الوصف


معلومات النشر: Religion_PoliticsInAmerica-

– الكتاب: الدين والسياسة في أميركا: صعود المسيحيين الإنجيليين وأثرهم.
– المؤلف: د. محمد عارف زكاء الله.
– ترجمة: أمل عيتاني.
– عدد الصفحات: 174.
– الطبعة: الأولى/2007.
– الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت.
عرض د. محسن محمد صالح


تنبع أهمية هذا الكتاب من كونه يناقش الخلفية التاريخية لتصاعد نفوذ المسيحيين الإنجيليين، ودورهم في صناعة السياسة الأميركية.
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاباً جديداً، بعنوان “الدين والسياسة في أميركا”. والكتاب الذي أصدره مركز الزيتونة في طبعتين إنجليزية وعربية، يتميز بكثافة مادته وشمولها، والتزام مؤلفه بأدوات ومناهج البحث العلمي والتوثيق الأكاديمي

ولذلك يُعدُّ على صِغَر حجمه مادة مرجعية، خصوصاً لأولئك الذين يرغبون بمعرفة فكرة عامة ودقيقة عن الموضوع.

والدكتور محمد عارف زكاء الله هو اقتصادي باكستاني، وممن لهم اهتمام بارز في الشئون السياسية الأميركية وعملية صناعة القرار فيها، وقد فاز بجوائز أكاديمية عديدة، ويعمل حالياً أستاذاً مشاركاً في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.

فوز جورج بوش الابن
يبدأ المؤلف كتابه بتساؤل حول أسباب فوز جورج بوش الابن في انتخابات الرئاسة الأميركية سنة 2000، على الرغم من أن الديمرقراطيين خلال حكم كلينتون ونائبه جور حققوا نجاحات كبيرة على المستوى الاقتصادي؟!

فقد اختار الناخبون أن يتجاهلوا سجل النمو والازدهار للاقتصاد، ويعطوا أصواتهم للشخص الذي استطاع أن يحول الأنظار باتجاه الخلاف القائم حول أخلاقيات الحكم.

وقد لاحظ المؤلف أن الناخبين الأميركان الذين يتركزون في الجنوب في الولايات التي تعرف “بحزام الكتاب المقدس” هي التي أعطت قوة الدفع التي مكّنت بوش من الفوز.

وعلى الرغم من أن الاقتصاد الأميركي شهد تراجعاً خلال ولاية بوش الأولى، وانضم إلى نادي الفقراء في أثنائها أربعة ملايين وثلاثمائة ألف أميركي، إلا أنه عاد وفاز بولاية ثانية وبغالبية أفضل.

استيطان المهاجرين الأوروبيين
يعود الكاتب بعد ذلك بنا( في الفصلين الثاني والثالث) إلى بدايات استيطان المهاجرين الأوروبيين في أميركا ودوافعهم إلى ذلك، مشيراً إلى ظهور البروتستانتية، وما حصل لأتباعها من اضطهاد ديني في أوروبا دفعهم للهجرة إلى أميركا، فضلاً عما حصل في أوربا من حروب ونزاعات، ونزعات استكشافية وتجارية واستعمارية.

ويلاحظ المؤلف أن جماعات البيوريتانيين البروتستانت عندما هاجرت لأميركا سمَّت هجرتها حجّاً، وأن أفرادها عدُّوا أنفسهم حجاجاً.

كما نبَّه إلى أن هؤلاء بعد أن نزلوا بولاية ماساشوستس سنة 1620، أخذوا يغتصبون أراضي الهنود الحمر ويقتلونهم، مستندين إلى نصوص في الإنجيل.

وقد تميز أول مجتمع أميركي أبيض بسيطرة البروتستانتية المحافظة، وبالتركيز على الانضباط الذاتي والعمل الدؤوب، كما انتشرت فكرة الخلاص الشخصي للفرد من خلال جهوده.

حاول الأصوليون المسيحيون تقديم أميركا باعتبارها أمة تقف في مواجهة باقي العالم، حيث يرونها “مدينة مُشعَّة فوق التلة”، أو “الإمبراطورية الصالحة”، أو “الأمل الأفضل الأخير” للبشرية، وأنها أمة المخلِّص.

وقدموا أنفسهم باعتبارهم امتداداً للبيوريتانيين الذي يسعون إلى استعادة صفاء الكنيسة الأولى، وبناء أميركا كأمة مسيحية.

غير أن التطورات والاكتشافات العلمية، ونشوء الدولة العلمانية الحديثة، وانتشار قيم المنفعة واللذة، والأفكار الداروينية، أضعف دور الكنيسة، ودور الدين في حياة الناس.

المذهبية الإنجيلية الاجتماعية
ولقد أدى ذلك إلى أن عدداً من رجال الدين البروتستانت طوروا استجابتهم للتحديات، من خلال بلورة مذهب “الإنجيلية الاجتماعية” الذي تشكَّل في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، والتزم بتحسين الواقع الاجتماعي والتوفيق بين العلم والدين.

وبينما كانت الإنجيلية الاجتماعية تزداد انتشاراً واتساعاً، حيث انضم إليها أغلب القساوسة وعلماء اللاهوت، فقد شهدت البروتستانتية المحافظة تراجعاً كبيراً.

وقد هاجم العقلانيون الليبراليون البروتستانت المحافظين الأصوليين، واتهموهم بأنهم معادون للفكر وظلاميون وملتزمون بالتفسيرات البالية للإنجيل.

ومع نهاية عشرينيات القرن العشرين كان قد ظهر انقسام دائم في البروتستانتية الأميركية بسبب الخلاف بين الأصوليين المحافظين وبين الليبراليين الحداثيين.

لم يكن الأصوليون مستعدين للاعتراف بضعفهم، واستجابة لضغوطهم مررت عدة ولايات القوانين المناهضة لنظرية التطور (نظرية داروين) مثل أركنساس، وفلوريدا، وميسيسبي، وأوكلاهوما، وتينيسي.

غير أن الأصوليين لاحظوا أن طريقتهم تفتقر إلى المادة الفكرية، فانسحبوا من المشهد العام وأخذوا يركزوا على الثقافة والتعليم.

الأصوليون المسيحيون
انشغل الأصوليون المسيحيون بترتيب أوضاعهم الداخلية وركزوا على التعليم وإعادة التنظيم حتى نهاية الحرب العالمية الثانية (سنة 1945).

ثم بدأوا بالعودة إلى الحياة العامة واستقطاب الأتباع والمعجبين، وبرز نجم بيلي جراهام الذي دعاه ترومان للبيت الأبيض سنة 1950، ثم تتابعت زياراته للرؤساء المتعاقبين مثل أيزنهاور وجونسون ونيكسون.

ظل الأصوليون حتى ستينيات القرن العشرين متمسكين بمبدأ عدم التدخل في الشئون السياسية، غير أن عدداً من التطورات دفعتهم لتغيير هذه السياسة، مثل: قرار إبطال سياسة الفصل العرقي في المدارس سنة 1954، ومنع المحكمة العليا إقامةَ الصلوات في المدارس سنة 1962، وتشريع الإجهاض سنة 1973.

بالإضافة إلى أن الفوضى الجنسية، وانتشار المخدرات، والفضائح السياسية (مثل ووترجيت)، وحرب فيتنام، أقنعت الأصوليون بأن الوقت قد حان للنهوض وتصويب الأمور.

وقد خلص الأصوليون إلى أن الليبرالية هي نفسها مصدر كلّ هذه المشاكل، وأن الوضع لن يتحسّن إلا إذا أعيد للقيم التقليدية والأخلاقية مكانتها.

ولكن كان عليهم قبل ذلك أن يعالجوا مشاكلهم الكبيرة، المتمثلة في الصورة السلبية التي يحملها الناس عنهم بحيث أصبحوا مثاراً للسخرية، وفي غيابهم عن أروقة السلطة، وفي افتقارهم للإمكانات الفكرية، وفي تضاؤل عدد مؤيديهم.

إستراتيجية الاندماج
لم يقم التيار الأصولي المسيحي العام بردِّ فعل انفعالي متطرف، ولكنهم تبنوا استراتيجية الاندماج في النظام السياسي واستغلاله لصالحهم.

ركز الأصوليون على الأطفال، وعلى تنظيم البرامج الشعبية الجذابة والمسلية، وأسسوا سنة 1945 منظمة “شباب من أجل المسيح”، ولبسوا بدلات ملونة وملابس رياضية، وقدموا برامج ترفيهية.

وقدَّموا شعارات مناسبة تحمل رسالتهم مثل “حقيقة قديمة من أجل شباب عصري”، كما أظهروا حماسة وعاطفة وطنية كبيرة زادت من إعجاب الناس بهم.

وتمكنوا من إثارة اهتمام الإعلام، وأصبحت مسابقاتهم سنة 1947 تجتذب نحو مليون شاب أسبوعياً.

وفي مواجهة الشيوعية عَدَّ بيلي جراهام صورة “المسيح الرجولي، الرياضي المنتصر، خالق الحرية” هو الحل. ولقي ذلك قبولاً كبيراً لدى الناس.

وقدَّم الأصوليون المسيحيون أنفسهم بوصفهم المدافعين عن أميركا المسيحية والرأسمالية، ونجحوا في جعل الأصولية مرادفة للوطنية. ومع بداية النصف الثاني من القرن العشرين كان الأصوليون قد نجحوا في ترميم صورتهم، وفي بناء العلاقات مع المتنفذين والسياسيين.

الأصوليون والجانب الفكري
يتحدث المؤلف في الفصل الرابع عن اهتمام الأصوليين بالجانب الفكري وكيف شجعوا القراءة وإصدار الكتب والصحف وإنشاء المؤسسات والمعاهد اللاهوتية مثل “إنجيل مودي”، ومؤسسة لوس أنجلوس للإنجيل ومعهد فوللر وجامعة الحرية.

وقد تواصل الهجوم على الليبراليين بطريقة أكثر انتظاماً وذكاء، وكان لفرانسيس شايفر دور مهم في هذا المجال، إذ كرَّس نفسه مُنظِّراً فكرياً للأصوليين، كما نشط في الإطار الثقافي والإعلامي.

وسار على نهج شايفر مفكرون آخرون، أمثال هال ليندسي، وتيموثي لاهاي، وأونالي ماكجرو.

يهتم المسيحيون الإنجيليون المحافظون بالنفْس أو الذات إلى أبعد الحدود، ويؤمنون بالتحوّل أو الهداية وهو فعلٌ ينتقل به الإنسان من الخطيئة إلى حالة الخلاص الدائم، ويطلق على ذلك “الولادة من جديد”.

وفي حملة انتخابات الرئاسة سنة 1976 أعلن جيمي كارتر نفسه مسيحياً ولد من جديد. ويجمع الإحساسُ بالذنب والتوبة هؤلاء “المولودين”، ويشتركون في “المعركة ضد الخطيئة” في المجتمع وحول العالم.

الإنجيلية والتأثر بالسياسة
يتابع المؤلف في الفصل الخامس نشاط المسيحية الإنجيلية وبدايات تأثيرها السياسي، فيشير إلى أن الإنجيليين يمثلون نحو ربع سكان الولايات المتحدة وحوالي 40% من تعداد جميع البروتستانت، وينبه إلى أنهم لا يملكون (بخلاف الكاثوليكية) بنية تراتبية مركزية، ولكن لديهم مجموعة منظمات يجتمعون تحت مظلتها، مثل المجلس الأميركي للكنائس المسيحية، والجمعية الوطنية للإنجيليين، والمجلس العالمي للكنائس المسيحية.

دعم بيلي جراهام وجيري فالويل وبايلي سميث وبات روبرتسون انتخاب كارتر الذي أعلن أنه وُلد من جديد.

وأعلنت مجلة نيوزويك عام 1976 عام الإنجيليين، الذين قدَّر استطلاع معهد جالوب أعدادهم بنحو خمسين مليوناً. لكن كارتر الذي فاز في الانتخابات بفضل تأييدهم، تنكَّر لوعوده للإنجيليين.

الأغلبية الأخلاقية
يتحدث الفصل السادس عن ما يُسمى الأغلبية الأخلاقية، أو ما أسماه “جيش الله لإخضاع القيصر”.

ويشرح كيف التقى استراتيجيو الحزب الجمهوري مع الأصوليين الإنجيليين، وخصوصاً جيري فالويل الذي أسس سنة 1979 منظمة “الأغلبية الأخلاقية”, والتي سعت للتحالف مع الجمهوريين، وفرض أجندتها الدينية على الحياة السياسية الأميركية، ومن ذلك مواضيع الإجهاض والمثلية الجنسية والقيم الأسرية.

ولإقناع جمهوره من الأصوليين بتأييد مرشح الحزب الجمهوري، استخدم فالويل مصطلح “شراكة الحرب” التي تعني الالتقاء مع الآخرين في نقاط محددة دون الاتفاق ربما على قضايا كثيرة أخرى.

وسافر فالويل في سنة 1980 ما مجموعه ثلاثمائة ألف ميل لجمع المؤيدين. واستخدم ورفاقه بنجاح الوسائل الإعلامية والتلفزيون، وكانوا عنصراً أساسياً في نجاح رونالد ريجان في الانتخابات سنة 1980.

كانت فترة رئاسة ريجان وبوش الأب 1980 – 1992 فترة تعلُّم بالنسبة للأصوليين، إذ أدركوا أن الاقتصار على إيصال الرئيس إلى البيت الأبيض ليس كافياً، وأنه يجب إيلاء الأهمية نفسها لمرشحي مجلس النواب والشيوخ (الكونجرس).

كان الركود الاقتصادي وفشل بوش الأب في علاجه عنصراً مهماً في فوز بيل كلينتون في انتخابات الرئاسة الأميركية، لكن كلينتون ظل تحت الهجوم الدائم من اليمين الديني.

وتمكن الجمهوريون سنة 1994 من تحقيق فوز كاسح في مجلسي النواب والشيوخ الأميركي للمرة الأولى منذ 1952.

الإرهاب المسيحي والتزام بوش
يناقش الفصل السابع ما يسمى “الإرهاب المسيحي”. ويشير إلى أن مشاعر الإحباط التي دبت في نفوس عدد من الراديكاليين الإنجيليين لعدم تمكنهم من تحقيق ما يطمحون إليه على أيدي الرؤساء الأميركيين الذين انتخبوهم، أي كارتر وريجان وبوش الأب.

وقد توصَّل هؤلاء إلى ضرورة قتل مقدمي خدمات الإجهاض وغير ذلك. وشكلوا منظمات مثل منظمة عملية الإنقاذ، ومؤسسة التدريب الرسالي المسيحي، ومنظمة العمل الدفاعي، وتعدُّ منظمة جيش الرب أحد أخطر هذه المنظمات، وهي تَعدٌّ نفسها جيشاً حقيقاً “يتولى الله نفسه رئاسة أركانه”!!

ويدافع هؤلاء عما يسمى “جريمة القتل المبرّر”، وهم متورطون في أعمال قتل وتفجير وخطف وإرهاب بيولوجي وغيرها.

وعالج الفصل الثامن صعود جورج بوش الابن لسدة الرئاسة الأميركية، ولاحظ المؤلف دور منطقة “حزام الكتاب المقدس” في التصويت له، وأهمية العامل الديني في انتخابه، حيث كان أكثر من سبعين مليون أميركي في سنة 2000 يصفون أنفسهم بأنهم “مسيحيون ولدوا من جديد”.

وقد سعى بوش للالتزام بأجندة الأصولية المسيحية، والتي كانت تتضمن في الجانب المحلي قضايا حظر الإجهاض، وقراءة الإنجيل في المدارس العامة.

أما الأجندة الخارجية فكانت مبنية على أساس إيمان هؤلاء الإنجيليين بأن نهاية العالم ستكون قريبة، وأن الشرق الأوسط سيدخل سلسلة حروب تمهيداً لمعركة هرمجدون (بين العرب وإسرائيل) والتي يجب أن تفوز إسرائيل فيها، ليسهلوا على المسيح بناء مملكة الله في فلسطين “إسرائيل” عند مجيئه الثاني.

كما كان هناك توافق في معتقدات هؤلاء الإنجيليين مع غزو بابل (العراق حالياً) باعتباره ممهداً لهرمجدون حسب سفر الرؤيا.

نبوءة العصر الألفي
وقد تحدث المؤلف في الفصل التاسع عن نبوءة العصر الألفي السعيد لدى المسيحيين الإنجيليين، حيث يؤمنون أن المسيح سينزل ثانية لينشئ مملكة الله، التي ستستمر ألف سنة من السعادة.

وبالنسبة لهؤلاء فإن إسرائيل هي العامل المسرَّع لأحداث نهاية الزمان، ولذلك فإن دعمها يجب أن يكون أحد ثوابت السياسة الخارجية الأميركية.

ويدعو المؤلف في الفصلين العاشر والحادي عشر إلى رؤية أكثر موضوعية للسياسة الخارجية الأميركية، وإلى إقامة المشاريع الأكاديمية وأقسام الدراسات المتخصصة لفهم الغرب والعقلية الأميركية، وبالتالي الوصول إلى الطريقة الأنسب للتعامل معها.

الكتاب بشكل عام يقدم مختصراً مفيداً ومادة مرجعية للمهتمين، ويستحق أن تضمه مكتباتهم.