مدة القراءة: 7 دقائق

الصفحات الأولى من “دراسة علميّة: حماس في الحكم: دراسة في الأيديولوجيا والسياسة 2006-2012 … د. إشتياق حسين، وأ. بلال الشوبكي” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (42 صفحة، 1.09 MB)

دراسة علميّة: حماس في الحكم: دراسة في الأيديولوجيا والسياسة 2006-2012 … د. إشتياق حسين، وأ. بلال الشوبكي [1]

مقدمة:

منذ أن بدأت الحركات الإسلامية في الظهور كقوى منافسة للحركات والأحزاب القائمة في كثير من البلدان، كانت التساؤلات المتعلقة بها مرتبطة بمدى إمكانية وصول مثل هذه الحركات إلى الحكم. هذه التساؤلات لم تعد مطروحة اليوم بحكم وصولهم للسلطة في العديد من الدول، وقد تحوّل التساؤل إلى مدى إمكانية انسجام هذه الحركات مع البنية الديموقراطية للأنظمة السياسية، فالخلفية الأيديولوجية لهذه الحركات تدفع إلى التشكيك في قدرتها على العمل في بيئة ديموقراطية، قد تخالف بعض مخرجاتها المبادئ التي تتبناها تلك الحركات.

حركة حماس، وهي حركة إسلامية فلسطينية وصلت إلى الحكم سنة 2006، تواجه التساؤل ذاته، حول مدى قدرتها على التوفيق بين مرجعيتها الإسلامية وبين قبولها بالعمل ضمن مؤسسات ديموقراطية، ولذلك فإن إشكالية الجمع بين المبادئ الأيديولوجية والعمل السياسي الديموقراطي تصبح محل تساؤل وبحث. الجمع بين المقاومة والحكم لدى حماس يعدُّ تحدياً للحركة، فتمايزها عن غيرها من الحركات كان في جمعها للأنشطة الاجتماعية والعمل العسكري، فكيف لها أن تضيف بعداً جديداً يتمثل في الحكم والعمل السياسي الرسمي؟ إذ إن الحركات الاجتماعية قادرة على التحول إلى أحزاب سياسية، أما الحركات العسكرية فإنها ستواجه عقبات عديدة إن أرادت العمل كحزب سياسي، ليس أقلها الشفافية التي يتطلبها العمل الحزبي، في ظلّ بيئة قانونية ديموقراطية، وهو ما لا يتناسب مع طبيعة العمل المقاوم وسريته.

كان الاهتمام بحركة حماس ومتابعة نشاطها كبيراً في الغرب، جورج بوش الابن كان قد وصف حركة حماس بأنها “واحدة من أعنف المنظمات الإرهابية في العالم” ؛ وهو ما تتبناه “إسرائيل” نفسه، وأوروبا الغربية، وكندا، وعدد من الدول في الغرب. لكن حماس غيرت قواعد اللعبة حين قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية سنة 2006. تلك الانتخابات كانت البوابة التي دخلت منها حركة حماس إلى الشراكة السياسية، وجعلت منها لاعباً لا يمكن تجاهله . علاقة حماس بالانتخابات سنة 2006 لم تكن مجرد مشاركة، وإنما فوزاً بـ 74 مقعداً من أصل 132 مقعداً في المجلس التشريعي الفلسطيني، بالإضافة إلى أربعة من المرشحين المستقلين المدعومين من الحركة، وهو ما يستدعي نقاش نتائج تلك الانتخابات في هذا الفصل.

وقد تبع ذلك تشكيل حماس للحكومة العاشرة منفردة، ثم تشكيلها للحكومة الحادية عشرة في إطار حكومة وحدة وطنية، إلى أن انتهى الأمر بحالة الانقسام التي تجلت بسيطرة حماس على قطاع غزة، وسيطرة فتح على إدارة مناطق السلطة في الضفة الغربية.

حركة حماس تتشكل في ظاهرها من ثلاثة أقسام رئيسية وهي المكتب السياسي للحركة والذي يظهرها كحزب سياسي، والواجهات والمؤسسات التي تعمل الحركة من خلالها كالمؤسسات الخيرية والتعليمية التي يمكن اعتبارها مؤسسات مجتمع مدني، والجناح العسكري المتمثل في كتائب عزّ الدين القسام. هذا الفصل من الكتاب سيركز فقط على حماس كحزب سياسي.

