مدة القراءة: 6 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت حلقة نقاش عبر نظام مؤتمرات الفيديو، تحت عنوان ”انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على القضية الفلسطينية“، وذلك يوم الأربعاء 16 آذار/ مارس 2022. حيث استضاف أربعة من الخبراء الذين قدموا أوراق عمل متخصصة، بحضور ومشاركة عشرات الباحثين والخبراء المتخصصين في الشأن الفلسطيني والعربي والدولي.




لمشاهدة فيديو فعاليات حلقة النقاش، اضغط على الرابط التالي:
>> تسجيل فيديو فعاليات حلقة النقاش ” انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على القضية الفلسطينية”





افتتح مدير مركز الزيتونة الأستاذ الدكتور محسن محمد صالح حلقة النقاش، الذي رحَّب بالحضور، ورأى أن الحرب الروسية الأوكرانية تحمل فرص تغيّرات دولية سياسية واقتصادية وجيوسياسية قد تنعكس على القضية الفلسطينية.

البداية كانت مع الأستاذ علي البغدادي المتخصص في الشؤون الروسية، الذي استهلّ مداخلته بالحديث عن السياق التاريخي والعوامل التي أدّت إلى نشوب الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت في 24/2/2022. ومن أبرز هذه العوامل محاولة روسيا استعادة نفوذها الذي فقدته، بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي؛ ومخاوفها الناتجة عن انضمام العديد من دول أوروبا الشرقية إلى حلف الناتو؛ وهو ما يحاول الغرب أن يستكمله مع حالة أوكرانيا.

وأضاف أن هذا الواقع الذي نشأ خلال حالة الضعف الروسي بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي، أصبح من غير المقبول السكوت عنه روسياً؛ بعد مرحلة إعادة البناء العسكري والتعافي الاقتصادي. وقد رأينا صور التحول في التعاطي مع هذه المسألة، من خلال تدخلها العسكري في جورجيا سنة 2008، وضمّها شبه جزيرة القرم ودعمها انفصاليي أوكرانيا سنة 2014، وتدخلها العسكري إلى جانب النظام السوري منذ أيلول/ سبتمبر 2015.

وفيما يتعلق بانعكاس الحرب الروسية الأوكرانية على القضية الفلسطينية، تناول البغدادي السياسة الإسرائيلية الخارجية في التعاطي مع هذه الحرب، حيث رأي أن هذه السياسة بدى عليها الارتباك؛ فـ”إسرائيل” تحاول أن تلعب دور الوساطة بين طرفي النزاع، وذلك لاعتبارات عدة، منها وجود نحو مليون يهودي إسرائيلي من أصول روسية، وكذلك وجود نحو 600 ألف يهودي يعيشون في كل من روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى طبيعة العلاقة مع الجانب الروسي فيما يتعلق بالتفاهمات المرتبطة بالملف السوري. في المقابل، فإن الجانب الإسرائيلي رأى أن السلوك الأمريكي الحذر والمتردد في تقديم الدعم العسكري للحكومة الأوكرانية، ربما يُمّثل دافعاً مهماً لتشكيل منظومة أمنية إقليمية، تضم إلى جانب “إسرائيل” كل من الإمارات العربية المتحدة وغيرها.

أما فيما يتعلق باستغلال “إسرائيل” لهذه الحرب، فرأى البغدادي أن ذلك يتمثل من خلال استقطاب يهود أوكرانيا، الذين يقدر عددهم من 150 ألف إلى 200 ألف يهودي، وتشجيعهم على الهجرة إلى الكيان الإسرائيلي، والعمل على توطينهم من خلال إنشاء مستعمرات لهم في منطقة النقب وفي الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.

ثم تحدث الأستاذ حسام شاكر، المتخصص في الشؤون الأوروبية، الذي رأى أن الحرب في أوكرانيا ربما سينتج عنها تحولات تاريخية، سواء فيما يتعلق بالعلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة من جهة أم فيما يتعلق بالعلاقة بين أوروبا وروسيا من جهة أخرى. أما فيما يتعلق بالعلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة، فقد ظهرت بشكل واضح علاقة التبعية الأوروبية لأمريكا، خصوصاً من خلال المظلّة الأمنية العسكرية التي تؤمنها واشنطن لأوروبا من خلال حلف الناتو، ولا يمكن أن نغفل النفوذ الأمريكي المتعمّق والمتجذِّر داخل دول شرق ووسط أوروبا.

أما فيما يخص العلاقة الأوروبية الروسية، فقد أدت الحرب إلى فشل الرهان الأوروبي القائم على إدماج واستيعاب روسيا في المنظومة الأوروبية، والذي لا يحظى بالرضى الأمريكي.

وفيما يتصل بانعكاس الحرب على القضية الفلسطينية، رأى شاكر أن التعاطي الغربي مع تداعيات الحرب والخطابات الغربية أعطى صورة واضحة ليس فقط عن ازدواجية المعايير، بل عن حقيقة من يقرر المعايير ويصادرها؛ وهنا أصبح التعاطي مع مقاومة الاحتلال الروسي مختلفاً تماماً مع طريقة التعاطي مع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وليس هناك حديث عن أزمة لاجئين بالنسبة للأوروبيين، في المقابل، هناك تجاهل لمسألة ارتفاع أسعار الغاز وتأييد للاستغناء عن الغاز الروسي، وهناك رغبة أوروبية بعدم فتح جبهات أو أزمات أخرى. وقال شاكر إن من أجواء الحرب في أوكرانيا أسهمت ولو مؤقتاً في تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لكن من الممكن أن يكون صعود النفوذ الروسي في إطار إعادة التوازن للنظام الدولي، في حال خرجت قوية من نتائج هذه الحرب، عاملاً مساعداً يصبُّ في مصلحة القضية الفلسطينية، ويشكل فرصة من الممكن استغلالها.

وقد دعا شاكر الجانب الفلسطيني إلى ابتكار مبادرات لاستنهاض وتحريك ملف القضية الفلسطينية، من خلال تحرك نوعي، يؤدي إلى خلط الأوراق وإعادة الاعتبار للموضوع الفلسطيني، خصوصاً مع تشكّل حالة غليان في الشارع الفلسطيني، نتيجة الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية؛ ما دفع الجانب الإسرائيلي إلى تعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.

أما الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، أستاذ الدراسات المستقبلية، فأكد في مداخلته أنه لم يتفاجأ من حدوث هذه الحرب؛ فهو توقع هذا المسار في دراسة أعدها سنة 2014.

وفيما يتصل بانعكاسات الحرب على القضية الفلسطينية، فقد رأى أن “إسرائيل” تعمل على الاستفادة من الحرب من خلال استقطاب المهاجرين اليهود من أوكرانيا، واستخدام نفوذها من خلال الضغط على بعض الدول لرفض استقبال اليهود الأوكرانيين من أجل دفعهم للتوجه إلى “إسرائيل”، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تؤكد أن 65% من اليهود الأوكرانيين يفضلون الذهاب إلى أوروبا وكندا وأستراليا بدلاً من الذهاب إلى “إسرائيل”.

وتوقع أن تؤدي هجرة يهود أوكرانيا إلى “إسرائيل” إلى زيادة وتيرة الاستيطان؛ وهو ما قد ينتج عنه ارتفاع منسوب المواجهات مع الفلسطينيين. وتحدث عبد الحي عن حالة التعارض بين فكرة سياسة الحياد تجاه الحرب الأوكرانية، التي يؤيدها اليهود الإسرائيليون مقابل سياسة الانخراط الإسرائيلي من جانب الحكومة، من خلال مساعي الوساطة (رئاسة الحكومة) بين الطرفين الروسي والأوكراني (دبلوماسية السلام)، ومن خلال إطلاق مواقف (وزارة الخارجية) ضدّ الغزو الروسي لأوكرانيا. ومع استمرار الحرب تصبح مسألة الحياد أكثر صعوبة لاعتبارات أمريكية وإسرائيلية.

ولاحظ عبد الحي أن هناك ظاهرة يمكن الاستفادة منها والبناء عليها فلسطينياً، وهي مسألة معالجة الإعلام الغربي للموضوع الفلسطيني خلال هذه الحرب، حيث تم رصد أكثر من 200 مقال تم نشره في صحف غربية، خلال فترة الحرب، تشير إلى مسألة ازدواجية المعايير في التعاطي مع القضية الفلسطينية مقارنة بطريقة التعاطي مع الحرب في أوكرانيا.

وقد دعا عبد الحي إلى تصعيد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما سوف يشكل حالة ضغط على الجانب الإسرائيلي، كما أنه سوف يغير رأي اليهود الأوكرانيين الذين قد يفكرون بالهجرة إلى “إسرائيل”.

ورأى عبد الحي أن “إسرائيل” استغلت الحرب في أوكرانيا، في التعاطي مع الملف السوري، فقد تم رصد قيام “إسرائيل” بشن 11 هجوماً عسكرياً في الأراضي السورية خلال الفترة 24/2/2022-10/3/2022، مقابل ما معدّله أربع هجمات قياساً للمدة الزمنية نفسها في الفترات التي سبقت الحرب؛ أي أن وتيرة الهجمات قد ازدادت. ونبّه إلا أن الملف السوري ربما يتأثر مستقبلاً بتداعيات ونتائج الحرب الأوكرانية. وتوقع عبد الحي أن تكون هناك تداعيات للحرب على الجانب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ خصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط وأسعار السلع الغذائية، وتراجع الدعم المالي الأوروبي للسلطة الفلسطينية.

وفي مداخلة الدكتور رائد نعيرات أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، أشار إلى أن استمرارية وتطور الحرب في أوكرانيا والتداعيات التي ستنتج عنها، سوف تحدد مدى وطبيعة الانعكاسات على القضية الفلسطينية. وقال إن هناك مجموعة من التأثيرات والانعكاسات وهي: استمرار وزيادة تهميش القضية الفلسطينية، وتركيز الإعلام العالمي والعربي على الحرب في أوكرانيا، وهو يضاف إلى حالة التهميش الناتجة عن توقيع اتفاقيات التطبيع الأخيرة، والانشغال بجائحة كورونا خلال الفترة الماضية. واختلال توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة غياب القوى الوازنة (مصر وسوريا) مقابل بروز دور دول الخليج العربي وهو ما انعكس على مسار القضية الفلسطينية، وهذا الخلل مرشح للازدياد نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وهو ما قد يؤدي إلى تعزيز دور دول الخليج العربي المنتجة للنفط، مقابل تراجع دور الدول الأخرى.

أما فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني، فأشار نعيرات إلى حالة التراجع الاقتصادي التي تعاني منها السلطة الفلسطينية نتيجة تراجع الدعم الأوروبي لها، وهو ما انعكس في مشكلة دفع رواتب موظفي السلطة، وترافق ذلك مع حالة الغلاء في أراضي السلطة (شبه انهيار اقتصادي)، وعدم القدرة على رفع أسعار السلع التي ارتفعت عالمياً نتيجة الحرب؛ وهو ما يمكن أن يدفع السلطة نحو طلب المساعدة المالية من “إسرائيل”، كما حصل خلال أزمة كورونا، أو طلب المساعدة من دول الخليج العربي.

وفي حالة المقاومة الفلسطينية، أشار نعيرات إلى أن المقاومة ممكن أن تستلهم دروساً من الحرب الأوكرانية؛ وهو ما تمثّل في الدور التي لعبته الطائرات المسيرة (بيرقدار التركية) في الحرب، مع تراجع قدرات الجيش النظامي الأوكراني، وفقدان السيطرة على مؤسسات الدولة.

وتحدث نعيرات عن انعكاس الحرب على سلوك كل من “إسرائيل” وتركيا وإيران كدول إقليمية في منطقتنا؛ فكل دولة سوف تتعاطي في الإقليم وفق مصالحها ووفق المتغيرات الناتجة عن الحرب في أوكرانيا. وأضاف أنه مع استمرار الحرب في أوكرانيا، فإن “إسرائيل” سوف تتخذ مواقف أكثر انحيازاً للولايات المتحدة، ما سوف ينعكس على علاقتها مع روسيا.

وقد كان هناك مداخلات قيّمة للأساتذة المشاركين بحلقة النقاش وهم: فؤاد بسيسو، وهدى نعيم، وزياد ابحيص، وأمين حطيط، وياسر فتحي، وعمرو درّاج، وكامل حواش، وبشار الشلبي، ووليد محمد علي، وعبد الجبار سعيد، وسعيد بشارات، وعمر رحال، ومحمد مشينش، وعبد الستار رجب، وياسر علي، وخالد كمال هنية. ومن أبرز الخطوط التي ناقشتها هذه المداخلات:

– انعكاس ما يحدث اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً يرتكز على قدرتنا على التعامل مع نتائج الحرب.
– الذهاب الفلسطيني نحو المواجهة والتصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي في هذه المرحلة، هو فرصة للحصول على أكبر قدر من التنازلات الإسرائيلية.
– ضرورة إيجاد خطاب فلسطيني متطور يتناسب مع تطورات الأحداث في العالم.
– ضرورة تفعيل الضغوط القائمة على المقارنات، الحالة الفلسطينية مقابل الحالة الأوكرانية، واستثمار أكبر للإعلام.
– “إسرائيل” استغلت الانشغال العالمي بالحرب الأوكرانية لممارسة انتهاكات وتنفيذ اعتداءات ضدّ الفلسطينيين.



 

 



مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 17/3/2022