مدة القراءة: 6 دقائق

الصفحات الأولى من “ورقة عمل: الضفة الغربية وقطاع غزة أراضٍ محتلة، بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، ولا يغير أي قرار من هذه الطبيعة … د. محمود الحنفي” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من ورقة العمل … للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (17 صفحة، 664 KB)

ورقة عمل: الضفة الغربية وقطاع غزة أراضٍ محتلة، بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، ولا يغير أي قرار من هذه الطبيعة  [1] … د. محمود الحنفي [2] 


أولاً: تعريف الاحتلال الحربي:

الحرب هي ظاهرة اجتماعية مرضية، وعنصر من عناصر التغيير السياسي، من النواحي التاريخية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، …إلخ. ويمكن أيضاً تعريف الموضوع من الوجهة القانونية؛ إذ تقوم الحرب على قتال مسلح بين الدول، بهدف تغليب وجهة نظر سياسية، وفقاً لوسائل نظّمها القانون الدولي . [3]

وفي رأي آخر، تعرّف الحرب بأنها نضال مسلح بين فريقين متنازعين، يستعمل فيها كل فريق جميع ما لديه من وسائل الدمار للدفاع عن مصالحه وحقوقه، أو لفرض إرادته على الغير. والحرب في القانون الدولي لا تكون إلا بين الدول. أما النضال المسلح بين الجماعات في داخل دولة معينة، أو النضال المسلح الذي يقوم به إقليم ثائر ضدّ حكومة الدولة التابع لها، أو النضال المسلح الذي يعلنه فريق من المواطنين بقصد قلب نظام الحكم، فلا يعد حرباً دولية . [4]

ويعرّف آخرون الحرب أيضاً بأنها تحكيم القوة بدل القانون. وعلى هذا يمكن أن يطرح السؤال الآتي: هل يمكن أن تخضع الحرب للقانون؟ إن ذلك يبدو متناقضاً لأول وهلة، ولكن الحرب كظاهرة اجتماعية يجب بقدر المستطاع تنظيمها للتخفيف من ويلاتها. وبما أن الغرض من الحرب هو حصول أحد الطرفين على مطالبه، بغض النظر عن أحقيّة ذلك، فيجب أن تحترم الدولة ضوابط الحرب. لهذا، إن وجود قانون ينظّم كل ذلك يُعَدّ ضرورة إنسانية لخير البشرية. والقانون يجب أن يستند إلى فكرتين أساسيتين: فكرة الضرورة، أي استعمال وسائل العنف والقسوة بالقدر اللازم لتحقيق الغرض من الحرب، أي إرهاق العدو وإضعاف مقاومته وحمله على التسليم في أقرب وقت ممكن. وفكرة الإنسانية التي تحتّم حماية غير المحاربين من أهوال الحرب . [5]

غير المحاربين من أهوال الحرب
ومع ذلك، لا يزال تعريف الحرب في القانون الدولي مائعاً ويحوطه الغموض. فالحرب في القانون التقليدي صراع مسلح بين دولتين أو أكثر ينظمه القانون الدولي، ويكون الغرض منه الدفاع عن المصالح الوطنية للدول المتحاربة. ويتبين من هذه التعريفات ما يأتي:

• إن الحرب علاقة دولية لا تقوم إلا فيما بين الدول ذات السيادة، وهذا ما يميزها عن الاضطرابات الداخلية وعن ثورات الأقاليم والمعسكرات [6]، وعن القتال الذي تقوم به جماعة من الأفراد ضدّ الدولة.

• إن القانون الدولي يُخضع الحرب لتنظيم، الغرض منه التخفيف من حدتها وجعلها أكثر إنسانية بتحريم الأعمال التي تُعَدّ غير ضرورية لتحقيق الغرض من الحرب، وبحماية غير المحاربين من ويلات القتال.

• إن الغرض من الحرب أن تحقق الدولة المحاربة مصالحها الوطنية، وهذا ما يميز الحرب التقليدية عن الإجراءات الحربية التأديبية التي تقوم بها الدول تحت إشراف المنظمات الدولية التي يطلق عليها اسم إجراءات القمع.

ولا شكّ في أن أي فعل له نتائج معلومة وغير معلومة. وللحرب بالتأكيد نتائج عديدة، منها تمكّن قوات الدولة الغازية من دخول إقليم دولة أخرى والسيطرة عليه، أو على بعضه، لكن بصفة فعلية.

وبناءً عليه، عرّفت المادة 42 من اللائحة الملحقة باتفاقيات لاهاي الخاصة بقوانين الحرب البرية وأعرافها لسنة 1907م، الاحتلال الحربي بأنه “الإقليم الذي يصبح واقعياً خاضعاً لسلطة الجيش المعتدي، ولا يمتد الاحتلال إلى الأقاليم التي تقوم فيها هذه السلطة على دعم نفوذها [7]” .

وعلى الصعيد الفقهي، يعرفه شارلز شيني هايد [8]  بأنه “مرحلة من مراحل العمليات العدائية الحربية التي توجدها قوات غازية في جزء من أراضي العدو، عندما تتمكن من التغلب على المقاومة غير المؤقتة للعدو، وتنشأ بمقتضاها سلطات عسكرية للدولة الغازية على الأراضي المحتلة” . [9]

ويعرّفه فقيه مصري “بأنه مرحلة من مراحل الحرب تلي مرحلة الغزو مباشرة، وتتمكن فيها قوات الدولة المحاربة من دخول إقليم العدو ووضعها هذا الإقليم تحت سيطرتها الفعلية بعد أن ترجح كفتها بشكل لا منازعة فيه، وبتوقف القتال المسلح يسود الهدوء تماماً الأراضي التي جرى عليها القتال [10]” .

وتعرّفه موسوعة السياسة بأنه وضع ناجم عن احتلال جيش دولة ما لأراضي دولة أخرى، مع ما يستتبع ذلك من قيام ظروف خاصة تزول فيها سلطة الحكومة الشرعية للبلاد أو للمنطقة المحتلة، فتصبح القوة الغازية هي الميهمنة على إدارة المنطقة، وبالتالي تقوم بدور السلطتين التشريعية والتنفيذية، لضمان مصالحها الخاصة . [11]

والملاحظ على مجمل التعريفات السابقة نظرتها المحدودة إلى الاحتلال الحربي، فهي تناولته من منظور أنه حالة واقعية أفرزتها الحرب، من دون التعرض لمدى مشروعية هذا الوضع. فهو، وإن كان حالة واقعية، فإنه في حقيقة الأمر حالة غير مشروعة، ومن ثم كان من الأحرى أن تتضمن هذه التعريفات إضفاء عدم المشروعية على الاحتلال الحربي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ليس بالضرورة أن يتوقف القتال ويسود الهدوء تماماً الأراضي التي جرى عليها القتال، وهي الأراضي المحتلة، فذلك يخالف الواقع؛ لأن الدولة المحتلة أراضيها لا تتوقف عن القتال، سواء كان ذلك من طريق قواتها المسلحة، أم بواسطة المقاومة الشعبية المسلحة، أم من طريق الهبّة الجماهيرية. فحالة الاحتلال الحربي ليست حالة هادئة، بل هي امتداد لنزاع عسكري، وإن أخذ أشكالاً أخرى. ولعلّ هذا الفقه قد تأثر بالنظرية التقليدية لقانون الحرب التي كانت تنظر إليه بوصفه واقعة قانونية، على الرغم من حداثة هذا الفقه . [12]

واستناداً إلى ما سبق من تعريفات، يمكن تعريف الاحتلال الحربي “بأنه حالة واقعية قهرية مؤقتة غير مشروعة تعقب نزاعاً مسلحاً تفرضه إحدى الدول على إقليم الدولة الأخرى، طرف النزاع العسكري، أو على جزء من إقليمها بواسطة قواتها المسلحة بعد توقف العمليات العسكرية المباشرة لأي سبب من الأسباب، وبحيث تكون سلطة إدارة هذا الإقليم لقوات دولة الاحتلال، مما يفرض عليها التزامات قانونية معينة تجاه السكان المدنيين المقيمين على هذا الإقليم وأعيانهم المدنية” .  [13]

إن سلوك العديد من الدول الكبرى يميل إلى اعتبار أن الحرب وما ينجم عنها يأتي في إطار الدفاع عن المصالح القومية لتلك الدول، وكأن الأمر شأن داخلي تماماً، وهي تعفي نفسها —بحكم ما تملك من إمكانات عسكرية ومالية— من أيّ التزامات قانونية بموجب القانون الدولي الإنساني. ولقد ساد في الفترة الأخيرة قانون القوة الأعمى، لا قوة القانون العادلة.

وإذا كان التعامل الحالي يميل إلى اعتبار الاحتلال الحربي حالة واقعية أقل منها حالة قانونية، فإن هذه الحالة الواقعية تثير اهتمام القانون، لأنه يمكن أن تكون لها نتائج قانونية أيضاً.