هناك اعتقاد وخصوصاً في الغرب، أن حركة حماس فيها الكثير من التناقضات، وربما يكون أفضل التوصيفات تعبيراً عما يعتقده الكثير من الباحثين الغربيين، هو ما أفاد به فرانسيس روبينسون Francis Robinson خلال مراجعته لدراسة جيرون جينينغ Jeroen Gunning “حماس في السياسة: الديموقراطية، الدين، العنف”، حيث قال روبينسون:

يتبيّن للمراقبين أن حركة حماس لديها العديد من التناقضات المتأصلة: لقد استخدمت العنف السياسي ضدّ كلاً من إسرائيل وخصمها السياسي الفلسطيني حركة فتح، لكنها شاركت في انتخابات 2006 على خلفية القانون والرفاه الاجتماعي والنظام؛ تسعى إلى إقامة دولة إسلامية لكنها تبنت الانتخابات ونافست ديموقراطياً؛ تدعم الشريعة بالرغم من أن قياداتها ذات تخصصات علمانية secular professionals مهنية بشكل أساسي؛ تدعو إلى تدمير إسرائيل لكنها أبدت استعدادها لاحترام اتفاقيات السلام السابقة .

غير أن روبينسون وقع على ما يبدو ضحية التعميم والتبسيط في توصيفاته. إذ إن استخدام حركات المقاومة للأساليب العسكرية أو السياسية في مواجهة الاحتلال… هي ظاهرة عامة استخدمتها حركات المقاومة في مواجهة كافة أشكال الاحتلال والاستعمار في العالم. وهو ما فعلته حركة فتح نفسها، كما لجأت إليها حركات مقاومة الاحتلال النازي في أوروبا، ولجأ إليها الجيش الجمهوري الإيرلندي… وغيرها. كما أن السعي لإقامة دولة إسلامية لا يتنافى في رؤية معظم تيارات الإسلام السياسي مع التنافس الانتخابي الديموقراطي. وفي الإسلام لا تقتصر الدعوة لتطبيق الشريعة على المشايخ والعلماء، ولكن يمكن أن تشارك فيها قطاعات واسعة من المجتمع ومن كافة تخصصاته العلمية التي تؤمن بأن الإسلام دين شامل، كما تؤمن بصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان؛ وهؤلاء لا يمكن وصفهم بأنهم “علمانيون” لمجرد أنهم لا يحملون تخصصاً شرعياً أو ليسوا “رجال دين” بالمفهوم الغربي للمصطلح. أما تعبير حماس عن احترامها للاتفاقات السابقة وموافقتها لإنشاء دولة فلسطينية على الأرض المحتلة سنة 1967، فهو بالنسبة لحماس ولكثيرين غيرها أمرٌ متوافق مع العمل المرحلي، ما دامت حماس مُصِرّةً على عدم الاعتراف بـ”إسرائيل”… وهو ما التزمت به بالرغم من كافة الضغوط، ومن شدة الحصار عليها.

حين وصلت حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى الحكم في سنة 2006، لم تواجه فقط تحدي الجمع بين أيديولوجياتها الإسلامية مع النظام السياسي الديموقراطي، وإنما تحدي العلاقة مع القوى السياسية الفلسطينية واللاعبين الدوليين، مضافاً لها تحدي الحفاظ على نفسها كحركة مقاومة وحزب سياسي حاكم. تأسيساً على ما سبق، فإن هذا الفصل يهدف إلى:

1. نقاش إشكالية النظام السياسي الفلسطيني لمعرفة البيئة التي تعمل فيها حركة حماس منذ سنة 2006.
2. تحليل التحديات التي واجهت حماس، مثل التوفيق بين الأيديولوجيا الإسلامية والديموقراطية، والجمع بين المقاومة والحكم.
3. تقييم الأداء السياسي لحركة حماس في الحكم.

