مدة القراءة: 6 دقائق

الصفحات الخمس الأولى من  الفصل الثالث: “تعليم الفلسطينيين في لبنان” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثالث كاملاً اضغط هنا  (33 صفحة، 1.07 MB)

الفصل الثالث: تعليم الفلسطينيين في لبنان

 نافذ أبو حسنة

مقدمة:

يلاحظ المتتبع للشأن الفلسطيني، وجود موقع متميز للتعليم في حياة الشعب الفلسطيني؛ داخل فلسطين وخارجها. وإذ يحاجج البعض بأن انصراف الفلسطينيين نحو الاهتمام بالتعليم بعد نكبة فلسطين؛ هو أمر طبيعي، بسبب ضياع الأرض، وتخلخل البنى الاجتماعية التقليدية، وارتباط المكانة الاجتماعية بالتحصيل العلمي، وحتى اختيار التعليم كمهنة كانت أكثر تيسراً للمتعلمين الفلسطينيين، من سواها عقب النكبة، فإن كل ذلك لا ينفي حقيقة أن فلسطين كانت قد شهدت نهضة تعليمية لافتة قبل النكبة؛ تجسدت في عدد كبير من المدارس والمعاهد ذات التبعيات المتعددة: الحكومية والأهلية والتبشيرية. وتمثلت ذروة سنام هذه النهضة بـ”الكلية العربية في القدس”، والتي كانت بصدد التحول إلى جامعة، كما لعب خريجوها دوراً كبيراً في التعليم داخل فلسطين، وخارجها لاحقاً.

عصفت نكبة 1948 عصفاً شديداً بالشعب الفلسطيني، واقتلعت نحو 800 ألف إنسان من أرضهم ودورهم ومدارسهم؛ ليهيموا على وجوههم، قبل أن تضمهم خيام تتلاعب بها الرياح. وفي هذه الخيام بالذات، استأنف الفلسطينيون التعليم والتعلّم؛ فقد وجدوا في ذلك إثباتاً للذات في معركة تستهدف وجودهم، وتشبثاً بالمستقبل إزاء واقع مرير، لا يمكن تغييره بالركون إلى التحسر، أو بالسقوط تحت وطأة الخيبة والهزيمة.

ومن الخيام إلى غرفٍ بائسة، ثم إلى مبانٍ مدرسية بمواصفات مقبولة، كانت ورشة فاعلة، تضفي صفة مميزة على واقع الفلسطينيين في المخيمات أساساً، لتتحول إلى سمة تطبع بطابعها المجموع الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، ومنها لبنان.

لعبت الأونروا دوراً في تهيئة ظروف ملائمة لتعليم أبناء اللاجئين. وهذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها. وقد التقت مع قابلية فلسطينية لتلقف فرصة التعليم، والتفاعل الايجابي معها. خصوصاً في المخيمات التي انتشرت في غزة، والضفة، والأردن، وسورية، ولبنان، على تفاوت الظروف العامة بين المخيمات في أماكن انتشارها المتعددة، وخضوعها لأنماطٍ مختلفة من التعامل السياسي، والقانوني، والاجتماعي.

كان من الطبيعي أن تنعكس مجمل تعقيدات الوضع اللبناني على العملية التعليمية للفلسطينيين في لبنان، فالبطالة والقلق والإحساس بانسداد الأفق، تمثل عوامل كبح للاندفاع نحو التعليم، ناهيك عما لحق بمؤسسات التعليم الأساسي التابعة للأونروا، من أضرار وتراجعات، ترافقا مع عجز المنظمات غير الحكومية (أو الأهلية) عن تقديم بدائل مقبولة، ثم أضيفت التعقيدات المتصلة بالتعليم الجامعي، لتجعل من تعبير “الكارثة” في وصف الأوضاع التعليمية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، غير مفارق للواقع كثيراً.

لقد تراجعت منذ سنوات، تلك الإشارات المتكررة إلى أن “الفلسطينيين يمتلكون أعلى نسبة من المتعلمين في الوطن العربي”، وتراجع بوتيرة متسارعة الحديث عن اهتمامهم المكثف بالتعليم. أما في لبنان فيدور الحديث عن “كارثة” لدى مقاربة أوضاع تَعلُّم الفلسطينيين، خاصة في السنوات الأخيرة وبعد خطوات التقليص في الإنفاق التي اتخذتها الأونروا. فما هو واقع تعليم الفلسطينيين في لبنان في الوقت الراهن؟.

أولاً: تطور الأوضاع التعليمية للاجئين الفلسطينيين في لبنان:

لا يمكن فصل تطور الأوضاع التعليمية، عن مجمل التطورات التي لحقت بالمجتمع الفلسطيني اللاجئ في لبنان. فقد شملت خدمات الأونروا التعليمية اللاجئين في لبنان، ومثل مجتمعات اللاجئين الأخرى، كان الإقبال على التعليم في مستويات جيدة، وثمة إشارات عديدة إلى أن أبناء اللاجئين في لبنان تمكنوا “من تحقيق أعلى مستويات في التعليم، وتحول المجتمع الفلسطيني في لبنان إلى أكثر المجتمعات العربية تعلماً قياساً بعدد السكان، وحتى العام 1982 كان من الصعب أن لا نجد في أي بيت فلسطيني عدداً من طلاب أو خريجي الجامعات” .

