مدة القراءة: 6 دقائق

بقلم: د. الياس عاقلة.

بعد أحداث 11 أيلول وُظفت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية لنقد وللتهجم على أنظمة التعليم العربية والإسلامية وتصويرها كمنابع للكراهية وللعنصرية وللعنف وللتعصب الديني وللإرهاب. وقد توجهت “باربارا والترز”، مذيعة برنامج 20/20 في محطة تلفزيون ABC الأميركية، الى السعودية العربية لانتقاد المدارس الإسلامية هناك. واختارت “والترز” نصوصاً قرآنية معادية لليهود، خارجة عن نصها التاريخي عندما قام اليهود بخرق معاهدات السلام مع النبي محمد وبخيانة المسلمين، ووصفتها بأنها آيات تثير الكراهية ومعادية للسامية. ورغم ذلك استمع إليها المسؤولون السعوديون بوساعة صدر واعدين بتحديث المناهج الإسلامية.

بسبب الأوضاع السياسية آنذاك تجاهل الناقدون الغربيون، وفيهم “والترز”، التعرف على التعاليم الجيدة التي تقدمها هذه المدارس الدينية بما فيها الاعتراف وتقبل الديانتين اليهودية والمسيحية، تقبل المجتمعات غير الإسلامية، الاعتدال السلوكي والأخلاقي، القيم العائلية، الرحمة والرأفة بالفقراء وبالمساكين، المساواة في الحقوق، الحرية وتحرير العبيد، ومفاهيم الديمقراطية المتمثلة في معاني الشورى، وغيرهم من لائحةٍ طويلةٍ في الأخلاق الدينية والاجتماعية.

لم تتجرأ “والترز” وصحبتها من الناقدين الغربيين بتفحص مناهج التعاليم الإسرائيلية ومقارنتها بمناهج أخرى. دراسةٌ متفحصةٌ للمناهج الإسرائيلية ستفضح تعصبها العرقي والديني، وتعاليها وعدم تقبلها للمجتمعات غير الإسرائيلية، وحقدها على الأغيار، وعسكرتها وتمجيدها للعنف وللإرهاب ضد الآخرين.

أدرك مؤسسو الصهيونية أنه لن يتم تقبل وجود دولة إسرائيل في قلب العالم العربي على أراضٍ فلسطينيةٍ مغتصبة، وأنه لا بد من استخدام القوة العسكرية العاتية لفرض الوجود الإسرائيلي. وهذا تطلب عسكرة المجتمع الإسرائيلي كله. وقد أعرب عن هذه الحقيقة الرئيس الإسرائيلي الأول “ديفيد بن غوريون” حينما قال:”إسرائيل عبارة عن مجتمعٍ عسكري”

تعكس العسكرة نفسها في جميع مجالات الحياة الإسرائيلية إبتداءً من عائلاتهم ثم انتقالاً الى مدنهم، وحضارتهم، وأعمالهم، وجميع مؤسساتهم، وصناعاتهم، ومناهجهم التعليمية، وحتي الى فنونهم ورفاهيتهم. في الحقيقة كل إسرائيلي عبارة عن عسكري في حقل أو في آخر. إذ تجد الجنود الإسرائيليين المسلحين أينما تذهب في أيٍ من التجمعات الإسرائيلية؛ في شوارعهم، في أسواقهم، في متاجرهم، في مطاعمهم، في حافلاتهم وفي قطاراتهم، وفي كل مكان قد تفكر به. الضباط الإسرائيليون الحاليون والسابقون هم الذين يحركون عجلة الحياة الإسرائيلية.

خلق مجتمع عسكري كهذا، يعيش ويموت للحرب، يتطلب تنشآةً عسكريةً من الطفولة، ولا توجد وسيلةٌ أفضل لتلقين ولبرمجة الأطفال عسكرياً إلا من خلال المناهج التعليمية المدرسية عندما تكون عقول الأطفال لينة وقابلة للتشكيل. وقد لاحظت الباحثة الإسرائيلية “إيرنا كازين” أن مناهج المدارس الإسرائيلية قد تم تصميمها لإحاطة الطلاب منذ صغرهم ببيئة عسكرية تمجد الجيش وتهيأ الطلاب ليصبحوا جنوداً في الجيش الإسرائيلي. وتُعتبر الخدمة العسكرية في إسرائيل أعلى الواجبات الدينية التي يصبوا الى تنفيذها كل مواطن إسرائيلي.

أول درس يتعلمه الطفل الإسرائيلي هو أكثر الدروس تعصباً وعنصرية وتمييزاً وتطرفاً دينياً وبغضاَ وخوفاَ مرضياً من الآخرين الذين يضطهدون الشعب المختار لإلهٍ متعصبٍ في أرض الله الموعودة. ويكتشف الطفل الإسرائيلي أنه يتمتع بحق ميلادٍ إلهيٍ كونه خُلق يهودياً في شعب الله المختار، وأن هذا الامتياز الإلهي يأتي مصطحباً بحسد وكراهية واضطهاد الأغيار له. كما يتعلم أن هؤلاء الأغيار عبارة عن أرواح حيواناتٍ خُلقت في أجسادٍ بشريةٍ من أجل خدمة ومتعة شعب الله المختار. كما يتعلم أيضاَ أن أرض الله الموعودة قد سرقها لصوصٌ كافرون (العرب والمسلمون) وأن واجبه الديني يتطلب منه تحقيق رغبة الله بتطهير الأرض الموعودة من هؤلاء الكافرين وببناء هيكلٍ لهذا الإله.

وقد عُجنت الكتب الدراسية الإسرائيلية بفكرٍ صهيوني عسكريٍ متعصبٍ ملوثٌ بصبغةٍ دينيةٍ مشوه. فقد نشر الباحث الإسرائيلي “إيلي بوديا”، من جامعة حيفا، دراسةً لكتب مناهج التاريخ في المدارس الإسرائيلية تحت عنوان “الصراع الإسرائيلي في كتب التاريخ الدراسية العبرية”، حيث استنتج “بوديا” أن هذه المناهج تساهم في استمرار الصراع العربي الإسرائيلي وفي تعثر صنع معاهدات سلام مع الفلسطينيين. ويصف المناهج بأنها مشوهةٌ بفكرٍ صهيونيٍ متطرف يربي كراهيةً ضد العرب بشكل عام وضد الفلسطينيين بشكل خاص، حيث يجردهم من إنسانيتهم ويصفهم بالتوحش وبالعنف وبالإرهاب وبالتأخر وبالإجرام وبالقذارة وبالحيونة. وقد أثنى على هذا الوصف الباحث الإسرائيلي “سيجريد ليحمان” بقوله: “نحن كإسرائيليون نميل الى تصور العرب كأغيار، وكأوروبيون نتصورهم كعدوٍ آسيوي لطموحاتنا الوطنية، وكإشتراكيون نتصورهم كأسوأ أنواع التخلف”

ومن جهة أخرى فإن المناهج الدينية والاجتماعية الإسرائيلية مليئة بتعصبٍ دينيٍ متطرف، وبتعالٍ إجتماعي على كل الأغيار. إذ تمتلئ كتبهم الدينية بقصص أنبياء اليهود القدامى الذين، تبعاً لأوامرربٍ قاتلٍ، يرسلون اليهود لاقتراف جرائم حربٍ ضد الأغيار، ذابحين الجميع بدون استثناء؛ من الطفل الى الشيخ على كلا الجنسين، ولاقتراف جرائم ضد الحيوانات الزراعية ذابحين جميع قطعان الماشية، ولاقتراف جرائم ضد الأرض والبيئة حارقين المدن، قاطعين الأشجار المثمرة، وحارقين المحاصيل الزراعية. وما قصة النبي صموئيل مع الملك شاؤول إلا قصةً واحدةً فقط من القصص الكثيرة المشابهة التي تملأ كتاب العهد القديم وكتاب التلمود. فقد أمر النبي صموئيل الملك شاؤول بذبح أعداء إسرائيل عن بكرة أبيهم حسب أوامر رب إسرائيل. وفي أحيان كثيرة هناك ذكرٍ لهذا الرب القاتل يشارك في معارك إسرائيل حيث يسقط برداً وناراً على أعداء إسرائيل. وهكذا يتعلم الطالب الإسرائيلي أن الله قد حلل قتل الأغيار وتدمير مدنهم وأن قتل هؤلاء الأغيار واجبٌ ديني.

وحتى الآن لا يزال هذا الرب يخاطب حاخامات اليهود ليقودوا إسرائيل في حروبها ضد العرب، حيث يقوم الحاخامات بإصدار فتاواهم التي تحلل العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. فمثلاً أصدر الحاخام “مردخاي إلياهو”، كبير حاخامات إسرائيل السابق، فتوى دينية حلل فيها إبادة الفلسطينيين كواجبٍ ديني. أما الحاخام “أليعازر ملميد” فقد أصدر فتوى حلل فيها للإسرائيليين سرق وحرق المحاصيل الزراعية الفلسطينية وقتل مواشيهم الزراعية وتسميم مياه آبارهم الى أن أصبحت هذه الجرائم مغامرات ليلية لشباب المستعمرات الإسرائيلية ضد القرى الزراعية الفلسطينية المجاورة. أما أكثر الفتاوي تطرفاً فقد صدرت من الحاخام “يوسف عباديا” الرئيس الروحي لإسرائيل والذي وصف الفلسطينيين بالحشرات والصراصير التي يجب أن تُداس عليها، كما أمر بدفن جثث المقاومين الإسلاميين داخل جلود الخنازير لتجنيسها، وكذلك ادعى أن المسيح القادم سيلقي جميع الكفار العرب في جهنم.

في شهر أيلول 2005 قام كبراء الحاخامات الإسرائيليين بقيادة الحاخام المتطرف “دوف لينور” بتقديم فتوى دينية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الجزار “آرييل شارون” يحللون له فيها قتل المدنيين الفلسطينيين مستشهدين لذلك بملوك إسرائيل القدامى، مثل الملك “شاؤول” والملك “داوود”، اللذان أرسلهما رب إسرائيل لذبح جميع الأغيار بدون استثناء أحد؛ أطفالاً وشيوخاً.

تصبح هذه الفتاوى الدينية المتطرفة قوانين تُدرس في المدارس الإسرائيلية جنباً الى جنبٍ مع كتب الدين الحديثة التي تمجد مجرمي الحرب الإسرائيليين واصفة إياهم بالأبطال الوطنيين وبالقديسين لقتلهم الأغيار الفلسطينيين ، مثل كتاب “باروخ البطل” الذي نشره الحاخام “إسحق جينزبرغ”. ويمجد هذا الكتاب الإرهابي “باروخ جولدشتاين” الذي نفذ مذبحة الحرم الإبراهيمي عام 1994 حين اغتال 29 فلسطينياً وجرح العشرات أثناء ركوعهم للصلاة قبل أن يقتله بقية المصلين. وقد رفع المستعمرون الإسرائيليون رتبه هذا الإرهابي الى درجة القديس وأقاموا له مزاراً دينياً في مستعمرة “قرية أربع” حيث يزوره المتطرفون الدينيون الإسرائيليون.

تتصف العسكرة في المناهج المدرسية الإسرائيلية بثلاث صفاتٍ هامة:

أولاً: تمجد المناهج الإسرائيلية القوة العسكرية والحرب كنظامٍ حياتيٍ لإسرائيل، وتعزز فكرة “القوةُ حقٌ”، وأن الخدمة العسكرية هي أسمى الواجبات الدينية التي يتطلبها الرب من الإسرائيليين حيث يحث هذا الرب العسكري الإسرائيليين على “تنظيف” أرض الميعاد من الأغيار العرب وعلى بناء هيكلٍ له. وكأن الرب بحاجة الى البشر ليخوضوا معاركه، وأنه يرغب في ترك الكون الفسيح ليعيش في هيكلٍ أرضيٍ صغير.

ولزرع (غسيل دماغ) الروح العسكرية في قلوب وعقول الأجيال الإسرائيلية الناشئة تقوم المدارس الإسرائيلية بتنظيم رحلات مدرسية الى القواعد العسكرية حيث يتعرض الطلاب الى الحياة العسكرية، وليتعرفوا على جميع أنواع الأسلحة، وليلتقطوا صوراً تذكارية مع الجنود، وليشاهدوا تدريبات عسكرية بالرصاص الحي. كما يتم تشجيعهم على توقيع القذائف التي تطلقها المدافع العسكرية “هديةً” على الأحياء العربية لقتل الأطفال كما تم بث ذلك تلفزيونياً خلال الاعتداء الإسرائيلي الأخير على لبنان في الصيف الماضي (2006).

كثير من الواجبات المدرسية تطلب من الطلاب الإسرائيليين كتابة رسائل الى الجنود الإسرائيليين شاكرينهم على قتل أعداء شعب الله المختار. وكثير ما يزور جنرالات الجيش وجنوده المدارس ليحدثوا الطلاب عن الحروب مادحين الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر بسبب حماية إلهية، ويحدثونهم عن الفظائع التي يُنزلونها بأعداء إسرائيل من أجل تقسية قلوبهم ضد هذه الفظائع وكأنها أعمالٌ عادية.

ثانياً: أكثر ما يميز المدارس الإسرائيلية صبغتها العسكرية، حيث أُستُأمن العسكريون علي إدارة المؤسسات التعليمية وعلي تعليم الطلاب. فوقوف جنرالٍ عسكري أمام الطلاب يتطلب اهتماماً جدياً ويكون مثلاً أعلى يحتذي به الطلاب. وقد تبنت وزارة التعليم الإسرائيلية برنامجاً باسم “تسافتا” لتأهيل العسكريين ورجال المخابرات المتقاعدين ليصبحوا معلمين ومدراء مدارس. وأعرب مدير هذا البرنامج، “موتي ساجي”، أن هدف هذا البرنامج ليس البحث عن معلمين محترفين مؤهلين،بل البحث عن قادةٍ عسكريين ذو خبراتٍ خاصة. وقد استطاع اليمين العسكري المتطرف احتلال المناصب العليا في وزارة التعليم جاعلين النظام التعليمي أكثر عسكرةٍ خاصةً بعد أن تولت “ليمور ليفنات” وزارة التعليم عام 2000.

ثالثاً: إنشاء مؤسساتٍ عسكرية دينية تُعرف باسم “يشيفوت هاهسادير” التي جمعت التطرف الديني بالتطرف العسكري. ويدير هذه المؤسسات حاخاماتٌ متطرفون حيث يستقبلون خريجي المدارس الثانوية ليزرعوا في نفوسهم التعاليم الدينية الصهيونية العنصرية عدا عن التدريبات العسكرية. ورغم أن وزارة الدفاع تمول هذه المؤسسات إلا أنها لا تتحكم بها، بل يديرها الحاخامات أنفسهم. وتوجد هذه المؤسسات بشكل رئيسي في المستعمرات على الأراضي الفلسطينية وفي مدينة القدس المحتلة.

والمناهج الدينية لهذه المؤسسات مبنية بشكل رئيسي على الفتاوي الدينية الصهيونية المفعمة بالعنصرية والكراهية ضد الأغيار وخاصة العرب منهم.

والمعروف عن الحاخامات، المعلمين في هذه المؤسسات، تهجمهم على العرب ومعارضتهم لأي معاهدة سلام معهم. فمثلاً الحاخام الشرقي البارز “إيلي إلباز” مشهور بتهجماته الشديدة على الإسلام وعلى النبي محمد. أما الحاخام “إلياهو ريسكين”، من مستعمرة “إفرات” المقامة على أراضٍ مغتصبة من مدينة بيت لحم، فمشهور بتهكماته على محاولات الحوار الدينية التي تجمع ما بين حاخامات اليهود من جهة والقسس المسيحيين وشيوخ الإسلام العرب من جهة أخرى. إذ ينادى بأن اللغة الوحيدة التي يفهمها العرب هي لغة الرصاص.

هذه المؤسسات الدينية العسكرية لا تهدد العرب فقط بل السلام في منطقة الشرق الأوسط عامة ودولة إسرائيل نفسها خاصة. إذ يعتقد السياسيون، بما فيهم جنرالات إسرائيليين، أن هذه المؤسسات تُحضر للإطاحة بنظام الحكومة الإسرائيلي المدني وتحويله الى نظام ديني صهيوني. وحسب دراسة أجرتها جامعة “بار إلان” الإسرائيلية فإن 99% من طلاب تلك المؤسسات العسكرية الدينية و 90% من الإسرائيليين المتدينين الأورثوذكس يميلون الى تجاهل القوانين الإسرائيلية المدنية والى تنفيذ فتاوى الحاخامات الدينية إذا تضارب الإثنان.

وقد أكد هذه النتيجة استفتاء عام قام به مركز هرتسليا عام 2006 أظهر أن 95% من الجنود والضباط الإسرائيليين المتدينين يتصورون أنفسهم ينفذون أوامر الفتاوى الدينية بدلاً من القوانين المدنية في حال تناقض الإثنان. وقد ظهر هذا واضحاً عام 2004 عندما طبق رئيس الوزراء السابق “إرييل شارون” خطة الانفصال بنقل المستعمرات الصهيونية خارج قطاع غزة. فقد أصدر الحاخام البارز “إبراهام شابيرو” أوامره الى طلابه والى أتباعه بأن يهجروا الجيش الإسرائيلي في حال تطبيق خطة الانسحاب، بينما أمر الحاخام “حاييم دروكمان” طلابه وأتباعه بإطلاق النار على رجال الأمن الإسرائيلي إذا حاولوا إخلاء المستعمرات بالقوة.

هذه عبارة عن بعض الحقائق عن إرهاب نظام التعليم الإسرائيلي. وأنا أدعو الصحفيين ومراسلي الإذاعة والتلفزيون المهتمين بحقائق الأنظمة الدراسية، بما فيهم “باربارا والترز”، أن يقوموا بالتحقيق بأنفسهم وبدراسة نظام التعليم الإسرائيلي وبمقارنته بأمانة مع أنظمة التعليم العربية.

10/9/2008