مدة القراءة: 5 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الأربعاء 12 كانون الثاني/ يناير 2022، حلقة نقاش على مدى جلستين بعنوان: “قضية فلسطين: تقييم استراتيجي 2021 – تقدير استراتيجي 2022” وهي حلقة نقاش دأب المركز على عقدها مطلع كل عام. وقد شارك في حلقة النقاش نخبة من المتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني.



لمشاهدة فيديو فعاليات حلقة النقاش، اضغط على الرابط التالي:
>> تسجيل فيديو فعاليات حلقة النقاش ” قضية فلسطين: تقيِيم استراتيجي 2021 – تقدير استراتيجي 2022″




وفي الجلسة الأولى، التي ترأسها الأستاذ عاطف الجولاني، ناقش المشاركون خلالها المحور الفلسطيني الداخلي، والأوضاع في القدس المحتلة، والمحور الإسرائيلي الداخلي، ومسار التسوية السلمية.

وفي إطار حديثه عن الوضع الفلسطيني الداخلي، أكد أ. ساري عرابي استمرار أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، وغياب البرنامج الوطني الذي يضبط الثوابت ويدير المرحلة. كما لاحظ استمرار تدهور مكانة منظمة التحرير ومؤسساتها واستمرار تآكل السلطة الفلسطينية، وتحوّلها بشكل أكبر إلى أداة وظيفية. وتابع بالقول: “لاحظنا مؤخراً استخدام السلطة الفلسطينية لحركة فتح في مواجهة الجماهير الفلسطينية، وهذا وجدناه بعد مقتل نزار بنات، وبالتالي السلطة الفلسطينية تسير نحو نظام أمني شمولي من خلال تعطيل منظمة التحرير”، واستدرك قائلاً: “وهذا الأمر لا يعفي بقية الفصائل والقوى الوطنية الفلسطينية من مسؤولياتها الوطنية”.

وقد توقع عرابي استمرار أزمة المشروع الوطني والمؤسسات الرسمية الفلسطينية، طالما ظلت العقلية نفسها تقوم بقيادتها، كما توقع ازدياد السلوك الأمني للسلطة. وتوقع عرابي أن “تزيد السلطة الفلسطينية، خلال الفترة القادمة، الاعتماد على الدعم الخارجي، وتحديداً الإسرائيلي، وطبيعة العلاقة مع الفاعل الإسرائيلي من بوابة أمنية، وهذا مؤشر خطير”.

وفي تقديم ورقته حول الأوضاع في القدس: التطورات والمسارات المحتملة، قال أ. زياد ابحيص إن الاحتلال واصل سعيه لحسم هوية القدس، بوجود غطاء أمريكي غير مسبوق، وحالة ضعف وتشرذم عربي إسلامي، مع بيئة مهرولة باتجاه التطبيع؛ فقد قام الاحتلال باستغلال جائحة كورونا لوأد الإرادة الشعبية وفرض واقع جديد في المسجد الأقصى وباقي المقدسات، كما استمر في هدم بيوت المقدسيين، وفرض الطقوس في الأقصى مع السعي لإضفاء شرعية قانونية عبر محاكمه. وتوقع ابحيص “التقدم الإسرائيلي على ثلاث جبهات في القدس المحتلة، من خلال ضرب رموز السيادة في القدس، ومحاصرة الحركة الإسلامية في مناطق الـ 48، وإنهاء دور إقليم فتح في القدس، وهو التنظيم الذي كان يتحرك لوحده في المدينة، والتقدم على مسار إقرار مشاريع تهويدية، وهي مشروعات من الممكن أن تغير الشكل التاريخي لمدينة القدس”. وتوقع ابحيص أن يستمر الاحتلال في العامين القادمين في تكثيف الاستيطان في مدينة القدس، وفرض طقوس توراتية في الأقصى ما سيؤدي إلى تصعيد وهبّات شعبية فلسطينية في وجه هذه الممارسات.

