مدة القراءة: 24 دقائق

ببالغ الحزن والأسى، وبمزيد من الرضا بقضاء الله عز وجل وقدره، ينعى مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بارود.
يعد الدكتور بارود من كبار الشعراء والأدباء الإسلاميين الفلسطينيين وأحد قدماء جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين منذ الخمسينيات من القرن الماضي، كان ممن اعتقلوا مع الشهيد سيد قطب وآخرين سنة 1965، واستمر اعتقاله سبع سنوات، وهو من الذين واكبوا إنشاء حركة حماس منذ بدايتها.
ولد في قرية بيت داراس المجاورة لقطاع غزة عام 1937، وهُجر منها عام1948 مع عائلته بعد أن احتلتها العصابات الإسرائيلية وكان عمره آنذاك 11 عاماً، حيث استقروا في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين.
وعمل بارود في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بوظيفة أستاذ جامعي، وقضى في الجامعة نحو ثلاثين عامًا متنقلاً بين أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وكان له الكثير من المشاركات الأكاديمية والبحثية في هذه الفترة. تفرغ بعد ذلك للعمل العام في السعودية، حيث قضى أغلب وقته في الكتابة وتأليف الشعر، وله دور بارزٌ ومؤثر في أوساط الجالية الفلسطينية في السعودية عموما وفي جدة خصوصا، وهو متزوج من سيدة مصرية وله من الأبناء اثنان ومن البنات أربع.
سائلين الله سبحانه أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهل الفقيد الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

لتحميل الملحق، اضغط على الرابط التالي:
ملحق خاص بوفاة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بارود (رحمه الله) أحد رواد الإخوان المسلمين في فلسطين

Worc

(22 صفحة، 1.56 MB)

ملحق خاص بوفاة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بارود (رحمه الله) أحد رواد الإخوان المسلمين في فلسطين

(22 صفحة، 513 KB)*
* إذا كانت لديك مشكلة في فتح الملف، اضغط هنا

 


الدكتور بارود في سطور:

النشأة

حياته الجهادية والتنظيمية كما يرويها الشيخ محمد شمعة

نماذج من شعره

قالوا في وداع عبد الرحمن بارود:
هنية: بارود قاتل بالكلمة والموقف نصرةً لفلسطين والمقاومة
بحر ينعي بارود: كان أمة يحمل هم الوطن
الزهار: بارود شخصية فلسطينية إسلامية عالمية
الحية ينعي بارود: تشرفت بلقائه فوجدته رجلا معطاءً
فتحي حماد: بارود كان يقاتل من خلال شعره
عبد الفتاح دخان: بارود كان نموذجاً سياسياً واضحاً متواضعاً

نعي الشاعر:
المرشد العام للإخوان المسلمين يحتسب عند الله أ. د. عبد الرحمن بارود
حماس تنعى فقيد فلسطين الكبير الشيخ الدكتور عبد الرحمن بارود
الجهاد الإسلامي تنعى الشيخ الدكتور عبد الرحمن بارود
وزارة الثقافة في غزة تنعي المفكر والشاعر الكبير د. عبد الرحمن بارود
مؤسسة فلسطين للثقافة تنعي الشاعر الفلسطيني الكبير الدكتور عبد الرحمن بارود

مقالات:
وداعيّة الشاعر عبد الرحمن بارود… د. أسامة الأشقر*
في رثاء الدكتور عبد الرحمن بارود: لمثلك يُستعجل الرثاء.. أبا حذيفة… وائل أبو هلال
ورحل غريب الديار.. عبدالرحمن بارود… حسن خليل حسين
عبد الرحمن بارود: الأستاذ، الداعية، وشاعر الإنسانية… إبراهيم غرايبة

صور شخصية للشاعر بارود

***

الدكتور بارود في سطور:

النشأة

توفي الدكتور الشاعر عبد الرحمن بارود، أحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين، صباح يوم السبت 17/4/2010 في أحد المستشفيات السعودية.

وكان بارود قد ولد سنة 1937م، في قرية بيت داراس، إحدى قرى اللواء الجنوبي (لواء غزة). وهاجر مع أسرته، وهو في الحادية عشرة من عمره، بعد أن احتلت العصابات الصهيونية قريته، سنة 1948م، إلى قطاع غزة، حيث استقروا في معسكر جباليا للاجئين، شماليَّ القطاع.

تعلم في مدرسة قريته بيت داراس شيئاً من التعليم الابتدائي، ثم أكمل تعليمه الابتدائي في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الابتدائية بالقطاع، ثم أكمل دراسته الثانوية في مدرسة فلسطين الثانوية بغزة، حيث حصل على الشهادة الثانوية العامة (التي كانت تعرف بالتوجيهي)، القسم الأدبي، في أواخر العام الدراسي 1954- 1955. وكان طيلة مراحل الدراسة من أوائل الطلاب.

عمل بارود، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، مدرساً في مدارس اللاجئين بقطاع غزة لعدة أشهر، ثم بُعث على حساب وكالة الأونروا إلى مصر، ليكمل دراسته الجامعية، في كلية الآداب بجامعة القاهرة، حيث حصل منها سنة 1959، على درجة الليسانس الممتازة في اللغة العربية وآدابها، بتقدير “جيد جداً” مع مرتبة الشرف، وكان ترتيبه الأول على الدفعة بلا منازع.

وبدأ دراسة الماجستير في ذات التخصص، بمنحة دراسية من جامعة القاهرة، كأفضل طالب من الطلاب الوافدين، فنال درجة الماجستير بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، في أواخر عام 1962. ثم بدأ دراسة الدكتوراه، في نفس التخصص وبنفس المنحة، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى سنة 1972. ثم تعاقد، في نفس السنة، للعمل في التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وبقي فيها إلى أن تقاعد في سنة 2002.

وفي جامعة الملك عبد العزيز بمدينة جدة عمل بارود أستاذاً للثقافة الإسلامية، ووفّقه الله سبحانه لأداء دور كريم في جامعته، حيث غرس في طلابه أعمق معاني الانتماء للإسلام، معززاً كل مكرمات رسالة الإسلام العظيم، داحضاً كل الافتراءات التي يشيعها أعداء هذا الدين، وكان في فكره النيّر وسلوكه المميز خير أسوة لأبنائه وإخوانه الطلاب.

وفي الوقت نفسه عاش شاعرنا مجاهداً لدينه، خادماً للحركة الجهادية في فلسطين.. كيف لا وهو الذي عاش فترة طويلة من عمره مع شيخ الانتفاضة الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، فهو مثل الشيخ ياسين من أبناء معسكر شاطئ غزة ومن ساكنيه، وهما كلاهما ممن رضعوا لبان الحركة الإسلامية منذ صباهما.

أما قوله الشعر، فقد بدأ في مرحلة متقدمة من صباه، حسب ما يذكر د. محمد صيام، ولا نبالغ إذا قلنا إنه قد قال الشعر في المرحلة الابتدائية من دراسته. وكانت مدرسة فلسطين الثانوية بغزة، تعج بالنشاط الأدبي، وكان الأستاذ رامز فاخرة (رحمه الله) مدرسنا للغة العربية، فكان يعقد لنا ندوة شعرية دورية، ليشجعنا على قول الشعر، وكان عبد الرحمن بارود، يحوز قصب السبق دائماً.

ولقد تأثر بارود بقضية بلاده فلسطين أيَّما تأثر، وتفاعل معها أيما تفاعل. وآمن بأن الطريق لاستعادة الوطن السليب، لا يكون إلاَّ بالعودة إلى الإسلام، فلا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها، فالتزم الإسلام عقيدة وسلوكاً ومنهجاً للحياة، وقد ظهر ذلك جليًّا في أشعاره، وبرز واضحاً فيما يُستقى من صوره وأفكاره، وقد جرَّ هذا المسلك عليه متاعب جمَّة، ليس هنا مجال الحديث عنها.

ويقول الأستاذ عبد الرحمن عبد الله العَمَصِّي موجه التربية الإسلامية بدولة الإمارات بأنه سيرى من يقرأ شعر بارود من النقاد والمثقفين ومن الطلاب والدارسين أنهم أمام أمير من أمراء الشعر كما كان أساتذته في الجامعة يشهدون بذلك. وسيجدون أن شعره الجهادي الراقي الذي لم يطبع في ديوان حتى اليوم- يجلّي مكانه فارساً من فرسان الشعر الفلسطيني المقاوم بحق.

