مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي رقم (18) – كانون الأول/ ديسمبر 2009.

ملخص التقدير: تتمثل أزمة الانتخابات الفلسطينية في كونها تتم من الناحية القانونية بناء على اتفاقيات أوسلو واستحقاقاتها، وبينما ترى فيها قيادة منظمة التحرير والسلطة في رام الله فرصة لتكريس شرعيتها، وللسير في مسارات التسوية السلمية لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني؛ فإن حماس وقوى المقاومة ترى في الانتخابات فرصة لتكريس شرعية خط المقاومة وخطها السياسي الرافض لأوسلو، وأداة لمحاربة الفساد في السلطة والتدهور في عملية التسوية.

من المستبعد أن تتم الانتخابات في موعدها المحدد سابقاً في 24/1/2010، وتبقى هناك سيناريوهات تتضمن تأجيل الانتخابات ثم إجراءها بعد بضعة أشهر قبل تحقيق توافق وطني، أو تأجيل الانتخابات لتتم بعد توقيع اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، أو عدم إجراء الانتخابات والاكتفاء بالتمديد للرئيس عباس ونقل صلاحيات المجلس التشريعي إلى رئاسة السلطة ومؤسسات م.ت.ف.

وسواء تمت الانتخابات أم لم تتم، فإنها يجب أن تظل جزءاً من رزمة الإصلاح الفلسطيني، وأداة من أدوات ترتيب البيت الفلسطيني، وليس مدخلاً إضافياً للشرذمة والانقسام.

مقدمة:
يمرّ الاهتمام بالانتخابات الفلسطينية بمواسم متباينة تتراوح ما بين الترحيب وقلة الاكتراث والتسويف. فتارة ترى بعض الناس غير مكترثين بها لأنها نتاج اتفاقية أوسلو، وقد كان هذا شأن المعارضة فيما يتعلق بانتخابات سنة 1996، بينما رأى المتحمسون لتلك الانتخابات أن إجراء الانتخابات سنة 1999 غير ضروري ولا يخدم القضية الفلسطينية. كانت هناك مطالبات عديدة لإجراء الانتخابات مع مطلع القرن الـ21، لكن عرفات كان يرفض ذلك على الرغم من إشادته المستمرة بالديموقراطية الفلسطينية. المجلس التشريعي الذي انتخب سنة 1996 استمر في العمل مدة عشر سنوات، على الرغم من أن مدته أربع سنوات. الآن حركة فتح تطالب بإجراء الانتخابات كفيصل بينها وبين خصومها، بينما ترى حماس أن الانتخابات يجب أن تتم بعد تحقيق التوافق الوطني.

الأهم من ذلك، أن كل الفصائل الفلسطينية أشادت بنزاهة انتخابات المجلس التشريعي لسنة 2006، لكن العديد منها انقلب على النتائج، وسلك طريقاً مختلفاً يعيق عمل المجلس المنتخب. وقد ساعدت “إسرائيل” في الانقلاب عندما اعتقلت عدداً كبيراً من النواب، وكذلك فعلت أمريكا والدول الأوروبية المانحة عندما رفضت تقديم المعونات المالية للحكومة التي شكلتها حماس.

شرعية الانتخابات:
من الناحية المبدئية، يثور تساؤل عن جدوى وجواز إجراء انتخابات في ظلّ الاحتلال؟ لأن هذا قد يعني اعترافاً بشرعيته، حيث إنها تجري تحت مظلته وإشرافه، وهي تعطيه أيضاً وجهاً جميلاً على اعتبار أنه “احتلال حضاري ويؤمن بالديموقراطية”.

فهل ورطنا أنفسنا لسبب أو لآخر في مسألة الانتخابات إلى درجة أنها أصبحت مقياساً لشرعيتنا نحن في تنفيذ الاتفاقيات مع المحتل؟ وقبل أن نحقق انتصاراً أو تحريراً أو أياً من حقوقنا الوطنية الثابتة، أصبحت شرعيتنا مستمدة من انتخابات طالب بها العدو، ووقّعنا بشأنها معه مراسيم واتفاقيات!! وما يؤكد هذا أيضاً هو أن الانتخابات لا تجري إلا إذا وافقت “إسرائيل” على إجرائها، وبعد الامتناع عن القيام بأعمال عسكرية في المنطقة الانتخابية لأيام محدودة.