بناءً على الأهداف المشار إليها أعلاه، فإن هذا الفصل سيحوي الأقسام التالية: الأول سيناقش الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006، لكونها حجر أساس في السياسة الفلسطينية؛ أما الثاني فسيقدم تحليلاً للإشكاليات الرئيسية في النظام السياسي الفلسطيني مع إيضاح لآلية عمل حماس في ظلّ هذه الإشكاليات؛ أما القسم الثالث من هذا الفصل فسيخصص لنقاش التحديات التي تواجهها حركة حماس كالجمع بين الثنائيات المتناقضة (من وجهة نظر البعض وخصوصاً الغرب)؛ وأخيراً في القسم الرابع سيتم تقييم أداء حماس السياسي.

أولاً: انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني لسنة 2006:

جرت أول انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني سنة 1996، فيما لم تجرِ الانتخابات مرة ثانية إلا سنة 2006. محجوب زويري أشار إلى أن أهمية هذه الانتخابات سابقة لإعلان النتائج وذلك للأسباب التالية:

1. لأنها أول انتخابات بعد وفاة ياسر عرفات.
2. أنها أجريت بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
3. أن حماس قررت المشاركة فيها بعدما قاطعتها سنة 1996 .

بدءاً بالانتخابات الرئاسية في 9/1/2005 لملء مكان الراحل ياسر عرفات 2004، مروراً بانتخابات المجالس المحلية والبلدية، ووصولاً إلى فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في 25/1/2006، أكد المراقبون الدوليون على شفافية الانتخابات ونزاهتها ومستوى الحريات المتقدم والسلوك الانتخابي الناجح، بما أعطى مؤشرات على أن الشرق الأوسط أمام حقبة جديدة من الحياة السياسية .

حين أعلنت حماس عن نيتها المشاركة في الانتخابات التشريعية على لسان عضو المكتب السياسي فيها محمد غزال في نابلس، لم تثر تخوفات المنافسين للحركة وتحديداً حركة فتح؛ فقد أظهرت نتائج استطلاع الرأي في تلك الفترة أن حركة فتح ما زالت تتفوق على حماس من حيث نسبة أنصارها في الشارع، وهو ما فسر موافقة العديد من الجهات على مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية. النظام المصري، في ذلك الوقت وعلى لسان الرئيس السابق حسني مبارك، عبر عن رأيه الذي ربما كان هو رأي المعارضين لحماس والإسلاميين عموماً، حين أكد لإحدى الصحف الإسرائيلية أن مشاركة حماس يجب أن يوافق عليها إسرائيلياً، فهم بعد الانتخابات سيتحولون إلى جهة لن يتعدى دورها تمثيل المعارضة غير الفعالة في الانتخابات.

وجهة نظر حسني مبارك عبرت عنها كوندوليزا رايس بمنطق أكثر إقناعاً، حين قالت إن قيادة حماس حين تجلس في البرلمان لن تنشغل كثيراً بترديد الشعارات ضدّ “إسرائيل”، بقدر انشغالها بتأمين حقائب مدرسية للأطفال. تصريح رايس كان يعبر عن فهمها التام لحقيقة السلطة الفلسطينية ووضعها المالي، وقدرة المانحين في الضغط عليها، لكن تصريح رايس أيضاً لم يكن يحمل أيّ مؤشرات على توقع الإدارة الأمريكية فوزَ حركة حماس، فقد نظرت إلى أن الانتخابات ستحتوي حركة حماس في مؤسسات السلطة، وستحجم من قدرتها العسكرية .

في الجهة الفلسطينية، لم تكن حركة فتح قد تهيأت لفكرة إزاحتها عن موقع القيادة في السلطة الفلسطينية. وبالرغم من أن حركة حماس فازت في الانتخابات المحلية التي سبقت التشريعية، إلا أن المراقبين عزوا ذلك حينها إلى أن الانتخابات المحلية تعتمد في الأساس على الجماعات العشائرية والدينية والعمل الخيري، وهو ما تميّزت به حركة حماس. أما الانتخابات التشريعية فإنها تعتمد على الوضع السياسي والبرامج الحكومية، وقد كان هناك اعتقاد أن حركة حماس لن تنجح في دائرة أوسع من دائرة المساجد والمؤسسات الخيرية.

قيادة حركة حماس أيضاً لم تكن تعطي مؤشرات على أنها تسعى للفوز بقدر سعيها للمشاركة. إذ إن معظم قيادييها لم يكن يتوقع الفوز أصلاً، فقد كانت تركز على تكوين معارضة قوية لحماية برنامج المقاومة ومحاربة الفساد والقيام بمراقبة قوية لأداء السلطة التنفيذية.

