الوصف


Characteristics_Pls_Politicians_150

معلومات النشر:
– عنوان الكتاب: سمات النخبة السياسية الفلسطينية قبل وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية
-المؤلف: د. سمر جودت البرغوثي
-عدد الصفحات: 366
– الطبعة: الأولى/ أكتوبر 2009
-الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات, بيروت
– عرض: حسين أبو النمل.


تنبع أهمية الكتاب من موضوعه؛ لناحية مكانة النخبة السياسية الفلسطينية في صنع وتنفيذ القرار السياسي، وإن في حدود الشروط الموضوعية الحاكمة للوضع الفلسطيني. وكذلك توقيت النشر في هذا الظرف الدقيق، الذي تعيشه القضية الفلسطينية، وحيث تتجه الأنظار نحو النخبة السياسية لابتداع خيارات واتخاذ قرارات تحفظ الحقوق.

وتنبع كذلك من فرادة الكتاب، كونه يقف وحيداً على رف المكتبة العربية، التي لم تعرف سابقاً، على حد علمي، معالجة بحثية شاملة للنخبة السياسية الفلسطينية.

والكتاب، هو بالأصل أطروحة دكتوراه، للسيدة سمر جودت البرغوثي، تمت إجازتها من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وكذلك نشره من قِبَل مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، يعطيان الكتاب مِصداقية إضافية.

التأصيل النظري والخلفيات والثقافة

حَمَلَ الفصل الأول عنوان “التأصيل النظري”، وتوزع على ثلاثة مباحث: مفهوم النخبة وحركات التحرر ومنظمة التحرير. تم تفصيل كل مبحث إلى عناوين فرعية احتوت على أخرى جزئية. أدت كثرة العناوين وضيق الفصل الأول إلى تناول موجز للمواضيع المطروقة، ولكنه كَفَلَ تعريف القارئ على مضمون العناوين بشكل أولي. مما يستحق تنويهاً أن مصطلح النخبة يستخدم كمرادف لـ”النخبة الحاكمة” و”الطبقة السياسية” و”الطبقة الحاكمة” و”الفئة القليلة التي تمتلك السلطة الحقيقية- صاحبة السيطرة السياسية”.لا يترك الفصل مجالاً للتوهم بأن مصطلح النخبة السياسية يعني “الرِفعَة والسُمُو” أو “الامتياز الخُلُقي” أو أنها نالت السلطة لاعتبارات الكفاءة وليس”للصدفة ومشيئة القدر” أو المكيافيلية، ربما.

كان عنوان الفصل الثاني: الخلفية الاجتماعية للنخبة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) ممثلة بأعضاء المجلس المركزي 1991. وأول ما يلاحظ ارتفاع نسبة حَمَلة الشهادات الجامعية من بينهم (72.3%)، غالبية هؤلاء من التخصصات الأدبية ومعظمهم درس في البلاد العربية. كان متوسط أعمار المجلس المركزي 1991 هو 52 عاماً.

يسجل الكتاب أن نخبة اليسار هي الأقل تجدداً والأكثر شيخوخة. ثمة شبه توازن بين اللاجئين (53%) وغير اللاجئين (47%) في عضوية المجلس المركزي. يشكل المسيحيون والمرأة 5.7% لكل منهما في المجلس المركزي.

يسجل الكتاب أن “عملية التغيير تتم فقط لأسباب طبيعية كالمرض أو الموت” وبالتالي نحن أمام “نُخَب دائمة لا تتغير” (ص 115). يميز التيارات الصغيرة واليسارية بأنها “الأقل تعليماً” و “الأكبر عمراً”.

تعرّض الفصل الثالث لموضوع “النظام السياسي لسلطة الحكم الذاتي”، وانقسم إلى مبحثين، الأول عن بيئة النظام بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، وتناول الثاني المؤسسات السياسية في السلطة الوطنية. يسجل الفصل التناقض الذي نشأ بعد أوسلو، بين أهل الداخل والنخبة الوافدة من الخارج، حيث توجد “حالة نفور في الداخل من النخب الوافدة من الخارج” وأن شعب الداخل “وجد نفسه يقع تحت ظلم الاحتلال وتعالي القيادة” (ص 181).

يوجز واقع الحال بالقول “استولت مجموعة من السلطة التنفيذية على صِناعة القرار السياسي، وأصبحت قادرة على إلغاء أي فعالية للمحاسبة من السلطة التشريعية”. (ص 184).

دَرَسَ الفصل الرابع “الخلفية الاجتماعية للنخبة السياسية للسلطة الفلسطينية”، وبذلك فهو موازٍ للفصل الثاني الذي درس الخلفية الاجتماعية للنخبة السياسية لمنظمة التحرير. وكمؤشر مُعبّر عن تطور حدث، سنأخذ نسبة حَمَلَة الدكتوراه، التي ارتفعت من 12.6% من أعضاء المجلس المركزي 1991 (ص79)، إلى 14.8% من أعضاء المجلس التشريعي 1996 (ص186)، إلى 24.2% من أعضاء المجلس التشريعي 2006 (ص 199)، وإلى 24.7% من أعضاء المجالس الوزارية العشرة التي تشكلت خلال 1994-2006 (ص216).

انخفضت نسبة اللاجئين من 47% من أعضاء المجلس المركزي (ص 103)، إلى 36.4% من أعضاء المجلس التشريعي 1996 (ص 242). ارتفعت نسبة اللاجئين من جديد فبلغت (52.3%) من أعضاء المجلس التشريعي 2006 (ص249). بلغت نسبة اللاجئين 32.9% من أعضاء المجالس الوزارية العشرة المذكورة (ص254).

عَالَج الفصل الخامس “الثقافة السياسية لأعضاء النخبة السياسية”، التي قسمها “إلى ثلاث فئات؛ نخبة الخارج ونخبة الداخل [م.ت.ف] ونخبة حماس” (ص 263). تمت المعالجة من خلال استبيان يقع في عشرات الأسئلة التي وُجِهت لأفراد النخبة لاستطلاع رأيها حول مواضيع فلسفية وسياسية وعملية.

تقاطعت الآراء وأحياناً اختلفت حول الأسئلة المطروحة. تُفَضّلُ الدراسة نخبة الداخل على نخبة الخارج لأنها “الأكثر توازناً في فهمها لنفسها وفهمها للآخر، وفهمها لعوامل تأثير المجتمع سواء الفلسطيني أم الاسرائيلي في صياغة سياسات الحكام. كما أنها الاكثر ثقة بنجاح أهدافها التي تضعها والأكثر اعتباراً لأهمية أدوات التنفيذ في وضع الأهداف” (ص 299).

يؤكد الكتاب أن نخبتي الداخل (م.ت.ف) وحماس هما أكثر تقارباً لبعضهما على صعيد الثقافة السياسية من قرب نخبة الداخل (م.ت. ف) لنخبة الخارج، “أي أن ظروف الاحتلال تطغى على ثقافة عضو النخبة أكثر من أي عامل آخر” (ص 301)، مثل الخلفية الفكرية والانتماء الأيديولوجي. يمكن المشاغبة بسهولة على هذا الحكم التقريري والإجمالي الذي يطابق تقريباً بين خط انقسام الثقافة السياسية للنخبة الفلسطينية وبين الخط الجغرافي الذي يفصل الداخل عن الخارج.

تطور الفكر السياسي الفلسطيني
استعادت الكاتبة في “الخاتمة” أهم ما توصلت إليه من نتائج في فصول الدراسة، حيث أكدت أن الفكر السياسي الفلسطيني تطور عبر مراحله المختلفة تحت الضغط الخارجي، وبناء عليه لم تغير النخب فكرها جراء تأمّل نظري مجرد بل استجابة للشروط الموضوعية. فاتها استدراك أن التبدل لم يشمل كل النخبة الفلسطينية.

تخلص الدراسة أيضاً إلى “أن قيام السلطة الوطنية، أنهى الخلل لوجود معظم النظام السياسي الفلسطيني خارج أرضه” (ص 306). أعادت الكاتبة تأكيد فكرة سبق وأن طرحتها عن التناقض الذي نشأ بين أهل الداخل والقادمين من الخارج بعد أوسلو.

أكدت الخاتمة على ما سبق وسجلته عن تطورات النخبة السياسية التي صارت أكثر شباباً وتوازناً مناطقياً وتأهيلاً. لقد ارتفعت، مثلاً، نسبة الجامعيين من 72% من أعضاء المجلس المركزي 1991، حيث الغلبة لفتح، إلى 84.1% من أعضاء المجلس التشريعي 1996 حيث الغلبة لفتح أيضاً. أما في المجلس التشريعي 2006، حيث انتقلت الغلبة لحماس، فارتفعت النسبة إلى 85.6%، وهي مشابهة لنسبة الجامعيين في النخبة الوزارية (85.9%) (ص 307).

صارت الحصة الأكبر للاجئين (52.3%) من أعضاء مجلس 2006 حيث الغلبة لحماس، مقابل 36.4% من أعضاء مجلس 1996، و47% من أعضاء المجلس المركزي 1991، حيث الغَلَبَة لفتح في كل منهما. هذه الخلاصة تنسجم والفكرة السائدة عن دور الخطاب السياسي لحماس وتوازنها التنظيمي في تعزيز مكانتها بين اللاجئين الفلسطينيين بالقياس لغير اللاجئين ومقارنة مع شعبية فتح.

سرعان ما تنكشف حقيقة ارتفاع حصة اللاجئين من النخبة السياسية، والتي تبلغ حوالي نصف عضوية المجلس التشريعي بالمتوسط، أما من المجالس الوزارية فتهبط نسبة اللاجئين إلى الثلث تقريباً، أي أقل بكثير من نسبتهم في المجلس التشريعي.

وإذ بلغ عدد من شغلوا وزارات خلال كامل الفترة 85 شخصاً، فإن نسبة اللاجئين منهم هي 32.9%، أي 28 وزيراً لاجئاً، “يقيم وزير واحد منهم فقط في مخيم” (ص 256). وبالمعنى المشار له، نحن أمام وزراء من أصول لاجئة أكثر مما نحن أمام وزراء لاجئين، بما يحمله التعبير من مضمون فعلي وليس مجرد مسمى شكلي.

أثر التطور الإيجابي
يبقى السؤال الإجمالي والأهم: ما أثر التطور الإيجابي الذي لحق بالنخبة السياسية، والتي صارت أكثر تعليماً وشباباً، على القرار الفلسطيني؟ يجيب الكتاب “استولت مجموعة من السلطة التنفيذية على صناعة القرار السياسي وأصبحت قادرة على إلغاء أي فعالية للمحاسبة من السلطة التشريعية” (ص 184).

لا يعوزنا الدليل على انقلاب الأدوار وتهميش السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية. ولعل الدليل الأقرب والأطرف، أنه حتى كاتبة الدراسة أسقطت، أصلاً، أعضاء أهم وأعلى هيئة فلسطينية، عَنَينَا المجلس الوطني الفلسطيني، من قائمة النخبة السياسية الفلسطينية!

يدخلنا هذا الوضع في مأزق عند تحديد النخبة السياسية، التي عرّفها الكتاب بأنها مالكة القرار السياسي. إذا كانت السلطة التشريعية قد جُرّدَت من دورها السياسي التقريري، فما الذي يبقيها في صف النخبة السياسية؟ وفق التعريف الذي قدمه الكتاب، فإن نخبة سياسية لا تحكم ليست نخبة، وهذا يستدعي إعادة النظر بحجم النخبة، وجواز اعتبار السلطة التشريعية المسلوب دورها، من النخبة.

والحال هذه، نحن أمام نخبة سياسية شكلية، هم عبارة عن أعضاء جميع الهيئات التي عَدّدَها الكتاب، ونخبة سياسية فعلية تقتصر على “مجموعة من السلطة التنفيذية”، التي احتكرت السلطة وألغت مشاركة ما عداها من: بقية السلطة التنفيذية، والمجالس الثلاثة: التشريعي والوطني والمركزي.

نختم العرض بالتأكيد على أهمية التدقيق في مضامين المصطلحات المتداولة، من نخب سياسية ونظام سياسي وهيئات تشريعية وتنفيذية…إلخ. وكذلك على أنه ورغم تطور النخبة السياسية، فإن العبرة ليست بكفاءة النخبة التي تُختار لتملأ قوام هيئات النظام السياسي فحسب، بل، إنها، وبالأساس، رهن كفاءة النظام السياسي نفسه، وعما إذا كان يقوم على القانون والمؤسسات وتداول السلطة وفصل السلطات، ويسمح للنخب السياسية بتأدية دورها فعلاً أم لا.

إن ما هو قائم فلسطينياً، هو تكرار للمتفشي عالمثالثياً، لناحية شكلية المؤسسات وأن دور النخب هو فني-ما دون سياسي.