مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي رقم (25) – آب/  أغسطس 2010.

ملخص التقدير:  فيما يبدو أن محاولات كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وخصوصاً في ضوء ما جرى مع أسطول الحرية، بدأت تحرج الولايات المتحدة، كما أصبحت تشكل عامل ضغط حقيقي على “إسرائيل”. ما يعني، أن مستقبل الحصار، على صورته الراهنة، سيكون مرتبطاً بوتيرة سفن كسر الحصار، وطبيعة نخب المتضامنين وهوياتهم الوطنية. على هذه الخلفية، يمكن القول بأن حصار غزة يتجه نحو أحد ثلاثة سيناريوهات، هي: 1- رفع الحصار، على أساس اتفاقية المعابر 2005. 2- تخفيف الحصار، بحسب المعايير الإسرائيلية، ومما يعزز فرص هذا الاحتمال موقف الولايات المتحدة الأمريكية الداعي إلى اعتبار أن لـ”إسرائيل” وحدها حق تقدير أسلوب حماية أمنها. 3- فتح ممر بحري، على أساس المقترح الأوروبي إرسال سفن لمراقبة البواخر القادمة إلى القطاع. ويعدّ تزايد وتيرة سفن كسر الحصار هو العامل الرئيس الذي يؤدي إلى جعل الممر البحري أمراً واقعاً.

محاولات كسر الحصار:

نظراً لحجم الخسائر التي لحقت بأهالي قطاع غزة، تحركت عشرات القوافل البرية، بشكل متتابع، حملت معها المساعدات العينية؛ التموينية والطبية. وقد بذل القيّمون عليها جهوداً حثيثة لتوصيل حمولة قوافلهم إلى أهالي القطاع، فحصل عدد منهم على إذن بالمرور من خلال معبر رفح، فيما لم يتمكن عدد آخر منها من الوصول إلى غايته، وبقيت بعض القوافل على أرصفة المعبر يلفحها حر صحراء سيناء، بذريعة إتمام المعاملات واستيفاء الإجراءات الإدارية، حتى تعفنت المواد الغذائية وتلفت الأدوية التي كانت ضمن حمولتها.

وعلى المستوى البحري، وحلال السنوات الثلاث، فقد تم تسيير نحو عشرة سفن وقوارب في أوقات مختلفة من أوروبا، وأميركا، والدول العربية. منعت القوات الإسرائيلية خمس سفن منها من الوصول إلى غايتها، بل أقدمت على منع هذه المحاولات بالقوة واحتجزت ركابها لأيام قبل أن تفرج عنهم.

وأما السفن الخمس المتبقية، فقد سمحت “إسرائيل” لها بالوصول إلى شواطئ غزة وتمكن المتضامنون من توزيع المساعدات العينية بأنفسهم على الأهالي. من الجدير بالذكر، أن السفن التي سمحت لها “إسرائيل” بالوصول إلى غزة، كانت تُقل على متنها متضامنين غربيين؛ وبرلمانيين، ودبلوماسيين سابقين، وشخصيات اعتبارية. والظاهر أن موقف “إسرائيل” هذا جاء كتعبير عن حرصها على تفادي إثارة الرأي العام الغربي وإحراج الحكومات التي ينتمي لدولها هؤلاء المتضامنون.

وفي أواخر أيار/ مايو 2010 جرى تسيير أسطول الحرية، الذي ضم نحو ست سفن أقلت نحو 630 متضامناً، وقُدّرت حمولتها بنحو عشرة آلاف طن من مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية.

هددت السلطات الإسرائيلية أسطول الحرية وتوعدت بمنعه من الوصول إلى القطاع بالقوة العسكرية. لم تثن التهديدات المتضامنين الذين أصروا على الوصول إلى غايتهم المنشودة. ولكن القوات الإسرائيلية باغتت السفن واعترضتها في المياه الدولية، ونفذت إنزالاً جوياً واقتحمت سفينة مرمرة، أكبر سفن الأسطول، واستخدمت الرصاص الحي فقتلت بدم بارد تسعة متضامنين يحملون الجنسية التركية.

أثارت المجزرة ردود أفعال دولية على المستويين الرسمي والشعبي، نددت جميعها بالجريمة الإسرائيلية بحق المدنيين، وطالبت بإجراء تحقيق دولي لا يدع “إسرائيل” تفلت من العقاب، وكان هناك تفكك واضح في مواقف الرباعية الدولية التي طالبت معظم أطرافها بإنهاء الحصار، بينما وجد الأمريكان والإسرائيليون أنفسهم معزولين عالمياً؛ غير أن الزخم العالمي سرعان ما تم امتصاصه وإضعافه.

تركيا: 

ينطلق موقف حكومة حزب العدالة والتنمية في التعامل من الحصار المفروض على قطاع غزة، من خلال مسألتين، هما:

1. السعي للعب دور إقليمي فاعل، يمكنها من حل النزاعات الساخنة في المنطقة؛ وذلك من أجل المحافظة على أمن دول الجوار ولضمان استقرار تركيا ذاتها.
2. تعاطف الشعب التركي القوي مع أهالي قطاع غزة، وذلك بالنظر إلى الخلفية الدينية المشتركة لدى الفلسطينيين والشعب التركي على حد سواء. الأمر ذاته الذي يؤثر في المستوى الرسمي، خصوصاً أن حزب العدالة والتنمية يعدّ حزباً ذا أصول إسلامية، ويعير اهتماماً واضحاً لنبض الشارع على قاعدة الاستحقاق الانتخابي.

ما تقدّم يفسر حجم الاهتمام التركي بأسطول الحرية مسعى كسر الحصار، ويفسر أيضاً مستوى الغضب الشعبي والرسمي من الجريمة الإسرائيلية بحق المتضامنين الأتراك. وقد لجأ رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إلى لهجة تصعيدية قوية واستخدم عدّة تعبيرات قاسية وصف فيها الممارسات الإسرائيلية بـ”الهمجية”.  

وبالرغم من هذه الأجواء ظهرت سياسة أنقرة الخارجية، على الشكل التالي:

1. المطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة، والإصرار على المضي قُدُماً في كسره وإنهائه.
2. ضرورة أن تستجيب “إسرائيل” لشروطها، وخصوصاً فيما يتعلق بـ: الاعتذار، ودفع التعويضات، والموافقة على تشكيل لجنة تحقيق دولية.
3. الاستمرار في التواصل مع القوى التي تعدّها واشنطن من محور الشر، مثل: إيران، وسوريا، وحزب الله، وحماس.
4. الإصرار على معاقبة “إسرائيل” في حال لم تستجب لمطالبها، وذلك من خلال: خفض التمثيل الدبلوماسي، إلغاء بعض الاتفاقيات العسكرية المتعلقة بالتدريب، منع مرور الطائرات العسكرية الإسرائيلية فوق أجوائها، تراجع التعاون الأمني والتعاملات الاقتصادية.

غير أن الإجراءات التركية كانت أقل بكثير مما كان متوقعاً، وغير متناسبة مع أجواء الغضب ولهجة التصعيد التي صاحبتها. ويظهر أن الأتراك كانوا يشعرون أن هامش تحركهم محدود ضد “إسرائيل”، ولم يكونوا راغبين في إغضاب الأمريكان والغرب في هذه المرحلة.

“إسرائيل”:

جاء تعامل الحكومة الإسرائيلية مع سفينة مرمرة والتطورات التي لحقتها على قاعدة رفض الدور التركي في المنطقة، والتمسك باستمرار الحصار، وإن بصورة جديدة، لحين تحقيق الأهداف السياسية التي فرض من أجلها. لعل هذه الرؤية هي التي جعلت حكومة نتنياهو، تقوم بالخطوات التالية:

1. تنفيذ مجزرة مرمرة؛ وتعمد إهانة الأتراك من خلال التصرفات والتعبيرات المهينة التي استخدمها الجنود الإسرائيليون، مثل: الدوس بأقدامهم على المتضامنين الأتراك تحديداً.
2. الإفراج عن كافة المعتقلين؛ الأتراك، والعرب والمسلمين، والغربيين، كخطوة للتخلص من ذيول المجزرة، وتداعياتها.

3. تفريغ حمولة سفن أسطول الحرية في ميناء أسدود، للقول: إن “إسرائيل” مصرة على عدم وصول أي نوع من الإمدادات إلى غزة بشكل مباشر، وإنما عبر محطة ثانية.

4. عدم الموافقة على المطالب التركية الخاصة، مثل: الاعتذار، إعادة السفن مباشرة، دفع تعويضات، تشكيل لجنة تحقيق دولية. وكأن حكومة نتنياهو تريد الإبقاء على مستوى معيَّن من “التوتر” مع حكومة أردوغان كخطوة نحو كف يد أنقرة عن القضية الفلسطينية عموماً.

5. السعي لامتصاص حالة الغضب العالمي بسبب  الحصار، والإعلان عن “تخفيف” إجراءات الحصار، من خلال زيادة عدد المواد المسموح بإدخالها إلى القطاع، مثل: الكاتشاب، والمايونيز، ورباطات الأحذية!!. وقد فسر نتنياهو هذه الخطوة الإسرائيلية بالقول: إن إجراءات التخفيف هذه هي أفضل طريقة لضمان استمرار الحصار.

6. سعت “إسرائيل” بدعم أمريكي إلى منع انطلاق سفن كسر الحصار من الموانئ المختلفة، وخصوصاً اليونانية والقبرصية، وقد وجد ذلك تجاوباً من هذه البلدان التي لا تسعى لتأزيم علاقاتها بـ”إسرائيل” وأمريكا.

مصر:

وفي محاولة منه للمساهمة في تنفيس الاحتقان، أعلن الرئيس المصري حسني مبارك عن قرار فتح معبر رفح؛ إلى أجل غير مسمى، أمام المساعدات الإغاثية والإنسانية. غير أن الحكومة المصرية، لم تفِ تماماً بهذا الإعلان، فمنعت عدّة قوافل برية، من الوصول إلى القطاع، مع أن هذه القوافل كانت قد سُيّرت على خلفية قرار الرئيس مبارك.  

وبيّن عدد من المسؤولين المصريين اعتبارات بلدهم المتعلقة بفتح معبر رفح بشكل دائم، فأكدوا على وجوب وجود عناصر أمن الرئاسة الفلسطينية والمراقبين الأوروبيين؛ كتعبير عن إصرار القاهرة على الالتزام باتفاقية فيلادلفيا؛ التي تحصر مهمة معبر رفح بـ “مرور الأفراد” فقط وليس البضائع.

أمريكا:

في بداية الأمر، وكمحاولة لامتصاص النقمة الشعبية، دعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى ضرورة تغيير الوضع القائم في القطاع، كما طالب المبعوث الرئاسي جورج ميتشل بضرورة تخفيف إجراءات الحصار وعودة الحياة في غزة إلى وضعها الطبيعي. ولكن بعد أيام قليلة على المجزرة، وعلى عكس ما أعلنت عنه الإدارة، بدأت مواقف واشنطن تتماشى مع التوجهات الإسرائيلية، حيث قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه: “لإسرائيل الحق في حماية أمنها، وهي الجهة الوحيدة المعنية في تقدير ذلك واختيار الأساليب المناسبة لضمانه”.

ثم وجهت إدارة أوباما الدعوة لرئاسة السلطة و”إسرائيل” للعودة إلى اتفاقية المعابر 2005، حيث تُمكّن هذه الدعوة واشنطن من تحقيق عدّة أهداف، منها:

1. تنفيس الاحتقان، وتهدئة الصخب الإعلامي، وتوصيل رسالة مضللة إلى الرأي العام مفادها بأن الأمور في قطاع غزة بدأت تعود إلى وضعها “السابق”؛ من خلال تنظيم حركة المعابر بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
2. قطع الطريق أمام حركة حماس والحكومة في غزة، والحيلولة دون تمكنهما من استثمار إنجازات أسطول الحرية إعلامياً، شعبياً، وسياسياً.
3. إفساح المجال أمام كل من: مصر، ورئاسة السلطة، و”إسرائيل”، والاتحاد الأوروبي، للعب دور جديد يتناسب مع تطورات المشهد الراهن.

الاتحاد الأوروبي:

في بداية الأزمة، أعلنت أكثر من دولة أوروبية إدانتها للمجزرة، وطالبت بضرورة رفع الحصار والسماح بعودة الحياة في القطاع إلى وضعها الطبيعي. جاء هذا الموقف الأوروبي مغايراً لما كانت عليه السياسة الأوروبية سابقاً، ولكن هذا التطور الإيجابي لم يدم طويلاً، وإنما تبدل مرّة ثانية حيث تماشت مواقف عواصم القرار في الاتحاد الأوروبي؛ مثل فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وإسبانيا التي كانت تتولى رئاسة الاتحاد، مع التوجهات التي اعتمدتها إدارة أوباما، حيث أبدت هذه الدول استعدادها لإعادة المراقبين الأوروبيين إلى معبر رفح؛ في حال عودة عناصر الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة سلام فياض. ثم أضافت مقترحاً عملياً أعلنت بموجبه عن نيتها إرسال سفن حربية إلى مياه غزة لكي تتولى مهمة مراقبة البواخر القادمة إلى القطاع وتفتيشها لـ”منع وصول إمدادات عسكرية إلى حركة حماس”؛ كخطوة استباقية تهدف إلى تجنيب “إسرائيل” الوقوع في مأزق جديد.

روسيا:

لم تكن موسكو بعيدة عما كان يجري مع أسطول الحرية وسفينة مرمرة، فهي الأخرى أدلت بدلوها، وأعلنت إدانتها للمجزرة ودعت إلى ضرورة إنهاء الحصار المفروض على أهالي قطاع غزة، كما دعت إلى ضرورة تحريك المسار الفلسطيني وإجراء المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية. تميز الموقف الروسي هذه المرة بالنبرة المرتفعة في رفض ما يجري، ومع ذلك، ولمجرد إعلان الإدارة الأمريكية عن رؤيتها للخروج من الأزمة، انضمت موسكو إلى مجموعة أطراف الرباعية بالدعوة إلى تفعيل اتفاقية المعابر 2005 وضرورة تشغيل المعابر بوجود المراقبين الأوروبيين وعناصر الأجهزة الأمنية التابعين لحكومة سلام فياض.

الأمم المتحدة:

كان موقف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أكثر المواقف إدانة للمجزرة، كما كان من أوائل الذين دعوا إلى ضرورة رفع الحصار وعودة الحياة في غزة إلى طبيعتها. ولكن موقف الأمم المتحدة لم يتخذ شكلاً عملياً، وعاد إلى التكيف مع الوضع الذي فرضه الإسرائيليون. وفعلاً بدأ المسؤولون الأمميون يذكرون بضرورة فتح المعابر وفق الاتفاقيات الموقعة بهذا الخصوص، وبمشاركة المراقبين الأوروبيين وعناصر الأجهزة الأمنية التابعين للحكومة في رام الله.

رئاسة السلطة:

بطبيعة الحال، بادرت رئاسة السلطة الفلسطينية إلى إدانة مجزرة مرمرة، وأعلنت موقفها الذي يرفض استمرار حكومة نتنياهو في فرض الحصار على “شعبنا في قطاع غزة”. ومع ذلك، فقد أعادت السلطة طرح مسألة المصالحة بين فتح وحماس، واعتبرتها “المدخل” إلى فك الحصار أو تخفيفه. ما يعني بأنه لا يمكن، بحسب موقف السلطة، كسر الحصار ما لم تتحقق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية وفق شروط اللجنة الرباعية، والتوقيع على الورقة المصرية، أو خروج حركة حماس من الحياة العامة والتخلي عن الحكومة؛ إن هي ظلت مصرّة على مواقفها السياسية!.

حركة حماس: 

تدرك حماس بأن الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة جاء على خلفية سياسية حيث أرادت اللجنة الرباعية من خلاله كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وإسقاط الحكومة التي يرأسها إسماعيل هنية. وتدرك أيضاً بأن إدارة أوباما تعرض نفسها لحرج شديد بسبب مجاراتها للمواقف الإسرائيلية، والسكوت على استمرار الحصار، إضافة إلى عدم دعم قيام الدولة الفلسطينية.

لذلك، يبدو أن حماس سلكت في رفضها الحصار والانصياع لشروط رفعه، في اتجاهين متكاملين:

1. التمسك بمواقفها السياسية والإصرار على خيار المقاومة؛ ساعدها في ذلك صمودها أمام الحملات العسكرية المتعددة على القطاع، وخصوصاً عدوان 2008/2009.
2. تشجيع محاولات كسر الحصار والاستفادة منها؛ سياسياً، وإعلامياً، وتعبوياً. وقد بدأ هذا الطريق يؤتي ثماره من خلال إحراج أوباما وشيطنة “إسرائيل” وعزلها دولياً؛ من خلال اتهامها بالعنصرية والإبادة الجماعية.

في هذا السياق، أصرت حكومة هنية على ضرورة وجود عناصر الأجهزة الأمنية التابعة لها عند معبري رفح وكرم أبو سالم إلى جانب العناصر التابعة لحكومة فياض. كما أن حماس لم توافق على العودة إلى اتفاقية المعابر 2005، ما ليتم ذلك في ظل وجود حكومة وحدة وطنية؛ حيث كانت عناصر الأجهزة الأمنية التابعة لرئاسة السلطة تتولى مهمة تشغيل المعابر.

السيناريوهات:

1. رفع الحصار:

يبقى سيناريو رفع الحصار أحد الفرضيات المطروحة، خصوصاً أنه توجد عدّة اتفاقيات جرى توقيعها بين الإسرائيليين من جهة وكل من مصر ورئاسة السلطة من جهة ثانية. يعزز فرص هذا الاحتمال، تباين مواقف أطراف اللجنة الرباعية، وزيادة المطالبة الدولية التي تدعو إلى رفع الحصار. إضافة إلى أن المعابر كان قد جرى فتحها وتشغيلها، وإن بصورة غير انسيابية وطبيعية، خلال وجود حركة حماس في الحكومتين العاشرة والحادية عشرة. وقد تزداد حظوظ هذا السيناريو إذا ما تتابعت الحملات البحرية الكبيرة لكسر الحصار، واستمر الضغط السياسي والإعلامي على “إسرائيل”. غير أن هذا السيناريو يضعف باستمرار عدد من الدول الكبرى في دعم مطالب “إسرائيل” الأمنية، وبموقفها السلبي من حماس وحكومتها في القطاع؛ بحيث تميل هذه القوى إلى تخفيف الحصار وليس إلى إنهائه.