وعن نفسه يقول بارود
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وأصحابه ومن والاه. وبعد:

فقد ورثت عن والدي (أحمد جبريل بارود) رحمه الله العاطفة الجياشة التي هي ينبوع الشعر وقد غمرني بحبه وكان هو أمياً وصوفياً.

وقريتي (بيت دراس) قريبة من (عسقلان) من لواء (غزة) بجناتها وخيراتها رائعة الجمال ولا تزال منطبعة على قلبي. ولا أزال إلى يومنا هذا أراها في منامي عامرة بأهلها الكرام مع أني منذ عهد بعيد أطلال دارسة.

المرحلة الأولى من حياتي عشتها في تلك الجنة من جنات فلسطين وهي أحد عشر عاماً وكانت في ظل الاستعمار فحولنا مطار عسكري إنجليزي ومستعمرة (بير طوفيا) الصهيونية، ومعسكر (خسة) الإنجليزي. وإلى الغرب معسكر (69) الإنجليزي وبجواره إلى الغرب (معسكر أبو جهم) الإنجليزي، ومستعمرة (نتسانيم) اليهودية وإلى الجنوب الشرقي (معسكر جولس) الإنجليزي.

درست في القرية حتى منتصف الصف الخامس الابتدائي وقُبيل هجرتنا تعاون أهل القرية على بناء مدرسة جديدة جميلة حتى الصف السادس الابتدائي وقد نسفها اليهود.

وقد رأيتها وهي منسوفة باكية وكتبها مبعثرة بين الأنقاض وقد أخذت أحدها وأظنه لتوفيق الحكيم. ولم أنظم في تلك المرحلة شعراً. أما هجرتنا من الوطن ورحيلنا وتشردنا فقد بدأت في الشهر الثالث أو الرابع من عام 1948م بعد معركتين كبيرتين وكان ذلك قبل مجيء الجيش المصري . وقصة هجرتنا ملأى بالأهوال والعذاب.

أما مجموعته الشعرية الكاملة، والتي نشرتها مؤسسة فلسطين للثقافة مطلع العام 2010، فتقع في 383 صفحة، وتشتمل على مقدمة بقلم الشاعر، وتوطئة كتبها المدير العام لمؤسسة فلسطين للثقافة د. أسامة الأشقر، وتقديم بقلم رئيس رابطة علماء فلسطين في اليمن د. محمد الشيخ صيام، إضافة إلى مقدمة أخرى بقلم موجه التربية الإسلامية بدولة الإمارات عبد الرحمن الغمصي، إلى جانب صفحات عن بلدة بيت دراس بقلم د. بارود، و107 قصائد وملحق صور نادرة.

وفي ذلك تحدث د.أسامة الأشقر في افتتاحية الإصدار قائلا: “يحق لنا القول هاهنا أن الشاعر عبد الرحمن بارود ظلم نفسه من حيث أراد إرضاءها بتأخير تقديم فنه وأدبه للنخب الثقافية والجمهور الشاعر”. وأشار إلى أن محيطه الشعري كان محدوداً مقصوراً على جملة من أصدقائه وإخوانه في دائرة علاقاته، بل إن كثيراً مما نُشر في شبكة الانترنت وبعض الدواوين المحتوية على بعض قصائده كان الفضل في نشرها لهؤلاء بإصرارهم.

حياته الجهادية والتنظيمية كما يرويها الشيخ محمد شمعة
وعن حياة د. عبد الرحمن بارود الجهادية والتنظيمية يتحدث زميله في المرحلة الابتدائية في مدرسة الفاخورة آنذاك أحد مؤسسي حركة الإخوان المسلمين في غزة الشيخ محمد حسن شمعة بوصفه بالمتميز نشاطاً ومشاركة. وقال شمعة لوكالة “صفا” مستحضراً تلك الأيام: “امتدت العلاقة بيننا عام 1953 بالمدرسة الثانوية، وكان الطلاب يستمعون إلى كلماته المعبرة خلال الفسحة الدراسية، وكان يعد المتحدث الرئيس باسم الطلاب في المدرسة”.
وذكر شمعة أن بارود تم اعتقاله على يد السلطات المصرية خلال إعداده رسالة الدكتوراه، وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، بتهمة جمع تبرعات لمساعدة عوائل الإخوان المسلمين، ولنشاطه البارز في صفوف الإخوان. وانتقل بارود بعد ذلك للعمل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة بوظيفة أستاذ جامعي وقضى في الجامعة ما يقارب الثلاثين عاماً متنقلاً بين أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية حيث تخرج على يديه الكثير من الطلاب والطالبات وكان له الكثير من المشاركات الأكاديمية والبحثية في هذه الفترة.
وتفرغ بعد ذلك للعمل العام حيث يقضي أغلب وقته في الكتابة وتأليف الشعر وله دور واضح وبارز ومؤثر في أوساط الجالية الفلسطينية في السعودية عموماً وفي جدة خصوصاً.
والتقى شمعة ببارود في مدينة جدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، حيث كان يناديه باستمرار (ابن صفي) وتبين أنه يعرف كل أخبار غزة بأدق حذافيرها، وكان مهتماً جداً بأحوال الإخوان في فلسطين.
وأكد شمعة أن بارود كان حريصاً جدا على وحدة الصف الفلسطيني، وكانت وصيته دوما لقيادة الإخوان وحركة حماس الرفق بإخوانهم في حركة فتح والتنظيمات الأخرى، داعياً باستمرار لحسن العلاقة والتواصل.
ولفت إلى أنه كان شاعراً مبدعاً، مهتماً بالقضية الفلسطينية، ويغمره حنين كبير وشوق عظيم لقريته التي هاجر منها، ولا يمل الحديث عنها لرفاقه وأقرانه.”
وكالة الصحافة الفلسطينية – صفا، 17/4/2010

نماذج من شعره

لن نستطيع مهما أطلنا أن نجمع إلا نزراً يسيراً جدّاً من فيض عطائه الغزير، فبارود شاعر فحل مكثرٌ، وجلّ قصائده من المطولات، ولكنها ليست كأيّ مطولات، فكلما طالت القصيدة عند بارود تألقت أكثر، وشدّتك إليها أكثر، وأدخلتك في جوّها النفسي أكثر.

ويشير د. محمد صيام في تقديمه لكتاب الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الدكتور عبد الرحمن بارود، إلى أن بارود مجد الإسلام في أشعاره، ورد على مهاجميه الأقزام. حيث يقول في قصيدة نظمها سنة 1967:

زَمْجِرِي يَا رَايَةَ اللهِ ارجعي واخْفَقِي فَوْقَ صَحَارَانَا الحَبِيْبَةْ

واجْمَعِي أَشْتَاتَنَا في حَيِّنَا واقْذِفِي المَوْتَ بِنَا وامْضِيْ مَهِيْبَةْ

وأعِيدِيْنَا إلَى أيَّامِنَا حَيْثُ جِبْرِيْلُ علَى رَأْسِ الكَتِيْبَةْ

زَعَمَتْ شِرْذِمَةٌ مَنْبُوذَةٌ مِنْ صَعَالِيْكَ وأبْوَاقٍ كَذُوبَةْ

أنَّ قُرْآنَ الهُدَى مَاتَتْ علَى دِفَّتَيْهِ كُلُّ آمَالِ العُرُوبَةْ

فانْبَرَتْ مَكَّتُنَا شَامِخَةً تَصْهَلُ الخَيْلُ حَوَالَيْهَا غَضُوبَةْ

وغَدَا اليَرْمُوكُ مَوْجاً مُرْعِباً ورُؤىً حُمْراً وألْحاناً طَروبَةْ

نَحْنُ رِبِّيُّونَ ذَا مُصْحًفُنا يَعْرِفُ التَّارِيْخُ رَيَّاهُ وطِيْبَهْ

ويضيف د. صيام: “على أن الدكتور عبد الرحمن بارود، قد طَوَّقَ بشعره في مختلف الأنحاء، وحلَّق به في مختلف الأجواء، الأنحاء التي تخدم كلها قضية فلسطين، وقضية الإسلام والمسلمين. والأجواء التي يستنزل منها الرحمة من رب العالمين، على أهل فلسطين، والنصر على المجاهدين. فتحدث عن فلسطين، وعشق الوحدة بين أقطار الأمة، لأنها السبيل الوحيد، لطرد العدوان، واسترداد الأوطان. وقد مجَّد ما كان بين مصر وسوريا، من وحدة بين قطرين شقيقين، مقدمة للوحدة الكبرى، فقال في قصيدة ألقاها في الاحتفال بتلك الوحدة، في رابطة الطلاب الفلسطينيين، ونحن يومئذ طلاب في القاهرة يقول”:

