مدة القراءة: 6 دقائق

الصفحات الخمس الأولى من الفصل الثاني: “ظلم ذوي القربى: الانتهاكات قبل الاعتقال الأول حزيران/ يونيو 2006” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثاني كاملاً اضغط هنا  (26 صفحة، 596 KB)

تقديم:

إن ما تقدم ذكره من جرائم وانتهاكات وإجراءات عدوانية وعقابية حاقدة من احتلال همجي بغيض، وما لحق بنا من أذى السجون والتعذيب نحن وذوينا وهيئات مكاتبنا من هذا الاحتلال الغاشم تلقيناه بصمود وشموخ واعتزاز، وتلقيناه بصدر رحب وصبر جميل، لأنه كان متوقعاً من عدو محتل ظالم لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة. وهو جزء من ثمن المقاومة الواجب علينا دفعه أمام ظلم الاحتلال وبطشه الذي لم يسلم منه أحد من أبناء شعبنا الفلسطيني، ونحن نرجو من هذا الأذى وهذه المعاناة الأجر والثواب من الله تعالى.

ولكن الذي جرحنا وأدمى قلوبنا وكان أشد مضاضة على أنفسنا من كلّ ذلك هو ما لاقيناه من أذى واستهداف وعدوان من ذوي القربى من بني جلدتنا، ممن كنا نظن فيهم أن يكونوا عوناً وسنداً لنا أمام إجراءات الاحتلال وبطشه، كوننا نشترك جميعاً في المعاناة والقهر والإذلال، ونتعرض جميعاً للاعتداءات نفسها والاستهداف نفسه من قبل هذا الاحتلال.

كم هو مؤلم ومحزن أن يعيش المرء بين قومه وفي بلده ووطنه، وهو يرى المحتل ينهش أرضه ومقدساته، ويستبيح الشجر والحجر والبشر، يتوغل يومياً داخل المدن والقرى والمخيمات لاختطاف أبنائه وإخوانه… وعلى الرغم من ذلك يرى فريقاً من أبناء شعبه والذي كان يمثل يوماً من الأيام حالة ثورية ونضالية، ولكنه أصبح بين عشية وضحاها جلاداً لشعبه يلاحق الشرفاء والمقاومين، ويبذل كلّ الجهد والوقت والإمكانات ليس لحماية شعبه وأمنه، ولكن لحماية الاحتلال ومستوطنيه وجنوده.

إنها فئة أصبحت تمثل الأقلية في الشعب الفلسطيني، حسب نتائج آخر انتخابات نزيهة للبرلمان الفلسطيني وللبلديات والمجالس المحلية وغيرها، لكنها تسلطت على الأكثرية، ومارست الجرائم والبطش والعدوان تجاه الفئة التي تمثل الأكثرية في الشعب الفلسطيني، مستخدمة عصا الأجهزة الأمنية الغليظة، دون ضوابط قانونية أو أخلاقية أو وطنية أو دينية.

بعض هؤلاء كان قاصداً ومتعمداً هذه الاعتداءات على الحركة الإسلامية وأنصارها ومؤسساتها، يدفعه الحقد والتعصب الفئوي، وبعضهم كان ساذجاً غسلوا دماغه، ونجحوا في خداعه وإقناعه بأن الفئة التي فازت في الانتخابات وأصبحت تمثل الأغلبية في المجتمع الفلسطيني هي فئة ضالة مضلة، خارجة عن الصف الوطني، وأنها تقف عقبة أمام المشروع الوطني والحلم الفلسطيني، وبالتالي فهي أخطر على القضية من العدو المحتل نفسه، ولذلك يجب استئصالها والقضاء عليها، وتجفيف ينابيعها قبل البدء بإزالة الاحتلال نفسه.

واستحلوا في سبيل ذلك كلّ الأساليب والوسائل المحرمة بما في ذلك التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتسليم الملفات الأمنية لأبناء الحركة الإسلامية وأنصارها لأجهزة مخابرات العدو، لتقوم هي الأخرى بدورها في هذه الحرب الاستئصالية، من خلال التقاسم الوظيفي والتكامل مع الاحتلال، بحيث تقوم أجهزة السلطة الأمنية بجمع المعلومات عن أنصار الحركة الإسلامية وتسليمها للاحتلال، ثم يقوم الاحتلال باعتقالهم من بيوتهم والتحقيق معهم حول تلك المعلومات التي وصلتهم، ثم السجن بناءً عليها لمدد طويلة في أقبيته وزنازينه!!

ليس هذا الكلام من الخيال، بل هو حقيقة واقعة شاهدناها بأم أعيننا، ورأينا ضحايا هذه السياسة في سجون الاحتلال بالعشرات بل بالمئات. لقد أصبح الحليم حيراناً مما يرى من انقلاب الموازين وتبدل الثقافات والأعراف الوطنية والأخلاقية، يرى ويشاهد أناساً يدمرون أوطانهم بأيديهم، يحاربون قومهم وأبناء جلدتهم، حتى أصبح الوطن يعاني من احتلالين وليس من احتلال واحد، وهم في ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وأنهم يبنون وطناً ويحققون حلماً.

على سبيل المثال، عندما أعيد اعتقالنا (نحن النواب) اعتقالاً إدارياً بدايات سنة 2012، وكنا أكثر من نصف النواب الإسلاميين في الضفة الغربية في سجون الاحتلال نعاني من هذا الاعتقال الإداري الظالم، بعد أن أنهينا فترة محكوميتنا السابقة والتي استمرت سنوات، وكلّ هؤلاء النواب عندهم قناعة أن سبب اعتقالهم الإداري يرجع إلى التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال. والدليل على ذلك: أن التحقيق معنا كان كله مركزاً على نشاط النواب ضدّ إجراءات السلطة والأجهزة الأمنية واعتداءاتها على المواطنين في الضفة، خاصة في وسائل الإعلام ومتابعتها مع المؤسسات الحقوقية والإنسانية، أو بسبب نشاطهم الاجتماعي والدعوي كلّ في منطقته.

فقد أخبرنا مثلاً النائب د. عمر عبد الرازق عن فترة التحقيق الطويلة الأخيرة معه في أقبية التحقيق في معتقل الجلمة، وكيف أنها كانت في معظمها مركزة على نشاطه الإعلامي والحقوقي حول ممارسات أجهزة السلطة الشاذة ضدّ المواطنين الفلسطينيين وضدّ المؤسسات الخيرية والاجتماعية، ولم يحققوا معه أبداً عن نشاطه الإعلامي البارز ضدّ الاحتلال. وهذا ما صرح به القاضي العسكري للنائب د. محمود الرمحي بشكل واضح بأن سبب اعتقاله الإداري هو التنسيق الأمني مع السلطة، وأن السلطة لا تريده خارج السجون. وهو ما زلّ به لسان أحد القضاة في المحكمة العسكرية، حين قال لي بصريح العبارة: إن تجديد الاعتقال الإداري لك كونك نائباً في المجلس التشريعي، أي بسبب تمتعك بالحصانة البرلمانية. وقيلت العبارة نفسها أيضاً ولكن من قبل النائب العسكري للزميل النائب أنور الزبون!!

بداية الانتهاكات:

بدأت الحملة الممنهجة والمتواصلة ضدّ النواب الإسلاميين والمقربين منهم بعد الانتخابات مباشرة في بداية سنة 2006، ولم تتوقف حتى الآن (كانون الثاني/ يناير 2013)، وفق خطة محكمة وشاملة توفرت لها كلّ الإمكانات المادية والبشرية، والتي تهدف إلى شلّ عمل المجلس التشريعي والحكومة الشرعية المنبثقة عنه، من خلال الفلتان الأمني الممنهج والاعتداء على المؤسسات الخاصة والعامة، وباستخدام أساليب التشويه وقلب الحقائق ونشر الإشاعات والدعايات الكاذبة، وترويع المواطنين العاديين وإلقاء الرعب في قلوبهم، والذي ظهر وكأنه انتقام منهم على انتخابهم الحركة الإسلامية في الانتخابات التشريعية.

لقد كانت صدمة القوم من نتائج الانتخابات كبيرة منذ ظهور نتائجها، وحاولوا بكل الوسائل إلغاءها وإفشالها منذ أول يوم، فبعد 24 ساعة فقط من ظهور أولى النتائج للانتخابات ألحّ المقربون من الرئيس أبي مازن عليه بإلغاء النتائج وإعلان حالة الطوارئ، لكنه رفض ذلك مستذكراً الحالة الجزائرية، وحاول البيت الأبيض أيضاً بدوره الالتفاف على نتيجة هذه الانتخابات، فشجع الرئيس أبا مازن على إعلان نفسه بديلاً عن الحكومة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2006، ألحت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، على محمود عباس أن يحل الحكومة الارهابية “الحكومة العاشرة” .   

أما الذي تولى كبره منهم في هذه الأحداث فهي الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي تمثل حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح عمودها الرئيسي، واستغلوا مصطلح “كتائب شهداء الأقصى” التابعة لحركة فتح أيضاً في معظم هذه الأحداث في هذه المرحلة. لقد نسي القوم كلّ معاني الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان واحترام إرادة الشعوب، والتي تغنوا بها طوال العقود والسنوات الماضية، وأوهموا الشعب الفلسطيني لعقود أنهم هم وحدهم الديموقراطيون والقادرون على إدارة شؤون السلطة حالياً والدولة مستقبلاً. ولكن حين يكون المنافس لهم حركة وطنية إسلامية تحمل المشروع الإسلامي والمنهج الإسلامي تنتهي كلّ تلك المعاني الجميلة التي كانوا يروّجون لها، لتصبح سياسة ميكيافيلي “الغاية تبرر الوسيلة” هي السياسة المتبعة في مواجهة هؤلاء الخصوم الإسلاميين.

ونذكر هنا بعض هذه الوسائل والأساليب التي استخدمت بعد الانتخابات مباشرة، والتي تمثل بداية الانتهاكات، والتي بدأت في تلك الفترة ولم تتوقف حتى الآن:

1. فوز مزيف:

فمن ذلك: الإشاعات التي نشروها بعد إعلان نتائج الانتخابات مباشرة بأن فوز الحركة الإسلامية في هذه الانتخابات ليس فوزاً حقيقياً، بل هو فوز مزيف، وأن الفائز الفعلي فيها هو حركة فتح. ونشروا هذه الإشاعة في جميع الوسائل الإعلامية حتى وسائل الإعلام الأجنبية، وصرح بها ناطقوهم الإعلاميون في كلّ المسارح الإعلامية المحلية والدولية. واتخذوا من محافظة سلفيت (التي أمثلها) نموذجاً ومثالاً على هذا الادعاء الكاذب، وقالوا: إنه كان لحركة فتح ثلاثة مرشحين يتنافسون على مقعد المحافظة الوحيد، وأنه كان للحركة الإسلامية مرشح واحد ومجموع ما حصل عليه مرشحو حركة فتح أكثر مما حصل عليه مرشح الحركة الإسلامية الوحيد .

وصل هذا التحليل العجيب إلى صحيفة نيويورك تايمز The New York Times الأمريكية، وواجهني به الصحفي الشهير توماس فريدمان Thomas L. Friedman في لقاء بيني وبينه في مدينة رام الله بعد حوالي أسبوعين من الانتخابات، وقال لي بالحرف الواحد: إنك لم تفز في الانتخابات في الحقيقة، وإن الفائز الحقيقي هو مرشح حركة فتح لو كانت فتح موحّدة؟ وقال: هكذا قالوا لنا، وهذا ما نشر في وسائل الإعلام الأمريكية عن محافظة سلفيت التي اعتبروها نموذجاً لهذه الحقيقة كما يزعمون!!

فكانت إجابتي له: إن هذا تحليل زائف: لأن الحركة الإسلامية قد فازت أيضاً في نظام القوائم (القوائم النسبية)، وحصلت أكثر مما حصلت عليه حركة فتح، حتى في محافظة سلفيت التي أمثلها. مع أن حركة فتح لها قائمة واحدة على مستوى الوطن.

ثم إنهم نسوا العامل العشائري ودوره في الانتخابات، ونسوا أن أحد مرشحي حركة فتح هو من عائلتي الكبيرة، والذي ترشح كمستقل وليس باسم حركة فتح. والذي أخذ مني نسبة كبيرة من أصوات العشيرة، لم يكن ليحصل عليها المرشح الرسمي لحركة فتح لو كان هو المرشح الوحيد لهم.

كذلك فقد نسوا أن المرشح الرسمي لحركة فتح هو شخص من مدينة سلفيت (مركز المحافظة) ويعرفه الجميع هناك، في حين أنني أنا، مرشح الحركة الإسلامية، من بلدة صغيرة على أطراف محافظة سلفيت. وكنت قد خرجت من سجون الاحتلال قبل الانتخابات بأشهر معدودة بعد قضاء 12 سنة متتالية فيها، ولم أتمكن بعد من التعرف بشكل جيد على المواطنين في المحافظة، ولم يتعرفوا هم عليّ، مما يعطي فرصة أقل للتأثير على قرار الناخب في محافظة سلفيت. ومع كلّ هذه الاعتبارات تمكنت من تجاوز جميع المرشحين وفزت بالمقعد الوحيد عن محافظة سلفيت، مما يؤكد أن المواطنين في المحافظة انتخبوا البرنامج السياسي الذي طرحته والفكرة التي أحملها، ولم ينتخبوا الشخص لذاته. وهذه الحقيقة تنسحب على باقي المحافظات بلا شكّ، والتي تؤكد أن الشعب الفلسطيني اختار برنامج الحركة الإسلامية، وأسقط برنامج م.ت.ف.

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثاني كاملاً اضغط هنا  (26 صفحة، 596 KB)



>> 
إقرأ أيضاً  

 
>> الصفحات الأولى من كتاب “الديموقراطية الزائفة والحصانة المسلوبة”

>> الصفحات الخمس الأولى من الفصل الأول: “إجراءات الاحتلال: اعتقال واستهداف وانتهاكات”

>> الصفحات الخمس الأولى من الفصل الثالث: “انتهاكات خطيرة ضدّ النواب الإسلاميين ومكاتبهم قبل الاعتقال الأول وفي أثنائه”

>> الصفحات الخمس الأولى من الفصل الرابع: “حرب شاملة على الحركة الإسلامية وأنصارها بعد أحداث غزة سنة 2007”