 ومن أجل توضيح هذه النتائج وتوصفيها بشكل قانوني، تضمن نظام لاهاي الملحق بالاتفاقية الرابعة لسنة 1907 مجموعة قواعد، حيث خُصِّص الفرع الثالث منها (المواد 42 حتى 56) “للسلطة العسكرية على أراضي الدولة العدوة”. ويمكن إرجاع هذه النتائج إلى قاعدتين:

1. ليس من شأن الاحتلال نقل السيادة إلى الدولة الفاتحة.
2. ولكنه يؤدي إلى انتقال بعض الاختصاصات، بصورة مؤقتة ومحدودة، من الدولة المحتلة إلى الدولة الفاتحة .[14]

إذن، فللاحتلال الحربي نظام وقواعد في القانون الدولي العام، أساسها أنه لا ينتج منه نقل حقوق السيادة على الإقليم من الدولة صاحبة الإقليم إلى الدولة المحتلة؛ فسيادة الدولة الأولى تبقى وإن كانت تتعطل طوال مدة الاحتلال الحربي وتباشرها بدلاً منها الدولة المحتلة. ولا يجوز للدولة المحتلة أن تحوّل هذا الوضع الفعلي الناتج من الاحتلال إلى وضع قانون ضم الإقليم إليها، فهذا الضم لا يجوز وفق القانون الدولي . [15]

الهوامش:

[1]  قدم الدكتور محمود الحنفي هذه الورقة في مؤتمر “انضمام دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية ونتائجه المحتملة”، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بالتعاون مع المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) في بيروت في 23/10/2014.
[2]  الدكتور محمود الحنفي، المدير العام للمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد).
[3]  شارل روسّو، القانون الدولي العام، ترجمة شكر الله خليفة وعبد المحسن سعد (بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع، 1987)، ص 335.
[4]  محمد المجذوب، القانون الدولي العام، ط 5 (بيروت: منشورات الحلبي الحقوقية، 2004)، ص 723.
[5]  المرجع نفسه، ص 726.
[6]  تنص اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949، على أنّ من اللازم على الدول أن تعامل الثوار المسلحين الموجودين في إقليمها معاملة إنسانية، فلا يجوز لها أن تقتل أو تعذب أو تأخذ رهائن أو تعامل بقسوة من لم يشترك في القتال فعلاً من الثوار أو من ترك سلاحه منهم نتيجة لتسليمه أو أسره أو مرضه أو جرحه. لكن هذا القيد الإنساني لا يترتب عليه تمتع الثوار بصفة المحاربين وحقوقهم، فيجوز للدولة أن تحاكمهم بتهمة الخيانة مثلاً. وقد لحظ البروتوكول الأول لسنة 1977 كل هذه التطورات اللاحقة على اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949.
[7]  اللائحة المتعلقة بقوانين الحرب البرية وأعرافها، لاهاي، 18/10/1907م، انظر: شريف عتلم ومحمد ماهر عبد الواحد، موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الإنساني: النصوص الرسمية للاتفاقيات والدول المصدقة والموقعة (القاهرة: بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، 2002).
[8]  هو فقيه أميركي له العديد من الإصدارات القانونية، توفي سنة 1952 في نيويورك، وعمل لمدة 20 عاماً أستاذاً للقانون الدولي في جامعة كولومبيا، وهو أول من قال باستخدام القوة لحفظ الأمن الدولي.
[9]  محيي الدين علي عشماوي، حقوق المدنيين تحت الاحتلال الحربي مع دراسة خاصة بانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة (القاهرة: منشورات عالم الكتب، 1972)، ص 100.
[10]  المرجع نفسه.
[11]  ماجد نعمة (محرر)، موسوعة السياسة، الجزء الأول، ط 3 (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990)، ص 83.
[12]  إسماعيل عبد الرحمن محمد، الحماية الجنائية للمدنيين في زمن النزاعات المسلحة (القاهرة: دار الكتب، 2000)، ص 521.
[13]  المرجع نفسه، ص 522.
[14]  شارل روسّو، مرجع سابق، ص 354.
[15]  محمد حافظ غانم، مبادئ القانون الدولي العام (القاهرة: مطبعة نهضة مصر، 1966)، ص 736.
بحجة الحرص على سيادتها واستقلال قرارتها.

 

النص المعروض هو للصفحات الأولى من ورقة العمل … للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (17 صفحة، 664 KB)