مدة القراءة: 31 دقائق

إعداد: أ. د. وليد عبد الحي.[1] 
(خاص بمركز الزيتونة). 

مقدمة:

شكَّل لقاء القمة الأمريكي الأوكراني في واشنطن في آخر شباط/ فبراير 2025 تكريساً لتوجه جديد تبنته الولايات المتحدة تجاه روسيا التي تمثل خصمها التاريخي، فقد أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump ونائبه جيمس فانس JD Vance ملاحظات علنية ناقدة وحادة لسياسات أوكرانيا تجاه روسيا، وهو ما استدعى ردة فعل واسعة في دول الاتحاد الأوروبي وقيادات حلف شمال الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization (NATO)، بل وفي موقف الحزب الديموقراطي Democratic Party الأمريكي الذي انتقدت قياداته البارزة الموقف الذي تبناه ترامب، إلى جانب بعض النقد من شخصيات في الحزب الجمهوري Republican Party الذي ينتمي له ترامب، ومن نخب فكرية أمريكية مرموقة.



للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة علمية: ترامب وإشكالية التحول في العلاقات الروسية الأمريكية … أ. د. وليد عبد الحي (33 صفحة، 8.1 MB)


وانصب النقد على سياسة ترامب في هذا الجانب على ناحيتين هما: الناحية الشكلية من حيث التجاوز للتقاليد الديبلوماسية في إدارة الحوار والتفاوض وبشكل علني، ناهيك عن قواعد الحوار الديبلوماسي خصوصاً من حيث المفردات المستخدمة ولغة الجسد والاتهام الواضح للرئيس الأوكراني، وهو ما أدى إلى لغط وتأجيل لاتفاق كان من المأمول توقيعه بين الطرفين بخصوص الموارد الأوكرانية من المعادن النادرة، ثم إلغاء مؤتمر صحفي كان من المقرر عقده بعد اللقاء.

أما الجانب الثاني فانصب على نقد مضامين التوجه الجديد لترامب من حيث إيجاد تصدع في جبهة التحالف الغربي ضدّ روسيا بسبب سياساتها تجاه أوكرانيا أو قضايا دولية أخرى، خصوصاً موضوع فرض الجمارك على دول حليفة مثل الاتحاد الأوروبي وكندا وغيرها، ثم القلق على مدى تماسك حلف الناتو وتوجهاته الجديدة، ناهيك عن تعميق الانقسام داخل الولايات المتحدة حول الموقف من روسيا وكندا وغيرهما.[2]

تفسير سياسة ترامب تجاه روسيا:

كثيراً ما تُربك “نقاط التحول Turning Point” في سياسة أيّ دولة، خصوصاً إذا كانت من الدول الكبرى، التحليلات السياسية لتفسير ذلك التحول، خصوصاً الذي لم تسبقه مقدمات بنيوية واضحة، فالعلاقة الأمريكية الروسية (وقبلها السوفييتية) اتَّسمت في اتجاهها الأعظم بالتنافس السلمي Competition أحياناً، والتنازع Dispute باستخدام الأدوات الناعمة للضغط المتبادل بقدر أكبر، والصراع Conflict باستخدام الأدوات الخشنة بشكل عام، فإذا استثنينا فترة الحرب العالمية الثانية، بظروفها الخاصة، وبعض التقارب النسبي خلال فترة ميخائيل جورباتشوف Mikhail Gorbachev وبوريس يالتسين Boris Yeltsin قبيل تفكك الاتحاد السوفييتي، فإن التنازع القطبي بين البلدين كان هو السمة المركزية في تفاعلات العلاقات الدولية المعاصرة.

لكن فترة تولي الرئيس ترامب (بداية 2017 – نهاية 2020) انطوت على قدر من تراجع حدة التنافس بين البلدين، وتعزز هذا التراجع مع عودة ترامب للرئاسة مرة ثانية في مطلع سنة 2025، فقد أبدى إعجابه المتكرر بشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين Vladimir Putin، وجرت اجتماعات بين مسؤولين أمريكيين وروس في السعودية بعيداً عن مشاركة أوروبية او أوكرنية، وعمل على إعادة روسيا لمجموعة السبعة G7، بل وأكد على الميل للتعاون الاقتصادي مع روسيا.[3]

ولتفسير هذا التحول الأمريكي تجاه روسيا، هناك ثلاث فرضيات سادت أدبيات العلاقات الدولية المعاصرة وهي:

الفرضية الأولى: العودة إلى النموذج الويستفالي Westphalian لمواجهة أعباء العولمة:

يُقر أغلب الباحثين في الشأن الأمريكي بصعوبة التصنيف الأيديولوجي للرئيس الأمريكي ترامب، لكنهم يميلون لربطه بتيار ما يسمى “اليمين البديل أو المحافظون القدامىPalo conservative الذي يجمع بين النزعة الأبوية المحافظة، والنزعة الوطنية (أو القطرية)، والأخلاق المسيحية، والنزعة الإقليمية والتي تعد من مكونات “اليمين التقليدي”، ويكاد أن يتمركز جمهور هذا التيار في الحزب الجمهوري. أما في السياسة الخارجية، فإن هذا التيار يركز على الحمائية Protectionism التجارية، ومعارضة العولمة، وضبط التدخل العسكري، وجعل المصلحة القومية تعلو غيرها.[4]

وعلى الرغم من اتّساع قاعدة التشابك في المصالح الدولية عبر وسائل الاتصال والمواصلات والتجارة الدولية والشركات متعددة الجنسية وبقية محركات تيار العولمة، فإن تيار “الدولة القطرية – القومية” بمنظورها الويستفالي ما زال له وزنه في الشأن الدولي، ويبدو أن ترامب وشريحة واسعة من المجتمع الأمريكي ونخبته الجمهورية ينتمون لهذا التيار الويستفالي، الذي يمكن رد جذوره التأسيسية إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي على يد الرئيس رونالد ريجان Ronald Reagan الذي تبنى شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، وهو ما شكّل قاعدة أولية للحركة السياسية التي أطلقها ترامب وأنصاره وهي حركة ماجا MAGA (Make America Great Again) سنة 2012، ثم أعاد إحياء هذه الحركة خلال الفترة 2015-2016 خلال حملاته الانتخابية لرئاسته الأولى.[5] وقد تأسست حركة ماجا على تصور بأن الولايات المتحدة كدولة “عظمى” فقدت هذه المكانة لثلاثة أسباب هي:

1. تسلل النفوذ الأجنبي لداخلها عبر الهجرة والتعددية الثقافية، وأصبحت الثقافات الفرعية أكثر تاثيراً سلبياً في تكامل الشخصية الأمريكية، ناهيك عن الأعباء الاقتصادية للمهاجرين، فقد ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة من 5 مليون سنة 1990 إلى نحو 11 مليون مع نهاية سنة 2022 بالإضافة إلى 36.9 مليون من العمالة المهاجرة.[6]

2. تغلغل آليات العولمة، وهو ما يعبّر عنه ترامب بشكل واضح بقوله “لقد أدت العولمة لثراء مفرط للنخب المالية التي تتبرع للسياسيين لخدمتها، بينما تركت الملايين من عمالنا بلا شيء سوى الفقر، كما تركت بلداتنا ومدننا بمصانع فارغة”، وأضاف “نحن نناضل من أجل الشارع الرئيسي، وليس وول ستريت. لقد رفضنا العولمة واعتنقنا الوطنية Patriotism”.[7] لذا تبنت الحركة ماجا رؤية سياسية تقوم على أساس نهج جديد يجعل من مصالح “أمريكا أولاً”، وتطالب بتقليل كبير من الهجرة إلى الولايات المتحدة، وخصوصاً من البلدان النامية، وتدعو إلى تشجيع أو فرض القيم الأمريكية التقليدية من منظور وطني، ولعل دعوة ترامب في سنة 2015 إلى “الإغلاق التام والكامل لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة” مؤشر على ذلك.[8]

3. البُعد الخارجي لتجسيد هذا التوجه “القُطري-الوطني”، فقد أصبح التوجه نحو النزعة الويستفالية يتزايد في الأدبيات الأمريكية، ولعل كتاب باتريك بوكانان Patrick Buchanan يمثل أول من طرح الموضوع بشكل موسع وتفصيلي خصوصاً تجاه روسيا، وهو ما يتضح في استراتيجية التحلل من أيّ التزامات تثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي، وضرورة الانتقال من النزعة الإمبراطورية إلى النزعة القومية أو الوطنية.[9] وتتضح هذه النزعة في رفض ترامب الاتساق مع المؤسسات الدولية التي يعدّها من آليات العولمة، مثل المحكمة الجنائية الدولية أو منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ وغيرها. كما تُحدد سياسته القوية في فرض التعريفات الجمركية تَشكُكه العام في المؤسسات المتعددة الأطراف، وهي الهيئات الدولية التي تعمل فيها بلدان مختلفة معاً لحل القضايا العالمية وتصميم القواعد والأطر العالمية. ويُعرف ترامب بسياسته المتمثلة في وضع “أمريكا أولاً” و”جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، والتي تستند إلى عدم الثقة في المؤسسات المتعددة الأطراف،[10] والانتقال في المواقف الأمريكية من قيادة التحالف الغربي لكبح التوجهات الروسية تجاه أوروبا بشكل خاص إلى الاصطفاف إلى جانب روسيا ضدّ المواقف الغربية الأخرى، كما يتضح في موضوع أوكرانيا. ويرى أنصار هذه الفرضية أن حجم ما قدمته الولايات المتحدة من مساعدات لأوكرانيا يفوق كثيراً ما قدمته أوروبا طبقاً لادّعاءات ترامب، فقد ذكر ترامب بأن الولايات المتحدة قدّمت “أكثر من 300 مليار دولار، وقدمت أوروبا نحو 100 مليار دولار، وهذا فرق كبير”، وهي أرقام شككت فيها مصادر بحثية أوروبية، بل إن بعضها أكد أن مجموع المساعدات الأوروبية يفوق المساعدات الأمريكية، لكن الضرورة تقتضي الإشارة إلى أن المساعدات الأمريكية في معظمها كانت على شكل “منح”، بينما أغلب المساعدة الاوروبية كانت على شكل “قروض”،[11] وهو ما يجعل العبء الأمريكي أكبر من العبء الأوروبي.

وتجسيداً لهذه الفرضية تمّ طرح توجهات أمريكية جديدة مع روسيا، مثل عدم تحميل روسيا مسؤولية الحرب في أوكرانيا، بل تحميل المسؤولية فيها للاتجاه السياسي الذي يتبناه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي Volodymyr Zelensky، وهو ما اتضح في المشادة التي أشرنا لها في البيت الأبيض في نهاية شباط/ فبراير 2025، والتي تضمنت التراجع الأمريكي عن استمرار تحمل عبء الدعم لأوكرانيا.