لقد سلفت الإشارة في المقدمة إلى إقبال الفلسطينيين رغم ظروفهم الصعبة على التعلم، ومن الناحية القانونية، لم يكن هناك ما يحرم الفلسطيني في لبنان من حقّه في تحصيل العلم، حيث يحقّ للطالب الفلسطيني الانتساب إلى المدارس الرسمية الابتدائية والمتوسطة والثانوية، كما يحقّ له الانتساب إلى المدارس الخاصة، وكل ذلك طبقاً لشروط القطاعين العام والخاص. وينطبق هذا الأمر على ما بعد دراسة المرحلة الثانوية، إذ يستطيع الطالب الفلسطيني متابعة دراسته في الجامعات الرسمية والخاصة وفقاً لشروطها، غير أن الاستثناء يتم لأشياء محددة مثل كليات التعليم المهني والتقني الرسمية، وكليات الطب، ومعاهد التعليم التربوي. وتحدد القوانين التعليمية في لبنان، نسبة الطلاب الأجانب في المدارس والجامعات ويأتي تصنيف الفلسطيني من بينها .

إن عدم وجود مانع قانوني للتعلم، باستثناءاته المشار إليها، لا ينفي انعكاس الحرمان من الحقوق الأخرى على العملية التعليمية من مختلف جوانبها؛ فالفقر الناجم عن الحرمان من حقّ العمل، أثّر على نسبة التعليم وحجمه، كما أن آلافاً ممن لا يملكون الأوراق الثبوتية محرومون من كافة الحقوق، بما فيها حقّ التعلم.

وقد أثرت الحروب بشكل مباشر على المستوى التعليمي للفلسطينيين، إذ أدت إلى هبوط المستوى العالي الذي اشتهرت به الأونروا في مجال التعليم المجاني، وذلك نتيجة الأضرار التي لحقت بالأبنية وضياع أوقات الدراسة، والإخلال بتدريب المعلمين. وتأثير الصدمات في قدرة الأطفال على التركيز، وغالباً ما يشار إلى بدء انهيار الواقع التربوي سنة 1975، الذي شهد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، فأصبحت نسب النجاح متدنية، وكلّفت أحداث مثل حرب المخيمات خسارة ثلاثة أعوام دراسية، كما أدى التهجير إلى انقطاع الطلاب من أبناء المهجرين عن مدارسهم، ولمدة لا تقل عن سنة دراسية كاملة، وزادت صعوبة انتقال الطلاب من أماكن إيوائهم إلى مدارسهم السابقة، مما أدى إلى انقطاع أكثرهم عن متابعة الدراسة، أو تأخر التحاقهم بمدارس بديلة بسبب الصعوبات المالية، أو عدم توفر المدارس .

ومنذ سنة 1982 تواصل تدهور الأوضاع التعليمية للفلسطينيين في لبنان على نحو أكبر مما سبق، فحتى ذلك الحين، كانت التأثيرات المتعاكسة لوجود منظمة التحرير الفلسطينية تمسّ العملية التعليمية. صحيح أن قطاعات من الشبان والفتية قد انجذبت إلى الفصائل الفدائية، وإلى مغادرة مقاعد الدراسة لأسباب متعددة، وأن تدخلات الفصائل في المدارس وتوفير “الحمايات الأمنية” لمدرسين لم يكونوا يقومون بواجبهم، أثّر سلباً في سير عملية التعليم، مما استدعى تدخل اللجنة التنفيذية للمنظمة لحلّ هذا الأمر . ولكن في مقابل ذلك، فقد افتتحت المنظمة، ورعت مدارس ثانوية لم تكن الأونروا توفرها. وتدخلت في “الجانب الوطني للمنهاج الذي كانت تعتمده الأونروا، بالتأكيد على الجانب التاريخي للقضية الفلسطينية، علماً أن معظم المدرسين كانوا منضوين في أطر فلسطينية، ويتطرقون للموضوع الوطني في معظم حصصهم” . أما الإنجاز الأكبر للمنظمة وفصائلها؛ فتمثل في توفير آلاف من المنح الدراسية الجامعية للطلاب الفلسطينيين في أوروبا الشرقية، وكوبا وبلدانٍ أخرى. وعلى الرغم من كل ما يقال عن كيفية الإفادة من هذه المنح لجهة الاختصاصات والتوزيع…إلخ؛ فقد كانت ذات أثر كبير في رفع نسبة التعليم العالي لدى الفلسطينيين، وفي إتاحة فرص التعليم الجامعي، التي لم تكن متاحة في لبنان، سواء لضيق ذات اليد، أم لعدم توفر المقاعد الجامعية. كما أن المنظمة دعمت توفير الأقساط والكتب لعدد كبير من الطلاب، مما حولها في وقت من الأوقات إلى مؤسسة تعليمية موازية للأونروا. وقد تابعت اهتماماتها هذه لبعض الوقت بعد الخروج من لبنان، لكنها بدأت بالتضاؤل التدريجي، وصولاً إلى ما يشبه الغياب الكلي في السنوات الأخيرة، مما كان له أثر سيء على أوضاع تعليم الفلسطينيين.

بيد أن عاملاً آخر أساسياً، بدأ ينخر جسد العملية التعليمية للفلسطينيين في لبنان، وهو قيام الأونروا بالتقليص التدريجي للخدمات؛ ومن بينها التعليم.

منذ سنة 1992، وعلى إثر انطلاق المفاوضات العربية – الإسرائيلية، في مدريد على وجه التحديد، أو ما يعرف بمرحلة السلام، تدهورت خدمات وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين بشكل حادّ. كانت الأزمة المالية التي بلغت حدّ الإفلاس التقني، كما أكّد المفوض العام بيتر هانسن Peter Hansen في تقريره السنوي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1997، هي السبب المعلن، في حين أن الخطط والبرامج المستقبلية للمرحلة الانتقالية في سنة 1995، ومواءمة الخدمات في سنة 1996، التي تهدف لتقديم الخدمات للدول المضيفة هي السبب الفعلي غير المعلن .

لقد تم توجيه اهتمامات الأونروا، وأرصدتها، وإمكاناتها إلى خدمة “عملية السلام”، وتركزت أنشطتها الرئيسية في الضفة الغربية، وقطاع غزة في محاولة لإنجاح اتفاق أوسلو Oslo Accords. وأصدرت “الوكالة” سنة 1996 برنامج مواءمة الخدمات، الذي استعرض أنشطة الأونروا، وحدد خططها المستقبلية، وفيما يتصل بالمواءمة في لبنان، أشار برنامج الوكالة الدولية إلى أن:

نسبة الاستيعاب الصفّي في مدارس الأونروا في لبنان أكبر كثيراً منها في المدارس الحكومية. وتطبّق الأونروا المعايير الرسمية القصوى للعبء التعليمي في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة معاً. وبساعتين دراسيتين إضافيتين للمعلم الثانوي الواحد في المدرسة الثانوية، التي تديرها الوكالة في بيروت، ولدى وزارة التربية معايير تنازلية للعبء التعليمي لكل معلم استناداً إلى سنوات خبرته، بينما الأونروا لا تطبق هذه المعايير، ولذا فإن تبني العمل المدرسي بنظام الفترة الواحدة، ومعايير العبء التعليمي للمعلم الحكومي، ونسب الاستيعاب الصفي لدى الحكومة سيتطلب استحداث وظائف إضافية، وبناء مدارس جديدة، وافتتاح صفوف وغرف متخصصة؛ مما يستلزم تكاليف كبرى.

كما أشار البرنامج إلى أن التلامذة في المدارس الحكومية اللبنانية؛ يدفعون رسوم تسجيل قدرها عدة أضعاف ما يدفعه تلامذة الأونروا، وعائلات اللاجئين في لبنان لا يستطيعون دفع رسوم التعليم في المدارس الحكومية أو الخاصة…، وفي لبنان ينبغي للتلامذة أن يشتروا جميع كتبهم المدرسية، ولوازمهم الدراسية، وهذه تكاليف يصعب على عائلات اللاجئين تغطيتها .

قدم البرنامج توصيفاً دقيقاً، وطالب باعتمادات كبيرة من أجل برنامج المواءمة، لكن ما حدث على أرض الواقع، كان تقليصاً مطرداً في خدمات الوكالة، ظهرت آثاره في جميع أنشطتها، ومن ضمنها التعليم الذي طالما شكّل مفخرة إنجاز لها.

وعلى الرغم من تركز المخاوف إزاء “التقليص” على قضية اللاجئين عموماً، وعلى حقّ العودة خصوصاً، وعلى الآثار الكارثية لانخفاض الخدمات الصحية، والاهتمام بحالات العسر وغير ذلك، واعتبار التعليم أقل من سواه تضرراً، فإن تشابك الخدمات من ناحية، ووضع اللاجئين الصعب أصلاً من ناحية ثانية، أدى إلى انعكاسات سلبية مباشرة وغير مباشرة على العملية التعليمية، والتي لا تقتصر على توفّر صفوف وقرطاسية وكتب ومعلمين، بل ما هو أكثر من ذلك، وقد لاحظ تقرير المؤتمر التربوي – التعليمي الأول للاجئين الفلسطينيين في لبنان أن “المشكلات التي يعاني منها الفلسطينيون لا يمكن تجزئتها، وأن من يتحمل مسؤولية تردي الأوضاع التربوية، هو مجمل الهيئات الراعية للاجئين، إلى جانب الأوضاع والظروف القاسية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون” .

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثالث كاملاً اضغط هنا  (33 صفحة، 1.07 MB)