مدة القراءة: 6 دقائق

ورقة عمل: موقف الجبهة الديموقراطية من المصالحة وطُرق تفعيلها … أ.سهيل الناطور” (نسخة نصيّة HTML)

للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (8 صفحات، 413 KB)

قدم د. ماهر الطاهر هذه الورقة في مؤتمر “المصالحة الفلسطينية: الآفاق والتحديات”، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت بالتعاون مع مركز إفريقيا والشرق الأوسط AMEC (ومقره جنوب إفريقيا) في 25-26 /2015/3.

ورقة عمل: موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من المصالحة وطرق تفعيلها … د. ماهر الطاهر* [1]

في البداية أتوجه بالشكر العميق لمركز إفريقيا والشرق الأوسط ومركز الزيتونة للدراسات والاستشارات لمبادرتهم الكريمة بعقد هذه الندوة الهامة والتي تتناول عنوان مفصلي وجوهري يتعلق بالساحة الفلسطينية ومستقبلها ألا وهو عنوان الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، الذي طال أمده والذي أضعف القضية الفلسطينية إلى حدّ كبير. ولا أجد حاجة لتعداد أضراره وتداعياته الخطيرة التي باتت معروفة لكل ذي عقل وبصيرة.

أشارت الورقة المقدمة من الجهة الداعية أن هذا المؤتمر يسعى لتوفير أفضل مناخ ممكن للتفاعل الإيجابي والنقاش الصريح الهادئ بين مختلف الأطراف، والمساعدة في بناء جسور الثقة وإيجاد الحلول العملية لتجاوز العقبات التي تحول دون إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي تنطلق في رؤيتها دائماً من المصالح العليا للشعب الفلسطيني بعيداً عن الحسابات الفئوية والضيقة، فإنها تأمل فعلاً وبكل صدق أن يشكل هذا المؤتمر فرصة للدفع باتجاه إنهاء الانقسام وبناء وحدة وطنية فلسطينية حقيقية شاملة تشكل الشرط الضروري لاستعادة الحقوق الوطنية، ونأمل أن يخرج هذا اللقاء بمقترحات عملية تساهم في معالجة ما نواجهه من تحديات ومخاطر.

لدي الملاحظات الأساسية التالية:

أولاً: إن الجبهة الشعبية على قناعة راسخة بأن الظروف المحيطة بالشعب الفلسطيني والمخاطر الحقيقية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية واستهداف “إسرائيل” لشعبنا بجميع فصائله وقواه وفاعلياته دون استثناء حيث اغتالت الشهيد ياسر عرفات، والشهيد أبو علي مصطفى، والشهيد أحمد ياسين، والشهيد فتحي الشقاقي وشهداء من كافة الفصائل، وبالتالي فهي تستهدف تمزيق وضرب المشروع الوطني الفلسطيني بجميع أبعاده وحوامله، الأمر الذي يجب أن يدفع موضوعياً باتجاه إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة.

ثانياً: أفضّل أن يكون عنوان الندوة إنهاء الانقسام وبناء الوحدة الوطنية الفلسطينية كشرط أساسي من شروط الانتصار، وليس المصالحة وطرق تفعيلها، لأن بناء وحدة وطنية فلسطينية حقيقية وجادة قائمة على أسس سياسية وتنظيمية راسخة وواضحة ووجود قيادة جماعية للشعب الفلسطيني ومؤسساته هو أمر أعمق وأكبر من موضوع مصالحة بين حركتي فتح وحماس، أو معالجة مشكلة الموظفين في قطاع غزة، خاصة وأننا في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي تتطلب تحشيد طاقات الشعب الفلسطيني بأسره.

هل المصالحة بين فتح وحماس تحل إشكالية الوحدة الوطنية الفلسطينية بمفهومها الشامل والعميق والذي يعني برنامج القواسم المشتركة سياسياً، والذي يعني إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية التي شاخت حيث لم ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني منذ عشرين عاماً؟

هل المحاصصة بين فتح وحماس يمكن أن تحل إشكاليات الوحدة الوطنية الفلسطينية بمفهومها الشامل والعميق والذي يعني وجود قيادة جماعية تدير الشأن الفلسطيني، ومؤسسات ديمقراطية راسخة تتبلور من خلالها القرارات الأساسية المرتبطة بمسار القضية الفلسطينية.

المصالحة مهمة وضرورية ولكنها خطوة ضرورية بالاتجاه السليم لبناء وحدة وطنية فلسطينية شاملة وعميقة.

ثالثاً: إن اللجوء للحسم العسكري في قطاع غزة وسيطرة حركة حماس بالقوة المسلحة بعد أن فازت بانتخابات المجلس التشريعي كان خطيئة لا ينبغي الوقوع فيها، لأن حسم التناقضات الداخلية من خلال اللجوء إلى العنف في مرحلة التحرر الوطني وفي ظلّ استعمار استيطاني إجلائي خطّ أحمر، نظراً لمخاطره الجسيمة ونتائجه الخطيرة ليس على القضية الوطنية فحسب واستغلال الاحتلال له لأبعد الحدود، بل لتداعياته وانعكاساته على بنية المجتمع الذي يتصدى للعدو المشترك.

إن اللجوء للحسم العسكري خلق حالة من الإرباك وطرح الكثير من التساؤلات حول “الانقسام وأسبابه”. هل أساس الانقسام سياسي؟ هل هو صراع على سلطة في ظلّ احتلال؟ ما هو مبرر وجود سلطتين لا تملكان من مفهوم السلطة أي مضامين حقيقية؟

رابعاً: إن وجود “سلطتين”، بين قوسين، على الأرض واقعياً. لكل منهما جهاز أمني ومؤسسات قد أوجد بنى ومصالح اقتصادية وحسابات لم تكن موجودة في مرحلة الخلافات والتباينات والصراعات السياسية التي كانت قائمة ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

حصلت صراعات سياسية حادة ضمن إطار منظمة التحرير وتمّ تشكيل جبهة الرفض الفلسطينية وجبهة الإنقاذ، ارتباطاً بموضوع التسوية والحلول السياسية، ولكن هذا الصراع السياسي بقي ضمن إطار الحرص على قانون وحدة – صراع – وحدة. ولكن بعد أوسلو والانتقال إلى مرحلة السلطة والتي تفرعت إلى سلطتين بما يعنيه ذلك من مصالح، أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، وهذا ما يفسر بشكل أساسي أسباب إطالة أمد الانقسام وعدم تطبيق الاتفاقات التي تمّ التوصل إليها في أكثر من محطة، وخاصة اتفاق القاهرة الذي وقعته كافة الفصائل الفلسطينية، وهذا ما يفسر أيضاً اللجوء لسياسة المحاصصة والاتفاقات الثنائية التي فشلت هي الأخرى في معالجة الانقسام.

خامساً: إن أحد أسباب الانقسام والفشل في معالجته رغم اتضاح نتائجه، يتمثل في غياب الديمقراطية وتغليب التناقضات الداخلية والصراع على السلطة على حساب التناقض الرئيسي مع الاحتلال، وهذا ما أكدته حقائق العدوان الأخير على قطاع غزة والذي كان أحد أسبابه التوافق الوطني الذي حصل بعد تشكيل حكومة الوحدة؛ لأن “إسرائيل” شنت العدوان ضمن مخطط انقسام الوضع الفلسطيني في المواجهة، لكن مخططها فشل وخاض شعبنا بجميع قواه معركة الصمود ميدانياً بشكل موحد وكذلك خاض تجربة سياسية موحدة عبر الوفد المشترك للمفاوضات غير المباشرة في القاهرة. وهذا يؤكد الحقيقة الساطعة بأنه عندما يأخذ التناقض الرئيسي مع الاحتلال موقعه الطبيعي في جدول الأعمال، تتسع مساحة الوحدة؛ ففي ميادين المواجهة يتحد الجميع وتتجه كل البنادق نحو العدو المشترك.

سادساً: هناك ترابط جدلي وثيق بين إنهاء الانقسام ومعالجة العنوان السياسي والرؤية السياسية، لأن المعالجة الجذرية والطريق الحقيقي لإنهاء الانقسام لا يمكن أن يتم بصورة سليمة وفاعلة ما لم يتم تصويب البوصلة سياسياً بالاتجاه الصحيح، أي تصويب مسار نضالنا الوطني بانتقال سياسي وتحول استراتيجي والعودة إلى الجذور في فهم منطق الصراع وطبيعته التاريخية كتناقض تناحري بين المشروع الوطني الفلسطيني ببعده العربي والإسلامي والإنساني والمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري، الذي يرفض وجود الآخر ويعمل على نفيه وتصفيته بكل الوسائل والسبل. وهذا يتطلب بلورة رؤية استراتيجية موحدة تستخلص دروس المرحلة الماضية والخروج من مجرى أوسلو وإنهاء الالتزامات والاتفاقات التي لم تلتزم بها “إسرائيل” أساساً، وإعادة صياغة البرنامج الوطني الفلسطيني الموحد بالارتكاز إلى خيار المقاومة بكل أشكالها كرافعة لتحقيق أهدافنا الوطنية، وإطلاق طاقات شعبنا في أماكن وجوده كافة في المحتل من أرضنا عام 48، وفي الضفة، والقطاع، والقدس وكل مواقع اللجوء والشتات، والتأكيد على وحدة الأرض والشعب والهدف والمصير، وإعادة الاعتبار لوحدة وشمولية الموقف الوطني والالتفاف حول برنامج وهدف مركزي جامع يلتف حوله أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان.

لقد برهنت تجربة تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 وحرب تموز عام 2006 وحروب غزة الثلاثة وصمود شعبنا في الضفة والقدس والمحتل من أرضنا عام 1948 أن المشروع الصهيوني قد وصل إلى مرحلة الأزمة والانحسار على الصعيد الاستراتيجي وأن هزيمة هذا الكيان ممكنة واقعياً إذا ما توفرت الإرادة الصلبة والرؤية السليمة لأن “إسرائيل” ليست كلية القدرة. وباتت تدرك بوضوح أفول عصر الانتصارات السريعة والحاسمة.

سابعاً: إن معيار الجدية ومربط الفرس والمدخل السليم والجاد لمعالجة موضوع الانقسام وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني بشكل راسخ وإعادة بناء العامل الذاتي وتصليبه وإطلاق واستنهاض قدرات وطاقات 12 مليون فلسطيني يتم من خلال إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كجبهة وطنية عريضة تضم كافة قوى وفصائل وفاعليات شعبنا.

هل من المعقول أن لا يتم عقد المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان) منذ عشرين عاماً؟

الشعب الفلسطيني في الشتات يشعر بحالة من الضياع والتشتت وبات يفكر بالحلول الفردية لمشكلاته العديدة والكبيرة.

لقد تمّ إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها لصالح السلطة، وهذا خطأ كبير ينبغي معالجته بصورة جذرية وحاسمة.

ينبغي إعادة الاعتبار لمعنى فلسطين.. ما هي فلسطين؟ هل هي الضفة وغزة، هل هي حيفا، ويافا، وعكا، واللد، والناصرة؟ ماذا بشأن أهلنا في المناطق المحتلة عام 1948، أليسوا هم جزء أساسي وجزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني؟!

لماذا يهمش دور الشتات الفلسطيني الذي قامت على أكتافه الثورة الفلسطينية المعاصرة؟ والذي يملك طاقات علمية وفكرية واقتصادية كبيرة ينبغي استثمارها وإطلاقها.

لا بدّ من التأكيد على الهدف الجامع – الهدف المركزي والبرنامج الموحد الذي يلتف حوله كل أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، وترسيخ فكرة وحدة الأرض، ووحدة الشعب، ووحدة الهدف والمصير.

فلسطين جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. أبناء شعبنا في الشتات باتوا يموتون في البحار وهم يبحثون عن لقمة العيش وجواز السفر.
إن معيار الجدية والمدخل الحقيقي لبناء الوحدة الوطنية هو بلورة وإعادة بناء الأداة التنظيمية الجامعة والموحدة لشعب تتباين ظروف حياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولذلك فإن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية هو المهمة الأولى التي لا تعلو عليها أي مهمة، للحفاظ على هذا المكسب الكفاحي الهام الذي تعمد بدماء شهداء شعب فلسطين في أماكن وجوده كافة.

ثامناً: لا بدّ أن أشير عند الحديث عن إنهاء الانقسام إلى دور التيار الثالث في الساحة الفلسطينية ودور القوى الديمقراطية التي تحدثت كثيراً عن أهمية الوحدة الوطنية ومخاطر الانقسام، لكن دورها لم يكن بالمستوى المطلوب في تشكيل حالة ضغط شعبية ملموسة لمعالجة الوضع، كما أن دورها في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية يحتاج إلى الكثير من الفاعلية والجهد لتصليب الوضع الداخلي الفلسطيني.

تاسعاً: هناك سؤال يتناول دور العوامل الخارجية في موضوع الانقسام وإطالة أمده ووضع العراقيل أمام تحقيق الوحدة.

لا يمكن تجاهل وإهمال دور العوامل الخارجية ومصالح القوى المستفيدة من الانقسام الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب إدراك أن المصلحة الفلسطينية العليا والتي لا يجب أن تتقدم عليها أي مصلحة أخرى تتطلب الإسراع في تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام.

الخلاصة:

أولاً: إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية مصلحة فلسطينية عليا ومطلب للشعب الفلسطيني بأسره الذي ضاق ذرعاً بهذا الانقسام.

ثانياً: آن الأوان فلسطينياً وخاصة من القيادة الرسمية الفلسطينية لوقفة ذات طبيعة استراتيجية تستخلص دروس المرحلة الماضية بسلبياتها وإيجابياتها لرسم رؤية واستراتيجية عمل جديدة، خاصة في ضوء نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ونزوع المجتمع الصهيوني نحو المزيد من التطرف والعنصرية.

ثالثاً: المدخل الحقيقي والجاد والسليم لإنهاء الانقسام يبدأ بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها وميثاقها وإعادة بناء مؤسساتها على أسس ديمقراطية وتوفر قيادة جماعية، الأمر الذي يستدعي الدعوة العاجلة لاجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما تمّ الإجماع عليه في اتفاق القاهرة.

رابعاً: استعادة البعد العربي والدولي للقضية الفلسطينية.

خامساً: اعتماد المقاومة بكل أشكالها كخيار استراتيجي بسبب استحالة الوصول لحل سياسي مع الكيان الصهيوني بسبب طبيعته وتركيبته، والتأكيد على أهمية كافة أشكال النضال المسلحة وغير المسلحة وتكاملها.

سادساً: الدعوة لمؤتمر وطني شامل من الفصائل والقوى وشخصيات أكاديمية وفاعليات اجتماعية ومثقفين لتدارس الوضع الفلسطيني بجميع أبعاده تمهيداً لعقد مجلس وطني فلسطيني شامل لوضع استراتيجية العمل الفلسطينية في المرحلة القادمة.

[1]   حائز على شهادة دكتوراه في العلوم السياسية، وهو مسؤول دائرة العلاقات السياسية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعضو اللجنة المركزية العامة للجبهة منذ سنة 1972، وعضو المكتب السياسي للجبهة منذ سنة 1993.

للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (8 صفحات، 413 KB)