وما يعزز توجهات ترامب في هذا الشأن أنّ 54% من الجمهوريين ينظرون لموضوع أوكرانيا بتعاطف مقابل 84% من الديموقراطيين، ناهيك عن أن أغلب الجمهوريين في الكونجرس Congress يساندون توجهات ترامب، مما يعزز موقفه.[12]

وهناك وجهة نظر ترى أن التقارب مع موسكو، ولو بمستوى أقل، جرى زمن الرئيس السابق باراك أوباما Barack Obama ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون Hillary Clinton، لكن ما عطل هذا التقارب هو سيطرة روسيا على جزيرة القرم سنة 2014، ناهيك عن وقوع مشادة بين زيلينسكي والرئيس الأمريكي السابق جو بايدن Joe Biden،[13] وهو ما يعني أنّ موقف ترامب ليس انحيازاً لروسيا بمقدار ما هو تعبير عن المصلحة الأمريكية الوطنية. ويعزز وجهة النظر هذه أن إدارة ترامب الأولى اتَّخذت 52 سياسة عقابية ضدّ روسيا في ميادين سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية…إلخ، منها 8 إجراء سنة 2017، و30 إجراء سنة 2018، و14 إجراء سنة 2019.[14]

ويرى البعض خصوصاً في الدوائر الروسية أن هدف ترامب من سياسته تجاه أوكرانيا هو لتعميق الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة مستقبلاً، والاستجابة لضغوطها خصوصاً في الجوانب الأمنية والاقتصادية التي تهم الولايات المتحدة.[15]

خلاصة القول، أن هذه الفرضية تقوم على أساس أن سياسة ترامب تجاه روسيا هي تجسيد لنزعة محافظة تسعى لتجنب مواجهات عسكرية كبرى ومكلفة مع روسيا، وإخضاع أوروبا لمزيد من التنازلات لصالح أمريكا، وتعزيز المصالح الأمريكية القُطرية قبل أي مصلحة دولية أخرى، وتكييف التجارة الدولية والمؤسسات الدولية لصالح أمريكا، فهو معني بالدولة الأمريكية لا بالإمبراطورية الأمريكية.

الفرضية الثانية: نظرية المؤامرة:

تشكّل نظرية المؤامرة موضع نقاش واسع وتاريخي بين الباحثين والتيارات السياسية، ويعرف مايكل باركون Michael Barkun[16] المؤامرة بأنها خطة سرية يضعها عدد محدود من الأفراد لتغيير واقع معين، وقد تكون الخطة متعلقة بحدث معين (كالاغتيال) أو بنيوية (كتغيير عميق لنظام سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي)، أو ذات طابع ميتافيزيقي (أي أن قوى غيبية تتدخل في إحداث التغيير)، وتمثل فكرة العمل الاستخباراتي القائمة على تجنيد شخص ما لأداء مهمة كبرى في دولة معينة أبرز اشكال المؤامرات السياسية.

وعند النظر في توجهات أصحاب نظرية المؤامرة بخصوص التحول الأمريكي في العلاقة مع روسيا نجد توجهين هما:

1. من يرى في ترامب أصلاً أو ذخراً لروسيا Asset.

2. من يرى ترامب عميلاً لروسيا Agent.

ويميز أحد رواد هذا الموضوع بين الذخر أو الأصل وبين العميل، بأن الأول يعني استغلال دولة معينة “لنفوذ ومكانة شخص ما” في دولة أخرى للوصول لأهداف محددة من خلال ذلك الفرد، بينما العميل هو شخص يدرك بأنه يقدم معلومات حساسة أو سرية أو يتخذ مواقف غير مألوفة حول قضايا معينة استجابة لطلب من طرف آخر مقابل منافع معينة.[17]

وتتداخل المعطيات المتوفرة حول علاقة ترامب بروسيا إلى حدّ صعوبة تحديد الخط الفاصل بين دور الذخر وبين دور العميل، إذ تميل بعض الدراسات والتقارير، كما سنوضح، إلى أن هناك علاقة لترامب بالأجهزة الأمنية الروسية وأنها ذات طبيعة “فردية”، حسب تصنيفات باركون Barkun السابقة، أي أن ترامب “يعمل ومنذ فترة طويلة مع المخابرات الروسية”، وأن الروس تمكنوا من تجنيده مستغلين تضافر مؤشرات عدة هي:[18]

1. شخصيته التي يكشفها التقرير الذي وضعه 37 خبيراً نفسياً أمريكياً، إذ تبرز في شخصيته سمات عدة أهمها:

• أن لديه 8 سمات من مجموع 9 سمات “لمرض” النرجسية.

• جنون العظمة Paranoia.

• ارتفاع نسبة الكذب لديه.

• لا يولي القيم والأخلاق أيّ أهمية، فهو لا يرى الحياة إلا “صفقات”.

2. استغلال العلاقات المالية له ولأعوانه مع الروس لتحقيق أهداف سياسية.

3. تعدد القضايا القانونية المرفوعة ضده خلال فترته الأولى وما بعدها، فهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي يتعرض للمساءلة القضائية Impeachment مرتين حول موضوعات لها علاقة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ودور روسيا المباشر أو غير المباشر فيها، وهو ما يعزز احتمال وقوعه في الشَّرَكِ السوفييتي ثم توريث تلك العلاقة لروسيا.

ويمكن تحديد نظرية المؤامرة في حالة ترامب طبقاً للتتابع التالي الذي سندلل على كل خطوة فيه:[19]

1. في لحظات تعثر ترامب مالياً، عملت جهات روسية لإنقاذه من التعثر.

2. أن الكثير ممن ساعدوا ترامب في تعثره هم من “المافيات الروسية”.

3. أن المافيات استخدمت مشاريع ترامب كقناة “لغسيل الأموال”.

4. أن نسبة كبيرة من رجال المافيات الروسية هم على صلة بجهات روسية أهمها: الرئيس بوتين من ناحية، وأجهزة الاستخبارات الروسية من ناحية ثانية.

ونظراً للتداخل الشديد بين أبعاد الموضوع (الأمني والتجاري) وأطرافه (دول وأفراد وشركات)، فإننا سنورد الوقائع التي يستند لها أصحاب فرضية المؤامرة أو التواطؤ، فهم يرون أن العلاقة هي بين دولتين أولهما روسيا التي يقودها رئيس، بوتين، نشأ في جهاز أمني “كي جي بي KGB” وعمل فيه لفترة طويلة، وهو ما يجعله ميالاً لتوظيف خبرته في هذا الجانب،[20] يقابله رئيس أمريكي تسيطر عليه نزعته المالية الصرفة إلى جانب نرجسية مفرطة تجعله هدفاً استخبارياً. ويبدو أن هذه الثنائية هي التي دفعت هيلاري كلينتون لوصف ترامب بأنه “ألعوبة بيد بوتين”.[21]

ويستند أصحاب هذه الفرضية، طبقاً للمصادر والتقارير المشار إليها أعلاه، إلى مسألة منطقية وهي أن توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه دول العالم كله بما فيه حلفاء بلاده لا تتسق مع توجهات إدارته مع روسيا، وهو ما بدأ يقود إلى تصدع حاد في علاقات أمريكا وأوروبا وصلت آثاره إلى حلف الناتو، ثم يريد اقتطاع جرينلاند من الدنمارك ويستولي على قناة بنما Panama Canal ويريد ضمّ كندا، ويهدد حتى حلفاءه في الشرق الأوسط بالتلميح إلى ضرورة قبولهم آجلاً أو عاجلاً بخطته لتهجير سكان قطاع غزة، كما أن موقفه من الصين يصل إلى حدّ المواجهة التامة خلافاً لموقفه من روسيا. وقد دفعت مواقف ترامب إلى استهجان قادة دول أوروبية وازنة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا لهذه السياسة خصوصاً عند المقارنة مع موقفه الودي من روسيا، بل وسعيه لجر حلفائه نحو المساومة مع روسيا في أوكرانيا، وبكيفية توحي أن جوهر ما يدعو له هو الإذعان الأوروبي لروسيا، وهو ما يتضح في تعليقه بيع السلاح لأوكرانيا والطلب من وزارة الخارجية الأمريكية والخزانة الأمريكية قائمة الأفراد والكيانات الروسية الخاضعة للعقوبات لرفعها من القائمة، إضافة إلى ما ذُكر عن أن وزير الدفاع الأمريكي طلب من الهيئات السبرانية الأمريكية US Cyber Command (USCYBERCOM) وقف عملياتها الهجومية والدفاعية ضدّ روسيا،[22] على الرغم من أنّ هذه الهيئات كانت مصدراً للمعلومات عن علاقة ترامب بروسيا كما سنوضح.

فإذا أضفنا لكل ما سبق الملاحقات القانونية التي لاحقت ترامب منذ بروزه على الساحة السياسية، وكان أبرزها ملاحقات خاصة بمزاعم عن “صلات مشبوهة مع روسيا” وأدوار روسيا في نجاحه في المرة الأولى في الانتخابات الأمريكية، فإن الأمر يصبح شأناً يستحق متابعته من خلال عشرات المراجع والكتب والتقارير الصحفية.

واستناداً للمصادر التي أشرنا لها والخاصة بأصحاب فرضية المؤامرة نورد الشواهد التالية:

1. ترامب والاستخبارات الروسية:

يورد الكاتب كريغ أونجر Craig Unger في كتابه تحت عنوان “American Kompromat”،[23] والذي يقع في 352 صفحة والصادر سنة 2021،[24] تفاصيل مهمة عن علاقات ترامب بروسيا وصلاته مع رجل أعمال مريب هو جيفري إبستين Jeffrey Epstein الذي كان “تاجر جنس وممن أوصل بعض النساء إلى ترامب”.[25] ويستند أونجر بشكل واضح في أبرز موضوعاته على شهادات يوري شفيتس Yuri Shvets، الضابط الكبير في الاستخبارات السوفييتية، والذي أرسله الاتحاد السوفييتي إلى واشنطن في الثمانينيات من القرن الماضي، ليعمل تحت غطاء مراسل صحفي لوكالة الأنباء الروسية “تاس” Russian News Agency “TASS”،[26] ثم انتقل إلى الولايات المتحدة بشكل دائم في سنة 1993 وحصل على الجنسية الأمريكية، ثم عمل محققاً في أمن الشركات وكان شريكاً لألكسندر ليتفينينكو Alexander Litvinenko، الذي كان ضابطاً سابقاً في الأمن الاتحادي الروسي FSB، ثم فرَّ إلى بريطانيا واغتيل في لندن سنة 2006.[27]

وطبقاً لكتاب أونجر، فقد ذكر عميل المخابرات الروسية السابق يوري شفيتس، بأن دونالد ترامب كان بمثابة أصل أو ذُخر روسي على مدار 40 عاماً، وبأنه تكرار لمشهد حلقة التجسس البريطانية التي نقلت الأسرار إلى موسكو خلال الحرب العالمية الثانية وأوائل الحرب الباردة.[28]

وتكشف بعض التقارير كيف ارتبط ترامب بالروس في سنة 1977 من خلال علاقة مع عارضة أزياء تشيكية كان لوالدها علاقات مع جهاز المخابرات التشيكي (زمن السوفييت) واسمها إيفانا زيلنيكوفا Ivana Zelníčková، والتي أصبحت زوجة ترامب الأولى وأنجبت له ثلاثة أبناء. وفي تلك الفترة تمّ التنسيق بين المخابرات التشيكية والسوفييتية لاستثمار ترامب في نشاطاتهما، وما يثير الشكوك في علاقة ترامب بالروس هو سرعة انتقال ترامب لعالم الثراء خلال 3 أعوام إلى حدّ افتتاح أول مشروع عقاري كبير له وهو فندق جراند حياة نيويورك Grand Hyatt New York Hotel بالقرب من محطة جراند سنترال Grand Central Station.[29] وتشير التقارير إلى أن زوجة ترامب، إيفانا، تعرضت لاحقاً، في فترة التسعينيات من القرن الماضي، لاستجوابات من جهاز مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) Federal Bureau of Investigation (FBI) عن علاقاتها بأجهزة الأمن التشيكية.[30]

ومع أن العديد من الدراسات الأخرى عن علاقة ترامب بروسيا تشير إلى أن الاتصال الأول لترامب بجهات رسمية روسية تمّ خلال زيارة قام بها السفير السوفييتي لدى الأمم المتحدة آنذاك يوري دوبينين Yuri Dubinin إلى برج ترامب في سنة 1986،[31] فإن كتاب أونجر، من خلال شهادة شفيتس، يذكر أن الارتباط بدأ في الواقع قبل ست سنوات عندما اشترى ترامب 200 جهاز تلفزيون من سيميون كيسلين Semyon Kislin، المهاجر السوفييتي الذي شارك في ملكية شركة إلكترونيات جوي لود Joy-Lud Electronics، وهي شركة ذات صلة بالمخابرات الروسية، ووفقاً لشفيتس، كان كيسلين في الواقع عميلاً لجهاز المخابرات السوفييتي.[32]

وتبدأ مرحلة تعميق العلاقة بين ترامب والروس في سنة 1987، عندما زار ترامب وزوجته التشيكية كلّاً من موسكو وسان بطرسبرج، وخلال هذه الفترة تحول اتجاه رجال المخابرات الروسية إلى توجه جديد وهو محاولة زرع فكرة “الدخول إلى عالم السياسة” في عقل ترامب بعد دراسة شخصيته القابلة للنفاذ فيها من خلال جوانب ضعفها، وخصوصاً صفات ثلاثة شكلت المدخل لتجنيده وهي: الضعف الفكري، والخلل النفسي، وتلذذه المفرط بالإطراء عليه، وهي صفات تتطابق مع جوهر تقرير الخبراء في العلوم النفسية والاجتماعية الأمريكيين الذي أشرنا له أعلاه حول حالة ترامب النفسية.[33] وانصب التركيز لرجال المخابرات السوفييتية بشكل أساسي على نقطة محددة هي زرع فكرة تُشبع جنون العظمة لدى ترامب هي “أنه يجب أن يكون رئيساً للولايات المتحدة، فمثله هم القادة المؤهلون لقيادة العالم”، وهو ما دغدغ نرجسيته المرضية بشكل كبير، فبدأ يسعى لتعميق علاقاته بالحزب الجمهوري، وبدأ بعقد لقاءات وتجمعات انتخابية إضافة لنشر إعلانات انتخابية في أهم الصحف الأمريكية خصوصاً نيويورك تايمز The New York Times، وتضمنت إعلاناته التشكيك بجدوى حلف الناتو وبالعلاقة مع اليابان”، وبقي التواصل مع روسيا إلى أن جاءت انتخابات 2016 والتي فاز فيها، وتحقق التخطيط الروسي وأصبح ترامب رئيساً للولايات المتحدة.[34]

وبعد فوزه الذي سارعت روسيا للترحيب به، بدأت موجة عاتية من الاتهامات المباشرة والضمنية لاحتمال علاقة مشبوهة بين روسيا وترامب، وأورد تقرير لمركز صندوق العمل للتقدم الأمريكي The Center for American Progress Action Fund الذي وقف وراء إثارة مبادرة مشروع موسكوThe Moscow Project ،[35] أن فريق حملة ترامب كان لديهم اتصالات مع الروس (قدرت بنحو 272 اتصالاً)، وأنهم عقدوا اجتماعات مع عملاء روس (قدرت بـ 38 اجتماعاً). وتشير تقارير الصندوق إلى بعض المؤشرات مثل:[36]

أ. مساعدة روسيا لترامب مالياً خلال فترة ارتفاع الديون على مشروعاته الاستثمارية المختلفة. وكانت قناة تقديم المساعدات هي أفراد من الطبقة الأوليجاركية الروسية ذات الصلات الوثيقة بالكريملين Kremlin من ناحية وبسوق العقارات التي هي الميدان المفضل لترامب من ناحية أخرى.

ب. فتح المجال أمام أعوان ترامب للتواصل مع الشركات الروسية المملوكة للدولة، أو الشركات الروسية المختلطة (القطاع العام والخاص)، أو مع سفراء روسيا في واشنطن، أو مع بوتين نفسه.

ج. يضاف لما سبق وبقدر يتسق مع ما ورد في تقارير الصندوق، تكرار ترامب للإشادة بالرئيس الروسي بوتين، لقد نظر ترامب إلى بوتين منذ فترة طويلة باعتباره “مواطناً صالحاً، ولاعباً قوياً و”ذكياً للغاية” إلى الحد الذي كانت جهوده، طبقاً لترامب، فيها عبقرية أرهبت أوكرانيا وأجبرتها على تقديم تنازلات إقليمية، كما أن ترامب عدّ بوتين شخصاً يستحق الإعجاب والاحترام، على عكس زعماء حلفاء الولايات المتحدة التقليديين أو زعماء ألمانيا أو كندا أو فرنسا، الذين يُظهر لهم ترامب ازدراءه”.[37]

ويشير تقرير صندوق العمل للتقدم الأمريكي إلى 12 مؤشراً من مؤشرات الاستجابة من الرئيس ترامب لأهداف الرئيس الروسي بوتين وهي: إضعاف التحالف الغربي، ومساندة الحركات الأوروبية ذات العلاقة الجيدة مع روسيا، وإضعاف العلاقات التجارية الأمريكية مع العالم من خلال القيود الجمركية والعقوبات الاقتصادية، وتقليص الثقة باتساق واستقرار السياسة الخارجية الأمريكية، وتخفيض العقوبات على الاقتصاد الروسي، والمدح المستمر للرئيس بوتين بقدرٍ أدى لإضعاف التشكيك بشرعية النظام الروسي، واعتبار جزيرة القرم أراضٍ روسية، والتغاضي عن التدخل الروسي في الانتخابات في أوروبا وأمريكا، وإضعاف التيار الأكثر تشدداً في الحزب الجمهوري ضدّ روسيا، وإيجاد بعض الاضطراب في الاستقرار الداخلي الأمريكي، وتحسين صورة روسيا عالمياً، وأخيراً إضعاف الدعوات الأمريكية لموضوعات حقوق الإنسان والقانون الدولي.[38]

2. التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية:

يشكل تقرير مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي سابقاً روبرت مولر Robert S. Mueller الصادر في آذار/ مارس 2019، والذي يقع في جزأين من 448 صفحة، تحت عنوان “Report On The Investigation Into Russian Interference In The 2016 Presidential Election”،[39] المرجع الأهم لموضوع التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، ويتكون التقرير من مجلدين، يركز المجلد الأول على النتائج الواقعية لتحقيق المستشار الخاص في تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016 وتفاعلاتها مع حملة ترامب، وتمّ تقسيم هذا المجلد إلى خمسة أقسام؛ يصف القسم الأول نطاق التحقيق في الموضوع، بينما يصف القسمان الثاني والثالث الطرق الرئيسية التي تدخلت بها روسيا في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016، في حين يحاول القسم الرابع تحديد الروابط بين أعضاء في الحكومة الروسية والأفراد المرتبطين بحملة ترامب، وحدّد القسم الخامس قرارات الاتهام التي توصَّل لها المستشار الخاص روبرت مولر.

أما المجلد الثاني من التقرير فتركز مضمونه على تصرفات الرئيس ترامب تجاه مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلى جانب عرض تصرفات الرئيس تجاه تحقيق المستشار الخاص، مع عرضه الاعتبارات التي وجهت التحقيق في الاتهامات.

ويكشف التقرير طبيعة الجهات المدعية ضدّ ترامب، فهي جهات ذات وزن في المجتمع والدولة. ففي حزيران/ يونيو 2016، أعلنت اللجنة الوطنية الديموقراطيةThe Democratic National Committee (DNC) وفريق الاستجابة السيبرانية Cyber Response Team التابع لها بشكل علنيّ أنّ قراصنة روس اخترقوا شبكة الكمبيوتر الخاصة بها. وبدأت عمليات إصدار المواد المخترقة، التي سرعان ما نسبتها التقارير العامة إلى الحكومة الروسية، في الشهر نفسه.

وتبع ذلك، حسب التقرير، إصدارات إضافية عن الاختراقات من خلال ويكيليكس WikiLeaks في الشهور تموز/ يوليو، وتشرين الأول/ أكتوبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر. ويشير التقرير إلى أنه في أواخر تموز/ يوليو 2016، وبعد وقت قصير من إصدار ويكيليكس الأول للوثائق الخاصة بالموضوع، اتصلت “حكومة أجنبية” بمكتب التحقيقات الفيدرالي وأبلغته بشأن لقاء في أيار/ مايو 2016 مع مستشار السياسة الخارجية لحملة ترامب المدعو جورج بابادوبولوس George Papadopoulos، وأن بابادوبولوس أبلغ ممثل تلك الحكومة الأجنبية (لم يذكرها التقرير) بأن حملة ترامب تلقت مؤشرات من الحكومة الروسية بأنها يمكن أن تساعد الحملة من خلال نشر معلومات تضر بالمرشحة الرئاسية الديموقراطية هيلاري كلينتون. وقد دفعت هذه المعلومات مكتب التحقيقات الفيدرالي في 31/7/2016 إلى فتح تحقيق في ما إذا كان الأفراد المرتبطون بحملة ترامب ينسقون مع الحكومة الروسية في أنشطتها التدخلية. بعد ذلك أعلنت وكالتان فيدراليتان بشكل مشترك أن الحكومة الروسية “تقف وراء الاختراقات الأخيرة لرسائل البريد الإلكتروني لأشخاص ومؤسسات أمريكية، بما في ذلك المنظمات السياسية الأمريكية” بهدف التأثير على نتائج عملية الانتخابات الأمريكية. وبعد الانتخابات، في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2016، ناقشت الحكومة الأمريكية موضوع فرض عقوبات على روسيا لتدخلها في الانتخابات، وبحلول أوائل سنة 2017، كانت العديد من اللجان في الكونجرس تفحص تدخل روسيا في الانتخابات، كما أن السلطة التنفيذية، استناداً لما سبق اتخذت قراراً في أيار/ مايو 2017 بفرض عقوبات على روسيا بسبب تدخلها في الانتخابات.[40]

وعلى الرغم من أنّ التقرير المنشور على شبكة الإنترنت يحتوي على صفحات عديدة تمّ طمس محتوياتها باللون الأسود (يبدو أنها تشتمل على معلومات خطيرة وسرية)، إلا أنه يكشف عن 140 من اللقاءات والاتصالات بين فريق ترامب خصوصاً جاريد كوشنر Jared Kushner وغيره وبين أطراف روسية أو وكلاء لهم أو مع ويكيليكس، واللافت للنظر أن التقرير يميز بين معالجة الموضوع على أساس المؤامرة Conspiracy لا على أساس التواطؤ Collusion طبقاً للتمييز في القانون الفيدرالي الأمريكي،[41] ولذلك انتهى التحقيق إلى “أنه لم يثبت أن الاتصالات الموصوفة في المجلد الأول/ القسم الرابع كانت بمثابة اتفاق على ارتكاب أي انتهاك جوهري للقانون الجنائي الفيدرالي، بما في ذلك قوانين النفوذ الأجنبي وتمويل الحملات، وبالتالي، لم يتهم المكتب أي فرد مرتبط بحملة ترامب “بالتآمر” لارتكاب جريمة فيدرالية” أو أي جريمة أخرى، وينتهي التقرير للقول “وبناء على الوقائع والمعايير القانونية المعمول بها، فإننا غير قادرين على التوصل إلى هذا الحكم، وعليه، ففي حين أن هذا التقرير لا يخلص إلى أن الرئيس ارتكب جريمة، فإنه لا يبرئه أيضاً”، على الرغم من أن العديد من الفقهاء الأمريكيين يرون أن في الأمر مؤامرة.[42]

وفي آب/ أغسطس 2019، قدَّم مسؤول في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) Central Intelligence Agency (CIA)، شكوى إلى المفتش العام للاستخبارات الأمريكية، مايكل أتكينسون Michael Atkinson، زاعماً أنه في مكالمة هاتفية في 25 تموز/ يوليو مع الرئيس الأوكراني المنتخب حديثاً فولوديمير زيلينسكي، حاول ترامب ابتزاز وعد من زيلينسكي بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2020 نيابة عن ترامب. وعلى وجه التحديد، وفقاً للشكوى، ألمح ترامب بقوة إلى أنه لن يتم تقديم نحو 400 مليون دولار من المساعدات الأمنية التي فرضها الكونجرس لأوكرانيا ما لم ينفذ زيلينسكي طلبين، قدمهما ترامب قائلا: “أود منك أن تفعل لنا معروفاً رغم ذلك…”. كان الطلب الأول هو أن يبحث زيلينسكي عن خادم كمبيوتر تستخدمه اللجنة الوطنية الديموقراطية والذي يُفترض أنه تمّ إخفاؤه في أوكرانيا بعد أن حددت شركة أمن الإنترنت كراود سترايك CrowdStrike في سنة 2016 أنه تمّ اختراقه من قبل قراصنة مقرهم في روسيا. وبحسب نظرية مؤامرة كراود سترايك، التي نشأت كحملة تضليل شنتها روسيا، فإن الخادم المفقود يحتوي على أدلة على أن المتسللين كانوا في الواقع من أوكرانيا وأن الديموقراطيين وشركة كراود سترايك تآمروا لإلقاء اللوم زوراً على روسيا بشأن التدخل في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016.[43] وبسبب موقف مايكل أتكينسون الذي تابع موضوع التدخل الروسي، اتخذ ترامب قراراً بعزله لأنه “غير موثوق” حسب وصف ترامب.[44]

وبعد ذلك، نشر موقع ويكيليكس مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني التي خلصت التحقيقات اللاحقة منها إلى أن قراصنة روس سرقوا هذه الرسائل من حساب جون بوديستا John Podesta، مدير حملة هيلاري كلينتون.[45] وفي اليوم نفسه، أعلن مجتمع الاستخبارات الأمريكي علناً عن تقييمه بأن الحكومة الروسية وجهت جهود القراصنة لسرقة ونشر رسائل البريد الإلكتروني الحساسة للحزب الديموقراطي وغيرها من المعلومات من أجل تعزيز حملة ترامب وإضعاف الثقة العامة في المؤسسات الديموقراطية الأمريكية، بما في ذلك وسائل الإعلام الإخبارية. ورداً على ذلك، هاجم ترامب كفاءة ودوافع وكالات الاستخبارات الأمريكية وأصر على أن لا أحد يعرف حقاً من قد يكون وراء القرصنة. كما خلص تقرير سري لوكالة الاستخبارات المركزية مقدم إلى الكونجرس في كانون الأول/ ديسمبر وتمّ نشره في كانون الثاني/ يناير 2017، إلى أن الروس تدخلوا في الانتخابات من خلال سرقة ونشر رسائل البريد الإلكتروني للحزب الديموقراطي، ومن خلال حملة واسعة النطاق للتأثير العام، وتمّ استخدام حسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة وإيجاد الخلاف بين الأمريكيين.[46]

من جانب آخر، وجدت السمات الشخصية لترامب، والتي أشرنا لها، هوى لدى قطاع من مجتمعه البراجماتي، وهو أمر لم يغب عن خبراء خصوم الولايات المتحدة لاستثماره. ويبدو، طبقاً للمراجع المختلفة، أنّ الرئيس الروسي بوتين وجد ضالته في ترامب، خصوصاً أن بوتين رجل استخبارات محترف تلصص لفترة طويلة على خبايا أوروبا كلها، وإن كان تركيزه على الناتو بشكل أكبر، فكما جاء في مقال لمايكل موريل Michael Morell نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق في نيويورك تايمز سنة 2016 ما نصه “لقد غذّت التطورات في سياسات ترامب خلال فترته الأولى نظرية بين كبار الشخصيات السابقة في الاستخبارات الأمريكية مفادها أن بوتين زرع ترامب، ويستخدم خبرته كجاسوس للتأثير على الرئيس الأمريكي المستقبلي”. وأضاف موريل: “كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضابط استخبارات محترفاً، مدرباً على تحديد نقاط الضعف في الفرد واستغلالها. وهذا هو بالضبط ما فعله في وقت مبكر من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في سنة 2016، فقد استغل بوتين نقاط ضعف ترامب من خلال مجاملته، وجاءت استجابته طبقاً لحسابات بوتين تماماً”.[47] ويشير تقرير استخباري زمن الاتحاد السوفييتي إلى كيفية قيام المخابرات السوفييتية في سنة 1985 بتحديث استبيان شخصي سري تمّ توزيعه بين ضباطها، ويوضح التقرير وبشكل مفصل خطوات تحديد وتجنيد الشخصيات الغربية، مع تركيز الوثيقة على استهداف “شخصيات بارزة في الغرب” بهدف “استدراجهم إلى شكل من أشكال التعاون معها… كعميل، أو عبر اتصال سري أو خاص أو غير رسمي”.[48]

ومن المؤكد، طبقاً للمراجع،[49] أن الأمر لم يكن جهداً فردياً لبوتين بمقدار ما هو شبكة منظمة تديرها كي جي بي السوفييتية (الروسية لاحقاً)، ويسهم كل طرف فيها بدوره، وهو ما يتضح من مقال نشرته صحيفة كييف Kyiv اليومية الأوكرانية ونقل عن النور موساييف Alnur Mussayev الذي كان يعمل سابقاً في موسكو في المديرية السادسة لجهاز المخابرات السوفييتي “أنّ أهم نشاط للوحدة التي كان يعمل فيها هو تجنيد رجال أعمال من الدول الرأسمالية”. وأضاف نصاً “لقد جندت هذه الوحدة دونالد ترامب، الذي كان آنذاك رجل أعمال يبلغ من العمر 40 عاماً، ومنحته الوحدة اسما مستعارا هو كراسنوف Krasnov. وتعزز روايات أخرى هذه الهواجس، فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تولى موساييف رئاسة الاستخبارات ورئيس لجنة الأمن القومي الكازاخستاني خلال فترتين منفصلتين (1997-1998، و1999-2001) في عهد الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف Nursultan Nazarbayev، وأشار في أقواله إلى “أنّ دونالد ترامب وقع في فخ جهاز الأمن الفيدرالي الروسي وهو يبتلع الطعم بشكل أعمق وأعمق. ويتضح هذا من خلال العديد من الحقائق غير المباشرة المنشورة في وسائل الإعلام”، وأضاف أنّ “ترامب ينتمي إلى فئة “الأشخاص الذين يمكن تجنيدهم بشكل مثالي، لا سيّما أن موسكو لديها مواد للمساومة والابتزاز مع ترامب”.[50]

وفي سنة 2017، نشر ضابط الاستخبارات الخارجية السابق كريستوفر ستيل Christopher Steele، وهو من مؤسسي شركة أوربيس بيزنس إنتليجنس Orbis Business Intelligence، تقريراً تضمن مزاعم مفادها أنه في أثناء إقامة ترامب في موسكو لحضور أحد العروض، تمّ تصويره وهو في أوضاع جنسية فاضحة مع نساء روسيات، وتمّ ابتزازه بهذا الملف إلى جانب الغوايات المالية والتجارية، وفي كانون الثاني/ يناير 2017، عندما تولى ترامب منصبه لأول مرة، أشار تقرير استخباري رفعت عنه السرية من قبل وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي أن بوتين “أمر بحملة تأثير… لتقويض الثقة العامة في العملية الديموقراطية الأمريكية”، وإلحاق الضرر بمصداقية هيلاري كلينتون التي نافست ترامب على الرئاسة، لكن هذه الشهادة التي قدمها ستيل لاثنين من عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي كجزء من تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر في مؤامرة مزعومة بين حملة ترامب لسنة 2016 وروسيا، لم تعطِ النتائج المرجوة، وهو ما اتضح في أن مولر خلص من تحقيقاته في سنة 2019 إلى عدم وجود دليل على وجود مؤامرة إجرامية بين حملة ترامب لسنة 2016 وروسيا. وتعززت عملية التعمية للرقابة الأمريكية من خلال إقدام ترامب على التغيير الواسع للمدَّعين العامين بشكل قلّ نظيره.[51]

ومع ذلك، أثار بعض المسؤولين الأمريكيين مخاوف متكررة بشأن العلاقة الوثيقة والملتبسة بين ترامب وبوتين، وخصوصاً خلال فترة ولايته الأولى في منصبه، وهو ما عبّر عنه أنتوني سكاراموتشي Anthony Scaramucci، الذي شغل لفترة وجيزة منصب مدير الاتصالات في البيت الأبيض لترامب في سنة 2017، حيث أشار إلى المؤامرة خلال حلقة حديثة من الإصدار الأمريكي لبودكاست “والباقي سياسة” The Rest Is Politics US. فقد أشار سكاراموتشي إلى أنّ احترام ترامب لبوتين حيَّر العديد من كبار مسؤوليه السابقين، وأضاف “أعتقد أن هناك” سيطرة “غامضة على الرئيس”. ولم يوضح سكاراموتشي ماهية هذه “السيطرة” لكنه قال أنّ العديد من المسؤولين السابقين في إدارة ترامب، مثل إتش آر ماكماستر H.R. McMaster وجيمس ماتيس James Mattis وجون كيلي John Kelly، واجهوا أيضاً صعوبة في فهم تقارب ترامب مع بوتين. وأضاف سكاراموتشي أنّه لا يعرف لماذا الأمر على هذا النحو، وأنّ ماكماستر أو ماتيس أو كيلي لم يستطعوا معرفة ذلك. إلا أنّ موساييف أكّد أن بوتين أوكل ملف متابعة ترامب لأحد أهم المقربين له دون أن يذكر اسمه.[52]

فإذا أضفنا إلى كلّ ما سبق الجهات الأخرى التي تدعم فكرة العلاقة بين ترامب وروسيا، مثل ملف كريستوفر ستيل، والتقارير الصحفية خصوصاً ما نشرته نيويورك تايمز أو واشنطن بوست The Washington Post سنة 2017، وتقارير مختلفة من مكتب التحقيقات الفيدرالي أو بعض تقارير لجان الكونجرس أو شخصيات مناصرة لترامب أو من رجال الأعمال الذين لهم صلة به، يتضح لنا أسباب تعلق بعض الباحثين بنظرية المؤامرة.[53] كما ينسب كتاب أونجر إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايكل موريل وصفه لترامب بأنه “عميل غير متعمد unwitting” للروس، ووصفه مدير الأمن القومي السابق جيمس كلابر James Clapper بأنه “أصل استخباراتي فعلياً”، وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جون برينان John Brennan إن ترامب “في جيب بوتين بالكامل”. لذا فإن اتّهام شفيتس لترامب ليس  مفاجئاً حقاً.[54]

3. علاقات ترامب بدوائر مالية وتجارية في روسيا:

تشير المصادر المتوفرة إلى قضية ذات دلالة وهي متابعة الصلات بين مؤسسة أوبس داي Opus Dei (حبرية الصليب المقدّس وعمل الله) الكاثوليكية[55] وبين شخصيات مهمة في إدارة ترامب لها صلات بملفات الفساد المرتبطة بشخصيات مثل جيفري إبستين وجيسلين ماكسويل Ghislaine Maxwell، وتتمثل خطورة هذه الجمعية في أن العديد من المرشحين للعمل في إدارة الرئيس دونالد ترامب هم من الكاثوليك، وبعضهم من قادة اليمين الكاثوليكي الناشئ، فنائب الرئيس جيمس فانس، تحول إلى الكاثوليكية في سنة 2019، وتبنى سياسات الكاثوليك المحافظين ومن ذوي النزعات الفاشية، كما سعى العاملون السياسيون في اليمين الكاثوليكي الناشئ إلى الاستفادة من الحماسة التقليدية بشأن إصلاحات الكنيسة التي تهدف إلى بناء تحالف أوسع للقضايا القائمة على السياسة المحافظة.[56] واللافت في هذا الجانب هو تطور العلاقة بين هذه الجمعية، التي يغلب على نشاطاتها السرية، مع روسيا من ناحية ومع فريق ترامب من ناحية أخرى، وهو ما نبهت له المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس Kamala Harris خلال الحملة الانتخابية الأخيرة.[57]

وطبقاً للتقارير الغربية، فإن ترامب لا يعمل لوحده مع الروس، فقد تواترت الأخبار عن علاقات بين شخصيات أمريكية وازنة ممن يرتبطون بترامب مع روسيا، وممن يلعبون دوراً في غسيل الأموال للمافيات الروسية، وقد تمّ تقسيم هذه الارتباطات إلى ثلاثة أشكال:[58]

• ارتباط مباشر مع بوتين أو عبر السفير الروسي في واشنطن.

• ارتباط بشخصيات تشابكت مصالحها مع شركات وبنوك حكومية روسية.

• ارتباط بشخصيات ارتبطت بمصالح القطاع الخاص الروسي ولكن ضمن دائرة نفوذ بوتين أو أجهزته.

ويمكن التعرف على طبيعة العلاقة المالية بين ترامب وموظفيه وبين روسيا من خلال النماذج التالية:[59]

أ. دونالد ترامب: سافر ترامب إلى روسيا، وأجرى أعمالاً ربطته بمصالح روسية. على سبيل المثال، في سنة 2008، جرى بيع عقارات للملياردير الروسي دميتري ريبولوفليف Dmitry Rybolovlev، واشترى ترامب قصراً في بالم بيتش Palm Beach مقابل 41 مليون دولار، وبعد أقل من أربعة أعوام، ودون أن يستخدم القصر بأي شكل، باع ترامب القصر إلى ريبولوفليف مقابل 95 مليون دولار (أي كسب من هذه الصفقة المصنوعة نحو 54 مليون دولار). وفي اجتماع عُقد في أيار/ مايو 2017 في المكتب البيضاوي، قيل أنّه كشف عن معلومات سرية للغاية للسفير الروسي سيرجي كيسلياك Sergey Kislyak ووزير الخارجية سيرجي لافروف Sergei Lavrov، ومُنعت وسائل الإعلام الأمريكية من حضور هذا الاجتماع، ولكن سُمح لمصور روسي بحضور الجلسة، ونُشرت هذه الصور لاحقاً على وكالة الأنباء المملوكة للدولة الروسية.

ب. مايكل فلين Michael Flynn: في سنة 2017، طُلب من فلين، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب، الاستقالة بعد أسابيع فقط من أدائه اليمين الدستورية. جاءت استقالته بعد أن تسربت أنباء عن تضليله لنائب الرئيس مايك بنس Mike Pence بشأن اتصالاته مع المسؤولين الروس، وتحديداً السفير الروسي لدى الولايات المتحدة سيرجي كيسلياك، قبل تنصيب الرئيس ترامب. في هذه الاتصالات، ناقش فلين العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على روسيا، بينما كان الرئيس أوباما ما يزال في منصبه. وفي وقت سابق على ذلك، صرَّح بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى احترام حقيقة مفادها أن “روسيا لديها استراتيجيتها الخاصة للأمن القومي، وعلينا أن نحاول معرفة كيف نجمع بين استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة واستراتيجية الأمن القومي لروسيا”، مما أثار أسئلة مقلقة. واللافت أيضاً أنه في سنة 2015، ألقى فلين تصريحات في حفل أقيم في موسكو لتكريم قناة روسيا اليوم RT، الذراع الدعائية الروسية، حيث جلس بجوار بوتين. وقد قَبِل فلين مبلغ 33,750 دولاراً مقابل هذا الخطاب الذي ألقاه على قناة روسيا اليوم، ولم يبلغ بشكل صحيح عن المبلغ، وبالتالي أخفى تلقيه مبلغاً من حكومة أجنبية، وربما انتهك القانون في الوقت نفسه. واستمر فلين في الظهور على قناة روسيا اليوم كمحلل للسياسة الخارجية. وفي المجمل، تلقى فلين أكثر من 67 ألف دولار من شركات روسية قبل الانتخابات الرئاسية لسنة 2016.

ج. جيف سيشنز Jeff Sessions: أجرى سيشنز، المدعي العام للرئيس ترامب، محادثتين مع السفير كيسلياك خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2016. ومع ذلك، خلال جلسات تأكيد لاحقة، ادَّعى أنّه “لم يجر اتصالات مع الروس”، عندما طلب منه السناتور آل فرانكن Al Franken توضيح هذا الأمر، وبمجرد ظهور تقارير عن اجتماعاته مع كيسلياك، تنحى سيشنز عن مهمة التحقيق في تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016، مما جعل العديد من المسؤولين يطالبون باستقالته من منصبه كمدَّعٍ عام.

د. ريكس تيلرسون Rex Tillerson: عمل تيلرسون، وزيراً للخارجية مع الرئيس ترامب، وسبق أن عمل في مشاريع الطاقة في روسيا لمدة عقدين من الزمن في أثناء عمله في شركة إكسون Exxon. وقد وصف علناً “علاقته الوثيقة للغاية” بالرئيس بوتين، وحصل على وسام الصداقة الروسي في سنة 2013، وهو أعلى وسام دولة يمكن أن يُمنح لأجنبي.

هـ. جاريد كوشنير وعلاقاته مع سيرجي كوركوف Sergey Gorkov، مدير بنك التنمية الروسي الحكومي، تمثل نموذجاً آخر من هذه العلاقات المثيرة للريبة.

و. علاقة ترامب الابن Donald Trump Jr مع الملياردير الروسي إيمين أغالاروف Emin Agalarov، والذي زوَّد ترامب الابن بوثائق لإدانة هيلاري كلينتون خلال التنافس بينها وبين والده.

ز. بول مانفورت Paul Manafort: مدير حملة ترامب الأولى والذي اتُّهم بتلقّي أكثر من 12 مليون دولار من الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش Victor Yanukovych المؤيد لروسيا، إضافة إلى أنّه كان على صلة بضابط استخبارات روسي اسمه قنسطنطين كيليمنيك Konstantin Kilimnik، كما ارتبط بصفقات مع شركة ألومونيوم روسية، وهي الشركة التي يوليها بوتين عناية خاصة. وهو ما جعل قاضياً فيدرالياً يتهم مانفورت بالعمل ضدّ مصالح الولايات المتحدة.

ح. كارتر بيج Carter Page: وهو أحد المرتبطين بمصالح واسعة مع شركة غازبروم Gazprom الروسية، وعمل مستشاراً لحملة ترامب الأولى.

ط. تيفيك أريف Tevfik Arif: وهو مؤسس شركة بيروك Bayrock العقارية ذات العلاقات المتعددة مع ترامب. وهو شخص عمل لفترة طويلة في وزارة التجارة والصناعة السوفيتية.

ي. وولبير روس Wilbur Ross: وزير تجارة ترامب الذي ارتبط ببنك قبرصي تُشكل الودائع الروسية فيه مركز الثقل في نشاطات البنك.

واللافت للنظر أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي رفض في شباط/ فبراير 2017 طلباً من البيت الأبيض “بنفي” ما يُروَّج في العالم عن علاقات روسية مع رجال ترامب،[60] وهو ما يعزز فكرة أن ترامب يتدخل وبطرق مختلفة ومتعددة وبشكل واضح في مسار القضاء والتحقيقات لتعطيل الإجراءات الخاصة بعلاقاته المريبة مع الروس.[61] وقد أكد رئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق جون برينان John Brennan هذه المسألة في عدة مناسبات لا سيّما أن برينان نفسه كان من ضمن الذين أطاح بهم ترامب بعد ملاحظات ناقدة لبرينان.[62]

الفرضية الثالثة: إضعاف الصين:

تدل أدبيات ترامب السياسية على نزوع حادٍ للعمل ضدّ الصين، لذا فإن تقربه من روسيا يستهدف الإضرار بالصين طبقاً لهذه الفرضية، وتبدو توجهات ترامب في المظاهر التالية:[63]

1. نزوعه لجلب المزيد من القوات الأمريكية من الخارج لتحويل المواجهة مع روسيا باتجاه التضييق على الصين.[64] وهو ما يعيد إلى الاذهان محاولة الثنائي نيكسون Nixon وكيسنجر Kissinger التقارب مع الصين للتضييق على الاتحاد السوفييتي في فترة سبعينيات القرن الماضي. ويبدو أن ترامب يعتقد أن تخفيف اعباء المواجهة مع روسيا في أوكرانيا أو غيرها من المناطق يسهل على الولايات المتحدة إدارة معركتها القادمة مع الصين.

2. تشير العلاقات الروسية الصينية، خلال الفترة من سنة 2000 إلى الآن، إلى تطور واسع في العلاقة الروسية الصينية، فالتجارة بين البلدين تضاعفت تقريباً خلال فترة حكم الديموقراطيين 2020-2024، ويرى البعض أن ترامب يسعى للتأثير على تطور العلاقة الروسية الصينية من خلال منع هذا التطور من إضعاف المكانة الأمريكية في النظام الدولي وتكريس مركزيتها.

3. الافتراض بأن موسكو ربما تكون على استعداد لتعديل علاقاتها مع بكين، في ظلّ الحوافز المناسبة. ولكن هذا الافتراض ليس قوياً، فخلافاً لما كانت عليه الحال في أثناء الحرب الباردة، عندما كانت الخلافات الأيديولوجية تفصل بين الصين والاتحاد السوفييتي، فإن الشراكة الروسية الصينية اليوم مبنية على المعارضة المشتركة للهيمنة الغربية، ويستفيد البلدان من التعاون الاقتصادي، والتدريبات العسكرية المشتركة، والتنسيق الديبلوماسي في المؤسسات المتعددة الأطراف مثل مجموعة البريكس BRICS ومنظمة شنجهاي للتعاون Shanghai Cooperation Organization. ونظراً لهذه الحقائق، فإن احتمالات تخلي روسيا عن علاقاتها الوثيقة مع الصين في مقابل تنازلات أمريكية غير مؤكدة تظل ضئيلة.

لقد قامت الصين وروسيا بالفعل ببناء روابط استراتيجية واقتصادية وثيقة للغاية، وتحالفت الدولتان في محاولة الحد من هيمنة الدولار كعملة احتياطية وعملة رئيسية للتجارة، وعملتا على تعزيز المؤسسات البديلة للنظام الدولي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، ودعمتا شبكة متنامية من الدول المرتبطة معهما في جميع أنحاء العالم، من فنزويلا إلى فيتنام وإيران…إلخ.[65]

من جانب آخر، فإنّ استراتيجية ترامب ستضعف التحالف الغربي خصوصاً في ظلّ سياسات الجمارك والتضييق على ميزانيات دول الناتو لإنفاق المزيد على نفقات الحلف، وهو أمر قد يُوجِد شقاقاً بين أوروبا وأمريكا، بل وشقاقاً داخل الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يضعف الضغوط الأمريكية على الصين.

كذلك، من الضروري التنبه إلى أنّ الخلافات الروسية الأمريكية، على الرغم من التقارب في ملف أوكرانيا، ما زالت قائمة في مناطق أخرى في الشرق الأوسط وفي أمريكا اللاتينية وغيرهما، كما أن حجم التبادل التجاري بينهما متواضع جداً قياساً لحجم تجارة كل منهما مع الصين،[66] أي أن التقارب بين روسيا والولايات المتحدة هو تقارب تكتيكي لا استراتيجي، وهو محاولة لإضعاف العلاقات الروسية الصينية.

بالإضافة إلى ما سبق، يرى البعض أن ردة الفعل العنيفة الأمريكية على السيطرة الروسية على ما يزيد عن 20% من الأراضي الأوكرانية تغري الصين للقيام بعمل يساعدها على انتزاع تايوان في ظلّ التخلي الأمريكي عن الحلفاء، وهو ما سيجعل تايوان أقل ثقة بالمساندة الأمريكية لها في حالة وقوع تحرك عسكري صيني ضدها،[67] خصوصاً أنّ العلاقة بين الصين وتايوان مختلفة في خلفيتها التاريخية عن الموضوع الأوكراني، ناهيك عن أن تايوان دولة غير عضو في الأمم المتحدة، إلى جانب أن الولايات المتحدة قبلت بمبدأ صين واحدة بنظامين على غرار ما في هونج كونج، وهو أمر تدركه القيادة الصينية التي تَتَحيَّن الظرف المناسب لإعادة ضمّ تايوان. وهو ما يعني أن التقارب الأمريكي الروسي سيُزعزع مصداقية الولايات المتحدة أمام حلفائها، وهو ما يجعل تايوان أقل مقاومة لضغوط بكين، وبالتالي فإنّ العلاقة مع روسيا ستنتهي لصالح الصين من هذه الناحية.

وثمة وجهة نظر أخرى مخالفة، إذ ترى أن التحلل الأمريكي من الالتزام بأمن أوكرانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام هو للتفرغ لحماية تايوان من التهديد الصيني، وضمان تلكؤ روسي في دعم الصين في موضوع تايوان، وهو ما عبّر عنه بشكل ضمني كل من وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث Pete Hegseth ووزير الخارجية ماركو روبيو Marco Rubio.[68]

إنّ نقطة الضعف في هذه الاستراتيجية المفترضة هي أنّ ايجاد صدع في العلاقة الروسية الصينية يحتاج لفترة كافية من الزمن لإنجازها، خصوصاً أن عمق العلاقات الروسية الصينية الثنائية، وعبر التنظيمات الدولية مثل البريكس وشنجهاي، تحتاج لفترة أطول كثيراً من الأربع سنوات التي سيحكم فيها ترامب، وهو ما يجعل قدرة هذه الاستراتيجية على الاستمرارية موضع شك.

الخلاصة:

تبدو الفرضية الثالثة “فكّ العلاقة الروسية الصينية” هي الأضعف بين الفرضيات الثلاث، بينما تتوازى الفرضيتان الأخريان في وجاهة ركائزهما، فالفرضية الأولى المتمثلة في النزعة الوطنية واضحة المعالم في توجهات ترامب، ويشاطره قطاع مهم من المجتمع الأمريكي في العداء للعولمة، ويبدو أن النزعة البراجماتية في العقل الأمريكي تُعزِّز هذه الفرضية. لكن معطيات الفرضية الثانية، سواء أكانت بالمؤامرة أم بالتواطؤ، تمتلك شواهد ليس من اليسير رفضها، خصوصاً أنها من مصادر مختلفة، وذات معطيات يمكن أن يتم تبنيها، وتتعزز احتمالات هذه الفرضية بالمؤشرات العديدة التي أوردناها، خصوصاً طبيعة البناء السيكولوجي لترامب (النرجسية، وجنون العظمة، وارتفاع نسبة الكذب لديه، ثم ليس للقيم الأخلاقية أيّ قيمة لديه) من ناحية، كما أن الجهات التي تتبنى نظرية المؤامرة أو التواطؤ من ناحية ثانية هي جهات رسمية وأمنية وأكاديمية وقضائية محلية ودولية، كما أن الارتباك الذي صنعه ترامب من ناحية ثالثة في التحالف الغربي، واستعداء دولٍ مثل الاتحاد الأوروبي وكندا والدنمارك والمكسيك وجنوب إفريقيا…إلخ لا يجوز الاستهانة بدلالاته.

من جانب آخر، تميل التوجهات الروسية، ربما لدوافع ذاتية، إلى عدم المبالغة في “التحول” الأمريكي، خصوصاً أنّ القوى المعادية لروسيا في أوساط الحزب الجمهوري وبين الديموقراطيين والدوائر الاستخبارية تُلجم أي محاولة من ترامب للجموح في توجهاته نحو روسيا، ناهيك عن أنّ فترة ترامب لا تتجاوز 4 أعوام، وهي فترة قد لا تكفي للتحول الاستراتيجي في مجتمع مؤسسي كالولايات المتحدة.

ولعل العامل المشترك في كلّ ما تَمَكَّنتُ من الاطلاع عليه هو توصيف ترامب بأنه شخص يصعب التنبؤ بردات فعله، فهو طبقاً لأغلب الدراسات حوله شخص Unpredictable، وهو ما قد ينطوي على احتمال وقوع مفاجآت مختلفة لترامب نفسه أو لحكومته أو للمجتمع الأمريكي ذاته.


[1] خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونُشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المحكّمة.
[2] Trump’s Angry Meeting With Zelensky Prompts Reactions Worldwide, site of Foreign Policy magazine, 28/2/2025, https://foreignpolicy.com/2025/02/28/trump-zelensky-white-house-meeting-ukraine-global-reaction
[3] Trump’s Pivot Toward Putin’s Russia Upends Generations of U.S. Policy, site of The New York Times newspaper, 18/2/2025, https://www.nytimes.com/2025/02/18/us/politics/trump-russia-putin.html; Combative Trump Pulls His Punches for One Man: Putin, The New York Times, 11/8/2017, https://www.nytimes.com/2017/08/11/us/politics/combative-trump-pulls-his-punches-for-one-man-putin.html; and Trump’s Proposed Economic Rapprochement With Russia is Wrongheaded, Foreign Policy, 26/2/2025, https://foreignpolicy.com/2025/02/26/trump-russia-putin-sanctions-ukraine-war
[4] David Greenberg, An Intellectual History of Trumpism, site of POLITICO magazine, 11/12/2016, https://www.politico.com/magazine/story/2016/12/trumpism-intellectual-history-populism-paleoconservatives-214518
[5] MAGA movement, site of Britannica, https://www.britannica.com/topic/MAGA-movement
[6] Jeffrey S. Passel and Jens Manuel Krogstad, What we know about unauthorized immigrants living in the U.S., site of Pew Research Center, 22/7/2024, https://www.pewresearch.org/short-reads/2024/07/22/what-we-know-about-unauthorized-immigrants-living-in-the-us
[7] President Trump: ‘We Have Rejected Globalism and Embraced Patriotism’, site of The White House, 7/8/2020, https://trumpwhitehouse.archives.gov/articles/president-trump-we-have-rejected-globalism-and-embraced-patriotism
[8] MAGA movement, Britannica, https://www.britannica.com/topic/MAGA-movement
[9] Patrick J. Buchanan, A Republic, Not An Empire (USA: Regnery Publishing, 1999), pp. 7–25, 364 and 383–390.
[10] Trump is dismantling globalisation, one blow at a time, site of The Economic Times, 7/2/2025, https://economictimes.indiatimes.com/news/international/global-trends/trump-is-dismantling-globalisation-one-blow-at-a-time/articleshow/118022312.cms?from=mdr
[11] How much has the US given to Ukraine?, site of British Broadcasting Corporation (BBC), 1/3/2025, https://www.bbc.com/news/articles/crew8y7pwd5o
[12] Trump turns toward Russia, breaking with decades of U.S. policy, site of NBC News, 3/3/2025, https://www.nbcnews.com/news/us-news/trump-turns-russia-breaking-decades-us-policy-rcna194518
[13] Ibid.
[14] Alina Polyakova and Filippos Letsas, On the record: The U.S. administration’s actions on Russia, site of The Brookings Institution, 31/12/2019, https://www.brookings.edu/articles/on-the-record-the-u-s-administrations-actions-on-russia
[15] Trump’s Presidency Through Russia’s Eyes: Expectations, Calculations, Priorities, site of The Austrian Institute for International Affairs, 28/2/2025, https://www.oiip.ac.at/publikation/trumps-presidency-through-russias-eyes-expectations-calculations-priorities
[16] Michael Barkun, “Conspiracy Theories as Stigmatized Knowledge,” Diogenes journal, Cambridge University Press, vol. 62, no. 3–4, January 2024, pp. 114–118.
[17] US author explains Donald Trump’s Russia, KGB connections, The Kyiv Independent, site of YouTube, 26/2/2025, https://www.youtube.com/watch?v=YsIntuxmXf0
[18] Bandy X. Lee (editor), The Dangerous Case of Donald Trump: 27 Psychiatrists and Mental Health Experts Assess a President (USA: Thomas Dunne Books, 2017), pp. 5–12.
ويلاحظ أن عدد المشاركين في هذه الدراسة ارتفع من 27 إلى 35 ثم إلى 37، وهو ما يتضح من طبعات الكتاب المتعددة. وانظر أيضاً:
Craig Unger, American Kompromat: How the KGB cultivated Donald Trump and Related Tales of Sex, Greed, Power, and Treachery (Scribe Publications, 2021), passim; American Kompromat review: Trump, Russia, Epstein … and a lot we just don’t know, site of The Guardian newspaper, 7/2/2021, https://www.theguardian.com/us-news/2021/feb/07/american-kompromat-review-trump-russia-epstein-craig-unger; and Special Counsel Robert S. Mueller, “Report On The Investigation Into Russian Interference In The 2016 Presidential Election,” vol. 1 and 2, Washington, 2019, site of U.S. Department of Justice, https://www.justice.gov/archives/sco/file/1373816/dl?inline
[19] The Enduring Mystery of Trump’s Relationship With Russia, Foreign Policy, 30/10/2024, https://foreignpolicy.com/2024/10/30/enduring-mystery-trump-relationship-russia/#cookie_message_anchor
[20] تقدم إحدى دراسات شخصية بوتين تفاصيل وافية عن توجهاته وحياته، وهي ما يساند احتمال أن يكون وراء التواصل مع ترامب للعمل معه بطريقة استخبارية. انظر:
Masha Gessen, The Man Without a Face: The Unlikely Rise of Vladimir Putin (London: Granta Books, 2012), pp. 113 and 254.
[21] Joshua Keating, Why Trump’s embrace of Putin is different this time, site of Vox, 4/3/2025, https://www.vox.com/russia-ukraine/402389/trump-putin-russia-ukraine
[22] Ibid.
[23] يعود مصطلح Kompromat للغة الروسية، وهو يعني وقائع أو معلومات تستخدم لابتزاز جهة معينة.
[24] Craig Unger, American Kompromat: How the KGB cultivated Donald Trump and Related Tales of Sex, Greed, Power, and Treachery, passim.
[25] Jeffrey Epstein details close relationship with Trump in newly released tapes, The Guardian, 1/11/2024, https://www.theguardian.com/us-news/2024/nov/01/trump-jeffrey-epstein-tapes
[26] Frank Figliuzzi, How to stop Russia from recruiting the next Trump, site of MSNBC, 2/2/2021, https://www.msnbc.com/opinion/how-stop-russia-recruiting-next-trump-n1256331
[27] Alexander Litvinenko: KGB secret agent turned political dissident who lifted the lid on the Russian security services, The Independent online newspaper, 25/11/2006, https://web.archive.org/web/20110301032039/http://www.independent.co.uk/news/obituaries/alexander-litvinenko-425720.html
[28] الملاحظ أن تقارير صحفية غربية ناقشت ادعاءات أونغر حول معلوماته من خلال مصادرها. انظر:
‘The perfect target’: Russia cultivated Trump as asset for 40 years – ex-KGB spy, The Guardian, 29/1/2021, https://www.theguardian.com/us-news/2021/jan/29/trump-russia-asset-claims-former-kgb-spy-new-book
[29] ‘A very different world’ – inside the Czech spying operation on Trump, The Guardian, 29/10/2018, https://www.theguardian.com/us-news/2018/oct/29/czechoslovakia-spied-on-trump-to-exploit-ties-to-highest-echelons-of-us-power; How Russian Money Helped Save Trump’s Business, Foreign Policy, 21/12/2018, https://foreignpolicy.com/2018/12/21/how-russian-money-helped-save-trumps-business; Speculation about links to Russia: Was Donald Trump recruited by the KGB?, site of telegrafi, March 2025, https://www.telegrafi.com/en/Speculation-about-Russian-connections%3A-Donald-Trump-was-recruited-by-the-KGB/amp; and Mueller team asks about Trump’s Russian business dealings as he weighed a run for president, Cable News Network (CNN), 28/2/2018, https://edition.cnn.com/2018/02/27/politics/trump-russia-investigation/index.html
[30] FBI Releases Files on Ivana Trump, site of Bloomberg, 27/3/2023, https://www.bloomberg.com/news/articles/2023-03-27/fbi-releases-files-on-ivana-trump-former-president-s-first-wife
[31] Luke Harding, The hidden history of Trump’s first trip to Moscow, site of POLITICO Europe, 19/11/2017, https://www.politico.eu/article/donald-trump-russia-the-hidden-history-of-trumps-first-trip-to-moscow
[32] Matt Smith and Lance Williams, Russian-American business exec with ties to Trump is drawn into impeachment inquiry, site of Reveal, 5/10/2019, https://revealnews.org/article/russian-american-business-exec-with-ties-to-trump-is-drawn-into-impeachment-inquiry; and Stash Luczkiw, ‘Trump Recruited as Moscow Asset,’ Says Ex-KGB Spy Chief, site of Kyiv Post newspaper, 22/2/2025, https://www.kyivpost.com/post/47630
[33] انظر:
Bandy X. Lee (editor), The Dangerous Case of Donald Trump: 27 Psychiatrists and Mental Health Experts Assess a President (USA: Thomas Dunne Books, 2017), pp. 5–12.
[34] Luke Harding, The hidden history of Trump’s first trip to Moscow, POLITICO Europe, 19/11/2017.
[35] مشروع موسكو هو عبارة عن مشروع لم ينجز، وكانت فكرته تتمثل في بناء فندق ضخم باسم برج ترامب في موسكو، وأنكر بعض الأفراد ذوي العلاقة مع ترامب الموضوع بداية، لكنهم أقروا بوجود الفكرة في تحقيقات لاحقة. انظر:
Michael Cohen pleads guilty, says he lied about Trump’s knowledge of Moscow project, CNN, 29/11/2018, https://edition.cnn.com/2018/11/29/politics/michael-cohen-guilty-plea-misleading-congress/index.html
[36] Site of The Moscow Project, https://themoscowproject.org; The Case For Collusion, Chapter 1: Bailed Out By Russia 1987–2014, The Moscow Project, https://themoscowproject.org/collusion-chapter/chapter-1/index.html; The Case For Collusion, Chapter 2: Hybrid Warfare 1999–2016, The Moscow Project, https://themoscowproject.org/collusion-chapter/chapter-2/index.html; and The Case For Collusion, Chapter 3: Cultivating an Asset 2009–2013, The Moscow Project, https://themoscowproject.org/collusion-chapter/chapter-3/index.html
[37] Trump’s Pivot Toward Putin’s Russia Upends Generations of U.S. Policy, The New York Times, 18/2/2025.
[38] Max Bergmann, James Lamond and Talia Dessel, Putin’s Payout: 12 Ways Trump has Supported Putin’s Foreign Policy Agenda, The Moscow Project, 2/4/2019, https://themoscowproject.org/reports/putins-payout-10-ways-trump-has-supported-putins-foreign-policy-agenda/index.html
[39] قمنا بتلخيص التقرير وعرض أهم ما ورد فيه بشكل مختصر. انظر:
Special Counsel Robert S. Mueller, “Report On The Investigation Into Russian Interference In The 2016 Presidential Election,” vol. 1 and 2, Washington, 2019.
[40] Trump Russia affair: Key questions answered, BBC, 24/7/2019, https://www.bbc.com/news/world-us-canada-42493918
[41] ثمة جدل قانوني كبير بين الفقهاء الأمريكيين للتمييز بين التواطؤ والمؤامرة، يحدث التواطؤ عندما يتوصل طرفان أو أكثر، أحياناً بمصالح متناقضة، إلى اتفاق “لخداع” طرف آخر. أما المؤامرة فهي “اتفاق بين طرفين أو أكثر لارتكاب جريمة أو فعل غير قانوني لتحقيق هدف معين”. انظر حول هذا الجدل الفقهي:
Claire Scott, Collusion, conspiracy, and campaigns, site of Campbell Law Observer (CLO), 4/8/2017, https://campbelllawobserver.com/collusion-conspiracy-and-campaigns
[42] Special Counsel Robert S. Mueller, “Report On The Investigation Into Russian Interference In The 2016 Presidential Election,” vol. 1, p. 181 and vol. 2, p. 2, Washington, 2019.
لم يبدِ بعض الفقهاء قناعة بنتائج مكتب التحقيقات، وخصوصاً أن حكمه النهائي فيه بعض الالتباس كما ظهر في نص القرار. انظر:
Trump Russia affair: Key questions answered, BBC, 24/7/2019.
[43] Foreign relations in Donald Trump in Trump’s first presidential term, Britannica, https://www.britannica.com/biography/Donald-Trump/Foreign-relations#ref344665
[44] Natasha Bertrand and Andrew Desiderio, Trump fires intelligence community watchdog who defied him on whistleblower complaint, POLITICO, 3/4/2020, https://www.politico.com/news/2020/04/03/trump-fires-intelligence-community-inspector-general-164287
[45] 18 revelations from Wikileaks’ hacked Clinton emails, BBC, 27/10/2016, https://www.bbc.com/news/world-us-canada-37639370
[46] Foreign relations in Donald Trump in Trump’s first presidential term, Britannica, https://www.britannica.com/biography/Donald-Trump/Foreign-relations#ref344665; see Background to “Assessing Russian Activities and Intentions in Recent US Elections”: The Analytic Process and Cyber Incident Attribution, 6/1/2017, https://www.dni.gov/files/documents/ICA_2017_01.pdf
[47] Michael J. Morell, I Ran the C.I.A. Now I’m Endorsing Hillary Clinton., The New York Times, 5/8/2016, https://www.nytimes.com/2016/08/05/opinion/campaign-stops/i-ran-the-cia-now-im-endorsing-hillary-clinton.html; See also Ex-Soviet spy makes sensational KGB claim about Trump after Putin invites US President for meeting, site of The Economic Times, 25/2/2025, https://economictimes.indiatimes.com/news/international/global-trends/us-news-was-donald-trump-a-secret-russian-spy-in-1987-codename-krasnov-ex-soviet-spy-alnur-mussayev-makes-sensational-kgb-claim-putin-trump/articleshow/118555667.cms?from=mdr; The Trump Campaign Accepted Russian Help to Win in 2016. Case Closed, The New York Times, 19/8/2020, https://www.nytimes.com/2020/08/19/opinion/trump-russia-2016-report.html; G.O.P.-Led Senate Panel Details Ties Between 2016 Trump Campaign and Russia, The New York Times, 18/8/2020, https://www.nytimes.com/2020/08/18/us/politics/senate-intelligence-russian-interference-report.html; Digging Into Russia and the 2016 Election, The New York Times, 21/9/2018, https://www.nytimes.com/2018/09/21/opinion/letters/trump-russia-2016-election.html; and To Democrats, Email Hack Suggests Trump Has New Supporter: Putin, The New York Times, 26/7/2016, https://www.nytimes.com/2016/07/26/us/politics/kremlin-donald-trump-vladimir-putin.html
[48] Luke Harding, The hidden history of Trump’s first trip to Moscow, POLITICO Europe, 19/11/2017; and Charles Kaiser, Collusion: How Russia Helped Trump Win the White House by Luke Harding – review, The Guardian, 14/12/2017, https://www.theguardian.com/books/2017/dec/14/collusion-how-russia-helped-trump-win-the-white-house-by-luke-harding-review
[49] انظر في هذا الخصوص:
Luke Harding, Collusion: Secret Meetings, Dirty Money, and How Russia Helped Donald Trump Win (USA: Vintage, 2017), pp. 29–31, 75–80, 173–215, 209 and 276–303.
وتدل مصادر الكتاب على تنوع شديد من مقابلات وملفات خاصة ومراجع، كما أنه تواصل مع مسؤولين في أجهزة الاستخبارات المختلفة وبعض المستشارين لمجالس الأمن القومي لرئيسين أمريكيين ومؤرخين وأساتذة جامعات وصحفيين (انظر قائمة مصادره في الصفحات 337-338). كما تكشف بعض المراجعات للكتاب المذكور أن هناك تفاصيل يضيفها المراجعون للكتاب ذات أهمية حول الوقائع الواردة في الكتاب. انظر مثلاً:
Susan Sheu, Luke Harding: Collusion – Book Reviews, site of Cleaver Magazine, https://www.cleavermagazine.com/collusion-secret-meetings-dirty-money-and-how-russia-helped-donald-trump-win-nonfiction-by-luke-harding-reviewed-by-susan-sheu; Jack Izzo and Amelia Clarke, Examining claim Trump was recruited by KGB in 1987 and given codename ‘Krasnov’, site of yahoo!news, 2/3/2025, https://www.yahoo.com/news/examining-claim-trump-recruited-kgb-030000387.html; and US author explains Donald Trump’s Russia, KGB connections, The Kyiv Independent, YouTube, 26/2/2025, https://www.youtube.com/watch?v=YsIntuxmXf0
[50] Ex-Soviet spy makes sensational KGB claim about Trump after Putin invites US President for meeting, The Economic Times, 25/2/2025; Who is Alnur Mussayev? The former USSR KGB officer at the center of explosive Donald Trump ‘Russian spy’ allegations, The Economic Times, 23/2/2025, https://economictimes.indiatimes.com/magazines/panache/who-is-alnur-mussayev-the-former-ussr-kgb-officer-at-the-center-of-explosive-donald-trump-russian-spy-allegations/articleshow/118489046.cms?utm_source=contentofinterest&utm_medium=text&utm_campaign=cppst; and Stash Luczkiw, ‘Trump Recruited as Moscow Asset,’ Says Ex-KGB Spy Chief, Kyiv Post, 22/2/2025.
[51] Sam Tobin, Donald Trump wants London court to rule ‘Steele dossier’ sex claims are false, Reuters News Agency, 16/10/2023, https://www.reuters.com/world/uk/donald-trumps-lawsuit-over-steele-dossier-london-court-2023-10-16; and Spencer Ackerman, Sam Thielman and David Smith, US intelligence report: Vladimir Putin ‘ordered’ operation to get Trump elected, The Guardian, 6/1/2017, https://www.theguardian.com/world/2017/jan/06/vladimir-putin-us-election-interference-report-donald-trump
[52] The United States of Russia, The Rest Is Politics US, YouTube, 21/2/2025, https://www.youtube.com/watch?v=e1TsB3NTVGA; How Trump Won the White House: Collusion, Collapse, and Chaos (Ep 3), site of Audible, 30/9/2024, https://www.audible.com/podcast/How-Trump-Won-the-White-House-Collusion-Collapse-and-Chaos-Ep-3/B0DJ8D2BXY; and Leila Fadel, Arezou Rezvani and Obed Manuel, Historian Anne Applebaum breaks down what Trump’s alignment with Russia means, site of NPR, 24/2/2025, https://www.npr.org/2025/02/24/nx-s1-5304271/trump-russia-putin-history
[53] Bandy X. Lee (editor), The Dangerous Case of Donald Trump: 27 Psychiatrists and Mental Health Experts Assess a President, pp. 5–12; Craig Unger, American Kompromat: How the KGB cultivated Donald Trump and Related Tales of Sex, Greed, Power, and Treachery, passim; American Kompromat review: Trump, Russia, Epstein … and a lot we just don’t know, The Guardian, 7/2/2021; and Special Counsel Robert S. Mueller, “Report On The Investigation Into Russian Interference In The 2016 Presidential Election,” vol. 1 and 2, Washington, 2019, U.S. Department of Justice.
[54] Craig Unger, American Kompromat: How the KGB cultivated Donald Trump and Related Tales of Sex, Greed, Power, and Treachery, pp. 186–195; and Charles Kaiser, American Kompromat review: Trump, Russia, Epstein … and a lot we just don’t know, The Guardian, 7/2/2021, https://www.theguardian.com/us-news/2021/feb/07/american-kompromat-review-trump-russia-epstein-craig-unger
[55] مؤسسة أوبس داي Opus Dei (حبرية الصليب المقدّس وعمل الله) هي مؤسسة سرية كاثوليكية تأسست سنة 1928، ترتبط جذورها بالفاشية الإسبانية، وهي نشطة في بعض المجالات في الولايات المتحدة مثل التغلغل في الجهاز القضائي لتعيين القضاة الذين تراهم الأنسب لنشاطاتها. انظر التفاصيل في:
Opus Dei – Roman Catholic organization, Britanica, https://www.britannica.com/topic/Opus-Dei
[56] Gareth Gore, Revealed: How Opus Dei has flourished in the era of Trump, site of Financial Review newspaper, 8/10/2024, https://www.afr.com/world/north-america/revealed-how-opus-dei-has-flourished-in-the-era-of-trump-20241004-p5kfyn
[57] Opus Dei in the Heart of Russia, site of Opus Dei, https://opusdei.org/en/article/opus-dei-in-the-heart-of-russia; Matthew Fox, Robert Hanssen, Opus Dei, and the Opposite of Generosity, site of Daily Meditations With Matthew Fox, 7/6/2023, https://dailymeditationswithmatthewfox.org/2023/06/07/robert-hanssen-opus-dei-and-the-opposite-of-generosity; and Kevin Roberts, architect of Project 2025, has close ties to radical Catholic group Opus Dei, The Guardian, 26/7/2024, https://www.theguardian.com/us-news/article/2024/jul/26/kevin-roberts-project-2025-opus-dei
[58] Craig Unger, House of Trump, House of Putin: The Untold Story of Donald Trump and the Russian Mafia (USA: Dutton, 2018), passim; Oren Dorell, Trump’s business network reached alleged Russian mobsters, site of USA TODAY, 28/3/2017, https://www.usatoday.com/story/news/world/2017/03/28/trump-business-past-ties-russian-mobsters-organized-crime/98321252; and Ray Locker, New book looks into ties between Donald Trump, Russia, but there’s more smoke than fire, USA TODAY, 14/8/2018, https://www.usatoday.com/story/life/books/2018/08/14/craig-unger-book-ties-vladimir-putin-donald-trump-russia/949482002
[59] Russia: Trump & His Team’s Ties, site of Congressman Eric Swalwell, https://swalwell.house.gov/issues/russia-trump-his-administration-s-ties; and Trump admits son met Russian for information on opponent, BBC, 6/8/2018, https://www.bbc.com/news/world-us-canada-45079377
[60] Jim Sciutto, Evan Perez, Shimon Prokupecz, Manu Raju and Pamela Brown, FBI refused White House request to knock down recent Trump-Russia stories, CNN, 23/2/2017, https://edition.cnn.com/2017/02/23/politics/fbi-refused-white-house-request-to-knock-down-recent-trump-russia-stories/index.html
[61] يكشف مايكل شميدت في كتابه الضخم (متن الكتاب يقع في نحو 420 صفحة) أشكالاً مختلفة من الضغوط التي مارسها ترامب على القضاة والشهود والمحققين وموظفي البيت الأبيض ووسائل الإعلام بهدف عرقلة إجراءات البحث في الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية أو في بعض علاقاته أو تواصله مع شخصيات روسية خصوصاً الرئيس بوتين، بل إنه كان يطلب من مستشاريه مغادرة المكتب عند تواصله مع الرئيس الروسي. انظر التفاصيل في:
Michael S. Schmidt, Donald Trump v. The United States: Inside the Struggle to Stop a President (USA: Random House, 2020), passim.
[62] John Brennan: President Trump’s Claims of No Collusion Are Hogwash, The New York Times, 16/8/2018, https://www.nytimes.com/2018/08/16/opinion/john-brennan-trump-russia-collusion-security-clearance.html
[63] Vita Golod, What Trump’s Tilt Toward Russia Means for China, site of The Diplomat, 21/2/2025, https://thediplomat.com/2025/02/what-trumps-tilt-toward-russia-means-for-china; and Hasim Turker, Trump’s Russia Strategy: Breaking the Sino-Russian Alliance or Strengthening It?, site of Geopoliticalmonitor.com, 23/2/2025, https://www.geopoliticalmonitor.com/trumps-russia-strategy-breaking-the-sino-russian-alliance-or-strengthening-it
[64] Trump’s Pivot Toward Putin’s Russia Upends Generations of U.S. Policy, The New York Times, 18/2/2025.
[65] Joshua Kurlantzick, Trump’s Abrupt Turn to Russia—and Whether a U.S. —Russia Team Could Gain Any Sway in South and Southeast Asia, site of Council on Foreign Relations, 19/2/2025, https://www.cfr.org/article/trumps-abrupt-turn-russia-and-whether-us-russia-team-could-gain-any-sway-south-and
[66] Trade in Goods with Russia, site of U.S. Census Bureau, https://www.census.gov/foreign-trade/balance/c4621.html
[67] Trump’s abrupt change of US policy on Ukraine raises questions about Taiwan support, site of The Associated Press (AP), 24/2/2025, https://apnews.com/article/trump-china-taiwan-ukraine-russia-6c0cc111c1442e732c5a718c13e2df79
[68] Ibid.

للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة علمية: ترامب وإشكالية التحول في العلاقات الروسية الأمريكية … أ. د. وليد عبد الحي (33 صفحة، 8.1 MB)

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 28/3/2025



جميع إصدارات ومنشورات المركز تعبّر عن رأي كتّابها ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات



المزيد من الأوراق العلمية: