السلطة القبول به، مما دفعها للتفكير في جدوى استمرار التنسيق الأمني دون مقابل، وخصوصاً في ضوء الرفض الشعبي والفصائلي لهذا التنسيق أصلاً.

يبدو من غير المرجح لجوء قيادة السلطة فعلاً لوقف هذا التنسيق بصورة تامة، نتيجة اقتناعها بعدم قدرتها على تحمل الثمن الباهظ الذي قد تدفعه نتيجة لذلك، سواء على الصعيد الخارجي أم الداخلي. ولكن ذلك لا ينفي إمكانية خفض مستوى التنسيق الأمني تدريجياً، أو تراكم عوامل ضغط تتسبب بوقفه بغير إرادة السلطة أو “إسرائيل”.

مقدمة:

شكّل موضوع التنسيق الأمني، وما يزال، أكثر مجالات عمل السلطة الفلسطينية مثاراً للجدل منذ نشأتها، بين من يرى فيه التزاماً تعاقدياً وضرورة لا يمكن للحكم الذاتي البقاء دونها، وبوابة لا بدّ لمشروع بناء الدولة المرور عبرها، ومن يرى في المقابل أنه خطيئة تجر ثمناً باهظاً على الشعب الفلسطيني ومشروعه للتحرر من الاحتلال، من خلال ضرب قوى المقاومة التي تُشكّل عامل القوة الأهم لديه، علاوة على أنه عامل فرقة في الساحة السياسية الفلسطينية.

وإلى جانب هذا الجدل بين الفريقين، فإن هناك سؤالاً مطروحاً داخل قيادة السلطة الفلسطينية نفسها، يتعلق بالموازنة بين المكاسب والخسائر المترتبة على استمرار التنسيق الأمني، في ضوء إصرار “إسرائيل” على أن تقتصر السلطة الفلسطينية على صفة وظيفية، تقدم للاحتلال الأمن دون مقابل، ودون السماح لها بتحقيق أي قدر من المكاسب أو المنجزات على طريق تحقيق حلم بناء الدولة المنشودة، مع استمرار الاستيطان وقضم الأراضي التي يفترض أن تكون جزءاً من هذه الدولة.

أولاً: قراءة في تاريخ التنسيق الأمني:

منذ توقيع اتفاق أوسلو، ومن خلال الاتفاقات اللاحقة التي كانت الأساس لاستلام السلطة الفلسطينية السيطرة تدريجياً على مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة (مناطق أ)، حرصت “إسرائيل”، وبنجاح كبير، على أن تُرسّخ في ذهن قيادة السلطة الفلسطينية ومفاوضيها أن الأداء في الملف الأمني هو المحدد الأساسي لمدى تجاوب “إسرائيل” معها، ومدى ما يُسمح للسلطة من ممارسته من مهام، ولما يُمكن أن يتبع لسيطرتها الفعلية من مناطق.

ولكن مع التعثّر المتكرر والمستمر لمفاوضات التسوية، في مقابل استمرار “إسرائيل” في فرض الحقائق على الأرض، وجدت قيادة السلطة الفلسطينية أن التسوية باتت تواجه حائطاً مسدوداً. وفي كل مرة، كان سؤال استمرار التنسيق الأمني أو وقفه واحداً من الأسئلة التي توجَّب على قيادة السلطة الإجابة عنها، ولكن مع فارق كبير في العوامل المحيطة بالقرار.

كان اندلاع انتفاضة الأقصى في 28/9/ 2000 أحد محطات التوقف في تحديد مصير التنسيق الأمني، حيث حظيت الانتفاضة بمباركة من الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتراجعت وتيرة الاعتقالات التي كانت تقوم بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى حدّ كبير، وكذلك وتيرة التعاون بينها وبين سلطات الاحتلال، على الرغم من رضوخها للضغوط الأمريكية والإسرائيلية في حالات محدودة، أبرزها اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات عقب اغتيال الجبهة لوزير الاحتلال الإسرائيلي رحبعام زئيفي في تشرين الأول/ أكتوبر 2001. كما انخرطت عناصر من الأجهزة الأمنية في مقاومة الاحتلال خلال تلك الانتفاضة، علماً أن هؤلاء كانوا غالباً ممن سبق لهم المشاركة في أعمال المقاومة في مراحل سابقة لقيام السلطة.

بالنتيجة، كان قرار “إسرائيل” ضرب الأجهزة الأمنية، والعمل على عزل رئاسة السلطة الفلسطينية، والضغط لإحداث تغيير في مرجعية الأجهزة الأمنية وبنيتها، بالتوافق مع الولايات المتحدة واللجنة الرباعية الدولية، وهو ما عبّرت عنه خطة خريطة الطريق في نيسان/ أبريل 2003.

وبعد أن تولى محمود عباس قيادة السلطة الفلسطينية، كان الرد على المطالبات المتكررة بوقف التنسيق الأمني في غير مرة هو التأكيد على استمرار التنسيق الأمني بوصفه التزاماً لا رجعة عنه، وباعتباره مصلحة فلسطينية، والتأكيد على حرصه الشديد على عدم اندلاع انتفاضة جديدة. كان واضحاً أن عباس يستحضر في ذهنه مصير الأجهزة الأمنية عقب انتفاضة الأقصى، و”إنجازه” في إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مقبولة إسرائيلياً ودولياً، سمحت له بأن يثبت مصداقيته كشريك حريص على تحقيق السلام مع “إسرائيل”.

وقد ثبتت قيادة السلطة على موقفها هذا حتى بعد استشهاد الوزير زياد أبو عين على يد جنود الاحتلال خلال مسيرة سلمية في كانون الأول/ ديسمبر 2014، على الرغم من مرور الوقت على انسداد أفق المفاوضات، بموازاة فرض “إسرائيل” المزيد من الحقائق على الأرض.

إن طرح فكرة وقف التنسيق الأمني كان آخر البدائل التي لجأت إليها قيادة السلطة للضغط على “إسرائيل”، وذلك بعد استنفاد بدائل التوجه للأمم المتحدة ومجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطينية، وتوقيع معاهدات للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وعدد من المؤسسات الدولية الأخرى، في ضوء توجه “إسرائيل” نحو اليمين أكثر فأكثر، إلى حد إعلان رئيس حكومتها المعاد انتخابه بنيامين نتنياهو رفضه قيام دولة فلسطينية، وحجب الحكومة الإسرائيلية أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة كرد على توجهها للمؤسسات الدولية.

ولكن، ما هي المآلات المحتملة للتنسيق الأمني في ضوء هذه المعطيات؟

ثانياً: العوامل الدافعة باتجاه وقف التنسيق الأمني:

1. العوامل الداخلية:

أ. الرفض الشعبي: يُمثل الموقف الشعبي الرافض للتنسيق الأمني مع الاحتلال أحد أبرز العوامل الداخلية التي تضغط باتجاه وقف هذا التنسيق. أحدث مؤشر على هذا الموقف الشعبي عبّر عنه استطلاع للرأي أجراه مركز استطلاعات الرأي والدراسات المسحية في جامعة النجاح الوطنية في آذار/ مارس 2015، أبدى فيه 59% تأييدهم لوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال. كما تندرج في الإطار نفسه الهبّة الشعبية التي امتدت من القدس إلى الضفة الغربية في تموز/ يوليو 2014، عقب جريمة حرق الطفل المقدسي محمد أبو خضير، حيث أظهرت تلك الهبّة مدى الاحتقان الموجود في الشارع الفلسطيني تجاه انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه.

ولكن عدم استمرار تلك الهبة في مدن الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة السلطة أمنياً (بخلاف ما جرى في القدس التي لا وجود لأجهزة الأمن الفلسطينية فيها)، مؤشر على مدى قدرة التنسيق الأمني على مواجهة الموقف الشعبي الرافض له.

ب. موقف فصائل المقاومة: يُعدّ رفض فصائل المقاومة للتنسيق مع الاحتلال محل اتفاق واسع بين مختلف الأطياف السياسية الفلسطينية، بدءاً بحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وصولاً إلى أصوات من داخل حركة فتح نفسها. والمشترك بين هذه الفصائل هو النظر إلى وقف التنسيق الأمني بوصفه مصلحة وطنية، على الرغم من بعض التباين في التفسيرات.

ج. موجبات المصالحة: أبرز ما تناولته اتفاقات المصالحة الفلسطينية بشأن التنسيق الأمني هو ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني 2006 (وثيقة الأسرى)، التي فرقت بين سلاح المقاومة الذي يجب تنظيمه وحمايته، وسلاح “الفوضى والفلتان الأمني”، وكذلك الخطوط العامة التي حكمت اتفاق المصالحة في أيار/مايو 2011. وعلى الرغم من أن الاتفاقات التالية لم تتعرض لموضوع التنسيق الأمني مباشرة، بهدف عدم الخوض في المسائل الخلافية، إلا أن هذه النقطة ما تزال هي الفتيل الأبرز الذي يشعل الخلاف بين طرفي المصالحة، فتح وحماس، في كل مرة. وبالتالي، يدرك الطرفان أن تحقيق المصالحة فعلياً يقتضي حل هذا الملف أولاً.

2. العوامل الخارجية:

أ. الموقف الإسرائيلي من التسوية: في ظل غياب نقاط الالتقاء بين المفاوض الفلسطيني والمفاوض الإسرائيلي، وجدت قيادة السلطة الفلسطينية نفسها ملزمة بإيجاد البدائل التي تحقق لها هدف زوال الاحتلال وإقامة الدولة. وبالنسبة لها، يشكّل وقف التنسيق الأمني ورقة ضغط مهمة، باعتبار الوظيفة الأمنية للسلطة أهم الوظائف التي تهتم “إسرائيل” باستمرارها.

ويزيد تعهد بنيامين نتنياهو خلال الانتخابات الأخيرة على العمل لمنع قيام دولة فلسطينية من تشكيك قيادة السلطة بجدوى التنسيق الأمني، وخصوصاً مع تواصل الانتهاكات الإسرائيلية والاستيطان، إلى جانب تصاعد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، مما يزيد من الضغط الشعبي باتجاه وقف التنسيق الأمني، باعتباره يوفر غطاء وحماية للمعتدين.

ويبدو أن حجب الحكومة الإسرائيلية جزءاً من تحويلات الضرائب المستحقة للسلطة لثلاثة شهور متتالية، رداً على انضمامها لعدد من المعاهدات الدولية في مطلع سنة 2015، قد اضطر قيادة السلطة للتلويح بهذه الورقة بشكل جدي، من خلال إصدار المجلس المركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قراراً بوقف التنسيق الأمني في آذار/ مارس 2015.

ب. الموقف الأمريكي من التوجه للأمم المتحدة ومؤسساتها: عزز رفض الولايات المتحدة لذهاب قيادة السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لنيل العضوية والانضمام للمعاهدات الدولية من قناعة السلطة بغياب أفق الحل، حين لجأت واشنطن لعرقلة المساعي الفلسطينية في مجلس الأمن، وفرض عقوبات مالية على المؤسسات الدولية التي تقبل بضم فلسطين إلى عضويتها، دون ممارسة أي ضغط على “إسرائيل” في المقابل، في اصطفاف واضح إلى جانب الأخيرة. وهو ما دفع السلطة للتهديد باللجوء لآخر البدائل التي كانت في جعبتها، وهي وقف التنسيق الأمني.

ثالثاً: العوامل الدافعة باتجاه استمرار التنسيق الأمني:

1. العوامل الداخلية:

أ. التوظيف السياسي للأجهزة الأمنية: منذ تشكيل السلطة الفلسطينية وبدء تسلمها لمهامها على الأرض، شكل التنسيق الأمني أداة تمكين سياسي مزدوجة بالنسبة لقيادة السلطة؛ حيث تمّ توظيف الأجهزة الأمنية داخلياً لملاحقة المعارضين، كما تمّ استغلال تقاطع المصالح بين طرفي التنسيق الأمني في إظهار جدارة السلطة أمام “إسرائيل” والولايات المتحدة، باعتبار معارضي السلطة هم أنفسهم من واصلوا رفع سلاح المقاومة بوجه الاحتلال.

وظهرت أهمية الوظيفة السياسية للأجهزة الأمنية بشكل جلي في عدة مناسبات، أبرزها كانت خلال الحملة الإسرائيلية – الأمريكية ضدّ ياسر عرفات، والتي انتهت باستحداث منصب رئيس للوزراء يتولى الصلاحيات الأمنية، وعقب الانتخابات التشريعية سنة 2006، حيث شكّل تنازع الصلاحيات الأمنية جوهر الصراع على الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة، ومن خلفهما فتح وحماس.

وقد عززت أحداث “الحسم العسكري” أو “الانقلاب” في غزة في حزيران/ يونيو 2007 من أهمية الوظيفة السياسية للأجهزة الأمنية في نظر قيادة السلطة، ومن أهمية التنسيق الأمني بالنسبة لها، على الصعيدين الداخلي والخارجي، خشية تكرار تجربة غزة في الضفة الغربية.

ب. بناء الأجهزة الأمنية وعقيدتها: على خلاف ما كانت عليه الحال في انتفاضة الأقصى، فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية وعقيدتها خضعت لعملية تغيير شامل بموجب خطة خريطة الطريق، بحيث تم استبعاد عناصر الأمن ممن لهم خلفيات في العمل المقاوم، كما تمّ إنتاج عقيدة جديدة و”فلسطيني جديد”، بإشراف الجنرال الأمريكي كيث دايتون، لم يعد يرى في “إسرائيل” عدواً، ويرى في استمرار التنسيق الأمني مصلحة فلسطينية كبرى. وهو ما يقلل بشكل كبير بالتالي، من فرص تكرار تجربة انتفاضة الأقصى، التي انخرط خلالها عناصر الأمن في أعمال المقاومة.

2. العوامل الخارجية:

أ. الاتفاقات الفلسطينية – الإسرائيلية: يُشكّل التنسيق الأمني جوهر الاتفاقات الفلسطينية – الإسرائيلية المتلاحقة، بشكل يربط استمرار وجود سلطة الحكم الذاتي بأداء وظائفها الأمنية. وبالتالي فإن الإخلال بهذه الوظيفة يعني بالنسبة للاحتلال زوال مبرر بقائها، مع توفير ذريعة تحميه نظرياً من ردود الفعل الدولية على أي عمل قد يقرر أن يقدم عليه.

ب. أدوات السيطرة العسكرية والاقتصادية الخارجية: يضاف إلى ما تقدّم امتلاك الاحتلال أدوات عسكرية وأمنية واقتصادية يستطيع استخدامها ضدّ السلطة متى شاء (وجزء كبير منها بموجب الاتفاقات السابق ذكرها)، في حال أقدمت على وقف التنسيق الأمني.

كما تندرج في هذا السياق تجربة انتفاضة الأقصى وإعادة احتلال الضفة الغربية وتدمير الأجهزة الأمنية الفلسطينية بشكل كامل، وما أوجدته من “كي للوعي” بالنسبة لقيادة السلطة الحالية. وكذلك سيطرة “إسرائيل” على تحويلات الضرائب التي تشكّل نحو 70% من إجمالي الإيرادات المحلية للسلطة، و43% من إجمالي إيراداتها بعد احتساب المنح والمساعدات الخارجية، التي تشكّل بدورها نحو 37% من الإيرادات.

مما يعني أن على السلطة أن تأخذ بعين الاعتبار احتمال خسارتها نحو 80% من إيراداتها في حال قررت وقف التنسيق الأمني، باعتبار أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما أبرز الجهات المانحة للسلطة، وكلاهما معني باستمرار التنسيق الأمني. ومما يزيد من هذا العبء، أن رواتب الأجهزة الأمنية تشكّل قرابة 42% من رواتب موظفي السلطة المهددة بالانقطاع في حال تعرضها لحصار مالي.

رابعاً: المسارات المحتملة:

المسار الأول: استمرار التنسيق الأمني:

في ضوء تفاعل العوامل السابقة، يبدو احتمال استمرار التنسيق الأمني هو الأكثر توقعاً، وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قدرة السلطة على تجاوز الرفض الشعبي للتنسيق الأمني، وعدم الجدية في تطبيق موجبات المصالحة، في مقابل إعلان الرئيس محمود عباس في 18/4/ 2015 انتهاء أزمة احتجاز الأموال الفلسطينية.

ويضاف إلى ذلك تقديم “إسرائيل” تسهيلات للسلطة بالتزامن مع هذا الإعلان، أبرزها الموافقة على فتح مراكز للشرطة ونشر عناصر أمن فلسطينية في ضواحي القدس (العيزرية – أبو ديس، والرام، وبدو)، مما يعني أن “إسرائيل” ليست حريصة فقط على استمرار التنسيق الأمني، وإنما على توسيعه ليشمل ضواحي القدس التي تشهد منذ فترة غلياناً تواجه صعوبة في ضبطه، وتسعى لرمي الملف بوجه السلطة الفلسطينية، التي لم يصدر عنها حتى الآن أيّ ممانعة لذلك.

