مدة القراءة: 5 دقائق

بقلم: أ. د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

بعيداً عن الانطباعات المسبقة، وحملات الدعاية ضد الإخوان المسلمين المنتشرة في هذه الأيام، فإنه من المعروف، وسط الباحثين، أن إخوان فلسطين والبلاد العربية شاركوا في حرب 1948 بفعالية كبيرة، مقارنة بغيرهم، ووفق إمكاناتهم المتاحة. وهي مشاركة جعلتهم موضع احترام وتقدير شعب فلسطين والعرب والمسلمين بشكل عام، في ذلك الوقت.

في أواخر حرب 1948 قامت الحكومة المصرية بحظر جماعة الإخوان المسلمين (في 7 كانون الأول/ ديسمبر 1948)، كما قامت مخابراتها باغتيال الشيخ حسن البنا رحمه الله في 11 شباط/ فبراير 1949، واعتقلت الآلاف من أعضاء الجماعة ومؤيديها، وكان مصير الكثير من مقاتلي الجماعة في حرب فلسطين الاعتقال والسجن، حتى وهم عائدين من جبهات القتال.

لم يكن من المستغرب أن تكون فكرة استئناف العمل العسكري بعد النكبة، حاضرة في نفوس الإخوان المسلمين. وثمة ما يشير إلى أن بدايات عمل المقاومة المنظمة من قطاع غزة ومن الحدود المصرية، تعود إلى جهود كامل الشريف. فقد كان الشريف أحد قادة الإخوان المسلمين المصريين، من أبناء سيناء، الذين شاركوا في حرب 1948 في يافا وفي جنوب فلسطين. وقد تمرَّد كامل ورفاقه من الإخوان ومؤيديهم، على الهدنة بين مصر و”إسرائيل”، والتي عُقدت في آذار/ مارس 1949، وتابعوا القتال، بالرغم من وجود بيئة سياسية وأمنية مصرية تحارب الإخوان وتطاردهم (بعد حظر جماعتهم واغتيال مرشدهم). وكان الشريف ورفاقه يرون أنه إذا ما توقفت الحرب بين الجيوش النظامية، فإن حرب العصابات يجب أن تستمر، حتى تكون الجيوش العربية جاهزة لحرب جديدة. غير أن السلطات المصرية قامت باعتقاله ورفاقه في رفح، ثم أفرجت عنهم في أوائل 1950، واضطر للعودة إلى العريش.

ظلّ الشريف “مسكوناً” بفكرة الجهاد ضدّ الصهاينة، حيث أقام في مدينة العريش، وأخذ يعيد ترتيب شبكة للمقاومة المسلحة في قطاع غزة ومن الحدود المصرية، تحت المظلة الواسعة للإخوان. ومن الواضح أن كامل الشريف، ابن صحراء سيناء، وبما لديه من خبرة عسكرية ناجحة، قد فاز بثقة قيادة الإخوان في القاهرة، لتكليفه بمهام قتال الإسرائيليين، والتي أضيف إليها مهام قتال الإنجليز في قناة السويس (بعد أن قام رئيس الوزراء المصري النحاس باشا بإلغاء معاهدتي 1899 و1936 مع بريطانيا، في أواخر سنة 1951). وكان يتابعه تنظيمياً عضو مكتب الإرشاد الشيخ محمد فرغلي، والذي كان القائد العام لحملة الإخوان العسكرية في حرب فلسطين 1948.

وكانت إحدى العلامات المشجعة أن هناك المئات من الشباب الفلسطيني ممن تدرب في معسكرات الإخوان، في حرب 1948. وكان من أقرب المساعدين له الشيخ فريح المصدّر، ويوسف عميرة، والشيخ حسن الإفرنجي، وعبد الله أبو ستة (شيخ قبيلة الترابين)، ورمضان البنا، وصدقي العبادلة. ولم يكن كل مساعديه بالضرورة من الإخوان، وإنما كان العديد منهم شخصيات وطنية مستعدة للعمل تحت المظلة التي يوفرها الإخوان. وكان من بين “الإخوان” الذين نشطوا تحت إمرة الشريف في قطاع غزة خليل الوزير (أبو جهاد)، وعدد من رفاقه الذين سيصبحون من مؤسسي حركة فتح لاحقاً.

وفَّر كامل الشريف ورفاقه دعماً لوجستياً للعمل المقاوم، من خلال إنشاء معسكر للتدريب في القصيمة في سيناء (على بعد نحو 86 كيلومتراً جنوب شرقي العريش، قرب الحدود مع فلسطين المحتلة). وكان محمود الشريف (شقيق كامل) مشرفاً إدارياً ومسؤولاً عن التدريب والاتصال في المعسكر؛ حيث تمّ تدريب المئات من شباب البدو.

كما تلقى عدد من الفلسطينيين تدريباً عسكرياً في المعسكرات التي أقامتها الجامعات المصرية بعد تصاعد الأزمة مع الإنجليز في قناة السويس، منذ أواخر 1951 وحتى 1954. وكان ياسر عرفات أحد الفلسطينيين الذين تلقوا التدريب على يد مدربي الإخوان في جامعة فؤاد الأول (القاهرة) في تلك الفترة.

وكان معظم السلاح المتوفر سلاحاً خفيفاً يتناسب مع عمليات مقاومة محدودة، وزرع ألغام، ولكن لا يسمح بمواجهات واسعة مباشرة أو طويلة. وقد تواصل الضباط الأحرار مع كامل الشريف قبل ثورة يوليو 1952 (بمن فيهم جمال عبد الناصر، وصلاح سالم، وعبد الحكيم عامر)، على خلفية العلاقة معهم، والتي تعود إلى حرب فلسطين 1948، وزودوا الشريف بالسلاح. وقد قام الضابط محمود رياض مسؤول الاستخبارات العسكرية في الجيش المصري في قطاع غزة (أصبح لاحقاً الأمين العام لجامعة الدول العربية) بالمساعدة في تهريب هذه الأسلحة لاستخدامها ضدّ البريطانيين.

من جهة أخرى، فبالإضافة إلى الدعم المالي الذي يوفره الإخوان المصريون عن طريق الشيخ محمد فرغلي؛ فإن صادق المزيني (أحد قادة الإخوان في قطاع غزة) مسؤولاً أيضاً من جهة الإخوان الفلسطينيين، عن توفير الدعم المالي. كما كان الشيخ فريح المصدّر أحد أبرز مصادر هذا الدعم.

وقد تمّ تنفيذ الكثير من العمليات المسلحة تحت إشراف كامل الشريف في النصف الأول من الخمسينيات ضدّ الإسرائيليين. وتعاون معه في ذلك عدد من الشخصيات البدوية، وعلى رأسهم عبد الله أبو ستة، وعيّاد أبو درنة، وحسن الإفرنجي. وقد ذكر الشريف أنه وزّع الأسلحة على مجموعات منتخبة من البدو، وتحديداً قبيلة العزازمة، الذين نفذوا عمليات واسعة ضدّ الإسرائيليين في صحراء النقب، وحققت ارتباكاً كبيراً وذعراً في وسط اليهود الصهاينة أكثر مما توقع الشريف ورفاقه.

وكان عبده أبو مريحيل ومحمد حسن الإفرنجي، وكلاهما من البدو الأعضاء في جماعة الإخوان، يشكلان صلة الوصل بين الإخوان والبدو في القطاع؛ وقد عملا مباشرة تحت توجيه خليل الوزير. وكان يتم إخفاء المواد المتفجرة في بعض الأماكن، مثل مزرعة موسى سبيتة (أبو يوسف)؛ وبناء على تعليمات كامل الشريف، كانت المتفجرات تُؤخذ إلى نقاط محددة، حيث يقوم البدو بجمعها لاحقاً.

