مدة القراءة: 18 دقائق

إعداد: أ. د. وليد عبد الحي.
(خاص بمركز الزيتونة).

المقدمة:

يشارك عدد من المؤسسات في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، ويلعب الأفراد الذين يقودون هذه المؤسسات دوراً في تحديد البدائل الاستراتيجية لهذه السياسة، سواء في رئاسة الدولة، أم في وزارة الخارجية، أم في مجلس الأمن القومي، أم في جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أي) CIA، أم في وزارة الدفاع، أم في لجان الخارجية في السلطة التشريعية، ناهيك عن الجهات غير الرسمية مثل جماعات الضغط والرأي العام…الخ، ومعلوم أن هذه السياسة لها قواعدها التي تضبطها دستورياً أو إجرائياً، كما أنها محصلة لمساومات بين هذه المؤسسات من ناحية وبين المؤسسات والبيئات المحلية والدولية من ناحية أخرى.

وتُمثل فترة الرئيس السابق دونالد ترامب Donald Trump نقلة في هذه السياسة الخارجية الأمريكية، فقد اتسمت السياسة الخارجية الأمريكية قبل ترامب بأنها سياسة مموهة بالقانون الدولي والديموقراطية وحقوق الإنسان خصوصاً في فترات حكم الحزب الديموقراطي وبعض فترات حكم الجمهوريين، لكنها تحولت مع ترامب إلى سياسة خارجية متحررة من أي تمويه قيمي من ناحية، وأقل مؤسسية من ناحية أخرى.

وسنعمل في هذه المقالة على رصد “أبرز” القادة الجدد في نطاق صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، محاولين تحديد أهم توجهات كل منهم، ثم تحديد نقاط التلاقي بينهم، وكيف سينعكس ذلك على الملامح المركزية للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط خلال السنوات الأربع القادمة.


للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:

>> ورقة علمية: القضية الفلسطينية وفريق السياسة الخارجية الأمريكي الجديد … أ. د. وليد عبد الحي (26 صفحة، 1.3 MB)


أولاً: أعضاء الفريق الجديد:

1. الرئيس جو بايدن Joe Biden:ا[1]

اعتمدت دراسة علمية متخصصة لشخصية بايدن على نموذج تحليلي هو نموذج “قائمة ميلون لمعايير التشخيص Millon Inventory of Diagnostic Criteria” الذي يشتمل على 170 مؤشراً متفرعاً من 12 مقياساً للشخصية، تغطي خمسة أبعاد رئيسية للشخصية هي:

أ. السلوك اللفظي أو التعبيري (لغة الخطاب ولغة الجسد).

ب. السلوك الفعلي (الممارسة العملية). ج. النموذج المعرفي (الأفكار ومنهج التفكير).

د. المزاجية (درجة الاستقرار العاطفي والوجداني).

هـ. الصورة الذاتية (مستوى النرجسية لديه).

وقد خلصت هذه الدراسة إلى أبرز مواصفات الجانب السيكولوجي لديه وهي:

أ. مرن ولديه القدرة على التكيف مع التغيرات: 81.8%.

ب. الانفتاح الاجتماعي والقدرة على التواصل مع الآخرين: 68.4%.

ج. الثقة بالنفس والقدرة على السيطرة: 62.5%.

د. النزعة السادية للسيطرة على الآخرين: 50%.

وعند حساب معدل الصحة النفسية لبايدن استناداً للمؤشرات الرئيسية والفرعية في النموذج، تبين أنه حقق معدلاً يساوي 62.3%، وهو معدل جيد طبقاً لتصنيفات المقياس المعتمد.

وفي دراسة أخرى[2] لشخصية بايدن من الجانب السيكولوجي، تبين من التحليل أن بايدن في سياسته الخارجية سيكون “منفتحاً يستمع للمستشارين والمسئولين، وهو زعيم تصالحي وتوافقي وليس لديه مشروع كبير لتشكيل النظام الدولي بكيفية معينة، ويستجيب للتغيرات، لكنه يفتقر للإرادة والاتساق المعرفي لتحقيق أهداف سياسته”.

ويمكن أن نضيف لما سبق بعداً آخر في شخصية بايدن، فقد واجه بايدن صدمات “إنسانية” على صعيد الأسرة يبدو أنها تركت أثراً عليه، فبعد أسابيع قليلة من انتخابه لمجلس الشيوخ سنة 1972 وكان عمره حينها 29 عاماً، قُتلت زوجته الأولى وابنتهما بينما أصيب ابنيهما بجراح خطيرة في حادث سير. وفي سنة 2015 توفي ابنه بالسرطان، مما دفع بايدن لعدم الترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2016، علماً ان ابنه هذا، بيو Beau، كان متزوجاً من يهودية على غرار أخته (ابنة بايدن) وهي آشلي Ashley، التي كانت متزوجة من يهودي أيضاً، وهو ما شكل جسراً لعلاقات بايدن مع المجتمع اليهودي.[3]

أما الجانب الاخير في شخصية بايدن فهو الخبرة السياسية الطويلة، فقد أمضى 36 عاماً في مجلس الشيوخ، وتقلد العديد من الأدوار الرئيسية هناك، بما في ذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية، وهو ما يؤهله لإحياء عناصر الثقافة السياسية القديمة، التي سقطت على الهامش واستبدلت بنظام سياسي أكثر تصادمية واستقطاباً.

فإذا انتقلنا للتأويل السياسي لنتائج هذه الدراسات، من الضروري التنبيه مسبقاً إلى أن المؤسسة السياسية تبقى كابحاً نسبياً لدور السمات السيكولوجية للرئيس أو الحاكم خصوصاً إذا تمادى، لكن إغفال البعد الشخصي للزعيم قد يقود لنتائج مضللة، ولعل الدراسة التي سبق أن وضعها 35 عالماً من علماء النفس الأمريكيين لشخصية ترامب بعد توليه للحكم بأيام قليلة، وقمنا بمناقشتها في دراسة سابقة، دلت فيما بعد على دقة عالية في تشخيص سلوكه السياسي.[4]

وبناء على النتائج السابقة لتحليل شخصية بايدن في النموذج المشار له أعلاه، يمكن توقع سلوكه السياسي بشكل عام على النحو التالي:

أ. سيكون أكثر تصالحاً وتوافقاً مع البيئتين الداخلية (مع الجمهوريين وفئات المتطرفين من العنصريين والمتطرفين الدينيين)، والبيئة الخارجية (إقليمياً ودولياً)، وستكون إدارته أكثر استقراراً في كوادر العاملين فيها، أي أن ميله لعمل الفريق سيجعل إدارته أقل تغييراً في لاعبيها (خلافاً تماماً لترامب)، وسيكون أقل ميلاً للنزعة العسكرتارية مع البيئة الدولية ومع الحلفاء والخصوم، وهو ما يعني أنه سيعمل تدريجياً على تخفيف التوترات مع الصين وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية، وسيكون أكثر تفهماً لمطالب حلفائه في قوات حلف الأطلسي (الناتو) North Atlantic Treaty Organization (Nato)، لا سيّما في مجال الإنفاق الدفاعي، ولعل عودته لمنظمة الصحة العالمية World Health Organization (WHO) وغيرها من الهيئات الدولية، واتفاقية المناخ، والميل لتمديد عمل اتفاقية ستارت 3 مع روسيا، ووقف بناء الجدار مع المكسيك، وإلغاء قيود السفر لدول معينة، مؤشرات على هذا التوجه… لكن هذه النزعة التصالحية ستكون متناسبة مع قدرة خصومه على استغلال نزعته التكيفية؛ فعلى المستوى الداخلي فإن شخصيته ستجعله أكثر قابلية لتأثير اللوبيات الداخلية مثل اللوبي اليهودي أو جماعات المصالح الأخرى، خصوصاً إذا تعاملت معه بذكاء وخبرة، وهو ما ينطبق على الدول الأخرى عند التعامل مع إدارته.

وبناء عليه، على الطرف العربي، تحديداً الفلسطيني المقاوم، أن يقدم صورة أكثر تماسكاً “بل وثباتاً عقلانياً” لمواجهة تداعيات التسوية التي بنيت على “صفقة القرن”، وأن يوجد انطباعاً بأنه قادر على “تصعيد” التوتر في المنطقة من خلال توثيق علاقاته مع الحلفاء (إيران، وسورية، وحزب الله، واليمن)، وإرسال مفاوضين وديبلوماسيين لكل من الصين وروسيا، بل والقيام ببعض العمليات العسكرية في الداخل الفلسطيني أو الضفة الغربية “بشكل مدروس ومتناسب مع سلوك إدارة بايدن”.

ب. يبدو أن سلطة البنتاغون Pentagon وشركات إنتاج الأسلحة ستكون أكثر عدوانية من “تصالحية الرئيس الجديد”، لأن التوتر في المنطقة يعزز استمرار مشتريات السلاح.

ج. ستكون الفترة الأولى من رئاسة بايدن متجهة بشكل واضح للوضع الداخلي، خصوصاً في قطاعات أربعة هي: متابعة تداعيات جائحة الكورونا (كوفيد-19 أو 19-COVID)، ثم العمل على تخفيف التوتر العنصري والتجاذب الإعلامي في الساحة الأمريكية، وأخيراً العمل على إعادة دورة الإنعاش الاقتصادي، ومعالجة تداعيات محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ الأمريكي.

د. سيميل لإعادة الدور الأمريكي في المنظمات الدولية، وسيكون أقل عدائية تجاه الأمم المتحدة، ولجان وتقارير حقوق الإنسان، والمنظمات والاتفاقيات الدولية، بمقدار ضغوط الطرف الآخر عليه.

هـ. إن وزن الحزب الديموقراطي في الكونجرس Congress الأمريكي، إلى جانب نزعته التصالحية مع قطاع من الجمهوريين، قد يدعم نسبياً قدرته على اتخاذ القرارات الاستراتيجية الداخلية والخارجية.

وعليه، نصل للنتيجة العامة وهي:

قد يميل بايدن للاستجابة بقدر معين، دون مبالغة في ذلك، لكل دولة أو جهة توجِد لديه انطباعاً بأنها “ستوجِد له قدراً أكبر من الاضطراب”.

أما حدود موقفه من الموضوع الفلسطيني، فتتمثل من خلال تصريحاته والتحليل النفسي له في الجوانب التالية:

أ. نقد المستوطنات: لقد أعلن بايدن في مناسبات عديدة عدم تأييده لبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، وهو أمر يختلف فيه عن ترامب الذي لم يكن مهتماً بهذا الموضوع، وكان أقرب لشرعنته. وهنا لا بدّ من التذكير بواقعة سابقة تصادم بايدن فيها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن Menachem Begin، عندما أبلغه بايدن بأن المساعدات الأمريكية لـ”إسرائيل” قد تتأثر إذا استمرت سياسة الاستيطان، فرد عليه بيغن “لا تهددنا بمساعداتكم”، علماً بأن بايدن أبدى تعاطفه مع “إسرائيل” في مناسبات عديدة، بل ووصف نفسه بأنه “صهيوني”.[5]

ب. سيكون أكثر تردداً لإعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب: يدرك بايدن أن إعادة السفارة الأمريكية إلى تل ابيب ستوجِد رد فعل قوي من “إسرائيل” واللوبي اليهودي وشريحة واسعة من الإنجيليين والعنصريين في المجتمع الأمريكي، ومع غياب الضغط العربي في هذا الجانب، فإن بايدن لن يكون قلقاً من تداعيات غض الطرف عن بقاء سفارة بلاده في القدس، مقابل أن يعيد مثلاً فتح مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن والذي سبق أن أغلقه ترامب.

ج. الاتفاق النووي مع إيران: طبقاً للتصريحات والتوجهات العامة، فإن الآفاق مفتوحة لعودة تفاوض بمستوى معين بين واشنطن وطهران في موضوع العودة للاتفاق النووي، لا سيّما أن أنصار باراك أوباما Barack Obama داخل الحزب الديموقراطي سيعملون على ذلك، لكن الخطورة في هذه المفاوضات المحتملة أن يتم ربط العودة الأمريكية للاتفاق وتقديم تنازلات لإيران لا سيّما في نطاق رفع العقوبات ببعض السياسات الإيرانية في المنطقة، ومن ضمنها تحجيم الدور الإيراني في الموضوع الفلسطيني.

د. سيواصل تعزيز التطبيع: تشير تصريحات بايدن وعدد غير قليل من فريقه السياسي (كما سنبين) أنه يعد التطبيع عاملاً مساعداً على إيجاد استقرار سياسي في المنطقة، وجعل المفاوض الفلسطيني في وضع أكثر قابلية للمساومة مع الطرف الإسرائيلي.

هـ. لن يواصل التأييد الأمريكي لضم الجولان: شكَّل موقف ترامب من ضمّ الجولان لـ”إسرائيل” موقفاً مخالفاً لكل السياسات الأمريكية المعلنة في هذا الجانب، والأرجح أن بايدن لن يجاري الحالة الشاذة (موقف ترامب) على حساب الاتجاه السائد في السياسة الأمريكية التقليدية خصوصاً في حزبه الديموقراطي، لكنه لن يغفل إمكانية محاولة الربط بين تقديم التنازلات في الجولان على حساب “مقايضة” ما مع سورية في بعض جوانب الموضوع الفلسطيني.

و. إذا اعتمدنا على خطابات بايدن في تحديد موقفه من دول الخليج في مجالات حقوق الإنسان والحرب في اليمن، فإن دول الخليج قد تتجه لمزيد من التطبيع والتقارب مع “إسرائيل”، أملاً في مساندة اللوبي اليهودي في الكونجرس والإعلام الأمريكي باتجاه غض الطرف عن هذه الانتقادات الأمريكية، وهو ما يزيد الأمر تعقيداً في الجانب الفلسطيني. إن وصف بايدن في أحد خطاباته السعودية بالدولة “المنبوذة” هو أمر مقلق للمملكة قد يدفعها لسياسة الاسترضاء أكثر Appeasement Policy باتجاه “إسرائيل”.[6]

ز. من الضروري التنبه إلى أن بعض أعضاء فريق بايدن المهمين، كما سنرى، يحثونه على إيلاء عناية أقل للشرق الأوسط والتركيز على شرق آسيا، وهو أمر عالجه الكثير من الباحثين الأمريكيين لا سيّما بعد التراجع الحاد في الاعتماد الأمريكي على نفط الخليج وتزايد المنافسة الأمريكية الصينية في منطقة الباسيفيكي، إلى جانب الأعباء الدفاعية للولايات المتحدة، والتمدد الزائد في الإمبراطورية الأمريكية كما وصفه بول كينيدي Paul Kennedy، وهو أمر ينطوي على إيجابيات من ناحية وسلبيات من ناحية أخرى للموضوع الفلسطيني:[7]

2. نائب الرئيس: كاميلا هاريس Kamala Harris:ا[8]

تتسم شخصية هاريس ذات الاصول الأفرو-أسيوية بأن لديها “كاريزما” تتغذى على طموحها وجاذبيتها، وهو ما يعطيها القدرة على القيادة ودفع الآخرين لاحترامها، لكنها “لا تسيطر على انفعالاتها أحياناً”. ونظراً لأن زوجها المحامي دوغلاس إمهوف Douglas Emhoff يهودي الديانة، فقد يترك ذلك بعض الأثر على توجهاتها السياسية، لا سيّما أن الإعلام الأمريكي أشار إلى تأييده القوي لـ”إسرائيل”.[9]

أما مواقفها السياسية المعروفة، فقد تبين من عدد من الدراسات ما يلي:

أ. تعد هاريس من المقربين جداً من جماعات الضغط اليهودية خصوصاً لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) The American Israel Public Affairs Committee (AIPAC).

ب. تؤيد استمرار الدعم العسكري والسياسي لـ”إسرائيل”.

ج. كانت من ضمن أعضاء مجلس الشيوخ الذين رفضوا قرار أوباما بالامتناع عن استخدام الفيتو Veto ضدّ قرار صدر في مجلس الأمن الدولي Security Council يدين ضمّ “إسرائيل” الضفة الغربية.

د. ترى ضرورة استمرار الحملة ضد مناهضي السامية.

هـ. ترفض التجاوب مع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي أس) Boycott, Divestment and Sanctions (BDS) campaign.

و. تؤيد حلّ الدولتين شريطة أن يتم ذلك من خلال التفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ودون تدخل من أي جهة لفرض الحل على أي من الطرفين.

ز. تساند العمل ضدّ التنظيمات التي لا تعترف بـ”إسرائيل” وبحقها في الوجود والأمن.

ح. تطالب “إسرائيل” باحترام حقوق الإنسان.

ط. ترفض بناء المستوطنات في الضفة الغربية.

3. وزير الخارجية أنتوني بلينكين Antony Blinken:ا[10]

عمل بلينكين نائباً لمستشار الأمن القومي بين سنتي 2013 و2015، كما عمل نائباً لوزير الخارجية الأمريكية بين 2015 و2017، وهو ينتمي للديانة اليهودية من جانب الأم والأب على حدّ سواء، وقد عمل خلال الحملة الانتخابية لبايدن على فتح قنوات التواصل بين جماعات الضغط اليهودية وبين الحملة الانتخابية لبايدن ولفريقه السياسي، وتتمثل أبرز مواقفه في الآتي:

أ. لا ينظر إلى الأمم المتحدة كالكثير من الديبلوماسيين الأمريكيين نظرة عدائية، بل هو من دعاة تفعيل دور الأمم المتحدة، وهو أمر لا يجد صدى إيجابياً لدى “إسرائيل” على الرغم من أنه أشار إلى أهمية مساندة الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” في الأمم المتحدة، أي أنه مع تنشيط دور الأمم المتحدة في مختلف القضايا إلا في الشرق الأوسط.

ب. يمثل بلينكين أحد أبرز دعاة عدم ربط المساعدات لـ”إسرائيل” بأي شروط سياسية، وهو أمر يضعف القدرة الأمريكية على الضغط على “إسرائيل” لانتهاج سياسات معينة، بل يحرر صانع القرار الإسرائيلي من هذا القيد.

ج. لا يطالب بعودة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب.

د. يعد أحد المناهضين لأي نشاط من نشاطات حركة بي دي أس.

هـ. يعارض سياسة نتنياهو بتوسيع المستوطنات لكنه لا يقترح أي سياسة لمواجهة هذه السياسة الإسرائيلية.

و. يميل لإبقاء الخلافات الإسرائيلية الأمريكية بعيداً عن الأضواء، وهو ما يعني أن الجانب السري يشكل جزءاً من إدارته للتفاوض في الشرق الأوسط.

ز. يعد من ضمن أفراد الفريق الأكثر تاييداً لحل الدولتين.

ح. يبدي تأييداً للعودة للتفاوض مع إيران، كما أنه يميل لعدم انتهاج سياسات المواجهة العسكرية معها.

ط. يعد من أبرز دعاة تسليح الأكراد في سورية، وقد انتقد سحب ترامب لبعض القوات الأمريكية من شمال سورية.

4. مستشار الأمن القومي جاكوب سوليفان Jacob Jeremiah Sullivan:ا[11]

يعد سوليفان الأصغر سناً في فريق بايدن للسياسة الخارجية والأمن القومي (44 عاماً)، وقد عمل في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي مع كل من هيلاري كلينتون Hillary Clinton وباراك أوباما، إلى جانب أنه كان مستشاراً للأمن القومي مع جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس، كما كان ضمن خبراء الاتفاق النووي مع إيران، وهو أقل ميلاً لأدلجة السياسة الخارجية، ويرى أن القوة الأمريكية الخشنة لا تنتج مكاسب بالضرورة.

وتتمثل أبرز توجهاته في نطاق السياسة الخارجية في:

أ. الاهتمام ببناء التحالفات الدولية وعدم التفرد الأمريكي باتخاذ القرارات الدولية.

ب. درجة التطابق بينه وبين وزير الخارجية بلينكين عالية مما يجعل قدرتهما على الحركة أكبر.

ج. شارك في التفاوض السري مع الإيرانيين بخصوص البرنامج النووي سنة 2012 في سلطنة عُمان، وعليه سيعمل على العودة للتفاوض مع إيران بغرض جذبها بعيداً عن امتلاك السلاح النووي. لكن مطالبته الإدارة الامريكية سنة 2009 بمساندة المعارضة الإيرانية (حركة الخضر المناهضة للرئيس أحمدي نجاد) تشير إلى أنه قد يعود للتواصل مع المعارضة الإيرانية كأحد أدوات الضغط على إيران.

د. لعب دوراً في ترتيب وقف إطلاق النار في المواجهة الإسرائيلية مع المقاومة في غزة سنة 2012، وتبدي بعض الأوساط الإسرائيلية بعض التوجس من مواقفه تجاه الفلسطينيين إذا ما قورن بغيره من السياسيين الأمريكيين خصوصاً في رؤيته للمشكلة الفلسطينية على أنها سبب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

هـ. أكثر أعضاء فريق بايدن ميلاً لنقد السعودية ومصر في مجال ممارسات حقوق الإنسان والديموقراطية فيهما، وقد يكون من ضمن المؤيدين لوقف بيع بعض أنواع الأسلحة للسعودية.

5. وزير الدفاع لويد أوستن Lloyd Austin:ا[12]

وصف بايدن وزير دفاعه بأن لديه “القدرة على التصرف في المواقف المتأزمة”، وهو أول أَسْود يتولى وزارة الدفاع، وعلى الرغم من طول خبرته العسكرية (41 عاماً) لم يسبق له أن تولى أي منصب سياسي، لكن خبرته الشرق أوسطية عسكرياً مهمة، فهو قاد قوات الولايات المتحدة في الحرب على العراق، وعمل قائداً للقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير.

ويمكن التعرف على صورة الشرق الأوسط في ذهنه من خلال بعض مشاركاته في بعض الندوات الأكاديمية، فهو يعتقد أن الشرق الأوسط:[13]

أ. منطقة يغلب على واقعها الفوضى والمفاجآت.

ب. أن التفتت المذهبي وتنامي دور الثقافات الفرعية يغلب على السمة العامة لصراعات المنطقة على حساب الهويات القومية.

ج. الخلل البنيوي في الأنظمة السياسية العربية تتضح مظاهره في التطرف والفساد والبطالة والاستبداد.

د. يرى أن عبور الشرق الأوسط إلى الاستقرار يجب ان يوكل إلى سكان المنطقة، وأن التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة لم تعطِ النتائج المرجوة، وأن الأولوية يجب أن تكون للعمل الديبلوماسي. ويرى أوستن أن التدخل السعودي في اليمن سيصل إلى الفشل وسيترك آثاراً سلبية على المنطقة، وسيجعل السعودية أكثر اعتماداً على أجهزة المخابرات الأمريكية.

هـ. يرتبط أوستن بعلاقات صداقة وثيقة مع وزير الدفاع الإسرائيلي بني جانتس Benny Gantz، وفي أثناء توليه القيادة المركزية للولايات المتحدة CENTCOM كانت “إسرائيل” تتبع القيادة الأوروبية، لكنه عبَّر عن رغبته في التعاون مع “إسرائيل” التي يؤكد أنه معني بقدر كبير بمصالحها. ومع نقل تبعية منطقة “إسرائيل” للقيادة المركزية في الأيام الأخيرة من عهد ترامب، فإن المجال سيكون أكثر رحابة ليزيد أوستن من تعاونه مع “إسرائيل”، خصوصاً أن التطبيع العربي مع “إسرائيل” سيجعل ذلك أكثر يسراً.

و. أبدى أوستن تحذيرات عديدة من علاقات حماس وحزب الله تحديداً مع إيران، وهو يرى في ذلك أمراً يهدد الأمن الإسرائيلي.

6. مدير جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أي) وليم بيرنز William Burns:ا[14]

عمل وليم بيرنز سفيراً في عدد من الدول من بينها دول عربية، وهو يتحدث العربية بطلاقة، كما عمل رئيساً لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي Carnegie Endowment for International Peace البحثية الأمريكية، إلى جانب أنه عمل مع خمسة رؤساء وعشرة وزراء خارجية أمريكيين.

ويعد بيرنز من المدافعين بقوة عن الاتفاق النووي مع إيران، ويرى أن “إسرائيل” أكثر أمناً بهذا الاتفاق خلافاً لرؤية نتنياهو. ويمثل بيرنز أحد أبرز نقّاد السياسة الخارجية لترامب، وهو ميال لديبلوماسية الظل كما يعرضها في دراسته الحديثة، وهو ما اتضح في إسهامه مع سي آي أي في ترتيب وقف إطلاق النار في غزة، وفي اقناع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في التخلي عن مشروعه النووي، وفي ترتيب عقد الاتفاق النووي مع إيران، وتعزيز علاقات بلاده مع الهند، وانتقد سياسات ترامب بقوة دون ذكر اسمه إلا في الفصل الأخير من الدراسة، كما أنه يؤكد على أن “الأحادية القطبية” التي تمتعت فيها الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة هي مرحلة عابرة، وأن الولايات المتحدة شأنها شأن القوى الدولية الأخرى ستعرف تراجعاً لا بدّ لها من وضعه في الاعتبار، وأن عليها أن لا تفرط في الاعتماد على “قواها الخشنة” في علاقاتها الدولية.[15]

وساند بيرنز الانتقادات لسحب ترامب لبعض قواته من سورية، ورأى ذلك “خيانة للأكراد”، وأن الولايات المتحدة لم تعد المهيمن الوحيد في سياسات الشرق الأوسط ولكنها أحد اللاعبين المهمين. ويحدد من وجهة نظره، أن على الولايات المتحدة أن تتواضع في ثقتها على إنجاز التحولات العميقة في الشرق الأوسط، وأن تركز على الديبلوماسية المدعومة عسكرياً لا على القدرة العسكرية التي تبررها الديبلوماسية لاحقاً.

ويرى بيرنز أن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يبالغون في قدرة أمريكا على تشكيل الأوضاع في هذه المنطقة، ويحدد رؤيته للوضع في الشرق الأوسط على النحو التالي:

أ. أن الشرق الأوسط أصبح أقل أهمية لأمريكا، وأن أمريكا تواجه تحديات جيو-سياسية في مناطق أخرى تستحق الانتباه لها خصوصاً الشرق الآسيوي.

ب. أن النقطة السابقة لا تعني عدم وجود مصالح للولايات المتحدة في الشرق الأوسط مثل: حرية الملاحة، والوصول لمصادر الطاقة في الخليج، وضمان أمن أصدقاء الولايات المتحدة من تهديدات قوى خارجية أو إقليمية، والحيلولة دون ظهور جماعات إرهابية ذات قدرة تتجاوز حدود المنطقة، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.

ج. يجب أن تقوم علاقة الولايات المتحدة مع دول الخليج على أساس ضرورة إجراء تحديثات اجتماعية وسياسية، ووقف حرب اليمن، والتوقف عن التدخل في ليبيا والسودان والتوقف عن صراعاتها الداخلية، وضرورة قبول العودة للاتفاق النووي مع إيران.

د. يتساءل بيرنز: كيف يمكن إقامة دولة واحدة، “إسرائيل”، بين البحر المتوسط والأردن فيها أغلبية عربية، فهذا الحل يهدد الأردن، لأن “إسرائيل” قد تعمل على ترحيل الفلسطينيين إلى الجوار الأردني، مما قد يزعزع المنطقة من جديد، وأن الحل الأفضل هو العودة لحل الدولتين.

هـ. يرى ضرورة أخذ وجهة النظر الأوروبية في مشكلات المنطقة في الاعتبار.

7. المندوبة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة: ليندا توماس غرينفيلد Linda Thomas Greenfield:ا[16]

ليس لدى المندوبة الأمريكية الجديدة للأمم المتحدة ليندا غرينفيلد خبرة قوية في شؤون الشرق الأوسط، إذ تتركز خبرتها في إفريقيا والمنظمات الدولية، مما يجعل نظرتها العدائية للأمم المتحدة ليست استمراراً للتوجهات الأمريكية التقليدية خصوصاً في وزارة الخارجية.
وعلى الأرجح ستكون في مجلس الأمن مجرد صدى في هذا الموضوع، تحديداً لكل من بايدن ووزير خارجيته ومستشاره للأمن القومي.
وتتمثل أبرز توجهاتها تجاه الشرق الأوسط في أنها ترى أن التقارب الأمريكي مع أوروبا يمثل أمراً سلبياً لـ”إسرائيل” من ناحيتين، الأولى أن التقارب الأمريكي الأوروبي أكثر سيعزز الرغبة في تهدئة العلاقة مع إيران خلافاً لما تريده “إسرائيل”. والثانية، أن الرأي الأوروبي يرى أن القضية الفلسطينية هي مصدر الاضطراب في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي سيشكل ضاغطاً للدفع في الإسراع في تسوية الموضوع الفلسطيني، وهو الأمر الذي تحاول “إسرائيل” أن تتجنبه في الظروف الحالية.

8. مبعوث بايدن للشرق الأوسط: بريت ماكغورك Brett McGurk:ا[17]

تتمثل خبرات مبعوث بايدن للشرق الأوسط (منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي) بريت ماكغورك في مجال بناء التحالفات ضدّ داعش، وفي الشأن العراقي، فهو من بين من أسهموا في صياغة الدستور العراقي، وعمل مستشاراً للسفير الأمريكي في بغداد، وعمل في عدد من المناصب ذات العلاقة بالشأن الشرق أوسطي في إدارتي الرئيسين أوباما وبوش. وتتمثل أبرز توجهاته في الآتي:

أ. يعد من أكثر نقاد السياسة التركية ومن أنصار فكرة التواجد العسكري في سورية.

ب. يعد الأكثر تشدداً تجاه المقاومة الفلسطينية المسلحة، وخصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

ج. يعد الأكثر دعماً لتوسيع دائرة التطبيع في العلاقات العربية الإسرائيلية.

د. يؤيد تخفيف التوتر مع إيران مقابل تبني إيران سياسة إقليمية أقل معاداة للسياسة الأمريكية في المنطقة.

هـ. يشارك بقية أعضاء الفريق عدم الرضا عن السياسة السعودية في اليمن.

ثانياً: استشراف السياسة الأمريكية الشرق أوسطية استناداً لتوجهات فريق إدارة بايدن:

نظراً لظاهرة التغيير المستمر في أشخاص إدارة ترامب (40 مسؤولاً أمريكياً من الصف الأول الذين غيَّرهم ترامب، وكان أغلبهم من أصحاب العلاقة بالسياسة الخارجية بشكل أو بآخر)،[18] فإننا نعتقد أن هذه الظاهرة لن تتكرر بالحدة نفسها مع إدارة جو بايدن، نظراً للظروف القائمة ولخبرة واتزان بايدن قياساً للنرجسية المرضية التي يعاني منها ترامب، والتي شخصها عدد كبير من علماء النفس الامريكيين، وهو ما يعني أن هذه الإدارة الجديدة ستعرف استقراراً في بنية توجهاتها وأشخاصها أكثر مما جرى في فترة ترامب.

من جانب آخر، تقتضي الإشارة إلى أنه منذ سنة 1947 (قيام “إسرائيل”) إلى سنة 2020، تولى الحكم في الولايات المتحدة 13 رئيساً، 7 منهم من الديموقراطيين، و6 من الجمهوريين، ووقع خلال الفترة نفسها (73 عاماً) 17 حرباً أو معركة كبرى بين العرب و”إسرائيل”، كان منها 9 حروب في زمن الديموقراطيين، و8 حروب في زمن الجمهوريين، أي أن نحو 53% من الحروب وقعت في زمن حكم الديموقراطيين مقابل 47% في زمن حكم الجمهوريين، وهو مؤشر لا يدل على فارق مهم بين الحزبين في تعزيز النزعة العدوانية لـ”إسرائيل”، وهو ما يوضحه الجدول التالي:

الحروب والمعارك الكبرى الإسرائيلية العربية في زمن حكم الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة (الجدول من إعداد الباحث)

يشير الجدول السابق إلى أن فرضية قوة معامل الارتباط بين النزعة السلمية والإدارة الأمريكية الديموقراطية لا تتسق مع الاتجاه التاريخي للنزاعات في الشرق الأوسط، فنسبة نشوب الحروب بين العرب و”إسرائيل” في فترة الديموقراطيين هي أعلى من نسبتها زمن الجمهوريين، وهو ما يستدعي عدم الاطمئنان إلى “الخطاب السياسي” المموه كالعادة للإدارة الأمريكية الجديدة.

وإذا استبعدنا المتغير “قليل الاحتمال عظيم التأثير Low Probability-High Impact، فإن السياسة الأمريكية تتأثر بالمتغيرات الداخلية الأمريكية التي أشرنا لها في مقدمة هذه الدراسة، وبالمتغيرات الدولية خصوصاً سياسات القوى المركزية في النظام الدولي، وأخيراً بالمتغيرات الإقليمية خصوصاً القوى الإقليمية الفاعلة مثل “إسرائيل”، وتركيا، وإيران، والسعودية، ومصر…إلخ.

وعند النظر في فريق بايدن للسياسة الخارجية نلاحظ ما يلي:

1. إن أغلب الفريق من ذوي الخلفيات السياسية والقانونية.

2. إن نسبة التوافق في توجهاتهم عالية مما يعني استقرار الإدارة والقدرة على بناء استراتيجية متناغمة الأبعاد.

3. إن أغلبهم له صلات وثيقة بـ”إسرائيل” مما يساعد هذا الفريق على امتصاص أي توترات تبرز بين “إسرائيل” والولايات المتحدة خلال العراك الديبلوماسي مع مختلف الأطراف.

4. قد يكون بايدن ووليم بيرنز وبلينكين وسوليفان هم الأكثر فاعلية في القرارات الخارجية.

5. إن سيطرة الديموقراطيين على مجلس النواب من ناحية، وتحقيقهم التوازن مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ من ناحية أخرى، سيجعل إدارة بايدن أكثر قدرة على اتخاذ القرارات.

وسنحاول في النقاط التالية التركيز على التوجهات المشتركة بين صانعي ومتخذي القرار السياسي الأمريكي، والتي يمكن تحديدها في التوجهات التالية:

1. قد تعود بعض الحياة إلى موضوع حلّ الدولتين، وقد يدور الحوار حول هذا الموضوع بين بُعدين: دولة فلسطينية أقل من الدولة الحيوية Viable State لكنها أكثر من الحكم الذاتي إلى جانب “إسرائيل”.

2. استمرار التضييق على كافة أطراف محور المقاومة، وقد لا يكون الضغط العسكري هو الأكثر حضوراً، مع توظيفه بين الحين والآخر لمساندة النشاط الديبلوماسي، ولكن الضغط سيأخذ شكل المراوحة بين “الضغط والمماطلة” من ناحية، وبين الغواية بالمساعدات للفلسطينيين من ناحية ثانية، وقد يتم توظيف دول المنطقة في تحقيق الهدف المنشود للسياسة الأمريكية.

3. يبدو أن حركة بي دي أس ستواجه مصاعب استمرار العمل على تقييد حركتها في الولايات المتحدة والدول الأكثر تأثراً بالمواقف الأمريكية.

4. إن مواصلة الاستيطان اليهودي الصهيوني في الضفة الغربية قد تواجه معارضة أكثر من قبل الولايات المتحدة، لكن قد يجري البحث في مقايضة المستوطنات مع أراضٍ فلسطينية أو مع تسهيلات في المرافق (مطار، أو ميناء، أو مواصلات برية) لنقل وإدخال المساعدات والتجارة وغيرها.

5. من المستبعد أن تتم إعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب.

6. من المحتمل أن تعيد الولايات المتحدة النظر في قرار الاعتراف الأمريكي بضم هضبة الجولان لـ”إسرائيل”.

7. ستعمل الولايات المتحدة على تشجيع مزيد من التطبيع بين “إسرائيل” والدول العربية، ولكن دون الضغوط العلنية على طريقة ترامب.

8. ستكون الديبلوماسية السرية secret diplomacy هي السمة الأكثر وضوحاً في سياسات إدارة بايدن خصوصاً في الموضوعات الأكثر حساسية، وهي سمة محبذة لأغلب أعضاء فريق بايدن السياسي.

9. من الأرجح أن تدور مفاوضات متذبذبة بين أمريكا وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، وقد تكون نتائج هذه المفاوضات هي الأكثر تأثيراً على التحالفات في المنطقة، خصوصاً العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والعلاقات الأمريكية الخليجية، وقد تتأثر نتائج هذه المفاوضات بالتغيرات المحتملة في الحكومتين الإسرائيلية والإيرانية بعد الانتخابات القادمة في كل منهما (إيران في شباط/ فبراير 2021، و”إسرائيل” في آذار/ مارس 2021). ويبدو ان الفريق الأمريكي سيبدي قدراً من التفهم لبعض المطالب الإيرانية في ظلّ مسألتين:

أ. إن أغلب فريق بايدن لا يميل للمواجهة العسكرية وتأزيم الموقف مع إيران تحديداً.

ب. إن بعض أعضاء فريق بايدن الفاعلين يتشاركون في فكرة أن درجة أهمية الشرق الأوسط للولايات المتحدة قد تراجعت قياساً لأهميته في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انتهاء الحرب الباردة.

10. على الأرجح ستواجه دول الخليج وخصوصاً السعودية ضغوطاً أمريكية لتكييف السياسة السعودية، وخصوصاً في مجال الإصلاح السياسي وبشكل لا يؤثر سلباً على المصالح الأمريكية.

11. ستكون العلاقات الأمريكية مع القوى الدولية (الصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبي) أقل توتراً، وسيتم توظيف ذلك في اتجاه ضغوط على دول الشرق الأوسط لتكييف سياساتها بما يتوافق مع التفاهمات بين القوى الكبرى، لكن هذه التفاهمات الأمريكية مع كلّ من روسيا والصين قد تعرف بعض التشنج خصوصاً في موضوع حقوق الإنسان وموضوعات الديموقراطية.

12. قد تكون الأمم المتحدة أكثر فاعلية في المرحلة القادمة، لا سّيما أن فريق بايدن لا يتبنى مواقف إدارة ترامب تجاه دور المنظمة الدولية.

13. ربما تعرف القضية الكردية حراكاً أكثر نشاطاً في الفترة القادمة، وهو أمر قد يجعل التقارب السوري التركي أمراً اضطراريا لكلا الدولتين لمواجهة المساندة الأمريكية والإسرائيلية للمطالب الكردية.

بناء على ما سبق، فإن إدارة بايدن ستحاول استغلال بعض الشقوق في جدران محور المقاومة، واستغلال كافة أدوات الغواية والتهديد لتوسيع هذه الشقوق للنفاذ منها باتجاه انتزاع تنازلات تجعل الاستراتيجية الأمريكية قابلة للتطبيق، وقد تصيب العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعض “التشنجات قصيرة الأجل” حول العلاقة الأمريكية الإيرانية، وحول دور الأمم المتحدة، وأخيراً حول حدود التنازلات في إيجاد كيانية فلسطينية.

كل ما سبق، يشير إلى أن على المعسكر الفلسطيني في محور المقاومة أن يستعد لضغوط ليست بالضرورة عسكرية، بل اقتصادية وسياسية وإعلامية تخالطها بين الحين والآخر ضغوط عسكرية باتجاه دفع هذا المعسكر المقاوم للتناغم مع سياسة السلطة الفلسطينية خصوصاً باتجاه الإقرار باتفاق أوسلو Oslo Agreement بشكل أو آخر، وهو ما ينطوي على قدر كبير من الخطورة، بينما ستحاول السلطة الفلسطينية توظيف التراخي الأمريكي في الضغط عليها للمسارعة في تطبيق مبادئ أوسلو.

إن كل ما سبق يقدم تصوراً للمشهد الشرق أوسطي وشبكات تفاعله الثنائية (الأمريكية الشرق أوسطية)، لكن هذا المشهد يحتاج لربطه بالمشهد الأمريكي الدولي، وخصوصاً القوى الدولية الأخرى وردود أفعالها على المشهد الذي رسمناه، وهو ما سنعمل في دراسة أخرى على تناوله لاحقاً.


للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:

>> ورقة علمية: القضية الفلسطينية وفريق السياسة الخارجية الأمريكي الجديد … أ. د. وليد عبد الحي (26 صفحة، 1.3 MB)


الهوامش:
[1] The Washington Post newspaper, 9/12/2020, https://www.washingtonpost.com/politics/2020/12/09/biden-israel-saudi-arabia-middle-east; Anne Marie Griebie and Aubrey Immelman, “The Political Personality of 2020 Democratic Presidential Nominee Joe Biden,” Working Paper No. 1.0, Unit for the Study of Personality in Politics, College of Saint Benedict and Saint John’s University, August 2020, https://digitalcommons.csbsju.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1131&context=psychology_pubs; The Power of America’s Example: The Biden Plan for Leading the Democratic World to Meet the Challenges of the 21st Century, https://joebiden.com/americanleadership; Heather Hurlburt, “Inside Joe Biden’s Foreign-Policy Worldview,” Foreign Policy magazine, 15/1/2021, https://foreignpolicy.com/2021/01/15/joe-biden-foreign-policy-relationships-united-states; and Israel Hayom newspaper, 8/11/2020, https://www.israelhayom.com/opinions/back-to-the-clinton-era
[2] L. S. Etheredge, “Personality Effects on American Foreign Policy, 1898–1968: A Test of Interpersonal Generalization Theory,” American Political Science Review journal, 72(2) 1978, pp. 434–451; and S. G. Walker (ed.), Role Theory and Foreign Policy Analysis (Duke University Press, 1987), pp. 161–198.
[3] Views on Israel of U.S. Presidential Candidates 2020: Joe Biden, site of Jewish Virtual Library, https://www.jewishvirtuallibrary.org/views-on-israel-of-u-s-presidential-candidates-2020-joe-biden
[4] Walid ‘Abd al-Hay, Academic Article: Trump’s Tour in the Arab Region and Its Future Implications, site of Al-Zaytouna Centre for Studies & Consultations, 1/6/2017, https://eng.alzaytouna.net/2017/06/01/academic-article-trumps-tour-arab-region-future-implications-dr-walid-abd-al-hay/#.YBJVYU_is2w
[5] Views on Israel of U.S. Presidential Candidates 2020: Joe Biden, site of Jewish Virtual Library, https://www.jewishvirtuallibrary.org/views-on-israel-of-u-s-presidential-candidates-2020-joe-biden
[6] The Washington Post newspaper, 9/12/2020, https://www.washingtonpost.com/politics/2020/12/09/biden-israel-saudi-arabia-middle-east
[7] Joshua A. Parker and David A. Anderson, “The Reality of the So-Called Pivot to Asia,” InterAgency Journal, Command and General Staff College Foundation Press, Simons Center for Interagency Cooperation, Vol. 7, Issue 1, Spring 2016, pp. 5–14.
[8] Views on Israel of U.S. Presidential Candidates 2020: Kamala Harris, Jewish Virtual Library, https://www.jewishvirtuallibrary.org/views-on-israel-of-u-s-presidential-candidates-2020-kamala-harris; and Anne Marie Griebie, Aubrey Immelman and Yitao Zhang, “The political personality of 2020 Democratic vice-presidential nominee Kamala Harris,” Working Paper No. 1.0, Unit for the Study of Personality in Politics, College of Saint Benedict and Saint John’s University, September 2020, http://digitalcommons.csbsju.edu/psychology_pubs/131
[9] The Washington Post, 11/1/2021, https://www.washingtonpost.com/lifestyle/style/doug-emhoff-kamala-harris-husband/2021/01/11/30ec038a-50e5-11eb-83e3-322644d82356_story.html
[10] Site of The Times of Israel, 24/11/2020, https://www.timesofisrael.com/where-blinken-stands-on-jewish-issues-from-immigration-to-israel; site of Cleveland Jewish News, https://www.clevelandjewishnews.com/jns/biden-s-foreign-policy-appointments-and-what-they-might-mean-for-israel/article_c1a63f48-33e5-578a-9d1f-43a10ac87c3b.html; The New York Times newspaper, 31/1/2017, https://www.nytimes.com/2017/01/31/opinion/to-defeat-isis-arm-the-syrian-kurds.html; and Jacob Kornbluh, A closer look at Biden’s foreign policy team, site of Jewish Insider, 24/11/2020, https://jewishinsider.com/2020/11/biden-blinken-foreign-policy
[11] The Jerusalem Post newspaper, 24/11/2020, https://www.jpost.com/israel-news/israel-can-sleep-easy-with-bidens-top-foreign-policy-picks-analysis-650147; Politico newspaper, 27/11/2020, https://www.politico.com/news/2020/11/27/jake-sullivan-biden-national-security-440814; site of algemeiner, 19/1/2021, https://www.algemeiner.com/2021/01/19/questions-for-incoming-national-security-advisor-jake-sullivan; and Politico, 3/4/2015, https://www.politico.com/story/2015/04/hillary-clintons-secret-iran-man-116647
[12] The Times of Israel, 9/12/2020, https://www.timesofisrael.com/biden-pitches-retired-general-lloyd-austin-for-us-secretary-of-defense/
[13] The Middle East in Transition, A Brookings Center for Middle East Policy, United States Central Command Conference, Washington, D.C., 22/7/2015, https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2016/06/Centcom-Proceedings-FINAL.pdf; Mark Perry, “Lloyd Austin Isn’t Who You Think He Is,” Foreign Policy, 16/12/2020, https://foreignpolicy.com/2020/12/16/lloyd-austin-isnt-who-you-think-he-is; The Jerusalem Post, 8/12/2020, https://www.jpost.com/middle-east/will-austins-appointment-see-israel-move-from-eucom-to-centcom-651479; and Statement of General Lloyd J. Austin Iii Commander U.S. Central Command before the House Armed Services Committee on the Posture of U.S. Central Command, 3/3/2015, site of The U.S. House of Representatives, Document Repository, https://docs.house.gov/meetings/AS/AS00/20150303/103076/HHRG-114-AS00-Wstate-AustinUSAL-20150303.pdf
[14] The Times of Israel, 11/1/2021, https://www.timesofisrael.com/biden-taps-veteran-diplomat-william-burns-to-head-cia; Haaretz newspaper, 12/1/2021, https://www.haaretz.com/middle-east-news/.premium.HIGHLIGHT-biden-william-burns-cia-director-where-iran-policy-israel-1.9441607; and William J. Burns, “An End to Magical Thinking in the Middle East,” site of Carnegie Endowment for International Peace, 8/12/2019, https://carnegieendowment.org/2019/12/08/end-to-magical-thinking-in-middle-east-pub-80520, sited from The Atlantic magazine.
[15] William J. Burns, The Back Channel: A Memoir of American Diplomacy and the Case for Its Renewal (Random House, 2019), pp. 112–146, 293–236, and 388–424.
[16] Site of Cleveland Jewish News, https://www.clevelandjewishnews.com/jns/biden-s-foreign-policy-appointments-and-what-they-might-mean-for-israel/article_c1a63f48-33e5-578a-9d1f-43a10ac87c3b.html; and Jacob Kornbluh, A closer look at Biden’s foreign policy team, site of Jewish Insider, 24/11/2020, https://jewishinsider.com/2020/11/biden-blinken-foreign-policy
[17] Site of Stanford News, 11/1/2021, https://news.stanford.edu/thedish/2021/01/11/biden-picks-brett-mcgurk-for-middle-east-role-at-the-national-security-council/; site of Middle East Eye, 8/1/2021, https://www.middleeasteye.net/news/biden-appoints-staunch-turkey-critic-brett-mcgurk-national-security-council
[18 Site of British Broadcasting Corporation (BBC), 15/12/2020, https://www.bbc.com/news/world-us-canada-39826934

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/2/2021



جميع إصدارات ومنشورات المركز تعبّر عن رأي كتّابها ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات



المزيد من المقالات والتحليلات السياسية: