مدة القراءة: 19 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، ضمن سلسلة أنشطته العلمية، حلقة نقاش بعنوان “العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانعكاساته المستقبلية”، وذلك بمشاركة نحو 20 مشاركاً من الخبراء والمتخصصين والسياسيين والمهتمين بالشأن الفلسطيني.

وانقسمت الحلقة على جلستين، تناولت الجلسة الأولى تحليل المشهد الفلسطيني في ضوء العدوان الإسرائيلي، فيما تناولت الجلسة الثانية قراءة استشرافية لمستقبل قطاع غزة ومحاولة تحديد مسارات المحتملة. وقد عبر المشاركون عن أهمية هذه الفعاليات التي يقوم بها المركز، والتي تشكل مظلة للنقاش العلمي الهادف. وفيما يلي ملخص الأفكار التي تمّ تداولها من المشاركين. 

الجلسة الأولى:

افتتح الدكتور محسن محمد صالح، المدير العام لمركز الزيتونة، حلقة النقاش بتقديم عرض حول الإحصاءات التي تتناول نتائج عدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث استعرض أعداد الشهداء والجرحى والنازحون، وأضرار القطاع الصحي والتعليمي، والخسائر الاقتصادية، بعد 35 يوماً من بداية العدوان.

كما أضاف قائلاً: لعدوان غزة الأخير عدة محطات ومؤشرات يجدر الوقوف عندها؛ نجد أن الجانب الإسرائيلي فقدَ عنصر المفاجأة، كان في عمى كامل، وفقد قدرته على الإضرار بالبنى التحتية للمقاومة وبرموزها. التهديد الذي تعرض له الصهاينة غطى 6.1 ملايين صهيوني، وهذا يحدث لأول مرة.

كما أشار إلى أن المقاومة أصبحت قادرة على الإضرار بالجانب الإسرائيلي؛ إذ أثبتت قدرتها على المبادرة في البر والبحر والجو، والتي كانت حالة استثنائية ومميزة، إضافة إلى الالتفاف الجماهيري المميز حول المقاومة والدفاع عن القطاع. وهذه من المرات القليلة التي تنجح فيها المقاومة مع وجود بيئة إقليمية معاكسة، فالحاضنة الإقليمية كانت الأضعف والأكثر تفتتاً منذ 1948.

ولا يمكن إغفال أهمية معركة المفاوضات وهي معركة مهمة جداً كأهمية المعركة العسكرية. 
 
كان صقر أبو فخر، الباحث والكاتب المتخصص في الشأن الفلسطيني، أول المتكلمين فقال: إن المفاوضات تجري فقط لمعالجة قضايا إجرائية إنسانية من رفع الحصار، وفتح المعابر، وفتح مطار غزة… وهذا وضع مقلق، إذ يُخشى تبديد الإنجازات التي حصّلتها المقاومة.

كما أن الإنجازات ستتبدد لأن النصر الفلسطيني لا يتحقق دون دعم عربي له. مصر تميل إلى معاقبة الفلسطينيين من خلال معاقبة حماس في غزة، لذا نجد صعوبة في تحصيل المكاسب. لا بدّ من إعادة تمتين المصالحة وحكومة الوحدة، ومن دون الجناحين، الضفة والقطاع، سنواجه صعوبة في النجاح.

وقد تساءل الدكتور محسن صالح ألا يعتبر رفع الحصار إنجازاً سياسياً أم هو فقط إنجاز إنساني في منطقة تحررت من الجانب الإسرائيلي؟ وهل آن للمقاومة الدخول في مفاوضات في إطار تسوية في الشرق الأوسط؟

ثم كان للدكتور عبد الحليم فضل الله، المدير العام للمركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، كلمة جاء فيها أن المقاومة استطاعت عزل نفسها عن الصراعات الإقليمية وهذا إنجاز كبير، كما أننا شهدنا مساراً تصاعدياً للمقاومة المسلحة. لم يعد من الممكن فصل المسار السياسي عن المسار العسكري في قضية المقاومة، والمطلوب هو التفكير بكيفية إعادة بناء تحالف المقاومة على أسس تأخذ بعين الاعتبار انجازاتها؛ المطلوب التفكير بإطلاق مشروع للتحرير، على قاعدة التناغم والتناسب بين المسارين السياسي والعسكري، والإنجاز الكبير يجب ألا يكتفى به لتحقيق نتائج قصيرة الأمد.

 في مداخلة للأستاذ صلاح صلاح، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، قال إن معركتنا هذه هي معركة متواصلة على كافة الأراضي الفلسطينية، هناك ترابط بين معركة غزة وما سبق أحداث غزة؛ ما حدث في القدس وما زال، وما حدث في منطقة الـ 48، وما حدث وما زال في الخليل، وهذا مؤشر إيجابي. ومن الجيد أن نقول “معركتنا في فلسطين” بدل “معركتنا في غزة”.

هذه المعركة أظهرت تغيير حقيقي وجدي مع العدو؛ سابقاً كنا ننتظر الوسيط المصري ليأتي لنا بالحل بعد انتهاء عدوان العدو علينا. اليوم نحن أمام تغيّر في موازين القوى؛ أصبحنا نتلقى الضربات، وندفع العدوان، ونبادر ونفاوض، لم نعد ننتظر إملاءات شروط الوسيط المصري التي يأتينا بها. سابقاً كنا نتفق خلال ساعات، لأنه لم يكن باستطاعتنا تحسين الشروط التي يقدمها الوسيط، اليوم تطول الأمور لأننا في موقع الندّ للندّ، وأصبحنا نقول “لنا شروطنا”.

أظهر هذا العدوان تناغماً بين الوحدة الميدانية على الأرض والوحدة السياسية. ولا يُقلل من شأن حماس الحديث باسم المقاومة. فلنخفف من ذكر حماس، لتعزيز الوحدة الوطنية. والوضع العربي السيء يقابله وضع دولي إيجابي؛ مناخ دولي متغيِّر واضح وممتاز يصب في مصلحتنا، فلنحسب له الحساب في المستقبل.

أشار الدكتور أحمد عبد الهادي، القيادي في حركة حماس في لبنان، إلى أنه يجب أن نستحضر السياق الذي حصل في هذه الحرب، هناك أسباب مباشرة، خطف مستوطنين وقتلهم واتهام المقاومة، ولكن هناك سياق حقيقي له علاقة بمشروع أمريكي، هو القضاء على المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية، وهذا السياق الأخير قد ألقى بظلاله على المفاوضات السياسية.

حماس ليست حريصة على أن تقول إنها هي التي تُحارب وتنجز، الذين قرروا الحرب ودعموها هم الحريصون على ذلك. والوفد المفاوض يحاول أن يركز على قضايا آنية واستراتيجية في الوقت نفسه.
الحرب لم تنتهِ بعد، والحديث عن أيّ إنجاز سياسي الآن يصب في مصلحة الطرف الآخر. يجب أن ننجز على المستوى السياسي كما على المستوى الميداني، بعد ذلك نذهب كفلسطينيين لنكمل المصالحة ونؤسس عليها.

 ركزت الأستاذة رنا سعادة، رئيسة قسم الترجمة في مركز الزيتونة، في كلمتها على المؤشرات الدولية الإيجابية، مدللة عليها ببعض الإحصاءات، ففي داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذكر إحصاء جالوب Gallup أن 51% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم 18-29 يرون الحرب الإسرائيلية على حماس غير مبررة. وفي إحصاء لبيو Pew نجد أن 29 % يلومون “إسرائيل” في عدوانها، و21% يلومون حماس. نحن نشهد تغيراً في النسيج الأمريكي. هذا، وقد شهدت عدة ولايات أمريكية كفيلادلفيا، وشيكاغو، ونيويورك، ولوس أنجلس خروج العديد من المظاهرات الكبيرة.

وتأتي مناظرات للـ بي بي سي BBC حول العدوان، والهجوم الساخر لجون ستيوارت على “إسرائيل”، لتؤكد على وجود تغيير في الإعلام. كما ذكرت أن منظمات المجتمع المدني كان لها نصيب في هذا الحراك الداعم للقضية الفلسطينية.

كان لجابر سليمان، الباحث والخبير الفلسطيني في شؤون اللاجئين، بعض التساؤلات التي قدم لها بالقول إن الحرب بدأت هذه المرة في بيئة غير مواتية وخصوصاً من الجانب المصري، ما يقودنا إلى محدودية الإنجازات السياسية المتوقعة التي تديرها مصر. “إسرائيل” تتصرف مع الوفد الفلسطيني على أساس أن الانقسام قائم، بل أكثر من ذلك، هي تتصرف على أساس أن السلطة ومصر تقفان بجانب الوفد الإسرائيلي.

هل هناك مجال للتفاوض على جذر المشكلة؟ ما حدث في غزة ونتائجه أليس نتيجة حتمية لمسار ما بعد أوسلو. هل بالإمكان التفاوض على كل الشأن الفلسطيني بوجود وفد فلسطيني موحد وبوجود حكومة فلسطينية موحدة، أم هي مرحلة يُبنى عليها. إذا انتهت فترة المفاوضات ولم يرضخ الإسرائيلي —حرب الاستنزاف مطروحة— هل سيبقى الفلسطيني موحداً؟ هل ستنطلق انتفاضة شعبية؟ هل من أشكال أخرى من النضال؟

 ويخلص إلى القول إن هذه الفترة القصيرة من الوحدة يجب أن تدرس إيجابياتها لنبني عليها في المستقبل، حيث أن على السلطة مراجعة نهجها بالكامل. لا بدّ من مراجعة الاستراتيجية الفلسطينية في المرحلة المقبلة ومن اعتماد كافة أشكال النضال. لقد برز على المستوى الدولي أهمية مسألة المقاطعة التي بدأت في 2005، وهذا شكل من أشكال النضال الذي يجدر بنا مراجعته.

أما الأستاذ رفعت شناعة، أمين سر إقليم حركة فتح في لبنان، فقد أعرب في مداخلته عن قناعته بأن هذا الإنجاز الوطني المتفق عليه يعود إلى ثلاث ركائز: المقاومة، والصمود الشعبي الرائع، والوحدة الوطنية المتجسدة في الوفد المفاوض الذي يمثل الكل الفلسطيني، ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية.

 ورأى شناعة أن العدو الصهيوني كان يستهدف الوحدة الوطنية والمصالحة، كان يريد إعادة الانقسام إلى غزة وعدَّ طيّ الانقسام صفعة له. لذا، الوحدة هي الردّ الوحيد على الاجتياح الأخير، والقضايا التي تطرح في المفاوضات إنسانية ووطنية. لا صمود أمام الضغوطات ما لم يكن المجتمع محصناً اجتماعياً واقتصادياً؛ التمسك بصلابة بالقضايا المتفق عليها أعطى ثقة للشعب.

و”إسرائيل” لا تسلم بالمطالب الفلسطينية لأنها لا ترى نفسها مهزومة. المعركة لم تنته بعد، هذه جولة، ونحن نتطلع لهدنة تمنع العدوان مجدداً.

أما الدكتور حسين أبو النمل، الباحث الفلسطيني والخبير في الاقتصاد السياسي، ابتدأ كلمته بدعوة المقاومة إلى التباحث مع النخبة المثقفة إسوة بالجيش الإسرائيلي الذي يستدعي نخب تفكر معه. ثم انتقل إلى الانتصار الذي يكثر الحديث عنه دون معايير قابلة للقياس. وعبر أبو النمل عن خشيته بأن يكون حديث الانتصارات مسموماً، وقال من لا يسمع أنين الضحايا لا يرى الصورة كاملة.

 ومما جاء في كلمته أيضاً: هناك تبدُّل واضح في البيئة الحاضنة المكونة من أشخاص وهيئات ودول، و”الحرب انتهت قبل أن تبدأ”. العبرة ليس بعدد الضحايا ولكن كيف نحوِّل الضحايا لانتصار سياسي. الانتصار يقاس بخسائر العدو، ويجب تحديد معيار الصمود، ومعيار الانتصار التكتيكي، ومعيار الانتصار الاستراتيجي.

هذه الحرب هي جزء من استراتيجية شاملة غرضها إعادة ترتيب المنطقة بالكامل، وتحديداً القضاء على الإسلام السياسي، إنها فرصة استراتيجية لن يفوِّتها الأمريكيون أو الإسرائيليون. مشروع الإسلام السياسي (حماس) ما كان ليوصف بـ”لا وطني”، وهي كلمة قيلت في صحافة العروبة؛ هناك من “شَيْطن” حماس.

مسرح العمليات أُعدّ للحرب، وحتى هذه اللحظة هناك عملية تفجير في المنطقة، والهدف السياسي للحرب لخصته المبادرة المصرية. وبالتالي، المبادرة المصرية هي جزء من مشروع شامل واستنفاذ لهذه الفترة الزمنية لتصفية المقاومة، وفي حال صُفّيَت المقاومة تكون السلطة في الضفة الغربية قد صُفِّيت.

الكل سيكون مستفيداً من حرب غزة سوى الفلسطينيين، وإذا استمر الضجيج سنخسر أكثر، وتتلخص الصورة كالتالي: تتلخص فلسطين بحماس؛ نُشيْطن حماس، فنُشيْطن فلسطين. نستنفر كل من له حساب مع الإسلاميين عبر اختراقات ثقافية تقوم بالتحريض ضدّ المسيحيين، والشيعة، والدروز، من خلال دراسات واتهامات تنشر جزافاً؛ فتكون النتيجة حماس متطرفة، ومزايدة، وإرهابية.

أثبتت حماس أنها جزء من الشعب الفلسطيني وأنها كانت العنوان الذي قاتل الشعب الفلسطيني تحته مع بقية الأخوة، والآن يجري الطعن فيها بأنها تنظيم مساوم ومتهاود. لقد أوذيت وهي تقاتل “مخربة، مغامرة”، والآن ندين كلّ الفلسطينيين على أساس أنها مكتفية بالحد الأدنى، وأنها ارتضت بالمسائل الإنسانية. أين حركة فتح؟ وأين دورها؟

نحن أمام عدو جدّي أعدّ جيداً لهذا العدوان، هو لم يخترقنا بمخبريه، ولكن اخترقنا باختراق ثقافي فكري، حيث يصنع بيئة فكرية تحرّض على ثقافة الكراهية وتنشر فيها ما يدعو إلى حروب مذهبية بين المسيحيين والدروز والشيعة.

يجب أن نصبر على أنفسنا، وأن ننتبه جيداً من الأصوات التي تقول إننا يجب أن نأخذ مطالب كبيرة أمام هذا الانتصار.

ثم كانت مداخلة قاسم قصير، الكاتب الصحفي والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، الذي رأى أن صمود المقاومة غيّر كل المعادلات. قال: لست خبيراً استراتيجياً ولكن كمواطن شيعي، مسلم، لبناني أقول المقاومة هي من غيَّر البيئة المعادية التي كانت موجودة في البيئة الشيعية تجاه الفلسطينيين.

واستعراضاً لمؤشرات العدوان الأخير استطرد قائلاً ما فعلته حرب غزة كبير؛ في الماضي قيل إن قيمة حرب 2006 ستدركونها بعد سنوات، اليوم أنا أقول إن حرب 2014 سندركها بعد سنوات.

أسباب الانتصار ثلاثة: أولاً، يوجد مقاومة حقيقية. ثانياً، صمود الشعب بالرغم من الظروف الصعبة والقتلى والجرحى. وثالثاً، الوحدة الوطنية. علينا أن نستفيد من هذا الانتصار الذي ردّ علينا شعورنا الإنساني، وبيئة عالمية كانت مفقودة منذ زمن.

الأداء الإعلامي، والسياسي، والعسكري للمقاومة كان متناغماً. الخطاب لم يكن إسلامياً بل سياسياً، والتنسيق كان داخلياً وخارجياً.

المفاوض المصري عندما أعلن المبادرة كان شيئاً، اليوم هو شيء آخر، وغداً سيكون شيئاً آخر.

كنت أشك بزوال “إسرائيل”، اليوم أنا أؤمن بأن هذا الكيان حتماً سيزول. قديماً قال ميشال إده: “هذا المشروع لم يعد قادراً على القتال”، فأُثبت اليوم أنه حقاً لم يعد قادراً على القتال.

أنا مدين لغزة لأنها أعادت لنا إنسانيتنا، وعلى مركز الزيتونة ألا يكتفي بمواكبة الأمور بل أن يؤسس لمشروع عمل ويضع خطواته.

أدلى الدكتور سهيل الناطور، الباحث الفلسطيني والقيادي في الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين برأيه فقال: لا بدّ لنا من فهم موازين القوى؛ الانتصار بمعايير المقاومة هي الصمود، ومنع العدو من تحقيق أهدافه بأقصاها. علينا ألا نكبِّر كثيراً قصة ما يجري في العالم على صعيد إعادة رؤية القضية الفلسطينية، إذ ثمنه هو العطف والحنان أمام الجرائم التي برزت، وليس ثمنه أنا كنا مبدعين بالقتال. بمعنى لو أن عملية كبيرة نفذت وصورت داخل الكيان، ألن تختلف موازين القوى تلك؟

السياسات تُقرر في الغرب الآن بعيداً عن العواطف، والذي يؤثر علينا هو الموقف الرئيسي لصاحب القرار؛ فالرئيس أوباما في تصريحه، منذ يومين في الواشنطن بوست، اختصر القضية بقوله: إن نتنياهو زعيم قوي، وأبو مازن ضعيف لا يمكنه أن يعادل السادات وغيره للوصول إلى اتفاق. وبالتالي، هو يقول لنا لا يوجد موازين قوى.

لماذا لم تبدأ “إسرائيل” عدوانها إلا بعد أن أمسكت الوضع أمنياً في الضفة؟ نحن دفعنا ثمن الانشقاق الفلسطيني بأن نُظفت غزة ورسمت الحدود دون عمل عسكري. “إسرائيل” لديها حدود آمنة مع لبنان، وسورية، والأردن، ومصر. والآن، وصلت القضية الفلسطينية مرحلة أن “إسرائيل” تريد حدوداً آمنة كاملة، بما فيها الحدود الفلسطينية في الضفة الغربية، والغرب لا يحاسب “إسرائيل” على هذا. وإن من منظمة التحرير من صرح في الواشنطن بوست بقوله: ما بدنا نروح على المحكمة الدولية، لأن جرائم ضدّ الإنسانية قد تطول بعض الفصائل الفلسطينية. الإسرائيلي لم يرد إلغاء غزة. يريد من القطاع أن يكون كلبنان. أسباب اقتصادية أيضاً تكمن وراء هذا العدوان، والهدف الرئيسي للعدوان هو نزع فكرة المقاومة.

ابتدأ الأستاذ وليد محمد علي، مدير مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، حديثه بأن العقل الصهيوني مركب، ويجب ألا نأخذ إعلامه كحقائق، هناك إشراف أمني على كل ما يصدر، لذا يجب أن نخضع ما يصدر عنه للنقد والدراسة.

وأكد علي أن كل ما يساعد على إراحة بيئة غزة هو إنجاز، والدخول في دوامة مشاريع ذات طابع سياسي ليس في مصلحة المقاومة، كل شيء سياسي سيكون أسوأ من أوسلو، الآن. علينا ألا نستهين بالمتغيرات، ففي داخلها فرص بالرغم من التحديات، والمشروع العربي لم يعد كما كان تابعاً ومهزوماً، ها هو يحقق إنجازات مع عقبات.

لقد فقد الكيان البراءة الدولية؛ فقد التأييد الدولي لتحقيق كيانه. فشل المشروع الصهيوني، وتناقض العنصرية مع التطور البشري، أديا إلى فقدان التأييد… ؛ لم يعد باستطاعته تحقيق انتصارات بذاته ولجأ إلى المرتزقة.

وتساءل علي أليس من أسباب عدوان “إسرائيل” الأخير خوفها من انتفاضة في الضفة، وهروبها إلى هذه الحرب أراحها كثيراً؟

هذا التراجع في البلاد العربية لم يكن وليد الصدفة. نحن ما زلنا حركة تحرر وطني، ويجب أن نراكم النقاط.

الدكتور عماد الحوت، النائب في البرلمان اللبناني والقيادي في الجماعة الإسلامية، ذكر أن سيكولوجية الأمن والاستقرار الصهيوني قد انتهت، نحن أمام مؤشرات اقتصادية وهجرة معاكسة تؤكد هذا الأمر. العدوان أعاد القضية الفلسطينية إلى الأضواء، ولكن يبقى السؤال: هل نستطيع تغيير النهج التفاوضي أو التحضير لانتفاضة ثالثة؟

ورأى الحوت أنه علينا جعل القضية الفلسطينية قضية محورية، يتمحور حولها الجميع، وجعلها مادة تنافس ونقطة ارتكاز وليس جزءاً من محور. يبدو جلياً تركيز الحراك الدولي والعربي على المبادرة المصرية، والسبب هو التناغم المصري الصهيوني؛ فهل نستطيع الضغط على الوسيط المصري بأن هناك وسيطاً آخر.

 وفي النهاية أكد على ضرورة الحصول على انجازات سريعة تؤمِّن صمود البيئة الحاضنة للمقاومة، وعلى تقديم الإنجاز الميداني وتأخير الطرح السياسي.

السيد ياسين حمود، مدير عام مؤسسة القدس الدولية، ذكر أنه في السابق كنا نتحدث أن الشيخ أحمد ياسين قد أقام الحجة على الناس كلها، إذ بالرغم من قعوده لم يتوقف عطاءه المقاوم؛ فلا عذر لأي إنسان. واليوم غزة أقامت الحجة علينا جميعاً.

غزة ردت على مقولة أن حماس والمقاومة تبدلتا، والصمت كان إعداداً. إن معركة غزة تشبه معركة الكرامة، وكان يراد تشويه الإسلام، فأعطت المقاومة صورة أخرى. هذه المعركة هي في سياق مشروع التحرير.

في نهاية كلمته أعرب عن خشيته في أن تصل المفاوضات إلى أن يحصل في غزة ما حصل في لبنان مع حزب الله من تكبيل للمقاومة، وعلى اللاجئين الفلسطينيين في الخارج الحراك ليأخذوا دورهم في التحرير.
 
اختتم الدكتور بهاء أبو كروم، عضو مجلس القيادة في الحزب التقدمي الاشتراكي، الجلسة الأولى بمداخلة جاء فيها أنه يتوجب منا بعض المقاربات بحيث لا يُحمَّل الشعب الفلسطيني أكلاف أكبر من قدرته على الاحتمال. لقد كان من مؤشرات العدوان سهولة تحشيد المجتمع الدولي مع العدو ضدّ غزة بسبب وجود الإسلام السياسي في القطاع؛ وجود تواطؤ دولي وعربي رسمي على حماس، وعدم إعطاء حماس مكاسب سياسية خلال هذه الجولة. كما أنه مع ظهور مبادرات مصرية وقطرية وتركية، بدى أن القضية غير موحدة.

خلال عدوان غزة هناك دول قدمت أموال وسلاح ومظاهرات، ولكن هذا استثمر لصالح الدول، والدم هو الدم الفلسطيني؛ ليس هناك أيّ محور ساعد القضية الفلسطينية.

وأضاف: إن أردت أن أفاضل بين شيئين: بيئة عربية قوية، في ظلّ انقسام الموقف الفلسطيني؛ وبيئة عربية ضعيفة في ظلّ توحد الموقف الفلسطيني، فالثانية هي الأهم. الذي يحمي القضية الفلسطينية اليوم هي التضحيات تجاه فلسطين. الوحدة الفلسطينية هي التي ستؤدي للمكاسب الرئيسية، وإن حصلت تسوية طويلة أو قصيرة الأمد، فلا أمن لـ”إسرائيل” إلا بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم.

الجلسة الثانية: المسارات المستقبلية والاقتراحات

طرح الدكتور محسن صالح مع بداية الجلسة الثانية عدة تساؤلات ونقاط لفتح آفاق للنقاش والحوار فقال: هل يمكن إدارة القطاع بعقلية رام الله التي تنسق مع الاحتلال؟ وهل نقبل في المستقبل أن يُدار القطاع بعقلية تُطبق أوسلو؟ لا نريد أن تمارس السيطرة الإسرائيلية عن طريق السلطة الفلسطينية. نزع سلاح المقاومة هو قضاء على حرية القطاع.

المقاومة الفلسطينية لا بدّ أن يكون تواصلها وتماسكها نقطة وِحدة ونقطة رافعة. لقد أريد ضرب مشروع الإسلام السياسي، ولكنه أثبت أنه رافعة للأمة وبوصلة لها.
الاستحقاقات ليست فقط متوجِّبة من المقاومة ولكن هناك استحقاقات إقليمية واستحقاقات دولية.

ذكر الدكتور محمد أكرم العدلوني، الخبير الإداري والمدير العام لمؤسسة الأفق بلبنان، بعض المستجدات والمتغيرات، فقال إن المستهدف من هذا العدوان هو رأس الإسلام السياسي في المنطقة (شُيطن الإسلام السياسي، كمقدمة لهذا العدوان)؛ لقد تمكنوا، وقتياً، بتعطيل الرأس، بتعطيل الربيع العربي، وكان المطلوب أيضاً هو رأس الإسلام المقاوم.

البيئة الاستراتيجية المقاومة كانت في أسوأ أوقاتها، سواء على مستوى الأفراد أم الهيئات، ولقد حدث افتضاح لهيئات وحركات وأحزاب وقوى. وعلى مستوى الدول، ظهر حلف جديد مكون من جزء من هذه البيئة الاستراتيجية، وشجع الإسرائيلي في حربه؛ والحلف هو مصر والإمارات.

معايير الانتصار لا بدّ أن تكون واضحة وحقيقية. الذي يقرأ التاريخ الفلسطيني ومراحله يجد أننا في مرحلة توازن الرعب وتوازن الردع؛ يضربونا ونرد عليهم. لا بدّ من حصر الأمور التي كشفتها حرب غزة؛ غزة هي حجة وفاضحة.

وفيما يلي مجموعة من الملاحظات حول المتغيرات والمستجدات على ضوء معركة “العصف الأكول”:

أولاً: على صعيد المقاومة:

1. إعادة مركزية المقاومة.

2. امتلاك المبادأة وزمام المبادرة لأول مرة.

3. تطور في إدارة المعركة ومنظومة القيادة والسيطرة متميزة.

4. إبداع المقاومة استراتيجياً وتكتيكياً في البر والبحر والجو.

5. تحييد سلاح المدرعات للجيش الصهيوني.