الانتخابات كآلية:
فلسفة الانتخابات الفلسطينية في ظل السلطة الفلسطينية لم تختلف عنها في ظل الاحتلال المباشر، من حيث إنها تستخدم كآلية لإضفاء الشرعية على الاحتلال، سواء كان مباشراً أم غير مباشر. وقد ورد في اتفاقية طابا، التي فصَّلت اتفاق أوسلو، أنه يتم انتخاب مجلس فلسطيني مكون من 25 شخصاً، بمن فيهم الرئيس، يعمل على تنفيذ الاتفاقيات مع صلاحيات تشريعية. أي أن أساس المجلس الفلسطيني الذي أخذنا نسميه المجلس التشريعي هو التنفيذ وليس التشريع. وقد تم زيادة أعداد المجلس بناء على طلب عرفات الذي رأى أن العدد 25 ليس كافياً لإشباع رغبات المتطلعين إلى مناصب قيادية، ووافقت “إسرائيل” على ذلك، فارتفع العدد إلى 88، ومن ثم إلى 132.

وعلى عكس دول العالم التي تنظر إلى الانتخابات كأساس تمثيلي بهدف التشريع، فإن الانتخابات في السلطة الفلسطينية مصممة من أجل التنفيذ. ولهذا لم يكن من الممكن للسلطة الفلسطينية المتمخضة عن أوسلو أو لـ”إسرائيل” أو لدول عربية وغربية مشارِكَة في مشروع التسوية أو داعمة له أن تقبل نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2006، ولم يكن من الممكن أن تقبل أيضاً نتائج انتخابات رئاسية تفرز رئيساً لا يؤمن بأوسلو. ولم يكن من المفاجئ منع الأموال عن حكومة حماس وحصار الحركة فيما بعد، وعلينا أن نتوقع تكرار رفض نتائج الانتخابات إذا جرت وفاز بها من يرفض أوسلو.

شرعية اللاشرعية:
ولهذا، تعبّر الانتخابات الفلسطينية عن بحث عن شرعية في ظل اللاشرعية، وهي لاشرعية الاحتلال. الاتفاقات الفلسطينية مع الاحتلال غير شرعية لأن الاحتلال غير شرعي، ولأنها تناقض كل المواثيق الفلسطينية وعلى رأسها الميثاق الوطني الفلسطيني، الذي كان ساري المفعول عند توقيع الاتفاق. يتنافس الفلسطينيون على شرعية التمثيل الفلسطيني في ظل الاحتلال، في حين أن الانتخابات لا تكتسب معنىً وطنياً إلا بعد التحرير، أو بعد انتزاع حق تقرير المصير.

بالنسبة لمؤيدي خط التسوية واتفاق أوسلو، فإنهم يريدون انتخابات يفوزون بها لكي تكون برهاناً على التأييد الشعبي لهم في الضفة وغزة، بينما يريد الرافضون لأوسلو الفوز بها للتأكيد على أن أوسلو وتبعاته مرفوضة على المستوى الشعبي. أي أنه على الرغم من لاشرعية الانتخابات، إلا أن كل طرف يريد أن يثبت شيئاً ما من خلالها، ما دامت الانتخابات الشرعية غير مواتية الآن. هذا فضلاً عن أن المعارضة رأت أن الفوز في الانتخابات قد يريح الشعب الفلسطيني من الفساد الذي انتشر بكثافة، ويوقف التنسيق الأمني مع الصهاينة، ويشجع المقاومة المسلحة.

شرعية الأمر الواقع:
ما دامت الانتخابات قد صممت لتكون آلية للتنفيذ لا لتكتسب شرعية، فإن الإصرار عليها في الساحة الفلسطينية يبقى ضمن الرؤية الخاصة لكل طرف فصائلي. وكما أشرنا سابقاً، لا تجري الانتخابات وفق معايير قانونية ومهنية، وإنما وفق حسابات داخلية وخارجية. فلو لم يختفِ عرفات عن الساحة لما رأينا انتخابات رئاسية، وربما كان من الممكن ألا نراها لو قررت حماس دعم مرشح معين. ولولا أن أمريكا والقوى الغربية قد أصروا على الانتخابات التشريعية، تنفيذاً لخريطة الطريق، لبقي المجلس التشريعي الأول “صامداً” أمام الانتقادات القانونية. والمعنى هو أن الانتخابات الفلسطينية ليست مرتبطة بتقدير الجهات السياسية للقانون والمبدأ، وإنما مرتبطة بالمصلحة الفصائلية، وبتقدير ميزان القوى الشعبي في الضفة وغزة، فضلاً عن الاعتبارات الخارجية وخصوصاً الإسرائيلية والأمريكية.

في الساحة الفلسطينية الآن لا توجد شرعية كاملة لحكم أو سلطة، وربما تكون حكومة حماس هي الأقرب للشرعية لأن المجلس التشريعي الذي انتخب سنة 2006 ما زال ضمن زمن شرعيته، أما أبو مازن فيعمل خارج مدته القانونية، وحكومة فياض لديها مشكلة حقيقية في أساسها الشرعي، أما هيئات ومجالس منظمة التحرير الفلسطينية فقد عفا عليها الزمن وفقدت شرعيتها لأنها تخالف اللوائح الداخلية للمنظمة. وبالرغم من ذلك، يدّعي كل طرف الشرعية ويسوق دائماً أسبابه وتبريراته. والحقيقة هي أن الشرعية في الساحة الفلسطينية تستند عملياً على فرض الأمر الواقع، فمن استطاع السيطرة، وتمكن من استحصال دعم إقليمي، وإن أمكن أيضاً دعم دولي،  أصبح “شرعياً”، ومن لم يستطع فعليه أن يزاحم من أجل فرض نفسه!!

خيار الانتخابات الآن:
تطرح السلطة في رام الله الانتخابات كخيار وحيد للخروج من المأزق الفلسطيني الحالي، ومن خلال مراجعة سجل هذه السلطة في التعامل مع مبدأ الانتخابات، لا يستطيع المرء إلا أن يشك في هذا الشوق الكبير لإجراء الانتخابات. هذه السلطة أبقت غزة والضفة بدون انتخابات رئاسية حتى وفاة عرفات، وأبقت على المجلس التشريعي حتى سنة 2006، ورفضت نتائج الانتخابات عندما أتت بنتائج مفاجئة. أي أن هناك سرّاً وراء هذه الرغبة في إجراء الانتخابات غير الحرص على مبدأ تداول السلطة!!

هناك ظن لدى أركان في السلطة الفلسطينية أن الانتخابات إن أجريت ستنتهي بهزيمة حماس لأن الأخيرة قد فقدت الكثير من شعبيتها بعد سيطرتها على غزة، ولأن سيف المال والحصار يعمل ضدها. لكن من المفروض أن يحسبوا أيضاً أن شعبية السلطة في الضفة الغربية في انحدار. ومهما يكن، فمن المستبعد أن يقترف الأمريكيون والإسرائيليون الخطأ ذاته مرة ثانية ويسمحوا بانتخابات لا يضمنون نتائجها. أي أن “إسرائيل” وأمريكا إن وافقتا على إجراء الانتخابات تحسبان تماماً الإجراءات الواجب اتخاذها من أجل فوز السلطة في رام الله. ومن ناحية أخرى، ستتركز الدعاية الانتخابية على ربط فوز حماس بإفقار الشعب الفلسطيني، لأن الدول الغربية ستقطع المال عن الشعب إذا لم تفز السلطة في رام الله، وللشعب تجربة تثبت مصداقية الدعاية.

تسرّع محمود عباس:
لقد تسرع رئيس السلطة في رام الله في إعلانه عن موعد الانتخابات القادمة، وظهرت تصريحات منه ومن بعض معاونيه تجعل من الانتخابات غير ذات جدوى أو معنى لدى الكثيرين، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: يظهر أن إعلان عباس عن الموعد لم يكن إلا من قبيل التكتيك السياسي، حيث إن تبريره صحيح بأن هناك استحقاقاً “دستورياً” بالنسبة للمجلس التشريعي، لكنه ليس صحيحاً بالنسبة للرئاسة، لأن عهد ولايته قد انتهى في أوائل سنة 2009. ويبدو أن المسألة متعلقة بهجوم مضاد على حماس التي وضعته وسلطته في زاوية محرجة جداً بسبب تصويت السلطة في رام الله على تأجيل البت بتقرير جولدستون، وقد يعد هذا الإعلان من قبيل المناكفات التي تعقِّد المشاكل ولا تحلها.

ثانياً: لا توجد مشكلة يمكن حلها من خلال الانتخابات التي دعا لها عباس، فهناك مشاكل صعبة في الضفة الغربية وغزة سواء كانت متعلقة بالانقسام أم بتحكم الغرب و”إسرائيل” بلقمة خبز الشعب أم بالتنسيق الأمني مع “إسرائيل”، ولا يبدو أن الانتخابات ستحل أياً من هذه المشاكل.

ثالثاً: إذا أقيمت انتخابات في الضفة الغربية فقط فإنها ستكون انتخابات داخلية لحركة فتح، ولن تكون انتخابات حقيقية. بعض فصائل منظمة التحرير ستشارك في الانتخابات لكن وزنها خفيف جداً، بحيث أنها لن تؤثر على توازن القوى بين المتنافسين من حركة فتح. وفي الغالب سيقرر الكثير من المستقلين عدم خوض الانتخابات، لأنها لا تتم تحت مظلة التوافق الوطني.

رابعاً: من شأن الانتخابات إن أجريت أن ترفع من مستوى التوتر الداخلي الفلسطيني، وأن تعمق الخلافات والانقسامات القائمة الآن بين سلطتي رام الله وغزة.

خامساً: لقد جعل عباس من الانتخابات أمراً غير ذي قيمة عندما قرر عدم ترشحه للانتخابات بسبب عدم رغبة أمريكا و”إسرائيل” في إعطاء الفلسطينيين شيئاً من حقوقهم الوطنية، وعندما تحدث عريقات عن فشل المفاوضات التي طال وأمدها. والسؤال الذي لاح في رؤوس المؤيدين للسلطة في رام الله: إذا كان الأمر كذلك، فما الفائدة من إجراء انتخابات؟ أليس من الحكمة أن يتم البحث في خيارات أخرى تُخرج الشعب من مسيرة تفاوضية فاشلة؟

خيارات السلطة في رام الله:

1. إجراء الانتخابات في موعدها:
وهو السيناريو الذي كانت السلطة في رام الله تلوح به في حال عدم توقيع حماس اتفاق المصالحة؛ غير أن توصية لجنة الانتخابات المركزية بتأجل الانتخابات، لعدم قدرتها عملياً على إجرائها في ظل الانقسام الفلسطيني، وعدم قدرتها على تنظيم الانتخابات في قطاع غزة دون توافق مع حكومة إسماعيل هنية، قد ألغى خيار عقد الانتخابات في موعدها الذي كان مقترحاً في 24/1/2010.

 

2. تأجيل الانتخابات ثم إجراؤها بعد بضعة أشهر دون توافق وطني:
يعتمد هذا السيناريو على فكرة وصول السلطة في رام الله إلى حالة من اليأس واستحالة القدرة على فرض إرادتها أو تصورها للانتخابات أو للمصالحة على حماس وحكومتها في قطاع غزة، وعلى تنامي قناعات لدى بعض أركان السلطة بالاكتفاء بأخذ الغطاء الشرعي المطلوب في الضفة الغربية، وتأجيل نيل هذا الغطاء في قطاع غزة إلى مرحلة مقبلة.

وعلى الرغم من أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى مزيد من الانقسام وتأزيم الوضع الفلسطيني، ولن يمنح إلا شرعية مجتزأة وموضع شك وتساؤل لدى الكثيرين، إلا أن البعض قد يميل إليه على أساس الرغبة في استبعاد حماس من المشهد السياسي، والسير قُدُماً في تحقيق منجزات سياسية أو اقتصادية من خلال العلاقة مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، وباعتبار أن المصالحة مع حماس ستؤدي إلى تعطّل مسار التسوية وإلى مزيد من المعاناة والحصار، فضلاً عن أن البعض قد يفقد نصيبه من “كعكة” السلطة وقيادة م.ت.ف في حال حصول توافق وطني.

إن أولئك الذين يرون المقاومة عملية عبثية، ويشكّل العامل الإقليمي والدولي عنصراً أساسياً في صناعة قرارهم، لن يرحبوا كثيراً بمصالحة تعطي لحماس نصيباً كاملاً في إدارة السلطة أو الأجهزة الأمنية أو منظمة التحرير ومؤسساتها. وسيظل شعارا “سلطة ملتزمة باتفاق أوسلو” و”حكومة لا تتسبب بالحصار” هما المدخلين المعتمدين للمضي بشكل منفرد في محاولة قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، ولو على حساب تراجعه وتشرذمه.

 

3. التمديد للرئيس عباس ونقل الصلاحيات إلى م.ت.ف:
يعتمد هذا السيناريو على عدم إجراء الانتخابات، والاكتفاء بالتمديد للرئيس عباس من خلال المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وقيام المجلس المركزي نفسه بممارسة صلاحيات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية، باعتبار أن المجلس التشريعي قد انتهت ولايته، وأن منظمة التحرير ومؤسساتها هي مؤسسات حاكمة وموجهة للسلطة الفلسطينية.

وسيستمر محمود عباس في هذه الحالة بإصدار المراسيم الرئاسية، مع نيل المباركة والأختام اللازمة من المؤسسات القيادية في م.ت.ف (اللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي، والمجلس الوطني إن تطلب الأمر).

وعلى الرغم من أن شرعية مؤسسات م..ت.ف نفسها هي موضع تساؤل وشكّ كبير، وعفا عليها الزمن، وانتهت مددها الدستورية منذ أمد بعيد، إلا أنه ما يزال يتم استخدامها لتوفير الغطاء لقيادات فتح والسلطة في رام الله للاستمرار في تمثيل الشعب الفلسطيني، واتخاذ القرارات التي يحتاجونها.

وقد يبدو هذا الخيار مريحاً لدى البعض ولا يتطلب الدخول في مجازفات غير مضمونة النتائج. وهو خيار يستفيد من توفر الغطاء الإقليمي والدولي لاستمرار عباس في السلطة واستمرار المنظمة في توفير الغطاء والشرعية، بينما يستمر الحصار والضغط على حماس بانتظار إسقاطها.

لا يقدم هذا السيناريو شيئاً كثيراً سوى استمرار الوضع الراهن، وتكريس الانقسام، والمراهنة على عامل الزمن لإيجاد شروط تفاوضية أفضل، وسيستفيد الطرفان الإسرائيلي والأمريكي من التعامل مع سلطة فلسطينية ضعيفة ومنقسمة لبناء مزيد من الحقائق على الأرض وفرض مزيد من الشروط في مشروع التسوية.

 

4. إجراء الانتخابات بعد توقيع اتفاق المصالحة:
وهو سيناريو يفترض أن توقع حماس على ورقة المصالحة المصرية، ربما بعد أن تقوم مصر بعمل بعض التعديلات على الورقة، تؤدي لطمأنة حماس إلى حد ما، ولكنها لا تتعارض مع ما هو جوهري بالنسبة لفتح. وقد يدفع باتجاه هذا السيناريو شعور الجميع أنهم يخسرون مع مضي الوقت، وأن الانتخابات ستجري ضمن رزمة متكاملة للمصالحة الوطنية، وأن الانتخابات تملك حداً معقولاً من ضمانات النزاهة.

وقد يجد هذا السيناريو دعماً كبيراً من قيادات عديدة في السلطة في رام الله بعد اليأس من إمكانية إسقاط حماس، بالقوة أو بالعصيان، في قطاع غزة. ويظل هذا السيناريو هو المرغوب شعبياً والمفضل وطنياً لأنه يعطي فرصة للتداول السلمي للسلطة، ولإعادة اللُّحمة الوطنية وعلاج الانقسام، ولأنه يقدم أوراق الانتخاب وصناديق الاقتراع على أزيز الرصاص وصناديق الذخيرة.

ولكن هذا الخيار يعتمد بشكل كبير على القدرة على الصمود في وجه الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، وعلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يتوافق مع المصالح الوطنية العليا، وعلى السير في برنامج بناء ثقة على الأرض بين أطراف الانقسام يستبق العملية الانتخابية؛ ليؤسس لمرحلة مصالحة حقيقية.

المقترحات:
1. تنفيذ الانتخابات كجزء من رزمة الإصلاح الوطني الفلسطيني، وعدم فصلها عن باقي خطوط المصالحة المتعلقة بإصلاح م.ت.ف، والمؤسسة الأمنية، وإطلاق السجناء السياسيين… وغيرها.
2. العمل على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بطريقة يشارك فيها الجميع، ووفق ميثاق وطني جديد. بعد ذلك تتسلم المنظمة الجديدة الملفات المختلفة للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بما فيها الملف السياسي.
3. تقديم المصالح الوطنية العليا على الضغوط الخارجية، ورفض أن تكون الشروط الإسرائيلية والأمريكية عنصراً محدداً للقرار الفلسطيني أو المصالحة الوطنية.
4. المسارعة إلى تنفيذ برنامج بناء ثقة بين فتح وحماس وباقي الأطراف الفلسطينية، يسبق الانتخابات، ويعالج الظواهر السلبية للانقسام، ويؤسس لمرحلة عمل فلسطيني يحترم البناء المؤسسي الديموقراطي، ويشرك الجميع بشكل حقيقي ومسؤول في بنية المشروع الوطني الفلسطيني.
5. تأجيل موعد الانتخابات لما بعد المصالحة، كي يتسنى إجراء العملية الانتخابية في ظل توافق وطني ترعاه اللجنة الوطنية العليا، مثلما ورد في مسودة آخر ورقة مصالحة، وبحيث يتم ضمان النزاهة والشفافية.

* يتقدم مركز الزيتونة للدكتور عبد الستار قاسم بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 14/12/2009