وفي حديث د. مهند مصطفى عن الأوضاع الداخلية الإسرائيلية: التطورات والمسارات المحتملة، فرأى أن المجتمع الصهيوني يسير في اتجاهات أكثر تطرفاً دينياً وقومياً، وأصبحت التيارات اليمينية مهيمنة على نظام الحكم والسياسة في الكيان الإسرائيلي. وأضاف مصطفى أن النظام السياسي الإسرائيلي يعيش حالة من الارتباك واللااستقرار وصعوبة الحسم في القرارات المهمة نتيجة تعدد الانتخابات العامة وعدم قدرة الأحزاب الكبيرة على تشكيل حكومات مستقرة. وحول الحكومة الإسرائيلية الأخيرة (حزيران/ يونيو 2021)، فرأى أنها بالرغم من تشكلها من أحزاب غير متجانسة إلا أنه على ما يبدو فإن الأحزاب المشاركة حريصة حتى الآن على استمرارها؛ خصوصاً مع استمرار بنيامين نتنياهو في المشهد السياسي.

ثم تحدث أ. هاني المصري حول ملف التسوية السلمية ومشاريع الضم الإسرائيلي خلال سنة 2021، فأشار إلى أن “مسار التسوية بات مسدوداً، ولا يوجد أي حديث عن إحياء عملية السلام، وذلك بسبب التوهان الفلسطيني، والأوضاع العربية التي لا تساعد أو تضغط على إسرائيل ليكون هناك مسار تسوية حقيقي”. وأوضح المصري مفهوم التسوية في الداخل الإسرائيلي، من أن “الغالبية الكبرى ترفض مسار التسوية، بل وترفض قيام دولة فلسطينية، وهذا محل اتفاق إسرائيلي، والحديث يقوم على استمرار المفاوضات العبثية، والسقف المطروح للفلسطينيين هو سقف أمني اقتصادي حتى إشعار آخر”. وأضاف المصري أن مفهوم السلام الاقتصادي لا يمكن أن يكون مشروع أو سلام سياسي. وقال إن رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق ترامب حاولا حسم الصراع لا حله وفق مفهوم السلام الاقتصادي، وعلى الرغم من أن قيادة السلطة رفضت مفهوم السلام الاقتصادي في السابق إلا أنها عادت وقبلت به بعد خسارة ترامب للانتخابات. وأكد المصري أن “الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، يسعيان مع الوقت، لمرحلة تحويل السلطة الفلسطينية لـ”أنطوان لحد” في الداخل المحتل شكلاً ومضموناً، وعلينا أن نعمل لعدم الوصول إلى هذا المسار، ونحن بالإمكان أن نفعل ذلك”.

أما في الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور أحمد سعيد نوفل؛ تحدث فيها المشاركون حول ملف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وملف إيران والقضية الفلسطينية، وتركيا والقضية الفلسطينية، وكذلك التأثير الدولي والأمريكي على القضية الفلسطينية.

وفي ورقة أ. أشرف بدر حول دول التطبيع مع الكيان الإسرائيلي: التطورات والمسارات المحتملة: رأى أن قطار التطبيع حقَّق اختراقاً مهماً سنة 2020، في ضوء الضعف والتشرذم العربي، وفي ضوء الضغط الأمريكي بقيادة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وسعيه لإنفاذ خطته “صفقة القرن”. وطبَّعت أربع دول علاقاتها بالكيان الإسرائيلي هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وقد قوبل مسار التطبيع برفض شعبي واسع. ورجّح بدر أن تتراجع الاندفاعة باتجاه التطبيع لأن الدول المطبّعة ألقت بكل ثقلها في ملف التطبيع ولم يبق شيء لإنجازه. وحلّل بدر سياسات دول الطوق تجاه “إسرائيل” وتحديداً مصر وسورية والأردن ولبنان.

ثم تحدث أ.د. طلال عتريسي حول إيران والقضية الفلسطينية: التطورات والمسارات المحتملة، فرأى أن إيران واصلت دعمها لخط المقاومة الفلسطينية مالياً وعسكرياً وإعلامياً؛ وهو ما كان محلَّ تقدير قوى المقاومة، كما واصلت رفضها للاعتراف بـ”إسرائيل” أو التطبيع معها. وستتابع إيران السياسات نفسها في المدى المنظور.

وفي مداخلة د. سعيد الحاج حول تركيا والقضية الفلسطينية: التطورات والمسارات المحتملة، فرأى أن تركيا حافظت على خطها السياسي الذي يجمع بين الدعم لقضية فلسطين، وفق حلّ الدولتين، والتعامل الإيجابي مع قيادة منظمة التحرير والسلطة وكذلك حركة حماس واستضافة الكثير من كوادرها، والانتقاد الشديد للممارسات الإسرائيلية. ورأى أن هناك رغبة تركية إسرائيلية في تحسين العلاقات لكن من غير المتوقع أن تتطور بشكل كبير لأنها تدار وفق منطق المصالحة والضرورة عند الطرفين، كما أن هناك احتياجات تركية مرحلية مرتبطة بوضعها الاقتصادي واستحقاقات الانتخابات سنة 2023، بما يقتضي تهدئة العلاقات والملفات الساخنة مع عدد من الدول الإقليمية.

وفي مداخلة أ.د. وليد عبد الحي حول التأثير الدولي وخصوصاً الأمريكي على القضية الفلسطينية ومسارته المحتلة، أشار إلى أن السنتين 2020 و2021 عرفتا استمراراً للدور التقليدي للجنة الرباعية والأمم المتحدة في عدم القبول بأغلب السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة سنة 1967، ومساندة جهود وقف إطلاق النار بعد معركة سيف القدس من ناحية. كما شهدت استمراراً للمراوحة في السياسات الأوروبية والروسية والصينية واليابانية تجاه الموضوع الفلسطيني من حيث التمسك بقرارات “الشرعية الدولية”، ولكن دون اتخاذ أي إجراءات فعلية ملموسة ضدّ السياسات الإسرائيلية، أو تطوير هذه الجهات لعلاقاتها مع الطرف الفلسطيني. ويلاحظ استمرار التزايد في التعاطف الشعبي مع الموقف الفلسطيني في أغلب دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، في ظل تراجع خطير للمساعدات الدولية للشعب الفلسطيني أو لوكالة الأونروا. ومن المتوقع أن تتواصل الضغوط الدولية وخصوصاً الأمريكية على حركات المقاومة خصوصاً في غزة. وتوقع عبد الحي أن لا يكون هناك، خلال السنتين القادمتين، تغيرات جذرية على المستوى الدولي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ خصوصاً مع استمرار انشغال المجتمع الدولي بالأزمات الدولية في أوكرانيا ومناطق أخرى.

وقد كان هناك العديد من المداخلات الغَنيّة والمهمة والتي أثرت النقاش، والتي شارك فيها الأساتذة وائل المبحوح وحسين القزاز وصقر أبو فخر وأمين حطيط وأحمد صباهي ووليد محمد علي وفؤاد بسيسو وكامل الحواش وهشام توفيق وعبد الجبار سعيد وفاروق طيفور.

وفي ختام حلقة النقاش، شكر أ.د. محسن محمد صالح مدير مركز الزيتونة الحضور، منوهاً بما تمّت مناقشته من تقييمات وتوقعات لمسار القضية الفلسطينية، آملاً أن تسهم في خدمة القضية والأطراف العاملة لأجلها.

وقال إننا نعيش في ظرف تاريخي، حيث إن المنطقة يعاد تشكيلها، وبالتالي نحتاج لحالة وعي كبيرة، كما أكد على ضرورة أن يرتقي الجميع إلى مستوى مسؤولياتهم، والعمل على إعادة بناء مشروع وطني فلسطيني حقيقي في مواجهة الاستحقاقات القادمة.



ولمشاهدة فعاليات حلقة النقاش على صفحة مركز الزيتونة على فايسبوك ويوتيوب:


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 13/1/2022