يَا لَسِحْرِ الدُّولاَرِ، والرُّوْبِلِ العَاتِيْ، ويَا مَا قَدْ شَرَّدَا أَبْرِيَاءَ

بَرَدَى يَلْتَقِي مَعَ النِّيْلِ هَدَّارَيْنِ، فَلْتُمْلأِ الدُّنَا أَعْدَاءَ

وذكر صيام أن بارود “كان حَدِباً على الأمة، يفرح لفرحها، ويأسى لتَرَحها، وها هو ذا يخاطبها بعد هزيمتها النكراء في حرب عام 1967م ، بقصيدة طويلة – تحدثنا عنها قبل قليل – يقول فيها”:

ادْفِنِي قَتْلاَكِ وارْضَي بالمُصِيْبَةْ واذْهَبِيْ عاصِفَةَ اللَّيْلِ غَرِيْبَةْ

واقْبَعِيْ حَوْلَ الضَّحَايَا واذْكُرِيْ عُمُراً مُرًّا وأوْطَاناً سَلِيْبَةْ

وادْخُلِي السِّجْنَ الَّذِي شَيَّدْتِهِ وتَوَارَيْ في الزَّنَازِيْنِ العَصِيْبَةْ

زارْمُقِي المَجْدَ الَّذِي حَطَّمْتِهِ واعْصُرِي القَلْبَ الَّذِي خُنْتِ وَجِيْبَهْ

أَنْتِ ضَيَّعْتِ الرُّجُولاَتِ سُدَى أَنْتِ أَطْلَقْتِ يَدَ البَغْيِ الخَصِيْبَةْ

ويشير صيام إلى أن “بارود لم ينس في شعره جرائم المحتلين المجرمين، وما يقومون به من مجازر ليس فقط في البشر، ولكن أيضاً في الحجر والشجر. فتحدث عن شجر الزيتون، ونعى على أولئك الغاشمين، ما يفعلونه بهذا الشجر الثمين، تنفيساً عن حقدهم الدفين، وذلك في قصيدة نظمها في جدة”، في 27/8/1408هـ – 14/4/1988م، وفيها بقول:

ويَقْتَلِعُ الزَّيْتُونَ شُلَّتْ يَمِيْنُهُ ويَغْرِسُ في كُلِّ البَسَاتِيْنِ غَرْقَدَا

لَكَ المَوْتُ فانْظُرْ كُلَّ زَيْتُونَةٍ هَوَتْ فَقَدْ أنْبَتَتْ تِسْعِيْنَ سَيْفاً مُهَنَّدَا

فَيَا أَيُّهَا السَّاقِي كُئُوسَكَ أَحْصِهَا سَتُسْقَى كَمَا تَسْقِي إِنِ اليَوْمَ أَوْ غَدَا

وتحدث بارود عن التائهين على الدروب، وعن المجاهدين، وعن الشيخ أحمد ياسين، وعن العابثين الذين يتخذون من (هجوم السلام) طريقاً لحل القضية، فيرد عليهم بقصيدة رائعة، تحمل نفس العنوان (هجوم السلام) وقد نظمها في جدة في 2/12/1409هـ – 5/7/1989م – وفيها يقول:

يَا حَمَامَ السَّلاَمِ عُدْ يَا حَمَامُ لاَ يَفُلُّ الحُسَامَ إلاَّ الحُسَامُ

في زَمَانِ الصُّقُورِ صِرْتُمْ حَمَاماً كَيْفَ يَحْيَى مَعَ الصُّقُورِ الحَمَامُ ؟!

أَيُّ عُرْسٍ هَذَا تَزُفُّونَ مَاذَا ؟! ولِمَاذَا يُطَبِّلُ الإعْلاَمُ ؟!

أَيُّهَا البَائِعُونَ حَيْفَا ويَافَا أَهُجُومٌ هَذَا أَمِ اسْتِسْلاَمُ ؟!

ثَكِلَتْ أُمُّكُمْ أَلَيْسَ لَدَيْكُمْط غَيْرُ (عَاشَ السَّلاَمُ- يَحْيَا السَّلاَمُ)؟!

أَوَ غَيْرَ السَّاطُورِ يُبْصِرُ شَيْئاً تَاجِرُ البُنْدُقِيَّةِ اللَّحَّامُ ؟!

ولم ينس الدكتور بارود الاستشهاديين، فاختار من بينهم (الشهيد سعيد الحوتري)، وقال على لسانه قصيدة طويلة منها:

أَمُحَرِّقِي بِشُوَاظِ نَارِكَ خُذ نَصِيْبَكَ مِنْ حُرُوقِي

خُذْ هَذِهِ الأقْسَاطَ واخْصُمْهَا مِنَ الدَّيْنِ العَتِيْقِ

سَجِّلْ لَدَيْكَ اسْمِي سَعِيْدٌ، والأُلُوفُ علَى الطَّرِيْقِ

وفيها يقول أيضاً وعلى لسان (سعيد) كذلك (وقد جعل البرلمان الصهيوني – الكنيست) رمزاً لما أقام الصهاينة من أبنية على أرضنا الغالية، يقول:

شُدُّوا علَيَّ حِزَامَيَ المَحْشُوَّ بالمَوْتِ الزُّؤَامِ

زِيْدُوهُ عَشْرَ قَنَابِلٍ فاليَوْمَ يَوْمُ الإِنْتِقَامِ

أَشْوِي بِهِ في النَّارِ مَنْ بَنَوُا ( الكِنِيْسِتَ ) مِنْ عِظَامِي

وقد ألقى الشاعر هذه القصيدة في مهرجان (الجنادرية) السنوي السابع عشر، بالرياض، في شهر ربيع الأول 1422هـ – يونيو/ حزيران 2001م.

ويشير صيام إلى أن المقام قد يطول بنا إذا ذهبنا نستعرض المجالات، التي طوَّف د. بارود بشعره فيها. فهناك مجال اجتماعي تحدث فيه عن أمه وعن غير أمه، وهناك مجال تعليمي تحدث فيه عن مدرائه ومعلميه، وغير ذلك. ولهذا فسنكتفي، بالحديث عن ثلاث نقاط موجزة، من رحلته الشعرية المديدة، ونختم بها حديثنا هذا.

أما النقطة الأولى، فذكر صيام أنها النَّفَسَ الشعري عند د. بارود، نَفٌس طويل، ولذا فقد جاءت قصائده طويلة، لعل تخصصه في اللغة العربية – وفي الرَّجَزِ بالذات – كان يساعده على ذلك. وأصدق دليل على ما نقول، قصيدته العصماء، التي نظمها في رثاء د. عبد العزيز الرنتيسي (رحمه الله)، فقد بلغت تلك القصيدة مائةً وبضعةَ أبيات، وقد نظمها في جدَّة، في 12/3/1425هـ، 1/5/2004، أي بعد استشهاد الرنتيسي ببضعة أيام، وهذه بعضٌ منها:

اكْتُبْ وشَلاَّلُ الدِّمَاءِ رَعْدٌ يُجَلْجِلُ في الفَضَاءِ

بِدَمِ الأُسُودِ نَخُطُّ مَلْـ ـحَمَةَ البُطُولَةِ والفِدَاءِ

بِجَمَاجِمِ الشُّهَدَاءِ نَحْنُ نَدُقُّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ

فاللهُ غَايَتُنَا وقَائِدُنَا أَمِيْرُ الأَنْبِيَاءِ

عَبْدَ العَزِيْزِ اصْعَدْ إلَى أُفُقِ السَّعَادَةِ والهَنَاءِ

رَجُلُ الرِّجَالِ النَّشْمُ بَلْ أَسَدُ الأُسُودِ بِلاَ مِرَاءِ

سَنَعُودُ يَا وَطَنِي إلَيْكَ غَداً ونَفْرَحُ باللِّقَاءِ

عَوْدَ الصَّوَارِمِ والقَنَا لاَ بانْبِطَاحٍ وارْتِمَاءِ

لاَ بالتَّصَهْيُنِ والتَّأمْرُكِ والتَّغَرُّبِ والبِكَاءِ

وأما النقطة الثانية، فهي عشقه الشديد للرمز في أشعاره، وتزيينه أبياته بالأخيلة والصور البلاغية الجميلة وإذا أردتم الدليل على ذلك فاقرءوا قوله من قصيدته (فلسطين) وقد نظمها في شهر رجب 1404هـ – أبريل/ نيسان 1984م:

غَنِّنَا فالدُّجَى شَدِيْدُ السَّوَادِ وقَطِيْعُ الرَّقِيْقِ مِنْ غَيْرِ حَادِ

مِنْ صَدِيْقِيْ صَرَخْتُ لاَ مِنْ عَدُوِّ ومِنَ الأَصْدِقَاءِ أَعْدَى الأَعَادِي

أَصْدِقَائِي يُسَمِّمُونَ جُرُوحِي مَنْذُ قَرْنٍ ويَحْرِقُونَ حَصَادِي

أَصْدِقَائِي إِنْ زَوَّدُونِي بِشَيْءٍ زَوَّدُونِي بِحِفْنَةٍ مِنْ رَمَادِ

قُلْ لِمَنْ يَطْمَعُونَ فِيْنَا أَفِيْقُوا دُونَ مَا تَطْلُبُونَ خَرْطُ القَتَادِ

في فِلَسْطِيْنَ خَطَّ ذُو القَلَمِ الـ ـأَعْلَى طَرِيْقَ الأَجْدَادِ والأَحْفَادِ

وفي نفس السياق تأتي قصيدته (عشق الفداء) التي يطلب من الأمِّ تنشئة ابنها عليه، وقد بلغت هي الأخرى مائة بيت، وقد نظمها الشاعر في جدة، يوم الثلاثاء 13/4/1425هـ – الأول من شهر يونيو ( حزيران ) 2004م، وفيها يقول:

ازْرَعِي في البَنِيْنَ عِشْقَ الفِدَاءِ ورُكُوبَ العَوَاصِفِ الهَوْجَاءِ

أرْضِعِيْهِمْ مَعَ الحَلِيْبِ رَحِيْقاً مِنْ شُمُوخٍ وعِزَّةٍ وإِبَاءِ

عَوِّذِيْهِمْ باللهِ مِنْ كُلِّ مَرْعَى فِيْهِ حِمْضٌ مُقَطِّعُ الأمْعَاءِ

لِنُسُورِ الإِسْلاَمِ في الجَوِّ مَرْحَى لاَ لِتِلْكَ السَّلاَحِفِ الجَرْبَاءِ

وأما النقطة الثالثة، فهي عشقه لفلسطين، وحبه لوصفها في كل ميدان، يجد الفرصة مناسبة لوصفها فيه، ولذلك لا تكاد قصيدة من قصائده، تخلو من الحديث عنها، ولكني سأكتفي هنا بما تحدث به عنها، في قصيدته المسماة (عام مضى) التي نظمها في جمادى الثانية 1409هـ – يناير/ كانون الثاني 1989م، ففيها يقول:

حَلاَّكِ مَنْ يَتَحَلَّى بِاسمِْهِ الذَّهَبُ وأَطْيَبُ الطِّيْبِ فِيْكِ الرُّسْلُ والكُتُبُ

تَنْأَى بِنَا الدَّارُ لَكِنْ مِنْ مَهَاجِرِنَا إِلَيْكِ مِثْلَ رُفُوفِ الطَّيْرِ نَنْجَذِبُ

فيَا فِلَسْطِيْنُ حَيَّاكِ الحَيَا غَدَقاً ولَى الرَّدَى هَارِباً واخْضَوضَرَ الحَطَبُ

أقُولٌ والقَلْبُ يَشْدُو في خَمَائِلِهَا هَذَا الجَمَالُ إلَى الفِرْدَوْسِ يَنْتَسِبُ

يَا لَلْجَمَالِ إِذَا مَا ازَّيْنَتْ وعلَى سُفُوحِهَا غَرَّدَ الزَّيْتُونُ والعِنَبُ

لاَ لاَ تَسَلْ عَنْ شُمُوخِ البُرْتُقَالِ ضُحًى وقَدْ تَلأْلأَ في نُوَّارِهِ الحَبَبُ

هَذِي فِلَسْطِيْنُ يَا مَنْ لَيْسَ يَعْرِفُهَا كأَنَّ أَحْجَارَهَا القُدْسِيَّةَ الشُّهُبُ

وهو وإن تحدث عن جمالها الخلاَّب، وعن الزيتون فيها والأعناب، وهما يغردان على السفوح، وعن البرتقال الشامخ، وعن حجارة فلسطين التي تضيء كما تضيء الشهب، فلم ينس بحرنا السَّاحر، فقد غازله بقوله:

وبَحْرُنَا المُنْعِشُ البَرَّاقُ بَهْجَتُهُ تَشْفِي العَلِيْلَ فَلاَ هَمٌّ ولاَ نَصَبُ

بَحْرٌ شَوَاطِئُهُ تِبْرٌ وزُرْقَتُهُ سِحْرٌ وأمْوَاجُهُ بالفُلِّ تَعْتَضِبُ

ثم لم يبق من تاريخ فلسطين شيئاً إلاَّ ذكره، منوِّهاً بالأنبياء الكرام، عليهم الصلاة والسلام، متحدثاً عن رحلة الإسراء والمعراج، وأخيراً أنذر المحتلين بقوله:

أَفْعَى الأَفَاعِي سُيُوفُ اللهِ قَدْ بَرَزَتْ فلَنْ يَظَلَّ لَكُمْ رَاسٌ ولاَ ذَنَبُ

عَامٌ مَضَى والتَّحَدِّي في بِدَايَتِهِ والاِنْتِفَاضَةُ نَارُ اللهِ تَلْتَهِبُ

قالوا في وداع عبد الرحمن بارود:

هنية: بارود قاتل بالكلمة والموقف نصرةً لفلسطين والمقاومة

غزة: وصف رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة إسماعيل هنية الدكتور والشاعر عبد الرحمن بارود، الذي وافته المنية في المملكة السعودية يوم أمس السبت جراء إصابته بنوبة قلبية بأنه “مجاهد قاتل بالكلمة والموقف والشعر والقصيدة الجهادية لنصرة إخوانه في فلسطين ونصرة للمقاومة الفلسطينية”.

وقال هنية خلال زيارته لبيت العزاء الذي أقامته حركة حماس لبارود في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة: “إن الدكتور بارود هو أحد رموز الإخوان المسلمين في قطاع غزة انتقل إلى جدة ليواصل طريقه الجهادي بالكلمة والموقف”.

وأضاف في تصريح نقله عنه المكتب الإعلامي لحماس شمال القطاع: “اليوم تودع فلسطين وتودع الأمة العربية علماً من أعلامها الدكتور عبد الرحمن بارود الذي أسس المشروع الإسلامي في جماعة الإخوان المسلمين وفي حركة حماس وهو الذي دافع عن فلسطين بالكلمة والقلم والقصيدة والموقف”.

وتابع هنية: “لقد كان الدكتور بارود رحمه الله يتمنى أن يعود إلى أرض فلسطين ويدفن في ترابها، ولكن الله سبحانه وتعالى قدر له أن يدفن في أرض مباركة أرض الحرمين”. ونعي هنية الفقيد بارود إلى الأمة العربية والإسلامية والشعب الفلسطيني، معتبراً أنه “عالم وشاعر وداعية ومقاتل بالكلمة والموقف من أجل الإسلام والمقاومة على أرض فلسطين”.

قدس برس، 18/4/2010

بحر ينعي بارود: كان أمة يحمل هم الوطن

قال الدكتور أحمد بحر النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي، إن الدكتور عبد الرحمن بارود من الرجال القلائل، الرجال الذين وهبوا أنفسهم لله سبحانه وتعالى هذا الرجل العالم والرباني المفكر والكاتب والأديب والشاعر، لقد كان هذا الرجل بحق أمة، كان يحمل هم الوطن وخاصة يحمل هم فلسطين لقد سجن وعذب في السجون المصرية، ثم بعدها رحل إلى هناك في جدة، وأمضى عمره في المملكة العربية السعودية، لقد تمنى هذا الرجل أن يكون في فلسطين، وتمنى أن يعيش بين أهله وأن يجاهد ويحمل السلاح لتحرير فلسطين، ولكنه بأشعاره وبكلماته النورية جعل الطريق مفتوحا أمام الأجيال، لقد زرناه في آخر مرة في الحج ورأيناه معطاءً وكريما، كلما جلسنا بجانبه يسأل عن المجاهدين والتشريعي والحكومة والشعب الفلسطيني، فقلبه معلق بفلسطين وبيت المقدس، ورسم ذلك بقلمه وفكره ليكون طريقا للأجيال، ونحن نتقدم بالتعزية للأمة العربية والإسلامية لفقده، وإلى اللقاء يا أخي أبا حذيفة وسلام عليكم.

موقع فلسطين الآن، 20/4/2010

الزهار: بارود شخصية فلسطينية إسلامية عالمية
وصف الدكتور محمود الزهار القيادي في حركة حماس عبد الرحمن بارود بأنه شخصية فلسطينية إسلامية عالمية، عرفها الناس بما قدمته من إبداعات فكرية ومن قصائد وطنية للشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي، وهو شخصية محترمة يقدرها الشعب الفلسطيني، واعتقد أنه علم من أعلام فلسطين والشعر الفلسطيني والمقاوم.

موقع فلسطين الآن، 20/4/2010

الحية ينعي بارود: تشرفت بلقائه فوجدته رجلا معطاءً

قال الدكتور خليل الحية القيادي في حركة حماس إن هذا اليوم الذي يودع فيه الشعب الفلسطيني (عبد الرحمن بارود) علما من أعلامه، وفارس الكلمة والشعر والموقف، وطالما سمعنا عنه ونحن طلاب فكان شعره وعلمه يسبق سيرته، وسمعنا عنه أنه من أوائل من قاد جماعة الإخوان المسلمين في الستينيات، وعندما زرنا المملكة السعودية لأداء العمرة تشرفت بلقائه فوجدته رجلا معطاءً، ولكنه ثابت المواقف وقوي العزيمة وصاحب رأي سديد، وكان يقوم دائما بالتوصية على المقاومة والمجاهدين وكان يقول “إنه لا يجدي مع العدو الصهيوني إلا المقاومة”. نفتقده اليوم رحمه الله ونقول له أننا سنبقى نحمي المقاومة، وبهذه المناسبة نتوجه بالتعزية إلى شعبنا الفلسطيني والى عائلة بارود ولجماعة الإخوان المسلمين ولكل محبي الشيخ العالم الدكتور عبد الرحمن بارود.

موقع فلسطين الآن، 20/4/2010

فتحي حماد: بارود كان يقاتل من خلال شعره

قال فتحي حماد وزير الداخلية الفلسطيني، إن هذا الرجل (عبد الرحمن بارود) القائد والمؤسس لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين يترجل اليوم بعد أن أعطى كل ما لديه، ولقد عاش الفقيد وحيداً عندما طرد وأبعد عن فلسطين، فهو رجل شجاع من حيث الموقف والكلمة والعطاء، ولم يسجل عليه أنه تراجع مطلقا، وكان بالإضافة إلى مواقفه يقاتل من خلال شعره الذي كان يقوله نصرة للإسلام وللعقيدة والجهاد فهو متعدد المواهب والجرأة في كل شيء والحمد لله رب العالمين أن شرفني بلقائه في السعودية، وقد احتضنني بدفء كلامه، الذي شدد فيه على المضي في طريق ذات الشوكة.

موقع فلسطين الآن، 20/4/2010

عبد الفتاح دخان: بارود كان نموذجاً سياسياً واضحاً متواضعاً

رأى الشيخ عبد الفتاح دخان احد مؤسسي حركة حماس أن الدكتور عبد الرحمن بارود كان نموذجاً سياسياً واضحاً متواضعا، وكان أشبه ما يكون ما كان يتصف به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد التقينا به عدة مرات في أوائل الخمسينات فكان نعم الأخ والنموذج والقدوة الممتازة لإخوانه، والتقينا به في السبعينيات من القرن الماضي في موسم الحج، وشاركنا في الكثير من الجولات التي كنا نقوم بها في المجمع الإسلامي ليلاً ونهاراً في سبيل جمع التبرعات للمجمع وللأسر الفقيرة والمحتاجة، فكان من خيرة رجال الإخوان المسلمين الصالحين.

موقع فلسطين الآن، 20/4/2010

نعي الشاعر:

المرشد العام للإخوان المسلمين يحتسب عند الله أ. د. عبد الرحمن بارود

يحتسب فضيلة د. محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، عند الله عزَّ وجلَّ أ. د. عبد الرحمن بارود أحد قيادات الإخوان في فلسطين، والذي دخل محنة 1954م أثناء تواجده في مصر، ووافته المنية صباح يوم السبت 17/4/2010 بالمملكة العربية السعودية.

ويدعو فضيلته الله عزَّ وجلَّ أن يرحم الفقيد، وأن يتقبل جهاده في سبيل إعلاء كلمة الحق ونشر الخير والعدل بين الناس، وأن يلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.

إخوان أون لاين، 17/4/2010

حماس تنعى فقيد فلسطين الكبير الشيخ الدكتور عبد الرحمن بارود

نعت حركة حماس د. عبد الرحمن بارود في البيان التالي:

((يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي))

تنعى حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى الأمة العربية والإسلامية فقيد فلسطين الأخ المجاهد والمفكر والداعية والشاعر الكبير الدكتور عبد الرحمن بارود (أبا حذيفة) من مواليد 1937م، ابن قرية داراس المحتلة 1948م، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح اليوم السبت 3 جمادى الأولى 1431هـ الموافق 17 نيسان/أبريل 2010م.

إن حركة حماس إذ تنعى هذا المجاهد الكبير فإنها تنعى فيه عطاءه الواسع في خدمة فلسطين والدعوة الإسلامية وقضايا الأمة، وتبتهل إلى الله تعالى أن يتقبّله في الصالحين وأن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه وإخوانه الصبر والسلوان والاحتساب.

إنا لله وإنا إليه راجعون

المكتب الإعلامي

السبت 3 جمادى الأولى 1431هـ

الموافق 17 نيسان/ أبريل 2010م

المركز الفلسطيني للإعلام، 17/4/2010

الجهاد الإسلامي تنعى الشيخ الدكتور عبد الرحمن بارود

نعت حركة الجهاد الإسلامي في بيان لها د. عبد الرحمن بارود جاء نصه على الشكل التالي:

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً)

صدق الله العظيم

غزة: حركة الجهاد الإسلامي تنعى الشيخ الدكتور عبد الرحمن بارود، بقلوب راضية بقضاء الله وقدره، تنعي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لجماهير شعبنا وأمتنا، فقيد فلسطين والحركة الإسلامية الكبير/ الشيخ الدكتور عبد الرحمن بارود (أبو حذيفة) الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح هذا اليوم في المملكة العربية السعودية، عن(73 عاماً)، قضاها في خدمة دينه ووطنه وأمته.

والله نسأل أن يرحم الفقيد الكبير رحمة واسعة، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وأحبائه وأبناءه الصبر والسلوان وحسن العزاء. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وكالة فلسطين اليوم الإخبارية، 17/4/2010

وزارة الثقافة في غزة تنعي المفكر والشاعر الكبير د. عبد الرحمن بارود

غزة: نعت وزارة الثقافة اليوم الأحد المفكر الكبير والشاعر الداعية د.عبد الرحمن بارود الذي وافته المنية صباح أمس السبت، بعد مسيرة حياة حافلة بالعطاء في خدمة الإسلام والقضية الفلسطينية.

وقالت الوزارة في بيان لها “: ننعى اليوم إلي الأمتين العربية والإسلامية بصورة عامة وشعبنا الفلسطيني بصورة خاصة فقيد فلسطين والأمة د.عبد الرحمن بارود، أحد أبرز أعلام ومفكري شعبنا الفلسطيني العظيم، الذي كان له بالغ الأثر في إثراء الثقافة الفلسطينية والدعوة الإسلامية”.

وأضافت:” إن وزارة الثقافة إذ تنعي المفكر الكبير ، فإنها تنعي عطاءه المستمر والمتواصل في خدمة القضية الفلسطينية والدعوة الإسلامية ، سائلين العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان “.

وكالة سما، 17/4/2010

مؤسسة فلسطين للثقافة تنعي الشاعر الفلسطيني الكبير الدكتور عبد الرحمن بارود

نعت مؤسسة فلسطين للثقافة – دمشق الراحل الكبير د. عبد الرحمن بارود، وقالت: ببالغ الحزن والأسى تنعى مؤسسة فلسطين للثقافة ومديرها العام وجميع العاملين فيها إلى الأمة العربية والإسلامية وإلى الأدباء والشعراء الشاعر الدكتور عبد الرحمن بارود الذي انتقل إلى رحمة الله وتعالى فجر هذا اليوم السبت الموافق 17/4/2010، بعد حياة حافلة بالعطاء وخدمة الإسلام وفلسطين.

نسأل الله تعالى للفقيد الرحمة ولأهله الصبر والسلوان

وإنا لله وإنا إليه راجعون

ويشار هنا إلى أن مؤسسة فلسطين للثقافة – دمشق قد نشرت المجموعة الكاملة للدكتور بارود.

مؤسسة فلسطين للثقافة، 17/4/2010

مقالات:
وداعيّة الشاعر عبد الرحمن بارود

د. أسامة الأشقر*

في ليلة جمعة دافئة قبل يومين من رحيله، جرى دمعه وهو ينظر بعينيه المغرورقتين إلى أعماله الشعرية الكاملة، وكأنّي به قد شعر بدنوّ أجله فاقترح على من حمل له الديوان ألا يعطيه من مجلد أعماله سوى نسخ قليلة لبناته وأبنائه وبعض محبيه، إذ إن الوقت لا يكفي للمرور به على جميع أحبابه.

ومن عجائب المقادير أن يكون قدَرُه قد حلّ في ذكرى استشهاد حبيبه ورفيقه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي رثاه بقصيدة همزية هي من معلّقاته الذائعة.

هذا الشاعر الذي آثر أن يغيب عن المشهد المعلن وأن يعمل في الظل بصمتٍ، وأن يكتب شعره ليتغنّى به في لقاءاته التي لا تنقطع في ديوانيته بمدينة جدة على ساحل البحر الأحمر، يؤنس به العاملين ويقطع به ملالة اللقاءات الطويلة في اجتماعاته على امتداد أقطار الدنيا مع رفاقه، ولا ينفكّ إخوانه يتحدثون عن شروحاته الضافية على شعره الجزل الفخم الألفاظ، مما لا يعرفه معظم أهل زماننا مما كان يقطع به غناءه لشعره.

يتحدثون عنه أنه الشاب السبعينيّ، المتواضع الكريم، الذي تسبقه بشاشته وابتسامته، المحب للمجاهدين في أرض فلسطين والذي يتتبع أخبارهم وقصصهم بتفصيلاتها.

يتحدثون عنه فيرون فيه الرجل الذي يتّسع للآراء والاختلافات، ويعطي الفرص لأصحاب المقالات المتشابكة ليأخذوا حظهم في إبداء الرأي وتقليبه، حتى لو جنحوا أو مالوا على ثباتٍ فيه وأصالة وحسن نظر.

كان شديد التعلق بشعره، يعتني به عناية الأم لوليدها الرضيع، يتعاهده دون انقطاع، ويتأسف على ثلاث كراريس صادرها منه الأمن المصريّ إبّان اعتقاله الطويل في سجون جمال عبد الناصر أثناء دراسته العليا بمصر، وبقي يُوسِّط كل من له دالّة على مصر أن يفرجوا عن أوراقه المعتقلة دون ذنب.

رحم الله شاعر الإسلام في فلسطين عبد الرحمن بارود، فقد قضى نحبه وكان ما زال يحلم بقريته بيت دراس، ويستعيد ذكرياتها ويستحضرها كأنه يعيد رسم مشاهدها من جديد، فمتى تقر أعين الناس برؤية مدارج طفولة شاعرنا في بيت دراس المحتلة لنضع على باب بيته شاهد شعره:

بيت دراسٍ طللٌ دارسٌ لكنه جَدّة آبائي

تعرفني تعرفنا كلنا معرفتي لكل أبنائي

*مدير عام مؤسسة فلسطين للثقافة

السبيل، الأردن، 20/4/2010

في رثاء الدكتور عبد الرحمن بارود: لمثلك يُستعجل الرثاء.. أبا حذيفة

وائل أبو هلال

ما كان لمثلي أن يتأخر عن شرف رثائك سيدي حتى يواريك الثرى، فأقلُّ حقّك عليّ – وأنا الذي تتلمذتُ على مائدة علمك ونهلت من منهجيتك التي أثّرت في تكويني حتى هذه اللحظة – أن أحظى بشرف أول من يرثيك، وبالتالي فإن تقدّمتُ لرثائك فإنّي أردّ بعض واجب ما استطعتُ – لغفلة فيّ – أن أؤدّيه لك في حياتك. وهذا سيّدي أبسط حقوق العالم على تلامذته.

نعم أبا حذيفة؛ أيها المُتبتّل في محراب العلم، الذي أرهق “التواضعَ”؛ إذ آثرتَ أن تبقى في الظل، لا عجزاً في همّة أو قصوراً في علم، ولكنّك أخذت من العلم سموّ الترفع عن “الزحام”، وعشت حتى آخر أيامك وأنت تنهل من العلم كأنّك طالبٌ في مقتبل العمر، ومن الخسارة الجسيمة أنّك حرمت الأمّة من التدوين عن سبق إصرار، ولولا الجهد المشكور الذي بذله الدكتور أسامة الأشقر وفريق معه من مؤسسة فلسطين للثقافة في جمع الأعمال الشعرية الكاملة لك، لكنّا الآن نتصيّد فيض علمك من ذكرياتنا معك. وما زلت أذكر يوم أصرّ عليك أحد الزملاء (أظنه الدكتور حمود عليمات) أن تكتب؛ فأجبته الجواب الذي حفر في ذاكرتي: “لم تنضج بعد”! لم تنضج بعد؟! وأنت الذي كنت تقرأ أكثر من أربعمائة صفحة في اليوم!!

من أين أبدأ حكايتي معك؟ أأسردها سرداً؟ أم أقتبس ومضات من حكمتك؟ أم أقطف بعضاً من ثمرات علمك؟

لا ينفع معك “السرد” – أبا حذيفة – فقد يطول! ولا يجدي مع عطائك الاختصار فهو مخلّ.

لعلي في هذه الساعة العصيبة – قبل أن يواريك الثرى – أتنقل بين هذا وذاك، فأفرغ بعض ما فاضت به نفسي المكلومة ساعة تلقي الخبر الأليم.

ثلاثين سنة!! نعم؛ قبل ثلاثين سنة درجتُ أولى خطواتي على “بساط” حكمتك، يوم أن قابلتك في جدة لأول مرة: أنا في مقتبل حماس الشباب، وأنت في مكتمل نضج الرجولة، عرّفت نفسك باسمك الكريم، فتطابق مع اسم – ورد في كتاب كنت قد أنهيت قراءته للتو للمستشار علي جريشة “عندما يحكم الطغاة” – (لشاب فلسطيني) سقط تحت التعذيب في سجون المرحلة الناصرية فكسرت أنفه، فقلت إذاً ها أنذا أما أحد المعذبين في الأرض، والمناضلين من أجل فكرة.

“حماسة الشباب” عندي سوّلت لي أن هذا “التعذيب في الأرض” قد يورث فيك “تطرفاً” أو يزيّن لك “تكفيراً”؛ حيث كانت هذه البضاعة فكراً رائجاً في تلك المرحلة. إلا أن المفاجأة كانت عكس ذلك؛ إذ أنقذْتَني – و”ثلةً كريمةً” من طلاّب جامعة الملك عبد العزيز في جدة – من فكر التكفير والغلوّ قبل أن نلج فيهما ولربما كنا نحوم حولها؛ فدرّستنا كتاب “دعاة لا قضاة” والذي كان نواةً لفكر غرسته فينا، كان فيما بعد أعمق وأنضج من الكتاب نفسه – مع تقديري الشديد للكتاب وكاتبه – لأنك مثّلت لنا نموذجاً عملياً وواقعياً لرجل لا يتأثر فكره بعاديات الزمان مهما بلغ الأذى، وأنت الذي نلت منه سجنا لسبع سنوات، وكُسِر أنفك، وحرقت دواوين شِعرك، وأعدت دراسة الدكتوراة من البداية … كل هذا لم يؤثر فيك ولا في اعتدالك ووسطيتك.

نعم سيدي كان لقاؤك نعمةً كبرى عليَ وعلى أقراني؛ إذ تشرّبنا فكر الوسطية والاعتدال من بواكير شبابنا، في الوقت الذي تاه في كثير من أبناء جيلنا ما بين فتنة التكفير أو لوثة الغلوّ والتطرف.

على النقيض تماماً من هذه الوسطية في الفهم والاعتدال في الفكر، كانت القوة – لدرجة المبالغة الواضحة – في قول الحق ونقد الخطأ أياً كان صاحبه، وأياً كان الموقف وثمنه، حتى غدت هذه سمتك البارزة التي عرفتَ بها في أي اجتماع أو حوار. ما رأيتك سيدي قط تصمت عن قول ما تراه حقاً مهما كلفك، ولا داريت يوماً موقفاً تراه خاطئاً أياً كان صاحبه.

وإن أنسَ لا أنسى أبداً نقدك لصيغة في “وِرد الرابطة”، الذي وضعه الإمام الشهيد حسن البنا. من يجرؤ في ذلك الوقت – أو حتى الآن – أن ينقد قولاً للإمام؟! ومازلت حتى هذه اللحظة أقرأ هذا الوِرد بالصيغة التي اقترحتها أنت!

أما العظمة والسبق فقد تجليا عندما جمعتنا في ندوة لنقد كتاب “معالم في الطريق” للشهيد سيد قطب! “معالم في الطريق”!! نعم هو هو، الكتاب الذي أعدم صاحبه، ينقده عبد الرحمن بارود وثلة من شباب في أوائل العشرينات، وهو زميل سيد قطب في سجنه، ينقده دون أن ينتقص من قدر سيد قطب الشهيد واحترامه له قدر شعرة.

نقدناه فصلا فصلا وفقرة فقرة، وكأننا نسير في حقل ألغام! ولكن بقوة فكرك الوسطيّ ويقين منهج “الاعتدال” الذي بدأنا فيه مشوارنا معك، خضنا هذا الغمار بكل ثقة بما نحمل، وكل تقدير لما ننقد.

لن أنسى ما حييت، يوم جادلتك في فقرة معينة: “سيد قطب لم يقصد هذا!” فأجبتني ببداهة ساخرة: “يعني إنت بتعرف تعّبر عما يريد سيد قطب أكثر منه، سيد قطب أديب ناقد، ويعرف توصيل فكرته أكثر منك!!”

برغم هذه الصدمة في مواجهتي بهذه البدهية، إلا أنها أحدثت في عقلي انعطافاً كبيراً وجذرياً، ومن يومها لا تقديس عندي لفكرة أو لشخص مهما كانت مكانة وتقدير واحترام هذه الفكرة وهذا الشخص.

فالحقّ أحقّ أن يتبع. وكل ابن آدم يؤخذ من كلامه ويردّ إلا صاحب هذ القبر – صلى الله عليه وسلم.

حرّضتنا على الجرأة في الحقّ، وهو الذي كلّفني وأقراني الكثير في بقية حياتنا، حيث أن قول الحق صعبٌ قوله ومرٌ سماعه حتى ممن يدّعون حمل راية الحق واحتكار الحقيقة!!

وعلّمتنا ألا قبول بمسلّمات أياً كان مصدرها، حتى لو كنت أنت؛ فلم نسلّم لك في موقف دون قناعة، تجرّأنا عليك لأنك علمتنا الجرأة، وما رأينا منك غضباً منّا أو تبرّما من جرأتنا على نقد لك أو لفكرك يوماً!

لا أنسى يوم جئتنا فرحاً بأول قصيدة تكتبها بعد عشر سنوات من خروجك من السجن، وفي أول عودة لك للشعر، بعد أن حرق الطغاة دوواينك؛ فأنشدتها لنا نحن الشباب:

غنّنا فالدجى شديد السوادِ وقطيع الرقيق من غير حادي

فسألتنا رأينا – وأنت الفرح بقصيدتك البكر – فيجيبك “إبراهيم غرايبة” وكان أصغر الحاضرين سنّا يومها: “لم تأت بجديد !!” فتقبلت الفكرة والرأي الذي صدمنا نحن وأحرجنا!! وحاولت أن تفهم من إبراهيم موقفه ورأيه.

أختم سيّدي خشية أن تدفن قبل نهاية الرثاء – الذي لن ينتهي، أختم بأعظم ما تعلمته منك، وهو منهجية التثبت في الحكم على الأشخاص والأشياء والأحداث؛ منهجية مرهقة ومزعجة تلك التي تنتهجها في “الحكم”، لدرجة أننا أطلقنا عليها “منهجية أبو حذيفة”، فكنا وما زلنا إذا تناقشنا في أمر واختلفنا في الحكم عليه سأل بعضنا بعضاً: بدّك المنهج العادي (دون بيّنة) وإلا منهج أبو حذيفة؟!

هذا المنهج “التثبتي” سار معي وسرت معه، حتى الآن، ولكنه والله صعب ومرهق، أن تلزم نفسك ألا تصل لحكم على شخص أو قضية إلا إذا كنت واثقاً من المعلومة (ومتبيناً) منها مئة بالمئة، وليس تحليلاً أو إشاعة أو خطأً في فهم؛ فالحكم على الناس (تجريحا أو تعديلاً) وبناء الأفهام والمواقف ليس أمراً يؤخذ ظنّا أو هوى، وهذا ما تأكّد لي بعد شيء من النضج في هذه الحياة، عوضا عن أنه منهج نبويّ صارم.

سيّدي هذا بعض رثاء مستعجَل، أما الوفاء بحقك والكتابة عنك فأمرها جلل، وتشعباتها كثيرة، فعلمك وكرمك وطرافتك وحسن خلقك وورعك ومروءتك ووفاؤك … عظيمة ونادرة هي مزاياك يا سيّدي، لكننا للأسف لا ندرك قيمة العظماء إلا بفقدهم!

فضائلك عليّ كثيرة كثيرة؛ ولذلك فإن مصيبتي بفقدك كبيرة كبيرة، أسأل الله أن يتقبلك في الصالحين، وأن يكرم وفادتك عليه فهو أكرم الأكرمين. أما نحن فنسأله جل شأنه أن يخلفنا في مصيبتنا وأن يحسن عزاءنا. بيد أن العزاء الأكبر لكم “يا أهل جدة”، فإني أرى “اليتم” قد حل بكم، فأنتم أهل المصاب الكبير، المصابون بكبيركم فعظّم الله أجركم، وصبّركم على عظيم فقدكم.

المركز الفلسطيني للإعلام والأبحاث، 18/3/2010

ورحل غريب الديار.. عبدالرحمن بارود

حسن خليل حسين

ما تساوى صارخ في جحيم

وطيور في القناديل خُضْرُ

وضياءٌ من حكيم حميد

وعَميّ بعماهُ زيدٌ وعمروُ

فكلا الحزبين يسعى لدارٍ

مالهُ في غيرها مستقرُّ

هذه أبيات من قصيدته “الطيور الخضر” قالها شاعرنا الحبيب عام 1970م وقد رحل عن دنيانا اليوم إلى حيث يستحق من رضوان الله عليه ورحماته الأخ والصديق الدكتور عبدالرحمن أحمد جبريل بارود صاحب أطروحتي الماجستير والدكتوراه “الرجز عند رؤبة بين العجَاج” بإشراف الدكتور شوقي ضيف أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، الأولى عام 1964م والثانية بعد خروجه من السجن عام 1973.

