مصر بين عهدين: مرسي والسيسي: دراسة مقارنة، (3) الأداء الاقتصادي (النسخة الإلكترونية)

  • أكدت دراسة صدرت عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، من إعداد باسم جلال القاسم وإشراف وتحرير د. محسن محمد صالح، أن المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي واجهها مرسي في بداية عهده، كان بعضها نتيجة السياسات الاقتصادية التي كانت سائدة خلال الفترة التي حكم فيها الرئيس مبارك، والبعض الآخر جاء بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي استجدت بعد ثورة 25 يناير، أو بسبب سلوك القوى والأطراف المحلية والإقليمية والدولية. على الرغم من ذلك، فقد أشارت المعطيات إلى أن الأوضاع الاقتصادية في عهد مرسي كانت أفضل منها في زمن السيسي.

    وتأتي هذه الدراسة التي تحمل عنوان "الأداء الاقتصادي"، وهي الإصدار الثالث ضمن سلسلة دراسات تصدر تباعاً تحمل عنوان "مصر بين عهدين مرسي والسيسي دراسة مقارنة"، وتتناول الأوضاع السياسية والدستورية والأمنية والاقتصادية والإعلامية التي شهدتها مصر خلال عهد الرئيسين.

    معلومات النشر:

    - العنوان: مصر بين عهدين: مرسي والسيسي: دراسة مقارنة، (3) الأداء الاقتصادي - إعداد: باسم جلال القاسم - إشراف وتحرير: د. محسن محمد صالح - عدد الصفحات: 67 صفحة - تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2016 - الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات - ISBN: 978-9953-572-53-6  
    Cover_Egypt_BetweenTwoEras_Comparative-Study-3_Economic_Performance

    وتشير الدراسة إلى أنه منذ اليوم الأول لرئاسته، شنّ خصوم مرسي ومعارضيه حملة إعلامية منظمة ضدّ سياسته الاقتصادية، موظفين ملايين الدولارات لإنجاح هذه الحملة الإعلامية، والتي كان أهم مظاهرها؛ التقليل من إنجازاته الاقتصادية، واستغلال التعثر أو البطء الذي واكب تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية التي وعد بها.

    أدت هذه الحملة المنظمة بالإضافة إلى وسائل القوة التي يملكها خصوم مرسي، من أطراف محلية كالمؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة العميقة وفلول النظام السابق، وأطراف إقليمية ودولية، في نهاية المطاف إلى تهيئة الظروف لإنجاح انقلاب عسكري على مرسي، تحت غطاء "ثورة شعبية" عنوانها "تظاهرات مليونية"؛ تمّ تضخيمها ومضاعفة أرقام المشاركين فيها عبر توظيف وسائل الإعلام المختلفة.

    وتتابع الدراسة أنه مع تعيين عدلي منصور رئيساً مؤقتاً للبلاد، كمرحلة انتقالية استمرت قرابة سنة، وانتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً جديداً للبلاد بعد ذلك، وُجِّهت الأنظار مرة أخرى إلى القطاع الاقتصادي خلال هذه المرحلة، خصوصاً بعد حالة التدهور والشلل التي أصابت الكثير من مرافق هذا القطاع؛ نتيجة للاضطرابات السياسية والأمنية التي سادت في هذه المرحلة، وكمحصلة للسياسات الاقتصادية التي اتبعتها السلطات الجديدة، في ظلّ غياب وتعطيل المؤسسات التشريعية والرقابية.

    وتقول الدراسة أن التردي في الجانب الاقتصادي، وما نتج عنه من معاناة معيشية طالت شرائح واسعة من المجتمع المصري، خصوصاً الطبقتين المتوسطة والفقيرة، لم يؤدِّ إلى تهيئة الظروف للإطاحة برموز النظام الجديد؛ ليس لأن الأوضاع الاقتصادية تحسنت عما كانت عليه إبان ثورة 25 يناير أو انقلاب 3 يوليو، بل بسبب استخدام سياسة القوة التي انتهجتها هذه السلطة في مواجهة خصومها وإضعافهم، لفرض واقع سياسي جديد، مع استمرار امتلاك هذه السلطة لقوة الإعلام التي جُرّد منها الخصوم.

    وتبين الدراسة أن نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار، كانت من الأزمات الأكثر حضوراً وتأثيراً في تأجيج غضب الشارع المصري ضدّ نظام الرئيس محمد مرسي، وتضيف أن عدداً من هذه الأزمات كان مفتعلاً ومسنوداً من جهات داخلية وخارجية، وأن انتهاء أزمة الوقود مباشرة بعد أيام من الانقلاب أكبر دلالة على ذلك. في حين استمرت أزمة الكهرباء بعد انقلاب 3 يوليو، وعاشت الحكومة المؤقتة مأزقاً صعباً، كما ارتفع سعر الكهرباء في مطلع عهد السيسي بنسبة 27.9%، بالرغم من أن دولاً خليجية أمدت الحكومة بمساعدات تشمل منتجات بترولية بقيمة أربعة مليارات دولار من السعودية والكويت والإمارات. كما استمر ارتفاع أسعار السلع في عهد منصور والسيسي.

    وتضيف الدراسة أن الغريب في الأمر أن الأزمات، التي أطاحت بمرسي معظمها بقي موجوداً خلال عهد الرئيس السيسي، لكن أدوات نظام مبارك الإعلامية أججتها في عهد مرسي، وقللت من شأنها في عهد السيسي.

    وتتابع الدراسة إجراء مقارنتها بين مشروعي مرسي والسيسي الاقتصاديين، والوقوف على حقيقة الوضع الاقتصادي خلال العهدين، ومدى تأثير الانقلاب على وضع الدولة الاقتصادي ومكانتها. وقد سلطت الدراسة الضوء على ملف زراعة القمح، فقالت إن هذا الملف احتل أهمية كبيرة في مشروع مرسي الاقتصادي، وقد واجه مرسي عدة تحديات وقفت في وجه النهوض بهذا القطاع، ولم يكن التدهور الحاصل في هذا القطاع بسبب سياسة الحكومات المصرية وقضايا الفساد خلال عهد مبارك فحسب، بل تعدى ذلك ليكون على رأس هذه العقبات فرض سياسة التبعية على مصر من خلال ربط قوتها اليومي بما تُصدّره إليها الدول الكبرى، على رأسها الولايات المتحدة.

    وتقول الدراسة أنه في مواجهة سياسات الحكومات المصرية المتعاقبة، التي قامت على إهمال إنتاج القمح محلياً والاعتماد على استيراده من الخارج بأسعار تخضع لسياسة السوق العالمية، ما كان يؤدي إلى ارتباطه بالأزمات الاقتصادية العالمية، اتبع مرسي استراتيجية بعيدة المدى؛ أدت إلى أن تقفز إنتاجية القمح في السنة المالية 2012/2013، من 7مليون طن إلى 9.5 مليون طن بزيادة 30٪ عن السنة المالية 2011/2012، على الرغم من أن مساحة الأرض المزروعة بالقمح لم تزد على 10% من مجمل المساحة المخصصة للزراعة، ووعد مرسي بأن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من القمح خلال الأربع سنوات القادمة، كما أن هشام قنديل رئيس الوزراء في عهد مرسي، أكد أن مصر قد تحقق ما يتراوح بين 65 و70% من الاكتفاء الذاتي من القمح خلال السنة المالية 2012/2013 بفضل الزيادة المتوقعة في الإنتاج المحلي.

    وتضيف الدراسة أنه بعد الانقلاب على مرسي، تراجع اهتمام الحكومات المصرية بزراعة القمح، حيث انكمشت مساحات القمح من3.5 مليون فدان في عام 2012/2013، إلى 2.5 مليون فدان في كانون الأول/ ديسمبر 2016. وتراجعت كمية ما تشتريه الحكومة من القمح من المزارعين المحليين وازداد الاعتماد على استيراده خارجياً، ففي 27/4/2016، أصدرت وزارة الزراعة المصرية بياناً يشير إلى أن المزارعين ورّدوا إلى شون (مكان يُخزن فيه القمح) وزارة التموين 99 ألف طن قمح فقط على مستوى الجمهورية، في الوقت الذي تمّ توريد عشرين ضعفاً في أثناء حكم مرسي في السنة المالية 2012/2013. وعلى النقيض من خطة الاكتفاء الذاتي التي اتبعتها حكومة مرسي، وُجهت الاتهامات إلى حكومات السيسي باتباع سياسة اقتصادية أدت إلى تهميش وإفقار قطاع القمح.

    وتتابع الدراسة أن مشكلة القمح في مصر لم تكن مشكلة زراعية تتعلق بالمياه والأراضي الصالحة للزراعة أو التمويل، بل كانت مشكلة إرادة سياسية تتعلق بالنظام الحاكم، الذي كان يخضع لإملاءات بعض الدول من خلال ما يفرضه صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين من شروط للإقراض، وهو ما حاول نظام مرسي أن يتحرر منه، فكان أن أُطيح به بعد أقل من عام.

    وفيما يتعلق بقيمة العملة المصرية، تشير الدراسة إلى أن سياسات الحكومات بعد الانقلاب، والتي أدت إلى زيادة الديون المحلية والخارجية بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات عالية جداً، أدت إلى انخفاض قيمة العملة المصرية بصورة خطيرة، فبعد أن كان سعر الدولار مقابل الجنيه 7.7 جنيهات في 30/6/2013، (في السوق السوداء) و7.05 جنيهات في السوق الرسمي، بلغ سعره في 26/4/2016 نحو 8.8 في السوق الرسمي، ونحو 10.7 في السوق السوداء.

    وتتابع الدراسة أن البنك المركزي قام، خلال 14 شهراً التي تلت الانقلاب، بطباعة نقود بدون رصيد بلغت 35 مليار جنيه (نحو 5.04 مليارات دولار)، من أجل سدّ العجز في الموازنة، مع الاستمرار بطرح سندات مالية للاستدانة من القطاع المحلي، ما أدى إلى ارتفاع الدين العام المحلي، وقد أدت هذه السياسة، إضافة إلى البدء في رفع الدعم عن المنتجات البترولية والكهرباء، إلى وصول معدل التضخم خلال الفترة أيار/ مايو - تموز/ يوليو في السنة المالية 2013/2014 إلى نحو 10.3%، مقابل نحو 6.7% في الفترة نفسها من السنة المالية 2012/2013، وقد بلغت أعلى نسبة لها خلال العام الأول من ولاية السيسي، حيث وصلت إلى 13.1% خلال أيار/ مايو 2015، وكانت السلع الغذائية أكثر السلع ارتفاعاً في أسعارها، مما زاد من معاناة المواطنين وأدخل شرائح جديدة من المصريين إلى دائرة الفقر.

    وتشير الدراسة إلى أن الدين العام بشقيه المحلي والخارجي ازداد بشكل خطير بعد الانقلاب على مرسي، في ظلّ غياب المحاسبة البرلمانية، وتواطؤ الأحزاب والقوى التي دعمت الانقلاب؛ تحت ذريعة الحفاظ على استقرار النظام، وقطع الطريق أمام عودة "الإسلاميين" إلى الحكم.

    وتضيف الدراسة أن الحكومات المصرية اتبعت بعد الانقلاب سياسة القفز إلى الأمام في تعاملها مع الوضع الاقتصادي ومعالجة المديونية؛ فراكمت الديون وما يستحق عليها من خدمة تلك الديون، بل وزادتها من خلال اقتراض وطرح سندات خزينة، ومن خلال طباعة كميات كبيرة من الجنيهات المصرية مع خفض قيمتها من حين إلى آخر؛ ما فاقم الوضع الاقتصادي وأدخل البلاد في دوامة خطيرة من المستبعد أن تخرج منه إذا استمرت في سياستها هذه.

    وتشير الدراسة إلى أن معدل البطالة تراوح بين 12.7 و13.4% خلال عهدي مرسي والسيسي، فيما أكدت نهلة زيتون مسؤولة البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، في أيار/ مايو 2015، أن 40% في مصر باتوا يعيشون تحت خطّ الفقر.

    وفيما يتعلق بمشروع توسعة مجرى قناة السويس، فتوضح الدراسة أنه لم تكن هناك جدوى اقتصادية حقيقية لهذا المشروع؛ الذي دُفع فيه مبالغ كبيرة كان من الممكن أن تنعش الاقتصاد المصري لو وُظفت في مشاريع حيوية إنتاجية أخرى، كما تشير الدراسة إلى أن الهدف الأساسي للمشروع ربما كان رفع شعبية السيسي ودعم شرعيته. وقد حاول النظام الجديد الترويج لإنجازات اقتصادية من خلال افتتاح بعض المشاريع، عدد منها بُدئ في إنشائه خلال عهد مرسي، غير أن تراجع قيمة العملة المصرية وازدياد معدلات التضخم والدين العام وانتشار البطالة والفقر عرى تلك المشاريع من إنجازاتها، وكشف حقيقة الوضع الاقتصادي للبلاد.

    وتضيف الدراسة أن القوات المسلحة كانت متحكمة تماماً بالوضع الاقتصادي خلال وبعد عهد مرسي، وتتابع أن الجيش المصري اكتسب نفوذاً غير مسبوق منذ أن أشرف على الانقلاب، وأن حجم أعمال المؤسسة العسكرية في المشروعات الاقتصادية زاد بشكل كبير، كما دخل المؤسسة العسكرية كشريك في عدد من المشروعات الاقتصادية الكبرى في البلد.

    وتخلص الدراسة إلى أن الانقلاب في مصر، مع حلول الذكرى السنوية الثالثة على تنفيذه، لم يؤدِّ إلى انتشال مصر من أزمتها الاقتصادية، بل على العكس عمق أزمتها أكثر فأكثر بحسب ما أكدت المعطيات الاقتصادية، كما حرم الانقلاب على نتائج انتخابات سنة 2012، البلاد من إمكانية النهوض من خلال آلية ديموقراطية، تضمن تداول السلطة، وترسخ مبدأ المحاسبة والمساءلة؛ فباتت البلاد مرتهنة لفئة معينة تُسيّر مقدرات الدولة الاقتصادية وثرواتها القومية وفق مصالحها.

    مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2016/8/25
  • مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات