مدة القراءة: 6 دقائق

 نظم مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش بعنوان:”آفاق مشروعي المقاومة والتسوية لحل القضية الفلسطينية” يوم الخميس 22 شباط / فبراير 2007 أوتيل كراون بلازا في بيروت. حضر الحلقة لفيف من الخبراء اللبنانيين والعرب وحشد من الأكاديميين والمهتمين. في بداية الحلقة رحب مدير عام مركز الزيتونة الدكتور محسن صالح بالمشاركين، وتحدث عن أهمية عقد هذه الحلقة في مثل هذه الظروف خاصة وأن الساحة الفلسطينية يتنازعها تياران مختلفان حول كيفية تحرير فلسطين. ثم قدم الدكتور صالح ضيف الشرف في حلقة النقاش الأستاذ سليمان الحمد الذي ألقى كلمة قبل البدء بأعمال الحلقة.

 

  
ضيف الشرف الأستاذ سليمان الحمد

  الجلسة الأولى في حلقة النقاش قدمت فيها ورقتان الأولى للدكتورة بيان نويهض الحوت تحت عنوان تجربة المقاومة الفلسطينية (مدخل للتقييم)، والثانية للأستاذ جواد الحمد تحت عنوان تجربة التسوية السلمية مدخل للتقييم، وعقّب على الورقتين الأستاذ الدكتور أنيس الصايغ، وأدار الجلسة الدكتور طلال عتريسي.

الدكتورة بيان نويهض الحوت عرّفت في ورقتها المقاومة على أنها: المقاومة الشاملة، أي المقاومة الشعبية، والمسلحة، والفكرية، والإعلامية، والمدنية، وغيرها، وهي قد تجتمع في أكثر من ميدان في زمن واحد، وقد تقتصر على وجه واحد في زمن محدد، غير أنها في مجموعها توجه المؤشر نحو صعود المقاومة أو انكفائها. وركزت في ورقتها على تطور المقاومة المسلحة، حيث قسمتها إلى مراحل عدة أولها امتدت من ما بين نكبة 15/5/1948 وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في 28/5/1964، وهي التي توصف بـ”مرحلة التيه والضياع”، والتي شهدت في نهايتها مخاض المقاومة، غير أنها في منتصف الخمسينيات شهدت عمليات فدائية جريئة من قطاع غزة نحو الداخل، وكانت مصر تدعم هذه العمليات، كما كانت سوريا تدعم عمليات مماثلة إلى حد بعيد على الحدود السورية – الفلسطينية المحتلة. أما المرحلة الثانية فهي تلك التي تمتد ما بين عامي 1964 و 1970 وابتدأت بالعملية الأولى لحركة فتح في فجر اليوم الأول لعام 1965 وانتهت بإنهاء الوجود الفلسطيني في الأردن. والمرحلة الثالثة تمتد ما بين عامي 1970 و1982 وانتهت بخروج القوات الفلسطينية من لبنان براً وبحراً. أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة المنافي الجديدة من الجزائر حتى اليمن، وقد استمرت زمنياً حتى اتفاقية أوسلو وانتقال القيادة إلى فلسطين المحتلة وعهد السلطة الوطنية، وهي تتوقف في منتصف عهد المنافي أي مع قيام الانتفاضة سنة 1987، ذلك أن الانتفاضة باتت هي المنعطف لما قبلها وما بعدها. والمرحلة الرابعة التي تبدأ من وقت اندلاع الانتفاضلة وحتى توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، أما المرحلة الأخيرة فهي هذه المرحلة الأخيرة التي تمتد زمنياً من اتفاقية أوسلو حتى يومنا.

 أما الأستاذ جواد الحمد فقدم في ورقته خلاصات عملية السلام ومفاوضات التسوية ومسارها الرئيسي، وتحدث عن تدمير اسرائيل لاتفاق أوسلو، كما تطرق إلى مبادرات التسوية والخيارات العربية، وعرض للانتفاضة والمقاومة كخيارين بديلين عن التسوية، كما تحدث عن محاولات إحياء التسوية واحتواء الانتفاضة الثانية، وعن ضحالة الطروحات في مسيرة التسوية، وتطرق أيضاً إلى موضوع التسوية في ظل حكومة حماس، وحلل أسباب فشل عملية التسوية.

   


من اليمين: الأستاذ جواد الحمد، الأستاذ الدكتور أنيس الصايغ،
الدكتور طلال العتريسي، الدكتورة بيان نويهض الحوت

وخلص إلى القول بأن التسوية لم تحقق الأهداف التي رسمت من أجلها حتى تلك التي أرادتها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، ولم تتمكن من التعاطي مع الحقوق العربية بموضوعية وعدالة، ولم تحقق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ولم تستطع بناء استقرار وسلام دائم في المنطقة، ولم تُنه الصراع الدائر بين المشروع الصهيوني والمشروع العربي الإسلامي في المنطقة، ولم تتمكن من لجم الأطماع والتوسع والاستيطان والمصادرة والعدوان الإسرائيلي، ولم تمنعه من انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي، كما أنها لم تمثل خياراً واقعياً بديلاً للحرب والمقاومة والانتفاضة كما عبرت الشعوب العربية والشعب الفلسطيني عنها، ولذلك فلم تعد رهاناً ناجحاً ما دامت قواعدها وأسسها التي انطلقت على أساسها عام 1991 قائمة، وما دام التآكل فيها يتزايد لصالح الموقف والتصورات الإسرائيلية.

الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور جاسم سلطان قدمت فيها ورقتان الأولى للأستاذ سامي خاطر، تحدث فيها عن آفاق مشروع المقاومة والثانية للأستاذ منير شفيق حول آفاق مشروع التسوية وإمكانات نجاحه، وعقب على الورقتين الأستاذ شفيق الحوت.

في ورقته تحدث الأستاذ سامي خاطر عن: مفهوم برنامج المقاومة وأهدافه، وإنجازاته والإشكالات التي رأى أن من أهمها استمرار وجود التيار الذي يراهن على التسوية والمفاوضات، وإشكالية الجمع بين السلطة والمقاومة، والإجراءات الصهيونية في الضفة الغربية ومن أهمها الجدار العنصري والطرق الالتفافية والمعازل. كما تحدث عن المؤشرات والمبشرات حول مستقبل المقاومة، ورأى أنه وفي ظل استشراف الوضع السياسي المحلي والإقليمي والدولي خلال النواة القادمة يتبين أن هناك جملة مؤشرات أو تغيرات تصب باتجاه وجود بيئة مناسبة لاستمرار برنامج المقاومة والممانعة والحصول على الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني وبناء على ذلك فان المستقبل هو لبرنامج المقاومة كوسيلة ناجعة لانجاز حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة وأن السبب الجذري للمقاومة وهو الاحتلال لا يزال يجثم فوق الأرض والمقدسات الفلسطينية، كما لا يزال العدوان الصهيوني متواصلا وبأبشع الإجراءات والفظاعات، خاصة وأن الاحتلال الصهيوني لفلسطين هو آخر صور الاستعمار الحديث الباقية حتى الآن في العالم، ولذلك لا بد أن ينتهي هذا الاحتلال طال الزمان أو قصر. وقدم في نهاية ورقته توصيات من أجل تكريس مشروع المقاومة ومراكمته أهمها:
1- نشر ثقافة المقاومة وتجذيرها.
2- بذل قصارى الجهد لتوحيد الصف الفلسطيني حول خيار المقاومة.
3- العمل على بناء نظام سياسي فلسطيني يشمل الداخل والخارج يقوم على حشد طاقات الشعب الفلسطيني لدعم صمود الشعب في الداخل ومقاومته الباسلة، والتمسك بحقوقه الوطنية.

أما الأستاذ منير شفيق فرأى في ورقته أن استمرار المسار الذي اتخذه المشروع الصهيوني في التجربة الفلسطينية منذ نشأتها حتى عام 2000 (الاندحار من جنوب لبنان، واندلاع الانتفاضة، وتصاعد المقاومة في فلسطين، وفشل الاحتلال في العراق مع المقاومة والممانعة) دخل الآن مع نهاية عام 2006 في مرحلة جديدة تتسّم باختلال ميزان القوى في غير مصلحة الدولة العبرية وأمريكا كما لم يحدث يوماً من قبل. ويكفي دلالة على ذلك انتقال الأزمة إلى داخل الجيش الإسرائيلي وبروز نقاط ضعف أساسية أخذت تظهر عليه؛ فالدولة والمجتمع العبريين تأسّسا من حول الجيش وعبْره. وكان الجيش دائماً فوق الأزمات السياسية الداخلية وخارجها من حيث بنيته واستراتيجيته. الأمر الذي أضفى ذلك الانسجام التاريخي بين الاستراتيجية والتكتيك للقيادات الإسرائيلية والقدرات وموازين القوى المحلية والإقليمية والعالمية. وأضاف: اهتز ذلك الانسجام من دون أن ينعكس على السياسات الإسرائيلية من جهة، كما أن المأزق الداخلي في الجيش الإسرائيلي والقوى السياسية المتنفذة لم ينعكس على الاستراتيجية والتكتيك المتعلقين بالصراع والتسوية أو على سمات العلاقة بين مشاريع الحل (غير الماضية للتطبيق)، كما لا يتيح فرص ما يمكن تسميته “الحل الواقعي” تثبيت الأمر الواقع وتوسيعه ضمن الرؤية الصهيونية لأن المواجهة، بأشكالها، بما فيها المسلحة، ستظل مفتوحة. فالوجه الآخر هو استمرار المقاومة والممانعة من جانب الشعب الفلسطيني والأمة العربية عموماً ضمن حدود ما تقدّم عرضه أعلاه. وخلص إلى القول: فما نحن والمستقبل القريب والمنظور عليه إنما هو محاولة تثبيت الأمر الواقع الراهن من جانب أمريكا والدولة العبرية وبمباركة سلبية من روسيا وربما أوروبا في ظل مشروع حل الدولة المؤقتة من جهة واستمرار المقاومة والممانعة من جهة أخرى. وبكلمة، لا فرصة لتسوية تتفق عليها الأطراف المعنية.

الجلسة الثالثة كانت بإدارة الأستاذ نافذ أبو حسنة، وقدمت فيها ثلاث أوراق، الأولى للدكتور نظام بركات حول استراتيجية التعامل الإسرائيلي مع خطي المقاومة والتسوية، والثانية للأستاذ وليد محمد علي حول التعامل العربي مع خطي المقاومة والتسوية، والثالثة للدكتور كمال ناجي حول التعامل الدولي مع خطي المقاومة والتسوية، وعقب على الأوراق الأستاذ معن بشور.

في ورقته رأى الدكتور نظام بركات أن التسويات عبّرت في نتائجها حتى الآن عن اختلال ميزان القوى لصالح الطرف الإسرائيلي، وحتى القضايا الفرعية والملحة التي شكّلت في اعتقادنا الدافع الحقيقي للعملية السلمية الحالية بقيت معلقة، فحين دخل العرب المفاوضات كانوا يأملون تحقيق انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة ووقف عمليات الاستيطان ومحاولة تأسيس كيان فلسطيني يكون قادراً على وقف ابتلاع الأراضي والسكان في المناطق المحتلة على أمل أن يكون المستقبل قادراً على تحقيق الحقوق العربية النهائية.  لكن عمليات التسوية الحالية لم تستطع إنجاز الكثير في هذا المجال، فالانسحاب لم يتحقق وجاء على شكل عملية إعادة انتشار في مناطق محدودة تخضع لعمليات مساومة مستمرة مع بقاء السيادة الإسرائيلية على المعابر والحدود والأمن مما يمنع  تبلور الكيان الفلسطيني وعدم السماح بعودة النازحين واللاجئين. وفي نفس الوقت حقق الجانب الإسرائيلي اعترافاً منقوصاً ولم تستطع إسرائيل تحقيق الأمن والانفتاح على الوطن العربي، فنفقات الدفاع الإسرائيلية في تزايد، وما زالت التهديدات موجودة للطرفين سواء في الداخل أو الخارج.  وكذلك العلاقات مع الدول العربية والاندماج الإقليمي ما زالت متعثرة، وفي نفس الوقت تعاظمت قوة منظمات المقاومة الفلسطينية والإسلامية في فلسطين ولبنان وتعزز دورها العسكري والسياسي مما يعني استمرار الصراع ولو بأشكال أخرى فتوقف الحروب واستمرار المفاوضات والوصول لبعض اتفاقيات التسوية لا يعني تحقيق السلام الذي يعيد الحقوق لأصحابها وينهي حالة العداء في المنطقة ويخلق علاقات تعاون مشتركة لمصلحة جميع الأطراف.

أما الأستاذ وليد محمد علي فقال في ورقته تجارب التاريخ تقول إن التوصل إلى “تسوية” مؤقتة تكون بمثابة هدنة توقف النزف والدمار العالي الوتيرة؛ ممكن ولكنه لا يتحقق بالاستجداء. ولا بد أن يترافق السعي لتحقيقه بالتمكن من عوامل القوة. وقد أثبتت التجربة أن عامل القوة الأساسي الذي تمتلكه أمتنا في مواجهة تفوق الأعداء هو المقاومة الشعبية التي تستطيع الأمة، إذا ما احتضنتها ودعمتها وتمكنت من عوامل القوة، الدفاع عن نفسها، وأن تردع أعدائها بما يمكّنها من استخدام ثرواتها وتأمين مصالحها. أما استمرار إعلان التمسك بالسلام كخيار إستراتيجي وحيد، فلن يؤدي إلا إلى المزيد من التغوّل الصهيوني والتجبر الأمريكي والانهيار والتفتت العربي.

ورأى الدكتور كمال ناجي في ورقته أن التطورات الدولية في السنوات الأخيرة وصمود الشعب الفلسطيني وبسالة مقاومته، جعلت المجتمع الدولي يتجه إلى اعتماد مقاربة جديدة لتسوية القضية الفلسطينية، على ضوء الفشل الذي سببته الثغرات التي شابت خريطة الطريق، وهو ما يقضي تركيز الجهود على التوجه نحو تسوية قضايا الوضع النهائي، وهو توجه أصبح مقبولاً دولياً في ظل تسليم دولي وحتى إسرائيلي بأنه لا حل لقضايا الشرق الأوسط إلا بإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، كبداية صحيحة لحل كل قضايا المنطقة، بما في ذلك مشاكل الأمن الاستراتيجي لإسرائيل ذاتها. ويقتضي هذا التوجه أيضاً تركيز الجهود دائماً على توفير قوة الدفع اللازمة دولياً لإبقاء القضية الفلسطينية في رأس سلم أولويات المجتمع الدولي، لإيجاد الحلول العادلة لها، والعمل على إخراجها من التداول في إطار المقاربات المنحرفة التي تدعو إلى الاهتمام بها لدعم معسكر المعتدلين في الشرق الأوسط في مواجهة معسكر المتطرفين وفقاً للتوصيف الأمريكي.

– أوراق عمل حلقة النقاش  “آفاق مشروعي المقاومة والتسوية لحل القضية الفلسطينية”