حين فازت حركة حماس في الانتخابات التي أجريت في 25/1/2006، بدأت عمليات التحليل لأسباب فوزها، وقد بالغ الكثير من المراقبين في جعل العامل الديني السبب الأساسي في فوز حركة حماس، التي استخدمت خطاباً دينياً لحشد المؤيدين؛ إلا أن هذا التحليل غير دقيق، بحكم أن هناك حركاتٍ إسلامية استخدمت الخطاب الديني نفسه، لكن من أجل مقاطعة الانتخابات، وهي حركة الجهاد الإسلامي وحزب التحرير الإسلامي. كما أن هناك من بالغ في اعتبار فوز حركة حماس مجرد ردّ فعل على الفساد الذي انتشر في مؤسسات السلطة تحت قيادة حركة فتح، فلو كان السبب متعلقاً بهذه النقطة وحدها لتوزعت أصوات الغاضبين من الفساد على الحركات الأخرى، مثل المبادرة الوطنية، والطريق الثالث، والحركات اليسارية الأخرى.

بالرغم من أهمية الأسباب سابقة الذكر، بالإضافة إلى تميز حماس في العمل الاجتماعي الخيري وتشكيلها شبكة مؤسسات في كافة المناطق، إلا أن السبب الرئيسي في فوز حركة حماس وفق ما ترى هذه الدراسة، أن خطاب حماس ودعايتها الانتخابية ركزت على أولويات المواطن في تلك الفترة. فبالرجوع إلى استطلاعات الرأي آنذاك حول أولويات المواطن الفلسطيني، يمكن الاستنتاج أن برنامج حركة حماس الانتخابي كان إعادة صياغة لما ورد في تلك الاستطلاعات على شكل سياسة حكومية ستعمل حماس على تنفيذها حال فوزها في الانتخابات . فبالنظر إلى استطلاع برنامج دراسات التنمية في بيرزيت سنة 2004 ، يمكن القول أن أولويات المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تركزت على الاستقرار الأمني وتحسين الوضع الاقتصادي وسيادة القانون.

استطلاعات رأي أخرى أجرتها بعض مراكز الأبحاث الفلسطينية دعمت النتائج نفسها، وأشارت بوضوح إلى حالة نفور من وضعية الفساد المنتشرة في الضفة والقطاع، ومن أهم النتائج التي يمكن الإشارة إليها في هذا الفصل وفقاً لبعض الدراسات المسحية، هي الآتي:

• القدرة على محاربة الفساد في المرتبة الأولى من بين ثمانية اعتبارات في اختيار القوائم المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة 30% .

• صرح 21% من المستطلعة آراؤهم بأن محاربة الفساد في المؤسسات العامة من أهم أولوياتهم على الصعيد الداخلي .

• الأمر الرئيسي الذي يأمل أفراد العينة أن يقوم به أعضاء المجلس التشريعي هو محاربة الفساد 53%. فيما تبين أن أهم المواصفات التي رآها المستطلعة آراؤهم مؤهلة للشخص الذي ينوون انتخابه في الانتخابات التشريعية القادمة هي كونه غير فاسد 92% .

• عند التصويت للأحزاب والحركات في الانتخابات التشريعية، الاعتبار الأول هو القدرة على محاربة الفساد 24% .

• العامل الأكثر أهمية في التصويت للمرشحين الأفراد هو النزاهة والبعد عن الفساد .


[1]   إشتياق حسين: أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا. عمل قبلها محاضراً في قسم العلوم السياسية في الجامعة الوطنية في سنغافورة. عمل أيضاً كأستاذ زائر في جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية وجامعة ويكاتو في نيوزيلاندا.
بلال الشوبكي: يعمل محاضراً في قسم العلوم السياسية في الجامعة العالمية الإسلامية في ماليزيا. عمل رئيساً للتحرير في صحيفة الواحة الماليزية في العام 2012/2013، كما عمل أيضاً مديراً لقسم الدراسات في المركز الفلسطيني للديمقراطية والدراسات والأبحاث في الفترة 2006–2009، ومحاضراً في قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح في فلسطين في الفترة 2007–2009.

 

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (42 صفحة، 1.09 MB)