مدة القراءة: 6 دقائق

الصفحات الخمس الأولى من الفصل الثاني: “المشهد الإسرائيلي الفلسطيني” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثاني كاملاً اضغط هنا  (67 صفحة، 2.07 MB)

الفصل الثاني: “المشهد الإسرائيلي الفلسطيني”

مقدمة:

بقدر ما كان لدى المجتمع الإسرائيلي ما يكفي من أسباب القلق سنة 2012 نتيجة الثورات والتغيرات في العالم العربي ونتيجة مواجهة المقاومة لعدوانه على قطاع غزة، وتعثُّر مسار التسوية السلمية؛ فقد كان لديه ما يزيد عن القدْرِ نفسه من أسباب الارتياح سنة 2013 نتيجة حالة الإحباط التي صاحبت الثورات العربية ونجاح الانقلاب في مصر، وانطلاق مسار التسوية السلمية مرة أخرى وفق الشروط الإسرائيلية، وتعثُّر مسار المصالحة الفلسطينية، وتصاعد الحصار الخانق على قطاع غزة. وهي أجواء صاحبها فوز قوى اليمين في الانتخابات الإسرائيلية، ليُضيف كل ذلك مزيداً من المعاناة والضغوط على الشعب الفلسطيني وقيادته.

يحاول هذا الفصل أن يرسم الخريطة السياسية الإسرائيلية الداخلية، والمعطيات السكانية والاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية؛ ويناقش الفصل قضايا العدوان والمقاومة ومسار التسوية السلمية خلال سنتي 2012-2013.

أولاً: المشهد الإسرائيلي السياسي الداخلي

شهدت سنة 2012 ضمن المشهد السياسي الداخلي في “إسرائيل” مجموعة من الأحداث المركزية، تركت أثرها على سير العملية السياسية للسنة نفسها والسنة التي تلتها، أي 2013.

1. المشهد الحزبي سنة 2012:

تميزت سنة 2012 بنشاط حزبي إسرائيلي واسع، خارج إطار الكنيست Knesset، حيث توقع متابعو هذا المشهد حصول انهيار لحزب كاديما Kadima  الذي أسسه أريل شارون Ariel Sharon بالشراكة مع إيهود أولمرت Ehud Olmert وسياسيين آخرين من الطيف السياسي والحزبي في “إسرائيل”. وتوقعوا أن الجناح اليميني في حزب الليكود Likud سيزداد تطرفاً تحت زعامة بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu، حيث قوي وتعزّز التيار الاستيطاني اليميني المتطرف بقيادة موشيه فيجلين Moshe Feiglin  لدرجة أن الليكود اعتُبر حاضنة المستوطنين.

في مقابل ذلك فإن الأحزاب المتدينة على مختلف توجهاتها، لعبت دورها الابتزازي الممسك بخناق حكومة نتنياهو خلال سنة 2012، ولوَّحت كثيراً بتفكيك الائتلاف الحكومي في حال إقدامه على إلغاء إعفاء الطلبة المتيدنين من الخدمة العسكرية. هذا التلويح يعني نزع الثقة بين نتنياهو وبين هذه الأحزاب المشاركة في حكوماته وحكومات الليكود منذ فترة طويلة. ومن جهة أخرى، فإن أيّ زعزعة في أركان الحكومة كانت تعني التوجه إلى تشكيل حكومة علمانية مع كاديما، وهو ما لا يريده نتنياهو، حيث يُفضل على ذلك تقديم موعد الانتخابات.

الصراع الداخلي الذي شهده حزب الليكود خلال سنة 2012 لم يمر على حكومة نتنياهو مروراً سريعاً ، إذ لوحت قيادات في الحزب بنزع الثقة عنه، لدرجة فصله من صفوف الحزب ومؤسساته؛ إذا لم يَنْصَعْ لتوجهات الحزب، الرافضة لأي تسوية مع الفلسطينيين، والمُصرِّة على الاستمرار في الاستيطان. صحيح أن نتنياهو رضخ لمطالب وتوجهات حزبه، لكنه حاول تعزيز مكانته من خلال الحفاظ على حكومته حتى يومها الأخير.

مقابل هذا الوضع داخل الليكود، شهد حزب “إسرائيل بيتنا” (يسرائيل بيتينو)Yisrael Beitenu بقيادة أفيجدور ليبرمان Avigdor Lieberman، وهو حزب يميني متطرف مؤلف من المهاجرين الروس في غالبيتهم، طرح ورقة تجنيد المتدينين. وليبرمان معروف بميوله العلمانية، ورفضه لفرض الشريعة اليهودية أو أيّ من مركباتها على حياة المجتمع في “إسرائيل”.

إذن وقعت حكومة نتنياهو تحت ضغطين من طرفين متقاطبين: الأول المتدينين الرافضين لأي تغيير في قضية إعفاء الطلبة اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية، باعتبار أن دراستهم للتوراة هي خدمة بحد ذاتها؛ والثاني حزب “إسرائيل بيتنا” المؤيد والداعم لتشريع قانون الخدمة، وفرضها على كل الشباب في “إسرائيل”.

ولإحداث توازن بين الطرفين، وللحيلولة دون سقوط الحكومة، وحتى لا يتمّ تقديم موعد الانتخابات للكنيست، تفاوض نتنياهو مع حزب كاديما للدخول في الائتلاف وبذلك يطيل عمر حكومته، ولو إلى حين. غير أن دخول كاديما في الائتلاف الحكومي في 8/5/2012، أدى إلى سلسلة من الانشقاقات الداخلية في كاديما، وانسحاب عدد من السياسيين من عضوية الحزب وانضمامهم إلى أحزاب أخرى . وبسبب الصراع الداخلي في كاديما بين تسيبي ليفني Tzipi Livni وشاؤول موفاز Shaul Mofaz، قامت ليفني في 1/5/2012 بالانفصال عن كاديما ، وأعلنت في 27/11/2012 عن عودتها للحياة السياسة، وأنها ستشكل حزباً جديداً برئاستها يدعى الحركة (هتنوعا) The Movement (Hatnua) . هذا التشكيل أسهم بقوة في تحطم كاديما. وفي النهاية اضطر حزب كاديما إلى الانسحاب من الائتلاف الحكومي في 17/7/2012 بعد أقل من ثلاثة أشهر على انضمامه، على خلفية استمرار النقاش بالنسبة لقانون التجنيد الإجباري للمتدينين المتشددين .

بات الأمر واضحاً بالنسبة لنتنياهو أن عمر حكومته آخذ بالقصر، ولذلك طرح مشروع تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، وهذا يعني حلّ الكنيست والبدء بالتحضيرات لهذه الانتخابات.

وأشارت استطلاعات الرأي في “إسرائيل” في أعقاب الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات البرلمانية  إلى تفكك كاديما لدرجة توحي باختفاءٍ قريب لها من الساحة الحزبية. أما أبرز العوامل التي أدت إلى تحلل وتضاؤل حزب كاديما فهي حالة الغيبوبة التي أصابت مؤسسه في مطلع سنة 2006، ثم وفاته في مطلع سنة 2014، وملفات الفساد المالي لوريثه في قيادة الحزب إيهود أولمرت وتقديمه للقضاء (تمّت تبرئته لاحقاً)، وسعي نتنياهو المستمر إلى تفكيك كاديما بتعزيز انسحاب أعضاء فيه وانضمامهم إلى الليكود، ومنهم من تسلم حقائب وزارية في حكومته. ثم تلقى الحزب ضربة قاسية عندما أعلنت تسيبي ليفني عن انسحابها وتشكيل حزب جديد بزعامتها، معتقدة أنها ستحقق فوزاً ساحقاً وتؤثر على الساحة الحزبية في “إسرائيل”. أضف إلى هذا أن زعيم كاديما الحالي شاؤول موفاز، الرجل العسكري سابقاً، أثبت أنه لا يملك قدرة كافية على قيادة كاديما وتنقصه الخبرة السياسية اللازمة. لهذا، من المتوقع اختفاء هذا الحزب من المشهد السياسي في انتخابات الكنيست الـ 20.

وبالمقابل أشارت هذه الاستطلاعات إلى تعزيز اليمين، وازدياد مكانة وحضور الأحزاب المؤيدة للمشروع الاستيطاني في الأساس وليهودية الدولة. كما بدأت تطفو على الجو فكرة التحالف بين الليكود وحزب “إسرائيل بيتنا” ، من منطلق جرف أصوات الناخبين وتسهيل عملية تشكيل حكومة دون الحاجة إلى ائتلافات مع أحزاب أخرى وفي مقدمتها الأحزاب المتدينة. وتمت المصادقة في مؤسسات الحزبين على الشراكة وتشكيل قائمة انتخابية واحدة تحمل اسم الحزبين الليكود – “إسرائيل بيتنا”. وارتفعت أصوات داخل الليكود محذرة نتنياهو من الإقدام على هذه الخطوة لأنها ستفقد الليكود مكانته لصالح “إسرائيل بيتنا”، إلا أن رأي نتنياهو رجح الكفة. فهذا التحالف يقوي نتنياهو في ضمان رئاسة الحكومة القادمة، ولكنه يضعف الليكود من حيث عدد المقاعد في البرلمان القادم.

طرحت ليفني، التي انسحبت من حزب كاديما وشكلت حزباً جديداً باسم “الحركة”  لمواجهة سياسة نتنياهو ومنع وصوله إلى رئاسة الحكومة، في مشروعها الانتخابي مسألة ضرورة تنشيط مسار التفاوض مع الفلسطينيين بشكل أكثر جدية، من أجل الوصول إلى تسوية للصراع. ولكن استطلاعات الرأي العام لم تمنح الحركة إلا عدداً قليلاً من المقاعد.

وخلال فترة الاستعدادات الحزبية لخوض الانتخابات للكنيست الـ 19 تشكل حزب جديد في 30/4/2012 من بين الطبقات الوسطى والبرجوازية التل أبيبية برئاسة يائير لابيدYair Lapid، أطلق على هذا الحزب اسم “يش عتيد” Yesh Atid أي “يوجد مستقبل” . أما رئيسه فهو إعلامي معروف في “إسرائيل”، وهو ابن الإعلامي والسياسي الإسرائيلي المعروف طومي لابيد Yosef (Tommy) Lapid، زعيم حزب شينوي Shinui المندثر. وأجندة هذا الحزب هي أجندة علمانية، وهي تسعى لتحسين الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، مستفيدةً من مظاهرات الاحتجاج الاجتماعي التي وقعت في صيف 2011. أما بالنسبة للمفاوضات مع الفلسطينيين فلا يختلف كثيراً عن مواقف باقي الأحزاب الصهيونية. لهذا يمكن تصنيف هذا الحزب في المركز مع ميل إلى اليمين.

2. انتخابات الكنيست الـ 19 وانعكاساتها:

أجريت انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ 19 في 22/1/2013، وشاركت فيها أكثر من 30 قائمة انتخابية، لم تنجح في الدخول إلى الكنيست الإسرائيلي إلا 12 قائمة، بما فيها القوائم العربية .

لم تأتِ الدعاية الانتخابية بأي طرح جديد بالنسبة للسياسة الإسرائيلية الداخلية، سوى الشعارات التي تتكرر من انتخابات إلى أخرى، بتحسين الوضع الاقتصادي العام، وتقليل نسبة البطالة وزيادة النمو الاقتصادي.

لكن المفاجآت الكبرى التي حصلت في هذه الانتخابات كانت على النحو التالي: حصول القائمة المشتركة بين الليكود و”إسرائيل بيتنا” على 31 مقعداً فقط من أصل 120 مقعداً؛ بينما كان مجموع المقاعد التي حصل عليها الحزبان عندما خاضا الانتخابات السابقة منفردين 42 مقعداً. وتراجع نصيب الليكود من 27 مقعداً في الدورة السابقة إلى 20 مقعداً، بينما حصل شريكه “إسرائيل بيتنا” على 11 مقعداً . ولهذا وجهت سهام الانتقاد الشديد إلى نتنياهو من قبل أعضاء في حزبه محملين إياه هذه المسؤولية. ولكن بالرغم من هذه الأجواء داخل الليكود إلا أن القائمة المشتركة احتفظت بأكبر عدد من مقاعد الكنيست الإسرائيلي. أما المفاجأة الثانية فهي حصول حزب يش عتيد  برئاسة يائير لابيد على 19 مقعداً، مع أن التوقعات السابقة للانتخابات لم تمنحه هذا العدد من المقاعد. وهذا يعني أن أيّ حكومة سيشكلها نتنياهو سيضطر إلى دعوة لابيد للدخول فيها. أما المفاجأة الثالثة فكانت حصول حزب البيت اليهودي The Jewish Home (HaBayit HaYehudi) برئاسة نفتالي بينت Naftali Bennett على 12 مقعداً.

في حين، وهذا كان متوقعاً، انهار حزب كاديما عملياً، حيث كان لديه 28 عضو كنيست ولم يتبقَ لديه إلا عضوين اثنين برئاسة شاؤول موفاز. أما الأحزاب المتدينة مثل يهود التوراة (يهدوت هتوراة) United Torah Judaism (Yahadut Hatorah) وشاس Shas فقد حافظت على مقاعدها في هذا الكنيست، بالرغم من أن بعض الاستطلاعات أشارت إلى إمكانية حصول تراجع في مكانتها.

توزعت المقاعد الـ 120 في الكنيست الإسرائيلي الـ 19 على النحو التالي: 61 مقعداً لأحزاب وحركات اليمين والمتدينين (الليكود – “إسرائيل بيتنا” 31 مقعداً، والبيت اليهودي 12 مقعداً، وشاس 11 مقعداً، ويهدوت هتوراة 7 مقاعد)، و48 مقعداً لأحزاب معسكر الوسط واليسار (يش عتيد 19 مقعداً، وحزب العمل Labor Party 15 مقعداً، والحركة (هتنوعا) 6 مقاعد، وميرتس Meretz 6 مقاعد، وكاديما مقعدان). أما الأحزاب العربية (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة (حداش) Democratic Front for Peace and Equality (Hadash)، والتجمع الوطني الديموقراطي (بلد) National Democratic Assembly، والقائمة العربية الموحدة United Arab List)، فقد حصلت على 11 مقعداً. والجدول التالي يوضح نتائج انتخابات الكنيست الـ 19 مقارنة مع الكنيست الـ 18:

[1] انظر نتائج انتخابات الكنيست الـ 18 والـ 19 في: موقع الكنيست، في:
http://www.knesset.gov.il/description/eng/eng_mimshal_res18.htm (بالإنجليزية)
http://www.knesset.gov.il/description/eng/eng_mimshal_res19.htm (بالإنجليزية)
وانظر أيضاً: لجنة الانتخابات المركزية للكنيست الـ 19، في:
http://www.bechirot.gov.il/elections19/arb/home_arb.aspx

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل … للاطلاع على الفصل الثاني كاملاً اضغط هنا  (67 صفحة، 2.07 MB)