مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي رقم (37) – أيلول/ سبتمبر 2011. 

ملخص:

إزاء الصمت الدولي على حصار قطاع غزة منذ منتصف حزيران/ يونيو 2006، واشتداد المعاناة الإنسانية لنحو مليون ونصف فلسطيني فيه، نشأت حملة تضامنية دولية قامت بتسيير حملات برية وبحرية لكسر الحصار، لإيصال رسالة سياسية برفض العقاب الجماعي الإسرائيلي لسكان غزة، وتسليط أنظار العالم على معاناتهم، والتخفيف منها من خلال إدخال المساعدات.

وفي حين شكّلت القوافل البرية وسيلة أكثر نجاحاً في الوصول إلى قطاع غزة وإدخال المساعدات، إلا أن المحاولات البحرية لكسر الحصار كانت الأقدر على تسليط الضوء عليه سياسياً وإعلامياً. ولكن مع إصرار “إسرائيل” على مواجهة المحاولات البحرية بشتى الوسائل الدبلوماسية والسياسية والعسكرية، وإغلاق موانئ المتوسط أمامها، وتأييد تقرير بالمر لشرعية حصار غزة بحراً، يبدو أن استخدام السفن كوسيلة لكسر الحصار قد استنفد مداه، ولم يعُد من الممكن لهذه الوسيلة إضافة نجاحات جديدة إلى ما تمكنت من تحقيقه. وفي ضوء المعطيات الراهنة، يبدو المسعى التركي لإدانة الحصار قانونياً في محكمة العدل الدولية من البدائل التي يمكن التركيز عليها مستقبلاً.

مقدمة:

عقب أسر المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في منتصف حزيران/ يونيو 2006، فرضت “إسرائيل” حصاراً برياً وبحرياً على قطاع غزة، ولجأت لتشديده إثر سيطرة حركة حماس على القطاع في يونيو/ حزيران 2007، بعد أن أعلنت القطاع “كياناً معادياً”. وقد أدى الحصار إلى وضع نحو مليون ونصف فلسطيني، هم سكان قطاع غزة، في أوضاع إنسانية غاية في الصعوبة، ازدادت تفاقماً إثر العدوان الإسرائيلي على غزة في ديسمبر/ كانون الأول 2008 ويناير/ كانون الثاني 2009، ومنع إعادة إعمار ما دمره العدوان.

وفي ضوء التدهور المستمر في الأوضاع الإنسانية لسكان القطاع على كافة الأصعدة، والصمت الدولي الرسمي تجاه سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها “إسرائيل” بحقهم، نشأت حركة تضامنية شعبية دولية لفك الحصار عن قطاع غزة، من خلال قوافل المساعدات البرية والبحرية، هدفت لإدخال المساعدات الغذائية والطبية وغيرها من الحاجات الأساسية لسكان القطاع، إلى جانب سعيها لنزع الشرعية السياسية والأخلاقية عن الحصار الإسرائيلي، الذي وصفته هيئات حقوقية ودولية عدة بأنه “عقاب جماعي” للسكان، يندرج في إطار جرائم الحرب.

حملات كسر الحصار:

شكّلت القوافل البحرية أولى الوسائل التي لجأ إليها منظمو حملات كسر الحصار، من خلال إرسال سفن محملة بالمساعدات، تقلّ ناشطين ومتضامنين من مختلف دول العالم، للرسو على شواطئ القطاع. وكانت هذه الوسيلة الأبرز بسبب الدلالات السياسية التي حملها الوصول لقطاع غزة مباشرة دون عبور بوابة الاحتلال، لأول مرة منذ احتلاله سنة 1967، إلى جانب التغطية الإعلامية التي رافقتها. وقد بلغ عددها حتى اليوم 15 سفينة وقافلة، نجحت خمس منها فقط بالوصول إلى القطاع.
أما القوافل البرية التي سعت لكسر الحصار عبر معبر رفح، فكانت الوسيلة الأساسية لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، وزاد عددها عن 15 قافلة، ضمت أغلبها برلمانيين وشخصيات سياسية من عدد كبير من دول العالم. وقد حققت نجاحاً أكبر في دخول القطاع، وإن لم تحظَ باهتمام سياسي وإعلامي كالقوافل البحرية.

على الرغم من أن حملات كسر الحصار لم تنجح جميعها في الوصول إلى غزة، إلا أنها تمكنت من تحقيق عدة إنجازات، أهمها:

1. إيصال رسالة برفض سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية بحق سكان القطاع، والتضامن معهم، ونزع الشرعية الأخلاقية والسياسية للحصار، ورفض الصمت الدولي الرسمي تجاهه.
2. توضيح حجم انتهاكات “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين، ومدى استخفافها بالقانون الدولي.
3. إيجاد حملة عالمية منسقة للتضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة، ومع القضية الفلسطينية ككل، من خلال المشاركة الواسعة لمتضامنين من مختلف دول العالم في هذه الحملات والفعاليات التحضيرية التي سبقتها.
4. إدخال كميات من المواد الإغاثية الغذائية والطبية الضرورية لحياة سكان القطاع.

الموقف الإسرائيلي:

تعاملت “إسرائيل” مع محاولات كسر حصارها على غزة، وخصوصاً البحرية منها، على أنها تحدٍّ لسياستها في التعامل مع القطاع، ومحاولتها عزل حماس وحكومتها فيه، وكان مبرر رفضها لهذه المحاولات ومنعها هو “حماية أمنها” من الخطر الذي قد تشكّله سفن كسر الحصار، من خلال محاولة تهريبها أسلحة إلى القطاع. وبشكل عام، يمكن استعراض سياسة “إسرائيل” تجاه محاولات كسر الحصار من خلال ما يلي:

1. في بداية المحاولات البحرية لكسر الحصار، والتي سبقت العدوان على غزة بأربعة أشهر، لم تسعَ “إسرائيل” لمواجهة السفن التي كانت تُقل ناشطين ومتضامنين أجانب، ولكن منذ بداية عدوانها على القطاع، لم تسمح “إسرائيل” بوصول أية سفينة إليه، ولم تتردد في استخدام القوة العسكرية لتحقيق ذلك، كما حصل مع أسطول الحرية-1 في 31/5/2010. وجاءت حملتها لمنع أسطول الحرية-2 من الإبحار، عبر النشاط الدبلوماسي والضغوط السياسية، والتهديد باستخدام القوة، كتأكيد على إصرارها على فرض الحصار.

2. لم تنظر “إسرائيل” إلى القوافل البرية لكسر الحصار على أنها تشكّل تحدّياً كبيراً لإرادتها السياسية بمحاصرة القطاع؛ نظراً لأنها لا بد أن تمر عبر إحدى بوابتين: البوابة الإسرائيلية أو البوابة المصرية، وفي كلتا الحالتين كانت “إسرائيل” حريصة إلى حد كبير على مراعاة “اعتباراتها الأمنية”.

3. حاولت “إسرائيل” إظهار عدم سعيها إلى التسبب بأزمة إنسانية في قطاع غزة، بهدف تجنب الضغوط والإدانات الدولية، ولإفراغ الدعاية الإعلامية لحملات كسر الحصار من مضمونها؛ وذلك عبر مجموعة من الإجراءات، شملت: عدم إظهار ممانعتها لدخول قوافل المساعدات البرية إلى القطاع، والسماح بدخول قوافل إغاثة إلى غزة من المعابر التي تسيطر عليها، وإبداء استعدادها لنقل المساعدات التي تحملها سفن كسر الحصار إلى غزة مقابل أن لا تتوجه السفن مباشرة إلى القطاع، إضافة إلى ادعائها بالسماح بدخول المواد والاحتياجات الأساسية لسكان غزة من خلال المعابر التي تتحكم فيها، ولجوئها لإعلان تخفيف الحصار إثر ردود الفعل الدولية المنددة بالاعتداء على أسطول الحرية-1.