2. تخفيف الحصار:

يعد تخفيف الحصار أحد المطالب التي تم التوافق عليها بين مختلف  الأطراف. لكن الذي يجلب الاختلاف هو المعايير التي ستتم عملية التخفيف وفقها؛ فمثلاً تشترط الدول والقوى المشتركة في فرض الحصار أن لا يؤدي هذا التخفيف إلى تمكن حماس من الإدعاء بانتصار خيار الصمود والمقاومة. وفي الوقت الذي يميل فيه المجتمع الدولي إلى تحديد المواد الممنوعة، وهي قد تكون بضعة عشرات من أصل سبعة آلاف صنف، إلا أن الطرف الإسرائيلي يسعى إلى تحديد المواد المسموحة، وهو ما يُبقي آلاف المواد ممنوعة من دخول القطاع. ويظهر أن الطرف الإسرائيلي قادر حتى الآن على فرض رؤيته.يعزز فرص هذا الاحتمال، ما ذهب إليه الموقف الأمريكي – الأوروبي المشترك الذي أعطى لـ”إسرائيل” حق تحديد الأسلوب الذي يحمي أمنها. ومع ذلك، فإن فرص هذا التوقع قد تتراجع في حال تتابعت سفن المساعدات بوتيرة أكثر حيوية وتقارباً زمنياً. 

3. فتح ممر بحري:

وهو مبني على فكرة السماح بقدوم البضائع عبر البحر، مع وجود آلية رقابة وتفتيش أوروبية، ويمكن النظر إلى إعلان عدد من دول الاتحاد الأوروبي نيتها إرسال سفن حربية لكي ترابط قبالة شواطئ غزة، باعتباره مقترحاً عملياً يؤدي إلى تسهيل حياة الغزيين. يزيد من فرص هذا المقترح صعوبة موقف “إسرائيل” حيال مثل هكذا عمليات، الأمر الذي يقتضي تدخلاً خارجياً لتخفيف الضغط عن حكومة نتنياهو وإخراجها من ورطة محتّمة. يحتاج هذا السيناريو إلى جهد متواصل تبذله حملة كسر الحصار الأوروبية والجمعيات الساعية لكسر الحصار، لضمان تسيير حملات وأساطيل بحرية تُبقي الموقف الإسرائيلي مأزوماً بشكل مستمر. حيث إنه في مثل هذه الحالة يمكن إحداث ثغرة في جدار الحصار، كأمر واقع، عندها تجد الرباعية نفسها معنية في أن تتعامل معه من خلال المقترح الأوروبي. وما عدا ذلك، فإن الحصار سيستمر وفق المعايير الإسرائيلية القديمة الجديدة.

مقترحات:

1. تشكيل حكومة وحدة وطنية، تكون الآلية الفلسطينية لفتح المعابر، خصوصاً أنه تم تشغيل المعابر خلال فترة هذه الحكومة.
2. تواجد عناصر الأجهزة الأمنية التابعة لرئاسة السلطة، إلى جانب إخوانهم في غزة، ونزع مبررات إغلاق المعابر.
3. أن تبادر حملة كسر الحصار الأوروبية وباقي الجمعيات والحركات الساعية إلى كسر الحصار لمضاعفة جهودها وتسيير حملات وأساطيل بشكل متتابع بحيث تُبقي الموقف الإسرائيلي مأزوماً بشكل مستمر وتضع الرباعية أمام الأمر الواقع الذي يقتضي فتح ثغرة بحرية في جدار الحصار.
4. دعم الموقف التركي الذي يعمل على كسر الحصار الإنساني، والدعوة إلى جعل الطريق البحري بين غزة وأنطاليا ممراً إسلامياً تحت إشراف الأمم المتحدة، تتولى قوات إسلامية مهمة مراقبة حركة النقل فيه.
5. أن تفتح مصر معبر رفح بشكل نهائي وتام، وأن يتم تفعيل التبادل التجاري والاقتصادي بين مصر والقطاع، وعدم اقتصار مهمة المعبر على إدخال الأفراد فقط.
6. إعادة النظر في اتفاقية المعابر، وعمل ترتيبات جديدة تنهي الهيمنة الإسرائيلية على المعابر.

* كتب مسودة هذا التقدير مشكوراً الأستاذ معين مناع، الباحث في مركز الزيتونة.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 23/8/2010