مدة القراءة: 5 دقائق

الصفحات الخمس الأولى من كتاب “معاناة العامل الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الكتاب … للاطلاع على الكتاب كاملاً اضغط هنا     (114 صفحة، 6.8 MB)

تقديم:

يقدّم مركز الزيتونة للقرّاء كتابه العاشر من سلسلة “أولست إنساناً”، التي يسلط الضوء من خلالها على الجوانب المختلفة لمعاناة الشعب الفلسطيني.
 
يتناول هذا الكتاب “معاناة العامل الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي”، ويستعرض تاريخ الحركة العمالية في فلسطين ونضالها، والاستهداف المباشر للعمال الفلسطينيين وللبنى التحتية وللقطاع الزراعي، كما يبرز سياسات الاحتلال الإسرائيلي في خنق الاقتصاد الفلسطيني، والتبعات الاقتصادية المترتبة على تقييد حرية حركة العمال، بالإضافة إلى معاناة العمال الفلسطينيين داخل “إسرائيل” وفي المستعمرات الإسرائيلية.

يعيش العامل الفلسطيني معاناة استثنائية، من حيث طبيعة الاستهداف، ومن حيث المخاطر التي تواجهه من الاحتلال الإسرائيلي، الذي فرض كل الشروط والظروف التي أدت إلى عدم قيام مؤسسات حقيقية ترعى العمال الفلسطينيين وتقوم بتنظيمهم، وتطالب بحقوقهم.

إن العامل الفلسطيني ضحية لواقع لا إنساني، وهو محاصر بين أسرة تنتظر منه حاجاتها الأساسية، وبين سياسة إسرائيلية تقهره، وتفرض عليه البطالة.

ويسير هذا الكتاب على نهج كتب سلسلة “أولست إنساناً”، فينقل المعاناة بأسلوب يخاطب العقل والقلب في إطار علميّ منهجيّ موثّق، مستعيناً ببعض القصص والصور، لتقرّب إلى القارئ بشكل أوضح ما يعانيه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي.

مقدمة:

ارتبط الاستعمار والاحتلال قديماً بعوامل اقتصادية مثل تسخير العمال ونهب الثروات الطبيعية؛ لكن القرن العشرين شهد نهايات هذا العهد وبدايات نظام عالمي جديد، احتفظت فيه القوى الكبرى بهيمنتها الاقتصادية على العالم لكنها فقدت العديد من أشكال السيطرة المباشرة. وتطورت الحركة العمالية وانتهت حقبات استغلال العمال وتسخيرهم في معظم بلدان العالم؛ إلا في فلسطين.

ففي فلسطين، سارت الأمور في الاتجاه المعاكس تماماً. فهذه البلاد التي عرفت ازدهاراً اقتصادياً في بدايات القرن العشرين، مردّه الأساسي إلى موقعها الاستراتيجي ومكانتها الدينية المقدسة، برع أهلها في التجارة والعلوم وكانت لمؤسساتهم من مستشفيات ومدارس ومصانع الريادة في بلاد الشام، لكنها وقعت ضحية المؤامرة البريطانية الصهيونية؛ ليكتب لها أن تبدأ معاناة قاسية مع الاحتلال، طالت كافة جوانبها المعيشية بما فيها الاقتصادية، واستمرت حتى اليوم.

ولقد كانت معاناة العمال الفلسطينيين أحد الجوانب التي قلما يتم تسليط الضوء عليها، حيث أن الحديث عن العمال غالباً ما يرتبط بعلم الاقتصاد وبالدراسات والمؤشرات الاقتصادية؛ ويبتعد تماماً عن الجوانب الإنسانية لهذا القطاع الواسع والمهم من المجتمع، والذي يرتبط بشكل أو بآخر بكافة النواحي الاجتماعية والمعيشية الأخرى. كما أسهم في تغييب الحديث عن معاناة العمّال تحت الاحتلال الإسرائيلي، ما تسبّب ويتسبّب به هذا الاحتلال من معاناة على صعد أخرى، هي بطبيعتها أكثر إثارةً للاهتمام، كمعاناة النساء والأطفال والمرضى والأسرى، وارتكاب المجازر، وهدم المنازل ومصادرتها للأراضي، وانتهاك المقدسات، وغيرها… على الرغم من أن الاحتلال ركّز على استهداف الاقتصاد الفلسطيني والقوى العاملة، استهدافاً مقصوداً عبر سياسات محددة، لما لهذا القطاع الحيوي من أهمية ولنشاطه من تبعات.

ويحاول هذا الكتاب التعريف بمعاناة العمال الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي من جوانبها المختلفة، مشدداً، كما في الأعداد السابقة من هذه السلسلة، على ضرورة وقف هذه المعاناة التي يتسبب بها الاحتلال الإسرائيلي وممارساته التي لا تحترم شرعاً أو عرفاً أو مبدأً أو قانوناً.

أولاً: تمهيد معلوماتي

لا يمكن الحديث عن القوى العاملة في أي مجتمع أو بيئة إلا بالحديث عن الاقتصاد أولاً بإطاره الأوسع الذي يعرّف على أنه مجموع الأنظمة الاقتصادية في منطقة ما (أو دولة)، بما في ذلك العمال، ورأس المال، والموارد الطبيعية، والعوامل الاقتصادية، التي تشارك اجتماعياً في إنتاج، أو مبادلة، أو توزيع، أو استهلاك البضائع والخدمات في تلك المنطقة.

والاقتصاد هو عملية تراكمية مستمرة، تجمع بين الماضي والحاضر، وبين الواقع الاجتماعي والحضاري والثقافي والجغرافي والسياسي؛ فتتأثر بها تماماً كما تؤثّر عليها. لهذا فإن الاحتلال الذي ينتهك كافة جوانب الحياة، لا يمكن تجاهل أثره على الاقتصاد بما فيه القوى العاملة؛ خاصة إذا ترافق مع استهداف متعمّد للجوانب والمؤثّرات الاقتصادية.

ويتم تناول الاقتصاد عادة في جوانب أو قطاعات رئيسية، منها مثلاً القطاعات العامة والخاصة (الحكومية وغير الحكومية)، أو القطاعات الإنتاجية. كما يكون تناول الجوانب الاقتصادية بتناول مؤشرات رئيسية درج اعتمادها في علم الاقتصاد، لعل أشهرها: الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي الإجمالي، وإجمالي الصادرات والواردات، ومعدلات الإنفاق العام والإنفاق الاستهلاكي، ومؤشرات البطالة والفقر…إلخ.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من المآخذ على هذه المؤشرات ودلالاتها الحقيقية، خاصة وأنها تصدر عن جهات سياسية رسمية في معظم الأحيان، وبالتالي قد تخفي الدول العديد من الظواهر السلبية من خلال إعطاء أرقام غير حقيقية أو معدّلة، أو عن غير قصد بسبب انتشار الترهّل وغياب الفعالية، ونقص الإمكانيات في أداء العديد من المؤسسات الرسمية في دول العالم الثالث خصوصاً. كما أن الأرقام التي تصدر عن البنك الدولي The World Bank أو الجهات الدولية تكون في معظمها ذات قيمة رياضية بحتة، بسبب صعوبة إسقاطها على واقع الدول المعنية، لتفاوت معدلات أسعار المعيشة والعملات والظروف بين الدول.

1. الاقتصاد الفلسطيني:

يغطي مصطلح “الاقتصاد الفلسطيني” المتداول من حيث الديموغرافيا والجغرافيا، اقتصاد الـ 4.109 ملايين فلسطيني الذين يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب إحصائية نهاية سنة 2010. وعليه فإن هذا الاقتصاد يستثني فلسطينيي 1948 (المقيمين في “إسرائيل”)، وفلسطينيي الشتات الذين يُقَدَّر عددهم مع نهاية السنة نفسها بحوالي 1.277 مليون و5.749 ملايين نسمة على التوالي، بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ؛ أي أنه يمثّل فقط اقتصاد 36.9% من الفلسطينيين و22% تقريباً من الأراضي الفلسطينية (بحسب مساحة فلسطين تحت الانتداب البريطاني).

يحكم هذا الاقتصاد خاصيتان رئيسيتان:

الأولى: أنه اقتصاد تحت احتلال ينتهك الأرض والبحر والأجواء، ويتحكم بالصادرات والواردات، ويستنزف الموارد الطبيعية وفي طليعتها التربة والمياه، ولطالما استهدف ويستهدف البنى التحتية من شبكات طرق ومياه وكهرباء ويدمرها، كما قطّع أوصال الضفة الغربية بنظام شائك من الحواجز والمعابر والطرق الالتفافية بالإضافة إلى الجدار الفاصل، ويتحكم بكافة معابر قطاع غزة حتى بحرها؛ مما يجعل حياة الفلسطينيين فيه مثل الحياة في سجن كبير.

كما أنه لا توجد حتى اليوم عملة فلسطينية أو نقد وطني فلسطيني تصدره السلطة الوطنية. وتتم المعاملات بعملات مختلفة، أبرزها الدولار الأمريكي والدينار الأردني والشيكل الإسرائيلي. وقد سعى الاحتلال الإسرائيلي منذ بدايته إلى تقييد الاقتصاد الفلسطيني بهذا الشكل، بحيث يكون اقتصاداً تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي، يوفّر له العمالة الرخيصة، ويكون سوقاً لمنتوجاته، كي لا تتوفر للاقتصاد الفلسطيني أية مقومات استقلال وتنمية حقيقية. إنّ أكثر من ثلثي الواردات الفلسطينية تأتي من مصادر إسرائيلية، كما تذهب أكثر من تسعة أعشار الصادرات الفلسطينية إلى السوق والمؤسسات الإسرائيلية. حتى إيرادات الجمارك والضرائب الفلسطينية، فإن سلطات الاحتلال هي من يجبيها، وتستخدمها كأداة ضغط على السلطة الفلسطينية . وكل ما سبق مكرّس في اتفاقيات التسوية السلمية وما نتج عنها من ترتيبات “الحكم الذاتي”، ولعل أبرزها في الجانب الاقتصادي اتفاقية باريس، واتفاقيات المعابر الخاصة بقطاع غزة .

وفي هذا السياق، يجب التنبيه إلى أن الاقتصاد الفلسطيني لا يعكس، بالتالي، القدرات الفلسطينية والمقومات الحقيقية للشعب والموارد الفلسطينية، بقدر ما يعكس معاناة هذا الشعب وظلم وقهر الاحتلال الإسرائيلي.

الثانية: الديموغرافيا الفلسطينية التي تتميز بالخصوبة النسبية مقارنة مع الشعوب الأخرى، وتحديداً دولة الاحتلال. لكن هذه الصفة تصبح من الناحية الاقتصادية، عملة ذات وجهين. فمن جهة، تكمن إيجابيتها في أنها تغذّي الاقتصاد الفلسطيني بالموارد البشرية الشابة، والتي تكاد تكون المورد الوحيد المتوفر حالياً للاقتصاد الفلسطيني. إلا أنها من الناحية الأخرى ترفع من نسبة الإعالة.

وتختلف نسب الإعالة والبطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث ترتفع نسب الإعالة والبطالة أكثر في قطاع غزة، خاصة مع الحصار الإسرائيلي الخانق منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية سنة 2006، وبعد العدوان الإسرائيلي في نهاية سنة 2008 ومطلع 2009. ويعدّ قطاع غزة من أكثر المناطق كثافة سكنية في العالم، حيث يسكن مساحته البالغة 363 كم2، حوالي 1.56 مليون نسمة، أكثر من ثلثيهم من اللاجئين . وباستثناء الغاز الطبيعي الذي اكتشف منذ سنين قليلة في بحر غزة الذي تسيطر عليه “إسرائيل”، لا يتمتع قطاع غزة بغنى الموارد الطبيعية والمياه.

يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل أساسي على المساعدات والمنح التي تأتي من الخارج، وغالباً ما تكون مشروطة بتوجهات سياسية معيّنة لا تراعي مصلحة وظروف الفلسطينيين، بل وتكرّس من سياسات ارتهان الشعب الفلسطيني من خلال لقمة عيشه. ويزيد من سوء الأوضاع، وجود فساد إداري ومالي كبير في أجهزة السلطة، مما يؤدي إلى ضياع العديد من هذه الأموال والمساعدات في غير محلّها الصحيح.

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الكتاب … للاطلاع على الكتاب كاملاً اضغط هنا     (114 صفحة، 6.8 MB)