الموقف الفلسطيني:

السلطة الفلسطينية: شدد رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة في رام الله سلام فياض في أكثر من مناسبة على رفضهم للحصار الإسرائيلي على سكان قطاع غزة، مؤكدين ضرورة أن ترفع “إسرائيل” حصارها عن غزة، ولكن القيادة الفلسطينية عادة كانت تربط دعوتها بالتأكيد على ضرورة تحقيق المصالحة بوصفها “مدخلاً” لإنهاء الحصار.

وفيما يتعلق بالموقف من محاولات كسر الحصار تحديداً، فقد أدانت السلطة الاعتداءات التي كانت تتعرض لها سفن كسر الحصار، ولكن موقفها كان أقرب إلى بقية المواقف الرسمية العربية والدولية، التي ترى أنه من الأجدى إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع عبر مصر أو الأردن (مروراً بـ”إسرائيل” وبالتنسيق معها). مع الإشارة إلى أن الرئيس عباس، في بداية تلك المحاولات، كان قد وصف سفن كسر الحصار بأنها “لعبة سخيفة”.

حركة حماس: رحبت حركة حماس بوصفها الطرف المستهدف سياسياً من حصار قطاع غزة بمحاولات كسر الحصار، وعملت على الاستفادة منها سياسياً وإعلامياً، حيث إنها أسهمت في إظهار المعاناة التي يتعرض لها سكان غزة، ومدى بشاعة العقاب الجماعي الذي تمارسه “إسرائيل” بحقهم.

كما حرصت حماس على دعم تلك المحاولات وتشجيعها، والاحتفاء بالمتضامنين الذين كانوا يدخلون إلى القطاع وتكريمهم من قِبل شخصيات رفيعة في حكومة غزة، وعلى رأسهم رئيس الحكومة إسماعيل هنية.

المواقف العربية والإسلامية:

أجمعت الدول العربية والإسلامية على رفض الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة وإدانته، وأكدت في مناسبات متكررة على ضرورة إنهائه، كما أدانت الاعتداءات التي كانت تتعرض لها سفن كسر الحصار، وخصوصاً الاعتداء على أسطول الحرية-1. ولكن كان من الملاحظ أن غالبية الدول العربية والإسلامية، باستثناء تركيا وليبيا، لم تكن معنية بالدخول في مواجهة سياسية مع “إسرائيل” من خلال حملات كسر الحصار، حيث فضلت تلك الدول المساهمة في التخفيف من معاناة سكان قطاع غزة من خلال إرسال المساعدات الإنسانية براً إلى قطاع غزة، دون المشاركة رسمياً في قوافل كسر الحصار، وخصوصاً البحرية منها.

أبرز المواقف العربية والإسلامية كانت لكل من: مصر، بحكم مجاورتها للقطاع الذي يشكّل معبر رفح بوابته الوحيدة إلى العالم الخارجي؛ وتركيا، بسبب الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بينها وبين “إسرائيل” إثر الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية-1.

مصر: كان موقف مصر من محاولات كسر الحصار عن قطاع غزة في ظل النظام السابق محكوماً بخشيتها من توتر علاقاتها مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، في حال حدوث أي انفلات أمني على معبر رفح، وبسعيها لإبقاء مسؤولية “إسرائيل” والتزاماتها قائمة تجاه قطاع غزة، بالإضافة إلى ربط حل مشكلة المعبر وإنهاء الحصار بحل الخلافات الفلسطينية الداخلية، وبمشاركة كل من “إسرائيل” والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ربطه بالتهدئة من قبل فصائل المقاومة. كما كان محكوماً أيضاً بخشية النظام السابق من نجاح تجربة حركة حماس في غزة، نظراً لكونها تشكّل امتداداً لحركة الإخوان المسلمين التي كانت تُمثل في مصر أبرز معارضي النظام.

وبناءً عليه، فقد كانت مصر ترى في دخول قوافل كسر الحصار القطاع من معبر رفح عبئاً لم تكن ترغب بحمله، وخصوصاً أن المعبر مخصص لعبور الأفراد، وليس معداً لعبور البضائع والشاحنات، لذلك فقد كان التوتر هو الذي سيطر على تعامل السلطات المصرية مع تلك القوافل، وتعرضت العديد منها للمنع من دخول قطاع غزة، أو عرقلة مرورها.

وفي أعقاب ثورة 25 يناير المصرية، وتنحي الرئيس مبارك، وتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، أعلنت مصر عن فتح معبر رفح بصفة دائمة اعتباراً من 28/5/2011، وقد سمحت السلطات المصرية بعد الثورة بدخول قافلة “أميال من الابتسامات 3” دون أية عراقيل تُذكر، علماً أنها القافلة الأولى التي تدخل قطاع غزة بعد الثورة المصرية.

ولكن تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من التسهيلات التي أعلنت عنها الحكومة المصرية على معبر رفح، فإن عمله لم يشهد تغييراً جوهرياً، حيث إن أعداد المسافرين ما زالت محدودة مقارنة بعدد المسجلين في قوائم العبور، كما أن فتح المعبر لم ينتظم، ومعاناة المسافرين ما زالت مستمرة، وقوائم الممنوعين من السفر ما زالت قائمة. علماً أن انتظام العمل على المعبر وزيادة أعداد المسافرين وتحسين أوضاعهم، لن يُسهم إلا بشكل محدود في تخفيف الحصار، طالما أن معبر رفح مخصص لعبور الأفراد فقط.

تركيا: كان الموقف الرسمي والشعبي التركي هو الأبرز في محاولات كسر حصار غزة، وشكّل أسطول الحرية-1 المحطة الأهم في المشاركة التركية في تلك المحاولات، خصوصاً إثر سقوط تسعة شهداء أتراك كانوا على متن السفينة “مافي مرمرة” بنيران القوات الإسرائيلية التي اعتدت على الأسطول، والأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة التي أثارها ذلك الاعتداء بين أنقرة وتل أبيب.

رد الفعل التركي على الاعتداء تمثّل على المستوى الشعبي في موجة غضب شعبي عارم تجاه “إسرائيل”، وسط دعوات في الشارع لضرورة إجبارها على دفع ثمن مساسها بكرامة تركيا وإراقة دماء أبنائها، أما رد الفعل الرسمي فقد بدا أنه تأثر بمجموعة من العوامل المتناقضة، حيث اتسم من جهة بالبراغماتية في ضوء سياسة خارجية يمثل مبدأ “صفر مشاكل” مع دول المنطقة أحد أركانها، ولكنه من جهة أخرى لم يكن يمكن له قبول المس بالكرامة القومية لتركيا، كما كان يرغب في الاستجابة للضغط الشعبي للرد على الاعتداء.

وبالتالي فقد كان رد الفعل الأولي عالي النبرة على الصعيد السياسي والإعلامي، ولكن تلك النبرة العالية لم يتبعها تأثر العلاقات التجارية والعسكرية بين البلدين، بل أظهرت المؤشرات نمو حجم التبادل التجاري بين تركيا و”إسرائيل” خلال سنة 2010 بنسبة 32.6%. ولاحقاً، تراجعت تركيا عن المشاركة في أسطول الحرية-2 الذي تخلفت السفينة “مافي مرمرة” عنه لـ”أسباب فنية”، كما أنها أبدت عدم ترحيبها بانطلاق سفن كسر الحصار من موانئها. والنقطتان الأخيرتان اللتان فسرهما بعض المحللين بأنهما يمثلان تراجعاً تركياً في دعم جهود كسر الحصار، واستجابة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وضعهما آخرون في خانة عدم رغبة تركيا بالتعرض لإهانة جديدة في حال كررت “إسرائيل” اعتداءها على الأسطول الثاني.

ولكن التطورات الأخيرة أظهرت أن تركيا لم تتراجع عن موقفها، وإنما كانت ترغب في إتاحة وقتٍ كافٍ للطرف الإسرائيلي للتجاوب مع مطالبها بالاعتذار وتعويض أسر الضحايا وإنهاء الحصار، دون أن تتعجل تصعيد الأزمة. وقد شكّل إصدار تقرير بالمر في مطلع أيلول/ سبتمبر 2011، والذي اتهم “إسرائيل” باستخدام القوة المفرطة ضد أسطول الحرية-1، المناسبة التي اختارتها تركيا لإعلان نفاد صبرها، من خلال مجموعة من الإجراءات، تمثّلت في طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع تل أبيب إلى مستوى السكرتير الثاني، وإعلان تعليق الاتفاقات العسكرية معها. كما أعلنت أنقرة أنها ستلجأ للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للاعتراض على الحصار المفروض على غزة.

الموقف الدولي:

اتسم الموقف الدولي من الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة منذ بدايته بالسكوت عن الحصار أو تأييده من قِبل بعض الأطراف، أو بالإدانة غير المصحوبة بأية مفاعيل على الأرض من أطراف أخرى؛ فقد كان الدعم الأمريكي لرغبة “إسرائيل” في عزل حركة حماس في قطاع غزة واضحاً، وكذلك كان موقف الاتحاد الأوروبي وإن بصورة أقل. في حين كان “قلق” الأمم المتحدة من أثر الحصار على حياة المدنيين غير مصحوب بأية إجراءات أو قرارات بهذا الشأن.
وفي أعقاب الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية-1، أدانت الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا ودول أخرى عديدة الهجوم، ودعت لإنهاء الحصار على قطاع غزة، وهو ما دفع “إسرائيل” حينها لإعلان “تخفيف” حصارها لامتصاص الغضب الدولي.

ولكن يبدو أن “إسرائيل” نجحت مع مرور الوقت في تحويل الموقف الدولي لصالحها، حيث إن الدعوات الدولية لكسر الحصار ما لبثت أن تراجعت بعد ذلك، وتحولت إلى رفض محاولات كسر الطوق البحري المفروض على القطاع من خلال سفن كسر الحصار، بوصفها “تصعيداً” لا داعي له، كما حدث مع أسطول الحرية-2 الذي صدرت تصريحات ترفضه من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومن الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا وغيرها، وصولاً إلى رفض انطلاق تلك المحاولات من الدول التي كانت موانئها محطة انطلاق عدد من الأساطيل السابقة، وخصوصاً قبرص واليونان.

وجاء صدور تقرير الأمم المتحدة الذي أجراه جيفري بالمر حول الهجوم على أسطول الحرية-1 ليشكل موقفاً دولياً داعماً لوجهة النظر الإسرائيلية، إذ رأى التقرير أن فرض الحصار البحري على قطاع غزة لا ينتهك القانون. ومع أنه أشار إلى أن “إسرائيل” استخدمت “القوة المفرطة” في مواجهة الأسطول، ودعاها للتعبير عن أسفها لسقوط الضحايا الأتراك ودفع تعويضات لذويهم، إلا أنه لم يدعها للاعتذار كما كانت تطالب تركيا.

مستقبل قوافل فك الحصار:

يبدو مستقبل قوافل فك الحصار مرتبطاً بالسؤال حول ما إذا كانت قد استنفدت المدى الذي كان متاحاً أمامها، إلى جانب ارتباطه بمستقبل الحصار نفسه، والذي تتحكم به مجموعة من العوامل، أبرزها: مدى نجاح الفلسطينيين في تطبيق اتفاق المصالحة الوطنية وتشكيل حكومة شرعية معترف بها دولياً، وإتمام صفقة تبادل الأسرى والإفراج عن جلعاد شاليط، والموقف الدولي من الحصار وحجم الضغوط الممارسة على “إسرائيل” لإنهائه، لا سيّما الضغوط التركية والمصرية. أما أبرز السيناريوهات المحتملة فهي:

1. استمرار الحصار:

يقوم هذا السيناريو على استمرار الأسباب الموجبة له بالنسبة لـ”إسرائيل”، وتراجع الضغوط الدولية عليها لكسر الحصار، وبالتالي استمرار الحصار البري والبحري دون أي تغيير. وتزداد فرص هذا السيناريو مع استمرار سيطرة حماس على قطاع غزة، وعدم تشكيل حكومة فلسطينية معترف بها دولياً، وعدم إتمام صفقة لتبادل الأسرى.

وفي حين يُشكّل هذا السيناريو من الناحية النظرية دافعاً لاستمرار محاولات كسر الحصار، ويوجِد مبرراً لها، إلا أن ارتباطه بإصرار “إسرائيل” على مواجهة سفن كسر الحصار، وخصوصاً مع صدور تقرير بالمر الذي يشكّل رفعاً للغطاء القانوني عنها، إلى جانب انسداد المجال الجغرافي الذي كان يشكّل ساحة لتحركها مع إعلان الدول التي كانت تشكّل نقاط انطلاق لهذه السفن إغلاق موانئها أمامها، يزيد من احتمالات تراجع محاولات كسر الحصار بحراً، مع بقاء المجال متاحاً أمام القوافل البرية لمواصلة تحركها، وخصوصاً في حال اتخذت مصر موقفاً مغايراً لموقف النظام السابق المتشدد حيالها، والذي كان العائق شبه الوحيد في طريقها، إلى جانب عدم سعي “إسرائيل” للعمل على مواجهتها أو إيقافها.

2. تخفيف الحصار:

ينبني هذا السيناريو على حدوث اختراق جزئي في واحد أو أكثر من الملفات التي تؤثر في استمرار الحصار، دون انتفاء كافة موجباته بالنسبة لـ”إسرائيل”، وإيجاد ضغط دولي أو إقليمي كافٍ لدفعها لتخفيف الحصار. ويتضمن هذا التخفيف زيادة كميات المواد والأصناف المسموح بدخولها من “إسرائيل” إلى القطاع، والسماح بدخول أعداد متزايدة من المواد الإغاثية براً، سواء عبر “إسرائيل” أو معبر رفح، ولكن مع استمرار فرض الحصار البحري.

وقد يوجد هذا السيناريو مجالاً لزيادة وتيرة الحملات البرية لكسر الحصار، ولكنه في الوقت نفسه يشكّل بالنسبة لـ”إسرائيل” ذريعة إضافية لمواجهة الحملات البحرية والطعن في مبررات تحركها.

3. كسر الحصار بشكل كامل:

يتضمن هذا السيناريو إنهاء الحصار الإسرائيلي على القطاع، من خلال عودة العمل في معابر القطاع إلى ما كان عليه قبل حزيران/ يونيو 2006، وفك الحصار البحري عنه، وهو يعني بطبيعة الحال تحقق ما كانت تسعى محاولات فك الحصار لتحقيقه، وبالتالي يعني توقفها. ويرتبط حدوث هذا السيناريو بإتمام المصالحة وتشكيل حكومة فلسطينية معترف بها دولياً، ترفع بالتالي الغطاء الدولي عن الحصار، كما يرتبط بإيجاد آلية للعمل في المعابر تراعي متطلبات “إسرائيل” الأمنية، وبإتمام صفقة شاليط.

مقترحات:

1. الاتفاق على آلية فلسطينية لإدارة المعابر، تنهي مبررات “إسرائيل” لإغلاقها.
2. دعم المسعى التركي للتوجه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لاستصدار إدانة قانونية للحصار بوصفه جريمة “عقاب جماعي”.
3. العمل على استصدار إدانة سياسية دولية للحصار المفروض على القطاع من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والتأكيد على مسؤولية “إسرائيل” عن الأوضاع الإنسانية لسكان قطاع غزة بوصفه واقعاً تحت احتلالها.
4. استمرار العمل على تعزيز حركة التضامن الدولية مع الفلسطينيين، وتوسيع دائرة الدول التي يشارك مواطنوها في سفن كسر الحصار.
5. استكمال فتح معبر رفح بشكل كامل، من خلال انتظام العمل فيه وزيادة أعداد المسافرين وتحسين أوضاعهم، والعمل على تطويره إلى معبر تجاري فلسطيني – مصري، دون منح الاحتلال أي سلطة عليه.

* كتب مسودة هذا التقدير مشكوراً الأستاذ حسن ابحيص، الباحث في مركز الزيتونة.


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 15/9/2011