ولا يستبعد هذا المسار احتمال تكرار تلويح السلطة بورقة التنسيق الأمني في حال عاودت “إسرائيل” تجميد المستحقات المالية للسلطة.

المسار الثاني: وقف التنسيق الأمني:

يستدعي تحقق هذا المسار وجود واحد أو أكثر من العوامل التالية:

1. استمرار تعثر المفاوضات ومواصلة الانتهاكات الإسرائيلية، مع إقدام نتنياهو على اتخاذ خطوات فعلية بهدف ضرب فرص قيام الدولة الفلسطينية وإضعاف سلطة الحكم الذاتي، من خلال إيجاد أزمة مالية، أو غيرها من الإجراءات.

2. المضي جدياً بتنفيذ المصالحة الفلسطينية وصولاً إلى إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وفق أسس متفق عليها فلسطينياً.

3. تراكم الضغط الشعبي ونجاحه في توليد هبّة أو انتفاضة جماهيرية، يصعب على السلطة أو “إسرائيل” احتواؤها، إلى الحد الذي قد يدفعهما إلى مواجهة قد لا تكون بالضرورة باختيار الطرفين. ومن ضمن الاحتمالات التي قد تؤدي لمثل هذا الأمر، هو وقوع أعمال مقاومة فردية نوعية تدفع “إسرائيل” للرد، أو إقدام المستوطنين على ارتكاب جرائم تستفز الشارع الفلسطيني.

المسار الثالث: خفض مستوى التنسيق الأمني:

وينطوي هذا المسار على اتخاذ السلطة الفلسطينية إجراءات تخفض من مستوى التنسيق الأمني تدريجياً، دون وقفه نهائياً، بهدف تجنب اتخاذ “إسرائيل” ردود فعل قوية تجاهها. ويزداد احتمال اتباع هذا المسار في حال استمرار انسداد أفق المفاوضات، وعدم إبداء “إسرائيل” مرونة تجاه السلطة ومحاولة التضييق عليها مالياً، إلى جانب تصاعد الضغط الشعبي إلى الحد الذي يضطر السلطة لاتخاذ إجراءات لاحتوائه، ربما من خلال السماح للمسيرات الجماهيرية بتنفيس غضبها مباشرة بوجه حواجز الاحتلال. وقد يؤدي مثل هذا المسار في حال تدحرجه وخروجه عن السيطرة إلى الوصول للمسار الثاني.

خامساً: التوقعات والمقترحات:

قد تسعى السلطة الفلسطينية تحت الضغط الشعبي والمقاوم إلى تبني المسار الثالث، باعتباره خياراً يحقق حداً من المصلحة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني، ويلبي جزءاً من المطالب الشعبية ومطالب المقاومة، دون تحميل السلطة ثمناً باهظاً قد لا تكون راغبة بتحمله في الوقت الراهن، ويقدم لها في الوقت ذاته ورقة ضغط في وجه الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة.

المقترحات:

1. تشجيع توجهات قيادة السلطة لوقف التنسيق الأمني والعمل على تعزيزها، باعتبارها تحقق مصلحة فلسطينية جامعة، وبوصفها مدخلاً مناسباً للشروع بتطبيق المصالحة.

2. رفض تسلم السلطة الفلسطينية أي مهام أمنية في ضواحي القدس، بوصفها طعماً يسعى الاحتلال من خلاله لرمي كرة اللهب في وجه السلطة بدلاً من تحمل تبعات سياسته التهويدية والاستيطانية في القدس.

3. تشجيع أعمال المقاومة، الفردية أو المنظمة، في الضفة الغربية، دون تبنيها بالضرورة من قبل فصيل أو طرف بعينه، بل الحرص على إبرازها كجزء من حالة شعبية متصاعدة.

4. العمل على إيجاد حالة من التعاطف والتلاحم بين عناصر الأمن وبقية أبناء الشعب الفلسطيني، وتجنب خطاب التخوين والاستعداء المتبادل.

5. استمرار العمل على تأمين شبكة دعم مالي للسلطة، خارج إطار السيطرة الإسرائيلية والأمريكية.

6. السعي لبناء اقتصاد بديل مقاوم، يتبنى المشاريع الإنتاجية الصغيرة أو المنزلية، ويكسر ثقافة الاستهلاك السائدة التي تربط الموظف بالراتب.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ حسن ابحيص بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 4/5/2015