رحل “أبو حذيفة” صباح هذا اليوم الأول من شهر جمادى الثانية الموافق 17/4/2010م، وهو الشهر المسمى عند الشعب الفلسطيني بشهر الشهداء، حيث ارتقت فيه وعلى أعتابه باقة من خيرة قادة الثورة الفلسطينية، وهم الشهداء الغر الميامين بإذن الله عبدالقادر الحسيني، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، وعبدالعزيز الرنتيسي، وخليل الوزير، رحمهم الله جميعاً، وعبدالرحمن هو الذي قال حين كان في غياهب سجون مصر عام 1966م في قصيدته “جد الرحيل”:

جد الرحيل وفاتني صحبي

وركوبتي إن تعدُ تطلعْ بي

أهوى اللحاق بهم وتتبعهم

عيني ويركض خلفهم قلبي

ماذا يساوي العمرُ إنْ قُتلَ الـ

وهْج المقدس كاسح الحُجْبِ؟!

ورحل غريب الديار إلى الدار التي أحبها وعشقها وتّغنى بها:

عابرّ يقطع الدياجي غريباً

ويغني في دربه المحدود

ولجُيْن الأنهار يجري مرايا

وأريج التفاح ذو تغريدِ

يصبرُ الحرُّ للزمان ولا تغبر

نعلاهُ في ركابِ العبيد

وعبدالرحمن بارود هو الذي قال عام 1956م:

يا طريق الثوار ما كنت مفروشاً

بوردٍ.. ولم نكن جبناء

وكأني بالشاعر الكبير “أبي حذيفة” وقد لفظ غبار الدنيا عن قلبه ونفسه بعدما قرَّت عيناه برؤية معظم أشعاره وقد جمعها أحباؤه في ديوان ضخم فسكت قلبه وبسمته الرقيقة التي رافقته طوال حياته قد ارتسمت على شفتيه وهو يرحل بعد يومين من رحيل صديقه الشاعر الوديع الطيب ورفيقه في الدراسة ناهض منير الريس.

وعبد الرحمن أخ وصديق ورفيق دراسة لكل من خليل الوزير، وأحمد ياسين، والدكتور رياض الزعنون، والشيخ محمد صالح طه، وإسماعيل الخالدي.. وكنت أنا من عشاق شعره حيث كان يسبقني بمرحلة دراسية وتعرفت عليه في دار أخي وصديقي محمد طه بمخيم البريج، وعشت قريبا منه في السعودية على امتداد خمسة عشر عاماً، وهو يدرس الثقافة الإسلامية في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وتحدثت وإياه قبل عام طويلاً أثناء تأدية العمرة وكان هو مادة دسمة للحديث بيني وبين صديقه الشهيد صلاح خلف، خاصة بعد أن وصلنا خبر غير دقيق بأنه قد توفي داخل السجن عام 1967 وحدثني عنه بكل الحب والوفاء الدكتور رياض الزعنون حين التقيته هنا في عمان وهو يشغل منصب وزير الصحة في فلسطين وكان الدكتور رياض رفيق الدكتور عبدالرحمن في السكن بحي الروضة، هكذا تكون العلاقة بين الأحباء.. رحمك الله أبا حذيفة “إنا لله وإنا إليه راجعون”.

السبيل، الأردن، 20/4/2010

عبد الرحمن بارود: الأستاذ، الداعية، وشاعر الإنسانية

إبراهيم غرايبة

وكلامُ ربعيِّ ؛ أَتَذْكُرُه ؟ طيِّبٌ تمنّى الطِّيبُ رَّياهُ

توفي فجر أمس “السبت” الأستاذ والداعية والشاعر العظيم عبد الرحمن بارود، وأتوقع أن عددا كبيرا من طلاب وخريجي جامعة الملك عبد العزيز بجدة على مدى ثلاثين عاما أمضاها في التدريس بالجامعة، سيشعرون على نحو خاص وشخصي بمصاب وحزن كبير لفقدان هذا الأستاذ العلم، والذي كنا نتزاحم على التسجيل “اختياريا” أو الحضور شخصيا من دون تسجيل في محاضراته في الثقافة الإسلامية وحاضر العالم الإسلامي، هذا بالإضافة بالطبع إلى جمهور واسع من الحركة الإسلامية في فلسطين والعالم، ومحبي الشعر وقرائه ورواد شعر الدعوة الإسلامية.

كان أبو حذيفة يعمل أستاذا للغة العربية والثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز منذ حصوله على الدكتوراه من جامعة القاهرة في اوائل السبعينيات بمرتبة الشرف، وبعدما أمضى عدة سنوات في السجون المصرية أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان في الجامعة موضع تقدير ومحبة قطاع من الطلاب والأساتذة بسبب خلقه الكريم والمثالي وعلمه الواسع والموسوعي، وهو عدا ذلك من الجيل المؤسس للحركة الإسلامية في فلسطين منذ أواخر الأربعينيات عندما كان طالبا في المرحلة الثانوية لاجئا إلى غزة من بيت دراس بقرب عسقلان، والتي ولد فيها عام 1937، وفي لجوئه وذكرياته الباقية معه حتى وفاته وفي مشاركته في جماعة الإخوان المسلمين بدأ ينظم الشعر وهو فتى صغير، يتذكر الأيام والأهل والمدرسة التي بناها الأهالي على نفقتهم ثم نسفها الاحتلال.

وكان من رفاقه في الدراسة بمراحلها المختلفة وفي العمل الإسلامي والسياسي أيضا، خليل الوزير أبو جهاد وصلاح خلف أبو إياد رحمهما الله، وكثير من قادة العمل الفلسطيني والإسلامي بعامة، فمن المعلوم أن قسما كبيرا من مؤسسي حركة فتح كانوا في صفوف الإخوان المسلمين، وفي السجن الحربي في مصر كان برفقة عدد كبير من قادة الحركة الإسلامية ومفكريها مثل محمد قطب وعلي جريشة.

وفي إسهامه ومشاركته في العمل الإسلامي والفلسطيني كان أبو حذيفة رحمه الله وسطيا متسامحا يكاد يكون موضع ثقة الفرقاء جميعهم، وكان كما في شعره مثاليا في خلقه وسلوكه على نحو جعله يبتعد عن المواقع القيادية والدخول في الخلافات، ما زاده تقديرا ومحبة لدى الجميع.

وظل الدكتور بارود ملتزما بالشعر العمودي بعدما غادره الشعراء، وصدرت له مئات القصائد المرافقة للأحداث الفلسطينية والقضايا العامة الكبرى أو في العاطفة والذكريات، وإن غلب على شعره الالتزام.

أتذكر أني زرته معزيا بوفاة والدته في منتصف الثمانينيات، وكان قد كتب قصيدة بالمناسبة، وحصلت على نسخة من القصيدة بخط يده لعلي أجدها بين أوراقي وأعود إليها في مقالة أخرى، زرته في مناسبة أخرى وكان قد كتب قصيدة بتأثير بلوغه الخمسين (كنا نراه كبيرا جدا) وأخذت نسخة منها بخط يده، وأتذكر منها حتى اليوم:

حلاك من يتحلى باسمه الذهب وأطيب الطيب فيك الرسل والكتب

كل المواني جبنا يا حبيبتنا كل البحار ركبنا وهي تصطخب

تنأى بنا الدار لكن من مهاجرنا إليك مثل رفوف الطير ننجذب

أعوامنا الخمسون السود كم قبعت بين المقابر والأطلال تنتحب

لنا عتاق جذوع قال قائلهم : تحجرت بعد أن أودى بها العطب

فانظر إليها وقل سبحان خالقها ولى الردى هاربا واخضوضر الحطب

الغد، الأردن، 18/4/2010


صور شخصية للشاعر بارود:

 


لتحميل الملحق، اضغط على الرابط التالي:

ملحق خاص بوفاة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بارود (رحمه الله) أحد رواد الإخوان المسلمين في فلسطين

Worc(22 صفحة، 1.56 MB)

ملحق خاص بوفاة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بارود (رحمه الله) أحد رواد الإخوان المسلمين في فلسطين

(22 صفحة، 513 KB)*
* إذا كانت لديك مشكلة في فتح الملف، اضغط هنا

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 20/4/2010