مدة القراءة: 6 دقائق

الصفحات الأولى من “دراسة علميّة: موقف حماس من منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها (خصوصاً فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية) …  أ.د. أحمد سعيد نوفل ود. محسن محمد صالح” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (48 صفحة، 1.02 KB)

دراسة علميّة: موقف حماس من منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها (خصوصاً فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية)[1] …  أ.د. أحمد سعيد نوفل ود. محسن محمد صالح [2]

مقدمة:

عندما انطلقت حركة حماس في سنة 1987، دخل النضال الفلسطيني مرحلة جديدة من مراحله ضدّ الاحتلال الصهيوني لفلسطين. وعُدَّت تلك الانطلاقة، دفعة كبيرة للحركة الوطنية الفلسطينية. وبات من الطبيعي أن تدخل حماس إلى منظمة التحرير، بصفتها من أكبر الفصائل الفلسطينية، ومن أكثرها شعبية وتأثيراً؛ إذا ما أريد للمنظمة أن تمثل فعلاً الشعب الفلسطيني، خصوصاً وأن بعض الفصائل الموجودة في المنظمة، لم تعد تملك وزناً حقيقياً وسط الفلسطينيين، لا في الداخل ولا في الشتات. كما أن بعض أعضاء اللجنة التنفيذية، لا يمثلون سوى أنفسهم، ولا يكاد يكون لهم دور نضالي.

كان الهدف من وجود منظمة التحرير، هو تنظيم صفوف الشعب الفلسطيني في منظمة واحدة لكي يشارك في تحرير فلسطين المحتلة منذ سنة 1948، وكانت تلك المحطة الأولى للمنظمة. وكان دخول المنظمات الفلسطينية الفدائية فيها، بعد أقل من ثلاث سنوات على تأسيس المنظمة هو المحطة الثانية. فإذا ما دخلت حركة حماس (وإلى جانبها الجهاد الإسلامي) إلى المنظمة، فإن ذلك سيكون المحطة الثالثة؛ وبهذا تُمثِّل المنظمة فعلاً الشعب الفلسطيني بجميع فئاته.

لقد كان الهدف من ولادة منظمة التحرير سنة 1964 هو العمل على تحرير فلسطين التي احتلت سنة 1948. وكان دخول التنظيمات الفلسطينية المسلحة وعلى رأسها حركة فتح والجبهة الشعبية لمؤسسات منظمة التحرير، هو لدعم نهج الكفاح المسلح لتحرير فلسطين المحتلة. وإن استعداد حماس للدخول في منظمة التحرير، يأتي في سياق دعم المشروع الوطني الفلسطيني القاضي بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، بعد تراجع هذا المشروع، منذ توقيع منظمة التحرير على اتفاقية أوسلو سنة 1993؛ مما انعكس سلباً على المنظمة، وفقدت القدرة على تمثيلها للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، في الوقت الذي ما زالت تطرح فيه حماس شعار تحرير فلسطين، وهو الشعار الذي كانت المنظمة قد رفعته عند قيامها، وكان هدفها الرئيسي عند ولادتها. ولهذا فإن احتمال دخول حماس لمؤسسات المنظمة، يُعدُّ الولادة الثالثة لمنظمة التحرير، حسبما صرح به خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، في 22/12/2011. وهذا يؤكد أن حماس ليست ضدّ منظمة التحرير، ولكن ضدّ برنامجها السياسي، وأنه في حال انضمامها للمنظمة، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني، ضمن أسس جديدة.

 ولا بدّ في البداية من التنويه، إلى أنه من الصعب الحديث عن موقف حماس من منظمة التحرير من دون حدوث تداخل بين هذا الموقف وموقفها من حركة فتح والسلطة الفلسطينية والتنظيمات الأخرى، كالجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية، على أساس أن المسؤولين في المؤسسات الثلاث (المنظمة، والسلطة الفلسطينية، وفتح) يمثلون الخط السياسي نفسه، والاتجاهات نفسها، كما أن الجبهتين الشعبية والديموقراطية عضوان في منظمة التحرير. ولهذا قد تتداخل الأحداث عند تحليل موقف حماس من منظمة التحرير مع موقفها من السلطة الفلسطينية وفتح؛ وهو ما ستحاول الدراسة القيام به.

أولاً: موقف حماس من منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة الفلسطينية:

عندما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية، كان رئيس المنظمة أحمد الشقيري يطمح بأن تتمثل فيها جميع التيارات والتنظيمات السياسية المختلفة، ولم يتحقق له ذلك، وبقيت المنظمات الفدائية، كحركة فتح وشباب الثأر (الشعبية فيما بعد)، خارج المنظمة، إلى أن دخلت جميع المنظمات الفلسطينية سنة 1968 للمنظمة وسيطرت عليها، بعد استقالة الشقيري. ولكن وجود تلك التنظيمات داخل المنظمة، لم يؤدِ إلى اتفاق جميع تلك الفصائل على برنامج وطني واحد. وحافظ كل فصيل فلسطيني على كيانه وبرنامجه المستقل عن برنامج منظمة التحرير، مع سيطرة فتح على المنظمة وعلى برنامجها الوطني. ولم تستطع تلك الفصائل تغيير سياسة المنظمة ومواقفها السياسية، حيث كانت مواقف المنظمة تعبر عن مواقف فتح من القضايا المختلفة، أكثر من تعبيرها عن مواقف بقية التنظيمات.

 وتشبه الخلافات بين قيادة المنظمة وحركة فتح في الستينيات بالخلافات القائمة حالياً بين حماس من جهة والمنظمة وفتح من جهة أخرى. ولا يعود ذلك إلى التناقض في المواقف السياسية من عملية السلام والاعتراف بـ”إسرائيل” والاتفاقيات المعقودة معها، التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية فقط؛ بل إلى فشل منظمة التحرير في تحقيق وعودها للشعب الفلسطيني، وابتعادها عن ثوابت القضية الفلسطينية. ومن المعروف أن فتح سيطرت على المنظمة في الستينيات، بسبب رفعها لشعار الكفاح المسلح ضدّ “إسرائيل”، ودعوتها لإزالة “إسرائيل” عن طريق حرب التحرير الشعبية. ووقف الشعب الفلسطيني معها ومع المنظمات الفلسطينية الأخرى التي رفعت شعار المقاومة المسلحة، وتخلى عن دعمه لقيادة المنظمة. بل إن البعض حمّل الشقيري نتيجة الهزيمة التي لحقت بالدول العربية، والتي كان بريئاً منها. وهو نفسه الذي وقفت الجماهير الفلسطينية خلفه عندما أنشأ منظمة التحرير سنة 1964، وأيدته خلال زياراته للمخيمات الفلسطينية وأماكن تجمعات الشعب الفلسطيني في الشتات. وتحول الدعم الذي كان يحظى به، إلى المنظمات الفلسطينية، وعلى رأسها حركة فتح، التي وظفت ذلك التأييد بمهارة فائقة لكي تسيطر على قيادة منظمة التحرير، بما يشبه الانقلاب الأبيض. ولم تصل فتح لقيادة المنظمة نتيجة الانتخابات، بل لأنها رفعت شعار المقاومة الذي أيدته الجماهير الفلسطينية والعربية؛ علماً أنه لو حدثت انتخابات في ذلك الوقت، لكان من الممكن أن تحقق فتح انتصاراً، كالذي حظيت به حماس في الانتخابات التشريعية سنة 2006.

كانت فتح من أشد المنتقدين لقيادة المنظمة قبل سيطرتها عليها، إذ شنت حرباً إعلامية ضدها؛ وقد جاء في برنامج وضعته فتح تحت عنوان “الحركة والكيان المقترح” بأن قضية فلسطين لا تحل إلا بالسلاح وإنهاء الوصاية العربية على فلسطين. كما اتهمت المنظمة بأنها “تحمل شعارات جوفاء، فهي ليست ثورية، وتأخذ من الشعب ولا تعطيه”. ووزعت مذكرة في 9/12/1967 على مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة، انتقدت فيه سياسة الشقيري، وأكدت على “عدم ثقتها بشخصه وممارساته”. وهذا الأمر تكرر بشكل مشابه في السنوات الأخيرة في انتقاد حماس لقيادة المنظمة ومواقفها السياسية.

 ونتيجة لذلك، دخلت فتح في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني سنة 1968 وحصلت على 38 عضواً من أصل 100، هم أعضاء المجلس الوطني في ذلك الوقت، وهيمنت على المنظمة بأغلبية تفوق 55% من خلال دعم عدد من المستقلين المؤيدين لها، وهي النسبة نفسها تقريباً، التي حصلت عليها حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة سنة 2006.

اتسمت العلاقة بين حماس وفتح بالتنافس وعدم الثقة والاقتتال أحياناً. ومنذ نشأة حماس، بدأ التنافس بينها وبين حركة فتح، علماً أن كلاهما كانا يعملان في أجواء الانتفاضة ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي. وقد أسهم وجود برنامجين مختلفين لكلا الحركتين في زيادة الخلافات بينهما، لكون برنامج فتح ومنظمة التحرير يستند أساساً إلى خطة التسوية عبر المفاوضات والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود سنة 1967، وتمثل ذلك من خلال اتفاق أوسلو سنة 1993، وأما برنامج حماس فيستند إلى خطّ المقاومة، وعدم جدوى المفاوضات، ورفض اتفاق أوسلو وتبعاته .[3]

إن جوهر الخلاف بين حماس وفتح قائم على أساس وجود تناقض بين مشروعين، وله علاقة بالمرجعية الأيديولوجية لكلا الحركتين، واستناد كلّ منها إلى منطلقات أيديولوجية وفكرية مختلفة. فحماس تنطلق من مرجعية إسلامية؛ وبأن فلسطين من البحر إلى النهر هي أرض وقف إسلامي، بينما تبنّت فتح حلول التسوية الداعية إلى خيار الدولتين في فلسطين التاريخية، والعيش جنباً إلى جنب مع “إسرائيل” في سلام شامل .
[4] وحماس تصرُّ على استمرار المقاومة والجهاد، بينما أعلنت قيادة فتح نبذ العنف والعمل المسلح ضدّ “إسرائيل”.

ومن بين الأسباب الأخرى التي أثرت على العلاقات بينهما، تفرد حركة فتح بالسلطة، ودخول حماس للانتخابات وتنافسها مع فتح على هذه السلطة، وخوف فتح من اتساع شعبية حماس أو أن تحلَّ مكانها. وقد دعم موقف حماس عدم نجاح مفاوضات قيادة فتح (المنظمة) مع “إسرائيل”. ثم إنه على الرغم من فرض الاحتلال الإسرائيلي الحصار على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، إلا أنها تمكنت من الصمود، وحققت إنجازات كبيرة بصدها للعدوان الإسرائيلي على القطاع .[5]

الهوامش:

[1] هذه الدراسة هي دراسة علمية، تمّ نشرها في كتاب “حركة المقاومة الإسلامية: دراسات في الفكر والتجربة” (ص 125–176)، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح، والذي صدر نصه العربي عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت سنة 2014.

[2] أ. د. أحمد سعيد نوفل: أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، نال شهادة الدكتوراه في السياسة الدولية من جامعة السوربون – باريس (1) الفرنسية. عضو مؤسس في الجمعية العربية للعلوم السياسية، وعضو في العديد من الجمعيات العربية والدولية المتخصصة. عمل أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة الكويت، وأستاذاً زائراً في جامعة بيرزيت الفلسطينية، وجامعة السوربون وفرساي الفرنسيتين، وجامعة تورنتو الكندية. كما عمل مستشاراً في مكتب جامعة الدول العربية في باريس، وعمل في مؤسسة التعاون في جنيف. له عشرات الكتب والأبحاث العلمية في مجال تخصصه.
    د. محسن محمد صالح: حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر سنة 1993. رئيس قسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا سابقاً، والمدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان سابقاً. وهو يشغل منصب المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات منذ سنة 2004. صدر له 13 كتاباً كما قام بتحرير نحو 60 كتاباً آخر، بالإضافة إلى كتابته للدراسات المحكّمة والمقالات، ومشاركاته في المؤتمرات.

[3] عواد جميل عبد القادر عواده، إشكالية العلاقة بين حركة فتح وحركة حماس وأثرها على عملية التحول الديمقراطي في فلسطين، 2004-2010، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح، فلسطين، 2011، ص 117-130.

[4] محسن محمد صالح، تجربة الحوار بين فتح وحماس أين المشكلة؟، موقع الجزيرة.نت، 4/9/2008، اضغط هنا

[5] محسن محمد صالح، الشرعية الفلسطينية المستباحة، الجزيرة.نت، 18/10/2008، اضغط هنا


النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (48 صفحة، 1.02 KB)