أما عياد أبو درنة ومجموعته من البدو من منطقة بير السبع، فقد انضموا للمقاومة تحت إشراف كامل الشريف. وقد استشهد في هجوم على مستعمرة نتزانا (Nitzana) في منطقة عوجة الحفير. وكان عياد من أبرز العاملين في الجانب العسكري، وقد أقلقت عملياته الصهاينة كثيراً.

وكانت المخابرات العسكرية المصرية تعتقل أحياناً، ولوقت محدود، بعضاً من رفاق كامل الشريف. ومع ذلك، فقد كان هناك مجموعة من الضباط (مرتبطون بشكل عام بالإخوان المسلمين وبالضباط الأحرار) يدعمون هذه العمليات، ويشاركون فيها. وهو ما كان يُسهل عمل المقاومة، ويوفر لها بيئة عمل أفضل.

* * *

مع أواخر سنة 1953 انتقل كامل الشريف إلى الأردن، حيث انتخب نائباً للأمين العام للمؤتمر الإسلامي الذي عُقد في القدس. ويبدو أن الإخوان أرادوا من نقله الاستفادة من موقعه في المؤتمر كغطاء لمتابعة عمله العسكري الجهادي عبر الضفة الغربية. إذ أشرف بنفسه على تحصين الحدود، ودعم حرس الحدود على خطوط الهدنة في الضفة الغربية. وقد تمّ جمع أموال كثيرة تحت غطاء المؤتمر لتسليح حرس الحدود (وهي قوة رسمية لكنها كانت ضعيفة التسليح والتدريب)، وكان جزء كبير من المال يذهب للعمل الفدائي السري الذي يشرف عليه الشريف. وقد أحضر الشريف أحد أبرز مدربي الإخوان العسكريين ممن شاركوا في حرب 1948، وهو عبد العزيز علي، وطلب منه تدريب العناصر الفدائية سراً. وقد تركز العمل من منطقتي القدس والخليل. وممن ساعد في العمل العسكري أبناء عبد النبي النتشة في الخليل، وكذلك عبد الرحيم الشريف الذي كان يعمل قاضياً في غزة، وكان له بيت في الخليل، حيث كانت تُرتب عن طريقهم العمليات. غير أن العمليات من سيناء والقطاع كانت أكثر من الضفة الغربية.

ويبدو أن ما ذكره خليل الوزير (في ذكرياته عن بدايات العمل المقاوم) حول تفعيل خط المقاومة الواصل بين غزة والخليل في الضفة الغربية، بعد هرب حمد العايدي إلى هناك سنة 1954، هو أمر متصل بنشاط كامل الشريف نفسه، نظراً للعلاقة القوية بينهما. غير أن السلطات الأردنية قامت بطرد كامل الشريف وكذلك عبد العزيز علي، بعد أن انزعج (رئيس أركان الجيش الأردني في تلك الفترة) جلوب باشا من نشاطهما، غير أنهما عادا للأردن، بعد طرد الملك حسين لجلوب في آذار/ مارس 1956، ولكن العمل العسكري كان قد توقف.

(يتبع)

ملاحظة: هذا المقال مستخلص من دراسة للكاتب، ويعتمد بشكل أساسي على مقابلات مع شخصيات شاركت في تلك المرحلة، بمن فيهم كامل الشريف نفسه؛ كما يستفيد من الوثائق والمراجع المتعلقة بتلك المرحلة.

* نظراً لعدم توفر صورة مناسبة تعكس مشاركة الإخوان في المقاومة في الفترة التي يغطيها المقال، فقد تم الإكتفاء بالصورة المرفقة.

تم نشر أصل هذا المقال في موقع عربي21، 17/1/2020


جميع إصدارات ومنشورات المركز تعبّر عن رأي كتّابها ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات



المزيد من المقالات والتحليلات السياسية: