مدة القراءة: 6 دقائق

الصفحات الخمس الأولى من “دراسة علميّة محكّمة: أداء السلطة القضائية الفلسطينية وتحقيق العدالة 1994–2013 … أ. د. أحمد مبارك الخالدي” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الدراسة العلميّة المحكّمة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (32 صفحة، 1.02 KB)

دراسة علميّة محكّمة: أداء السلطة القضائية الفلسطينية وتحقيق العدالة 1994–2013 … أ. د. أحمد مبارك الخالدي

أولاً: تنظيم السلطة القضائية الفلسطينية: ضرورتها والعناصر اللازمة لاستقلالها:

دخلت اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير وحكومة الاحتلال الإسرائيلي حيز التنفيذ الجزئي في 13/9/1993، فتسلمت السلطة الفلسطينية، التي أنشأتها المنظمة، بعض مظاهر السيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة وبصورة أقل في شرقي القدس، التي كان الاحتلال الإسرائيلي يمنع ممارستها بالقوة، منذ انتهاء الانتداب الدولي على فلسطين. ووفقاً للمبدأ المجمع عليه في النظم الدستورية في العالم، فإن السيادة للشعب ولا تزول إلا بزوال الشعب من الوجود، فمارست السلطة الفلسطينية بعض مظاهر السلطة القضائية بعد توقيع الاتفاقية الإسرائيلية – الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة Israeli–Palestinian Interim Agreement on the West Bank and the Gaza Strip في واشنطن في 28/9/1995، حيث قامت هيئات السلطة الفلسطينية بممارسة مهمة الحكم الذاتي خلال مرحلة انتقالية كان يفترض ألا تتعدى خمس سنوات من توقيع اتفاق غزة – أريحا في القاهرة 4/5/1994، وتنتهي في 1999، كما ورد في ديباجة اتفاقية واشنطن، التي عدَّتها جزءاً لا يتجزأ من الاتفاقية كما جاء في البند (أ) من الفقرة (13) من المادة 31 من الاتفاقية.

وهكذا أقامت منظمة التحرير الحكومة الفلسطينية “السلطة الفلسطينية” باعتراف دولي، بعد أن غُيبت عن الوجود منذ سنة 1948 (الحكومة وليس الدولة الفلسطينية التي قامت تحت الانتداب، وباعتراف دولي آنذاك ومن الدولة المنتدبة عليها، وأصدرت دستوراً لفلسطين سنة 1922)، ومارست حكومة السلطة الفلسطينية الحكم المباشر. وبذلك حلّت وفقاً لقواعد القانون الدولي معضلة عدم الاعتراف الدولي بالحكومة الفلسطينية، الذي استمر منذ تشكيل حكومة عموم فلسطين في غزة سنة 1948، وقوبلت بعدم قبول عربي ودولي، لأسباب تتعلق بأهدافها في التحرير الكامل، المناقضة للسياسات الدولية في ذلك الوقت، والمتمثلة بقرار مجلس الأمن الدولي 44 سنة 1948 بالطلب من الأمين العام، وفق المادة 20 من ميثاق الأمم المتحدة، أن يدعو إلى عقد دورة استثنائية للجمعية العامة للبحث مجدداً في مسألة حكومة فلسطين المستقبلية .

وجاءت حكومة السلطة الفلسطينية، لتكون خطوة تمهيدية انتقالية لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة. ولتكون القاعدة الديموقراطية لإقامة المؤسسات للشعب الفلسطيني، شاملة لفلسطينيي القدس (وفقاً لصريح نصّ المادة 2/2). حيث أقرت الاتفاقية بحقهم في المشاركة في عملية الانتخابات السياسية والتشريعية، وذلك وفق ترتيبات ألحقتها المادة 6 من اتفاقية واشنطن. كما أن المادة 2 الفقرة (هـ) لم تستثن من حقّ الانتخاب سوى “الإسرائيليين” .

ووفقاً لصريح نصّ المادة 3/7 من الاتفاقية للمجلس المنتخب: أن يقوم بوضع قانون أساسي لسلطة الحكم الانتقالي الفلسطيني. وبالفعل شكلت السلطة لجنة لهذا الغرض، وُضعت مسودته تحت تأثير التطورات والمؤثرات الدولية التي كانت بصماتها واضحة في نصوصه. وأقره المجلس التشريعي في 2/10/1997، وأحاله إلى رئيس السلطة في 4/10/1997 للمصادقة عليه وإصداره، وأصبح ساري المفعول من 7/7/2002 .

وهكذا صدر القانون الأساسي بأسلوب وضع التشريعات العادية، من السلطة التشريعية العادية في شكل قانون أساسي، ولم يُستفتى الشعب عليه. وكان من الضروري أن يتضمن تنظيماً للسلطة القضائية، لأن أيّ كيان سياسي في شكل دولة لا بدّ أن يحتوي نظامه على تنظيم للسلطات الثلاث، ومن أهمها السلطة القضائية لكونها ضرورة مجتمعية. وكان يجب أن يتضمن تنظيمها عناصر جوهرية تضمن استقلالها، وهي التي سنذكرها في الفقرتين التاليتين:

1. تنظيم القضاء ضرورة مجتمعية:

تُجمع الأنظمة الدستورية المعاصرة (بما سبقت به الكتب السماوية) على ضرورة وجود سلطة مرجعية يتم الاستعانة بها لفض تشابك العلاقات البشرية الحتمي في أيّ مجتمع، وقديماً قال الإمام مالك بن أنس عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه “يحدث للناس من الأقضية بقدر ما يحدث لهم من الفجور” .

ولذلك صار من المتفق عليه في المبادئ الدستورية للأنظمة السياسية المعاصرة، أن السلطة القضائية تُعدُّ من أهم سلطات الدولة؛ وذلك للحفاظ على وجود الدولة واستقرارها ولحماية الحقوق والحريات، بالفصل في المنازعات بين السلطات العامة وحماية اختصاصات كلّ منها من اعتداء بعضها على البعض الآخر، أو في المنازعات بينها وبين القوى السياسية أو الأفراد في المجتمع، أو بين الأفراد بعضهم البعض، ولضمان سيادة القانون في أعمال إدارات الدولة وأعمال الأفراد العاديين بعامة. فوجود السلطة القضائية من أركان أيّ كيان سياسي، ولا يمكن الاستغناء عنها مهما بلغت درجة تقدم الأمة الحضاري، فوجود من يفصل في المنازعات ضرورة مجتمعية، لتحقيق استقرار العلاقات وتوزيع العدالة بين البشر في المجتمع الواحد. وبغير ذلك، تسود شريعة الأقوى، وتحكم الأهواء والمصالح الأنانية العلاقات بين أفراد المجتمع حكاماً ومحكومين.

وتزداد الحاجة إلى القضاء في الدولة المعاصرة التي تتميز بعمق العلاقات بداخلها ومع الخارج وتشابكها، لدرجة أنه إذا لم توجد سلطة قضائية مستقلة وقادرة على فضّ الاشتباك في العلاقات، تعم الفوضى ويتهدد استمرار وجود الكيان السياسي وتطوره. ويرى الفقهاء في السياسة والقانون أن الدولة مجموعة وظائف واختصاصات جوهرية تنظمها لصالح شعبها، ويتم توزيع هذه الوظائف على أجهزة الدولة المختلفة. ومن أهم وظائف الدولة، الوظيفة القضائية. ولقد جرى الفقه الدستوري والسياسي على تقسيم الوظائف الرئيسية للدولة إلى ثلاث سلطات:

• السلطة التي تشرع.

• السلطة التي تنفذ القوانين، وتسهر على حماية النظام الذي تقيمه تلك القوانين.

• السلطة التي تقضي في المنازعات حول تنفيذ هذه القوانين، وما تقرره، أو تعدله، أو تلغيه، من حقوق أو مراكز قانونية، لتحقيق الانسجام بين المصالح، واستقرار العلاقات في مجتمع أيّ دولة.

وهذه الوظائف لا يمكن جمعها بيد سلطة واحدة، ويجب الفصل بينها، ففصل هذه السلطات ضرورة حتمية لاستقلال القضاء في ممارسته اختصاصاته. ولتمكين السلطة القضائية من الفصل في المنازعات، وتوزيع العدالة بين المتخاصمين، لا بدّ من الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. وهو ما سنحاول توضيحه للحكم على أداء السلطة القضائية الفلسطينية، ومعرفة ما إذا كانت السلبيات في أداء السلطة القضائية مردها نقص في التشريعات المنظمة للسلطة القضائية، أم سببها سوء ممارسة السلطة القضائية لاختصاصاتها، أم نتاج الاعتداء عليها.

إن من يتتبع تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات يجد تطوراً كبيراً قد حدث بدرجات متفاوتة في الدول المختلفة، نقل واقع تبعية السلطة القضائية للحاكم أو للسلطة التنفيذية إلى استقلالها، ذلك أن التطور نحو الفصل بين الحاكم والقضاء أو عن السلطة التنفيذية، دفَّعت الشعوب (وما زالت تدفع) ثمناً باهظاً لتحقيق قدراً من استقلال السلطة القضائية وفصلها عن السلطات الحاكمة، وذلك تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات. وقد تطور الأمر بحيث صار الفصل بين السلطات هو المفهوم الذي تقوم عليه الأنظمة الدستورية الديموقراطية، ذلك أن الديموقراطية في أسسها النظرية ومفهومها السائد أنها تقوم على ضرورة الفصل بين السلطات العامة للدولة وظيفياً عن بعضها البعض، بحيث تستقل كلّ سلطة عامة بممارسة اختصاصاتها الأصيلة، ولا تعتدي على اختصاصات سلطة أخرى.

ويتطلب الفصل بين السلطات من كلّ سلطة من السلطات العامة أن تطبق في ممارستها لاختصاصاتها قانونها الذي هو سند شرعية نشأتها وأساس قانونية وجودها وأدائها لاختصاصاتها. فأي سلطة لا تكون مشروعة إذا خرجت على القانون في ممارستها العملية، فأعمالها تكون مشروعة بقدر ما تطبق القانون، وبقدر ما تسود تصرفاتها المادية وقراراتها أحكام القانون. والذي يتثبت من ذلك هو القضاء، فمهمة السلطة القضائية هي مراقبة مشروعية عمل كلّ سلطات الدولة العامة، وأعمال أفرادها، بموضوعية واستقلال عن التأثر من أيّ جهة أخرى. على أنه من المعلوم أن استقلال السلطة القضائية أمر نسبي مرتبط بمدى سلامة القواعد المقررة لاستقلال القضاء وتمسك القضاة باستقلالهم، وقدرة السلطات الأخرى الواقعية على التدخل في عمل القضاء. وبات من المُقر به أن استقلال السلطة القضائية يتطلب استقلال القاضي أمام نفسه وأمام إدارة السلطة القضائية، وكذلك استقلاله في مواجهة السلطات العامة الأخرى والقوى السياسية في المجتمع.

وقد رأت الأنظمة الدستورية المقارنة أن الحجر الأساس في ضمان استقلال السلطة القضائية هو تنظيم العلاقة بين السلطات على أساس مبدأ الفصل بين السلطات. وأصبح الترابط حتمياً بين فصل السلطات واستقلال السلطة القضائية في جلِّ الأنظمة الدستورية الحديثة.

والاعتقاد الغالب أن استقلال السلطة القضائية يقصد به استقلالها في مواجهة السلطة التنفيذية. إلا أن استقلال السلطة القضائية يجب أن ينظر إليه من عدة جوانب:

• استقلال القضاء في مواجهة السلطة التشريعية.

• استقلال القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية.

• استقلال القضاء في كلّ درجاته عن بعضها البعض في أثناء الفصل في الخصومة القضائية.

• استقلال القضاء في مواجهة تأثير وجهة الرأي العام المخالفة لوجهة نظر القانون في أثناء الفصل في الخصومات.

• استقلال القضاء في مواجهة الخصوم.

فالثقة بالسلطة القضائية مصدرها، أن يوجد نظام قانوني يقيم هيئات قضائية تطبق الإجراءات القانونية، ويحافظ على الولاية القضائية التي للمحاكم العادية، كما جاء في مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/146 في 13/12/1985. وفي القرار أن لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية، لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية، لتنزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية . ويجب كذلك أن يضمن النظام القانوني للقضاة استقلاليتهم وحيادهم، ويوفر للقضاة شروط عمل في مأمن من الاعتداء عليهم أو فصلهم، ويحتوي على الكثير من الضوابط التي تؤمّن نزاهتهم في العمل من جهة أخرى. أي يجب أن يتوفر في تنظيم القانون للسلطة القضائية عناصر تضمن استقلال القضاء.

ولأن هنالك فجوة كبيرة في النظم المختلفة بين الأساس الذي يقوم عليه استقلال القضاء وبين نزاهة القضاء واستقلاله الفعلي، فقد رأت الأمم المتحدة أن تتبنى المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية لسنة 1985، والذي دعت فيها دول العالم وحكوماتها إلى ضرورة ضمان الدولة لاستقلال السلطة القضائية، وأن ينص دستور الدولة أو قانونها على ذلك .

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الدراسة العلميّة المحكّمة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (32 صفحة، 1.02 KB)