6. حدوث تغير في ميزان الردع والرعب مع الاحتلال الصهيوني لصالح المقاومة.

7. انتقال المعركة إلى داخل الأرض المحتلة وخلف خطوط العدو الصهيوني.

8. تجسير الفترة الزمنية لمشروع التحرير والانتقال به إلى مرحلة متقدمة.

9. بروز حماس كقيادة لفصائل المقاومة “كقطب جهادي” يقود حركة تحرر وطني.

10. أول معركة تخوضها الحركة في بيئة استراتيجية سيئة مما أضعف قدرتنا على الاستثمار.

11. تعميق شعبية قوى المقاومة في الوسط الفلسطيني على حساب شعبية النهج التفاوضي.

ثانياً: على الصعيد الفلسطيني:

1. زيادة الأعباء المادية على الشعب بفعل القتل والتدمير الواسع في قطاع غزة.

2. إعادة توجيه البوصلة نحو القضية الفلسطينية وفلسطين والمقاومة.

3. الاحتضان الشعبي (الحاضن الاجتماعي) المتزايد.

4. تبدل موقف السلطة الفلسطينية لصالح شروط المقاومة.

5. استنزاف قوى الحركة والشعب في غزة مما يقود إلى نقل المعركة إلى الخارج.

6. تنامي مخاطر جديدة على المقاومة والشعب والقضية.

7. حراك متنامي ومتصاعد في الضفة والقدس و48.

8. إعادة تركيب المعادلة السياسية الفلسطينية (منظومة القيادة الفلسطينية).

9. تهيئة البيئة الشعبية للبدء في انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.

ثالثاً: على الصعيد الصهيوني:

1. فشل العدو الصهيوني في نزع سلاح المقاومة في غزة.

2. فشل في محاولة تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني (المصالحة).

3. فشل العمل الاستخباراتي الصهيوني ضدّ المقاومة.

4. التحول في الرأي العام في المجتمع الإسرائيلي.

5. إنهاء سيكولوجية الإحساس بالاستقرار في “إسرائيل” بعد توقف عمليات المقاومة.

6. التأثير على الهجرة اليهودية لفلسطين نظراً لحالة عدم الاستقرار.

7. تعميق الخلاف داخل المجتمع الإسرائيلي حول كيفية التعاطي مع مشروعات التسوية.

8. تراجع حالة التناغم بين المستوى السياسي والمستوى العسكري لدى الكيان الصهيوني.

9. صمود المقاومة في غزة، خلط الأوراق في المحافل الإسرائيلية خاصة لدى صناع القرار.

رابعاً: على الصعيد الإقليمي:

1. تقديم رافعة جديدة للإسلام السياسي وثورات الربيع العربي.

2. انكشاف وافتضاح الأنظمة والأحزاب والقوى المعادية للمقاومة والتغيير.

3. رفع منسوب الأمل لدى شعوب الأمة العربية والإسلامية بالتحرير والتحرر.

4. تصاعد الإحساس بضرورة إحياء قواعد العمل في دول الطوق (الثغور المجاهدة).

5. الانفكاك من الإيرانيين وحزب الله والاكتفاء بالموقف الإعلامي والنفاق السياسي.

6. اختبار التوجهات الاستراتيجية للنظام المصري الجديد وعداوته للمقاومة.

7. انكشاف وافتضاح التعاون الأمني بين دول عربية مع الكيان الصهيوني.

8. تأكيد مصداقية قطر وتركيا كصديق للمقاومة والشعب الفلسطيني.

9. محاولة العدو لتعميق الخلافات العربية بين المحاور المتنافسة في العالم العربي.

خامساً: على الصعيد الدولي:

1. فرض قضية فلسطين على أجندة المجتمع الدولي.

2. إعادة القضية الفلسطينية على المستوى الدولي للأضواء.

3. اتساع الحراك الشعبي العالمي لأحرار العالم بشكل غير مسبوق.

4. اتخاذ مواقف سياسية متقدمة من قبل حكومات دول أمريكا اللاتينية.

الأستاذ منير شفيق، المفكر العربي، والمنسق العام للمؤتمر القومي – الإسلامي، دعا لانتفاضة تؤازر المقاومة الموجودة في غزة فقال: إن الذي حدث في هذا العدوان هو عدم إشراك الضفة والقدس فيها بانتفاضة شاملة. يجب أن تُفعّل الانتفاضة وتتحول إلى قضية حقيقية مع الحفاظ على سلاح المقاومة. ميزان القوى يسمح بانطلاق انتفاضة تصل إلى أهدافها وتفرض أهدافها على العدو، بخلاف ما حدث سابقاً. والرأي العام لن يعارض الانتفاضة، لن تتكلم أمريكا عن “حقّ الدفاع عن النفس” لـ”إسرائيل” إذا قامت الانتفاضة لطرد المستوطنين. من الذي يستطيع أن يقول نعم لتهويد القدس؟ لا أحد يستطيع أن يتحمل انتفاضة تستمر طويلاً، لا الكيان ولا أمريكا ولا غيرهما.

غزة وإن أتت باتفاقات، معركتها مع العدو لن تنتهي بل ستصعُب. على فتح أن تشارك في انتفاضة في القدس. الشعب مُستعد للنزول إلى ميدان الأرض وللانتفاض، ولكن ينقصه القيادة. وهذا أمرٌ عجب!!

ابتدأ عبد الحليم فضل الله مداخلته عن البيئة الإقليمية فذكر أن المعركة طويلة الأمد ولا يتوقع أن تصل إلى نتائج في وقت قريب، لذا لا بدّ أن تستند المقاومة إلى تحالف إقليمي صلب. وهنا يجب التمييز بين الكفاح المسلح وبين التقاطع بالمصالح حول بعض القضايا؛ بمعنى أن المقاومة بإمكانها أن تتقاطع وتركيا بالمصالح ولكن لا يمكنها أن تنسج مع تركيا تحالف طويل الأمد حول مسألة المقاومة المسلحة، لما فيها من تداعيات على العلاقات الدولية وما فيها من أثمان. لذلك التحالف الذي نشأ حول مسألة الكفاح المسلح يجب الاستناد عليه، عدم التفريط فيه وإعادة صياغته، آخذين بعين الاعتبار المستجدات. هناك تلاقي في المصالح والأهداف مع دول أخرى، وهو جيد إذا ما استُخدم لنصرة المقاومة، ولكن أن نجد إلى جانبنا من يؤمن بحق بالكفاح المسلح هذا أمر صعب إيجاده، هو موجود الآن وينبغي البناء عليه. وتحريك الجبهات الأخرى يجب أن يتم في سياق استراتيجي مدروس، يضعه الفلسطينيون لمشروع التحرير.

ثم انتقل فضل الله بالكلام إلى أنه لا يمكن قياس وضع المقاومة في لبنان وأهدافها بالمقاومة في فلسطين. السنوات الأخيرة حملت التباسات، ولكن الالتباسات لم تمس مسألة دعم المقاومة اللبنانية للمقاومة الفلسطينية. 

أجرى صقر أبو فخر قراءة للـ”ستاتيكو” المتحرك الذي يضم اللاعبون: “إسرائيل”، وأمريكا، ومصر، والفلسطينيون. مصر هي أضعف اللاعبين؛ مبادرتها ماتت ثم اضطرت لمجيء مفاوضين فلسطينيين. والوحدة الوطنية هي التي سمحت لحماس بالتواجد في المفاوضات.

الأمريكيون يريدون هدوءاً في مقابل هدوء، الإسرائيليون يريدون هدوءاً مقابل نزع السلاح، الفلسطينيون يريدون هدوءاً مقابل رفع الحصار.

وانتقل أبو فخر إلى الخيارات المتاحة من تهدئة، أو هدنة، أو لا اتفاق؛ التطورات اليومية هي التي تقرر. التهدئة مقابل التهدئة يعني تبديد كل الإنجازات، ولا بدّ من انتزاع بعض الشروط الفلسطينية، أقله فتح المعابر ووقف العدوان الإسرائيلي. 

في المرحلة المقبلة، نعم لسلطة واحدة بإقليمين: غزة والضفة. سلطة واحدة بسلاحين مختلفين لا ينفع، وإنما سلطة وحيدة تحتكر السياسة والقوة معاً هو الأمر الذي ينجح.

وتحفظ أبو فخر على كلام أكرم العدلوني وقوله إن الإسلام السياسي هو المستهدف في هذه الحرب. وبرأيه أنه لا الأمريكيين، ولا الأوروبيين،… استهدفوا الإسلام السياسي؛ وإنما الإسلام السياسي هو الذي فشل.

وقال أحمد عبد الهادي آنياً هذه الحرب هي جولة من الجولات، وعلى المستوى الميداني هناك إنجازات مهمة على المستوى العسكري والاقتصادي وسمعة العدو، ويجب أن يُبنى عليها لتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني التي حملها الوفد الفلسطيني الموحد. الفلسطيني لا يحاور ويفاوض فقط باتجاه التعامل مع العدو الصهيوني، هناك بيئة ضاغطة عليه. والعدو لا يرضى أن يخرج منهزماً من الحرب.

هناك تعاطي دولي؛ لا يريدون تحقيق المطالب الفلسطينية. الحرب وقعت في إطار مشروع تصفية المقاومة في المنطقة.

 في المستقبل المتوسط، ما تمّ إنجازه على المستوى الميداني وما سيتم تنفيذه على مستوى المفاوضات سيؤسس لمرحلة لاحقة مبنية على مرحلة الوحدة الفلسطينية وأساسها المقاومة. إن ما يعزز الصمود والإنجاز الميداني هو:

• المحافظة على الوحدة الوطنية.

• عدم الدخول في محاور، هناك ضغط من قِبل بيئة إقليمية، الوفد الفلسطيني يتحرك دون أن يكون معنياً بها.

• التمسك بالمطالب وعدم التنازل عنها.

• تفعيل الحراك لانتفاضة في الضفة.

• الاستمرار في تحقيق إنجازات ميدانية.

وعقب الدكتور حسين أبو النمل على ما سبق ذكره فأكد أن الحق لا يتناقض مع الحقيقة. والأداء الإعلامي لم يكن كفوءاً، الأداء السياسي الإعلامي استُدرج بعملية تضخيم للإنجازات، والتي سيُسأل عنها مستقبلاً.

الوحدة الفلسطينية لا علاقة لها بالانتصار. علينا الانتباه أننا لسنا أمام عملية عابرة. و”الحرب انتهت قبل أن تبدأ”، “الحرب تنتهي قبل أن تبدأ”؛ إن مسرح العمليات يُعدُّ قبل الحرب، من خلال خرق البيئة السياسية —سعد الدين إبراهيم مارس الكذب تجاه مرسي قبل الانقلاب عليه، الكذب يدل على نية غير حسنة.

ثم انتقل أبو النمل بحديثه إلى أن الإسلام السياسي يجب أن يُحمى، وأن يُحفظ له حقه من خلال نظام غير استبدادي. البوصلة (الآن) غير فلسطينية، البوصلة يجب أن تكون “تثبيت فكرة الحق” (الدفاع عن الحق ورفض الظلم). والهجوم لم يكن محصوراً بالإسلاميين، إذ صحبه هجوم على المسيحيين بأنهم خونة. تدنيس الثقافة وترويج مفاهيم مغالطة كأن “الجميع خونة” هو العدو الخطر. العدو يدير معركة خبيثة.

نحن أمام حرب جدية، على المقاومة أن تجلس مع النخبة السياسية والمثقفة لتتحدث معها عما يحدث؛ لتشكيل فكرة حقيقية عما يحصل!! يجب إدخال معيار العقل والمعرفة إلى العراك.

أكد الأستاذ جابر سليمان أن الوحدة الوطنية هي الأساس الذي سيُبنى عليه للتحضير للمرحلة القادمة؛ هذه جولة وليست حرباً. لا أحد يختلف حول خصوصية وضع غزة، قطاع غزة محتل، الاحتلال يتحكم بالحياة اليومية للناس بكل تفاصيلها عن بُعد. هذا يؤثر على سقف المطالب، نحن لا نطالب بالميناء، ولكن بإعادة فتح الميناء، فإذا هي تبدو مطالب جديدة. لقد أفشلت حماس تجريد قطاع غزة من السلاح وهذا أحد معايير النصر.

شدد الأستاذ وليد محمد علي على أهمية الوحدة والتوافق وجاء في مداخلة له: أبو مازن وعريقات قالا مؤخراً “إسرائيل لا تريد أن تعطينا شيئاً”، هذا يعني أننا بحاجة لتوافق وطني ممتد، قائم على أننا أحوج ما نكون لسلاح المقاومة، وبحاجة لوقف الضغط (عليها) عبر التنسيق الأمني. نحن مع المقاومة الشعبية ونحن أمام فرصة لبناء توافق ممتد، يساعدنا مستقبلاً.

ورأى محمد علي أن الانتفاضة في الضفة هي المنقذ والمخرج، وأن لا مصلحة في أن نقول إن “الإسلام السياسي هو المستهدف”، كما لا مصلحة لنا أن نقول إن “حماس هي المستهدفة”. عدوان “الجرف الصامد” أو “المعاناة الممتدة” القصد منه أن ننتقل إلى هدنة ممتدة ومعاناة ممتدة، يقصد بها الضغط على سلاح المقاومة. وفعلياً العدو الإسرائيلي يستمر في ضغطه من خلال المفاوضات لإخضاع القطاع.

وأكمل علي قوله: لنقل إن هذا السلاح مرتبط سحبه ببناء دولة فلسطينية على حدود 1967، فيصبح السلاح، عندها، ملكاً للدولة الفلسطينية. لا إمكانية لدولة فلسطينية قبل زوال الكيان، أنا مع طرح السلطة لدولة فلسطينية في حدود 1967، إننا في مرحلة انتقالية، فلنستغلها.

وافق رفعت شناعة كلام الكثيرين الذين أكدوا على أهمية نجاح واستمرار المصالحة الوطنية، وقال: نحن في المرحلة السابقة دفعنا ثمن الانقسام، اليوم نحن نقول نحن أنجزنا، المصالحة قد تُعجب البعض وقد لا تُعجب البعض؛ المصالحة أنهت وطوت الانقسام الفلسطيني، في هذه المرحلة نجحنا في كيفية التعاطي عسكرياً وسياسياً.

المشروع “التصفوي” للقضية يتم على أرض الضفة الغربية. “إسرائيل” تخطط لمشروعها المتكامل على أرض الضفة. نحن نخشى على مصير الضفة ونريد دعم الوحدة الفلسطينية من أجل أن تستكمل نضالها السياسي. لنجتمع لنرى ما هي المقاومة التي نريدها. الموضوع ليس مأساوياً، هناك عقلية مستعدة لتفجير انتفاضة، الأسلحة موجودة وتظهر في كثير من المناسبات. لا أحد ضدّ الانتفاضة؛ “إسرائيل” لا تريد أن تقدم شيئاً، وتركيبة الحكومة تحمل مشروعاً صهيونياً.

أنا أراهن على الوحدة الوطنية الفلسطينية في وضع الاستراتيجيات والتطورات الاستراتيجية.

قدم الأستاذ عزام الأيوبي ستّ نقاط تتعلق بموضوع النقاش، هي:

1. القراءة التي تجري هي قراءة وجدانية؛ تجري في إطار ماذا نحب؛ نعم، لا يجب الاقتصار على القراءة المادية للأمور لأنها محبطة ومؤذية.

2. إننا نفكر ونتكلم بمنطلق أننا نحن من يدير المعركة على الأرض. إن من يدير المعركة على الأرض يحسن التخطيط والتفكير، فلا للتفكير والتخطيط عنهم.

3. الكلام يصب فيما على الفريق الآخر فِعله. والأولى أن نتكلم عن الدور الذي ينبغي أن نتكامل به مع ما يحصل في غزة.

4. تغيير الاسم من محور إلى حلف لا يحل المشكلة. (رداً على الأخ عبد الحليم).

5. يجب الترتيب للمعركة القادمة.

6. داخل غزة هناك تكامل وتناغم بين الفصائل، فقط خارج غزة نجد التجاذبات. يجب أن نراجع أنفسنا في هذا الإطار.              

وعرض الأستاذ صلاح صلاح توصياته فقال: في ظلّ التقديرات الحالية سنتعرض لمزيد من الضغوطات في المرحلة القادمة. نحن نؤكد على وجوب الحرص على الوحدة الوطنية والتمسك بالورقة المشتركة. الاستمرار في الحديث عن إدارتين يكرس الانقسام على صعيد شعبنا. نحن أمام فرصة مناسبة للمراجعة ورسم منهج جديد من خلال حوار وطني شامل.

هناك تردد في التوجه للمؤسسات الدولية، كمجلس حقوق الإنسان، اللجنة الدولية للجرائم، بل يجب أن نذهب بقوة وبسرعة لهذه المؤسسات لأن هذه فرصتنا.

ابتدأ الخبير العسكري العميد المتقاعد الدكتور أمين حطيط، كلمته بذكر المتغيرات التي تلت العدوان الأخير، وانتقل بعدها إلى التوصيات، فذكر أنه من الناحية السياسية والأمنية:

1. كانت المعركة فوق التوقع لنا. المعتبر الأول فيها هو الانتقال من صراع بين “إسرائيل” وفصيل، إلى صراع فلسطيني عربي – إسرائيلي، والوفد الذي شُكِّل يستحق الوقوف عنده.

2. في المتغير الميداني: لأول مرة في تاريخ الصراع نجد أن المقاومة خطت خطوة واسعة. قديماً كانت: اضرب واهرب، الآن: اصمد والتحم، وهذا سيفرض نفسه على العقلية العسكرية القادمة؛ “لا نار على أرضنا” تطور إلى “اقذف حممك في قلب العدو”. صحيح أن الصواريخ لم تكن تدميرية، ولكنها دمرت الجدار النفسي والمعنوي.

3. في المتغير الأمني: سنة 2008 كتب مسؤول أمني إسرائيلي كلمة مريرة: “لو لم يكن لدينا هذا الجيش من العملاء في غزة لكانت النتيجة كارثية”. اليوم: “الفلسطينيون استطاعوا أن يقتلعوا عيوننا من جسمهم، فتخبطنا في أكثر من موقع”. خمس سنوات نجحت المقاومة فيها بالانتقال من جسم مليء بالعملاء إلى جسم نظيف، فأدى ذلك إلى التقليل من الخسائر في صفوفها.

4. في المتغير الدولي: لأول مرة نسمع “هذا الحصار يجب أن ينتهي”، إضافة إلى الحركة الشعبية، والإعلامية، والمطالبة بالتحقيقات.

5. من نحن؟؟ أثبتت المقاومة انتماءها، وسيفرض ذلك على المستقبل.

6. “إسرائيل” ليست بحاجة إلى لجنة تحقيق ولا إلى لجنة تقرير، هي بحاجة إلى “عقيدة قتالية”. كُسرت عقيدة “إسرائيل” القتالية في هذه الحرب بعد الترميم الذي قامت به في السنوات القريبة الماضية، وهي الآن تحتاج للوقت من أجل بناء عقيدة جديدة؛ إنها جريحة.

المقترحات:

1. الإسراع في إعادة هيكلية القيادة الفلسطينية.

2. إعادة تركيب وضع غزة وتنظيم السلطة. السلاح في غزة لحماية غزة ليس للعدوان، ولا يسلم للسلطة بعد إنشائها.

3. إعادة النظر في وضع الضفة الغربية.

4. التنسيق الأمني هو كارثة، (العدو) يهدد بوقفه واستعماله كورقة الأسرى. والانتفاضة غير ممكنة الآن.

5. تجنب الانتماء أو التظاهر بالتبعية لأي دولة معنية.

6. تجنب المواقف السلبية في دول ما زالت ترى في فلسطين قضيتها المركزية.

7. إعادة الانتباه للمتغيرات الدولية والاستفادة منها.

8. إحياء فكرة المقاومة كأنها فكرة حقّ مشروع.

9. فضح المستوطنات وتجنب ولوج المحاكم الدولية.

وذكر الأستاذ سهيل الناطور: نحن في هدنة وطنية، وليس وحدة وطنية، لا يوجد برنامج حقيقي للوحدة، الموجود حالياً هو شكل وحدة، ولكن يجب أن يُعزّز.

لا يمكننا عدم التأثر بالمحيط الإقليمي، نحن لا نملك المال؛ لا نستطيع التوحد لأننا بحاجة للمال من الدول العربية…

وطرح الناطور بضع أسئلة كان منها: هل سنسمح لـ”إسرائيل” بتدمير مجتمعاتنا كل سنتين؟ وهل يمكن للاجئين في الخارج أن يعطَوا دوراً ليلعبوه، تخفيفاً عن إخوانهم في غزة؟

وطرح الدكتور محمد أكرم العدلوني مجموعة من التوقعات المحتملة لتحديد اتجاهات ومسارات الأحداث ومنها:

بالنسبة للمقاومة:

1. لن يتم تجريد حركات المقاومة من أسلحتها في المدى المنظور، بل ستحافظ المقاومة على أحد أهم إنجازاتها بالحفاظ على سلاحها.

2. إزالة جزئية للحصار، أي أن “إسرائيل” لن ترفع الحصار كلياً ودفعة واحدة (لأن ذلك سيضرب نظريتها في الدفاع عن الجبهة الداخلية).

3. أتاح العدوان على غزة والأداء القوي للمقاومة فرصة متميزة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني والتعامل مع المقاومة كرافعة سياسية للعمل الفلسطيني، ويمكن أن تكون أداة ضغط بيد صانع القرار الفلسطيني، لتحقيق مكاسب سياسية وشعبية في مواجهة الاحتلال الصهيوني.

4. فرصة لإعادة العمل في ميناء غزة البحري بشروط، من المستبعد فتح وترميم مطار غزة.

بالنسبة للسلطة:

1. لن يتمكن محمود عباس من إدارة قطاع غزة (حكومة التوافق) ببرنامج التسوية والمقاومة، والحركة (حماس) لن تسلمه إلا بضمانات عدم نزع السلاح، وبالشراكة الوطنية في إدارة المشروع الوطني في الداخل والخارج.

2. ستدفع القوى الإقليمية والدولية السلطة وعباس إلى فرض سيطرته بالتدريج بذريعة “وحدانية السلطة” لنزع السلاح وملاحقة المقاومة (نموذج الضفة).

بالنسبة لمصر:

لن يتمكن النظام المصري من تحقيق رؤيته بأن يرى محيطه خالياً من الإسلام السياسي وجماعة الإخوان وفي الطليعة منه حركة حماس.

بالنسبة للعدو الصهيوني:

1. إطالة أيام الحرب والعدوان لها تداعيات خطيرة على حكومة نتنياهو بسبب عدم قدرة الإسرائيليين تحمل حالة الطوارئ لفترة طويلة.

2. انسحاب “إسرائيل” أحادي الجانب من غزة التي اقتحمتها دون التوصل إلى اتفاق رسمي مع حماس يحمل دلالة أن نتنياهو لا يريد أن يتفاوض مع حماس مباشرة كي لا يعد هذا اعترافاً.

3. ستتعالى أصوات إسرائيلية للمطالبة بتشكيل لجان تحقيق داخلية لدراسة الإخفاقات واستخلاص النتائج والعبر والأداء على المستوى العسكري والمستوى السياسي…

4. تتصرف “إسرائيل” وكأنها دولة فوق القانون ولا تخضع للحساب والعقاب.

5. نتنياهو سيواجه عقبات كثيرة في متابعة مسيرته السياسية لن يكن من السهل عليه معالجتها. ويبقى السؤال كيف سيدفع نتنياهو الثمن؟

وختم الدكتور محسن صالح حلقة النقاش بكلمة جاء فيها: نموذج المقاومة الرائع أعاد توجيه البوصلة، وأعاد أيضاً الثقة ببرنامج المقاومة، وأعاد التفاعل الشعبي تجاهها، وبالتالي لا يمكن تجاوزه ببساطة. هو ليس مجرد حدث عابر وإنما حدث مؤثر ويجب أن يكون له انعكاسه على الساحة الفلسطينية، من حيث إعادة بناء البيت الفلسطيني على قاعدة الشراكة، وعلى قاعدة المقاومة، وعلى قاعدة ترتيب البيت الفلسطيني ضمن تفعيل كل مكونات الشعب الفلسطيني.

الآن هذا العمل المقاوم أعاد تشكيل البيئة الإقليمية السلبية؛ أعاد غسل الإعلام الأسود الذي اشتغل أكثر من سنة لتشويه صورة الإسلام السياسي وشيطنة حركات التغيير الحضارية، أو التي تنتمي إلى هذه الأمة. وبالتالي، أظن أن هناك فرصة لاستعادة دور حضاري في المنطقة بشكل سليم.

نجد الفشل الإسرائيلي واضحاً، ففي سنة 2006 قالوا إنهم فشلوا في الحرب الجوية وإنهم يجب أن يعودوا إلى استراتيجية العمل البري، واشتُغِلت خطة كاملة لخمس سنوات لإعادة تجهيز القوى البرية على الأرض بحيث تكون هي القوى الفاعلة والعامل الحاسم. ثم جاءوا إلى قطاع غزة، وعندما أرادوا أن يجربوا ما استفادوا منه، تمّ تمريغ أنوفهم بالتراب، وبالتالي هناك ارتباك استراتيجي – إسرائيلي، كل الدروس التي استفادوا منها تمّ ضربها وبالتالي هذا شكل تغيير أساسي.

الذي أراد أن يوجد بيئة تخدم الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية؛ بيئة مفتتة، وبيئة مذهبية، وبيئة متعادية، أراد أن يُغلق الملف الفلسطيني في هذه الأيام. لأنه إن لم يغلَق، فسوف يظل عنصر وحدة لهذه الأمة، وبالتالي أظن العمل كان يسير بالتوازي.

المكون الإنساني في المنطقة الآن يتغير بشكل إيجابي، والبناء المؤسسي أيضاً عليه أن يتغير بما يخدم هذا المشروع. وأيضاً المسارات يجب أن يتم تحديدها وإعادة توجيهها بشكل يؤدي إلى نتائج تُغيِّر المعادلة على الأرض سواء في الحالة الفلسطينية أم في الحالة الإقليمية.

     

للاطلاع على محضر حلقة نقاش، اضغط على الرابط التالي:

>> محضر حلقة نقاش: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانعكاساته المستقبلية (23 صفحات،  292  KB)*

* إذا كانت لديك مشكلة في فتح الملف، اضغط هنا

 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 17/9/2014