مدة القراءة: 7 دقائق

تقدير استراتيجي (106) – تموز / يوليو 2018.English_Version

ملخص:

تمر القضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة بتحديات وجودية، كما يعاني المشروع الوطني الفلسطيني من أزمة خطيرة تتجسد بشكل خاص في الأزمات التي تعاني منها منظمة التحرير والتي تتمثل بأزمات قيادية وبنيوية وتنظيمية وسياسية، وهو ما أفقدها قدرتها على العمل والتمثيل والفعالية في تحديد المسار الأفضل للمشروع الوطني الفلسطيني.

وعلى الرغم من وضوح الرؤية لطبيعة الأزمة إلا أن القيادة الحالية للمنظمة أصرت على إعادة إنتاج المنظومة الفلسطينية من خلال عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني في نيسان/ أبريل 2018، خارج إطار التوافق الفلسطيني، وتحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي ودون مشاركة كافة القوى الفلسطينية، مما زاد من تعقيد الأزمة التي تمر به منظمة التحرير الفلسطينية.

وعلى ما يبدو فإننا أمام أربعة سيناريوهات محتملة وهي: إما بقاء الأمور على ما هي عليه وتجاوز المرحلة واستمرار القيادة والهيمنة “الفتحاوية”، أو إعادة قيادة منظمة التحرير النظر في قراراتها والعمل على إعادة بناء المنظمة على أسس تستوعب الكلَّ الفلسطيني، ووفق برنامج سياسي وعملي فعَّال. أو انتهاء دور المنظمة وحلول السلطة مكانها، أو اتساع دائرة المعارضة الفلسطينية وتشكيل تكتل وطني يعمل على إعادة ترتيب المشروع الوطني الفلسطيني، ويفرض رؤيته على القيادة الحالية للمنظمة.

وبدارسة المؤشرات المتاحة نجد أن الأمور خلال الفترة القصيرة والمتوسطة تتجه نحو ترجيح السيناريو الأول، بما يبقي الأزمة الخطيرة على حالها؛ وهو ما قد يدفع نحو تعزيز حظوظ السيناريو الرابع على المدى الطويل، إذا ما توفرت له متطلبات النجاح داخلياً وخارجياً.

أولاً: في الخلفيات التاريخية:

يعاني المشروع الوطني الفلسطيني من أزمة خطيرة تظهر أحد أبرز تجلياتها في الأزمة التي تعاني منها منظمة التحرير الفلسطينية حالياً. وهي أزمة متشعبة الأطراف سياسياً وبنيوياً وتنظيمياً وقيادياً، مما انعكس على قدرتها على التمثيل والعمل، وأفقدها الفعالية في الوصول إلى الهدف المنشود الذي أنشأت المنظمة من أجل تحقيقه؛ أي التحرير. وفي إطار الحديث عن الخلفية التاريخية للمنظمة لا بدّ من التأكيد على التالي:

1. تُعدّ المنظمة منذ قيامها “البيت المعنوي” للشعب الفلسطيني، والتي عُقدت عليها آمال كبيرة عند إنشائها لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، ولجمع قواه الوطنية في سبيل تحقيق مشروع التحرير. وعلى هذا الاعتبار دخلت المنظمات الفلسطينية بعد هزيمة 1967 لتثوير المنظمة، وإصراراً منها على التحرير من النهر إلى البحر وعليه تم استبدال الميثاق الوطني الفلسطيني بالميثاق القومي.

2. اكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية الشرعية العربية منذ نشأتها، حيث دفعت مصر بستينيات القرن العشرين بقوة باتجاه إنشاء كيانية فلسطينية تستوعب الحركات التي كانت تموج بها الساحة، وتضعها “تحت السيطرة”، وتعمل على مواجهة المشروع الصهيوني. وقد استطاعت المنظمة انتزاع الشرعية العربية الرسمية في قمة الرباط سنة 1974 والتي شكلت مدخلاً للشرعية الدولية، والتي تمثلت بمشاركة المنظمة في الأمم المتحدة بصفة مراقب في السنة نفسها.

3. شهدت منظمة التحرير الفلسطينية تراجعاً تدريجياً واضحاً نتيجة عدة عوامل؛ منها ما هو ذاتي يرتبط بضعف الأداء القيادي، وضعف قدرتها على تأطير كافة القوى والإمكانات الفلسطينية في مشروع التحرير، وتراجع أدائها المقاوم، وكذلك ضعف العمل المؤسسي داخل المنظمة، بالإضافة إلى عوامل موضوعية أخرى مرتبطة بالضعف والتراجع العربي وحرمانها من العمل المقاوم عبر الحدود، والضغوط الخارجية، ومحاربة خط المقاومة.

4. هيمنت حركة فتح على المنظمة منذ صيف 1968، وتبنت برنامج النقاط العشر سنة 1974، والتزمت بمسار التسوية السلمية حيث ظهر ذلك بشكل واضح في قرارات المجلس الوطني سنة 1988، إلى أن تم توقيع اتفاقية أوسلو والاعتراف بالكيان الإسرائيلي سنة 1993، مما أدى إلى إحداث انقسام وشرخ فلسطيني كبير، دفع بالقوى الفلسطينية المعارضة لاتفاق أوسلو إلى إنشاء تحالف الفصائل العشر. واستتبع قيام السلطة الفلسطينية تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني وإلغاء بنود تتعلق بـ”إسرائيل” وبالكفاح المسلح، مما حول بوصلة المنظمة من رعاية لمشروع التحرير إلى رعاية لعملية التسوية السلمية.

5. تضخمت السلطة الفلسطينية منذ إنشائها على حساب منظمة التحرير التي تقزمت ودخلت “غرفة الإنعاش”؛ لتصبح بعد ذلك عملياً أصغر من دائرة من دوائر السلطة، وتعطلت دوائر المنظمة وانهارت مؤسساتها وضاع دور فلسطيني الخارج؛ وباتوا خارج دائرة الاهتمام والرعاية، بينما ظلوا داخل دائرة التوظيف السياسي لمشروع التسوية.

6. تتمتع بعض القوى الفلسطينية المعارضة لمسار أوسلو بشعبية فلسطينية واسعة، إلا أنها ما تزال غير ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما يتيح استمرار هيمنة فصيل واحد (هو حركة فتح) على المنظمة، ويستمر باحتكار قيادة السلطة والمنظمة دون أن يمتلك بالضرورة الأغلبية الشعبية في الشارع الفلسطيني، مما جعلنا أمام أزمة حقيقية للمشروع الوطني الفلسطيني وأزمة النظام السياسي الفلسطيني.

ثانياً: انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني نيسان/ أبريل 2018:

لا يختلف واقع المجلس الوطني الفلسطيني عن باقي دوائر المنظمة التي دخلت “غرفة الإنعاش” والتي لا تُخرج منها إلا في الحالات الاستثنائية الشديدة، فبالرغم من الحالة المرضية الشديدة الذي يعاني منها المجلس الوطني استدعي سنة 1996 لإلغاء بنود من الميثاق الوطني، وكذلك سنة 1998 استدعي ليشهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون احتفالية تغيير الميثاق، وكذلك استدعي سنة 2009 بشكل طارئ واستثنائي لاستكمال أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة بعد وفاة ستة أعضاء.

وبالرغم من التفاهمات الفلسطينية منذ اتفاق القاهرة سنة 2005، على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وما تبعها من تفاهمات في وثيقة الوفاق الوطني سنة 2006، واتفاق القاهرة سنة 2011، وإعلان الدوحة سنة 2012، وما أكدت عليه اجتماعات بيروت في كانون الثاني/ يناير 2017 على ضرورة عقد مؤتمر فلسطيني تمثيلي توافقي خارج سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وبمشاركة كافة القوى الفلسطينية، إلا أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية (قيادة فتح) أصرت على عقد المجلس الوطني في رام الله تحت سطوة الاحتلال ودون مشاركة كافة القوى الفلسطينية.

وبناء على ما سبق فقد استفادت قيادة حركة فتح من البيئة العربية والدولية المؤيدة لمسار التسوية، وغير الراغبة في المشاركة الفاعلة للقوى الإسلامية ولقوى المقاومة المسلحة في المنظمة، وذلك لشرعنة هيمنتها من جديد على منظمة التحرير الفلسطينية بعد إعادة إنتاج منظومة منقوصة الشرعية التمثيلية للشعب الفلسطيني، وهو ما وضع المشروع الوطني الفلسطيني أمام مأزق خطير وحقيقي وزاد من تعقيد الأزمة، وأضعف قدرة النظام الساسي الفلسطيني على مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجهه مثل، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصفقة القرن، والاندفاع العربي نحو التطبيع، ومحاولات إنهاء قضية اللاجئين.

ثالثاً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل منظمة التحرير الفلسطينية:

السيناريو الأول: بقاء الأمور على ما هي عليه وتجاوز المرحلة في إطار استمرار القيادة والهيمنة الفتحاوية، والانتقال السلس بعد أبو مازن، سواء بتكريس استلام الرئاسات الثلاثة بيد شخصية فتحاوية أم من خلال توزيع الرئاسات بين ثلاث شخصيات. إلا أن هذا السيناريو يعني استمرار الأزمة الخطيرة التي يعاني منها النظام السياسي الفلسطيني، واستمرار تحييد وتهميش لقوى فلسطينية وازنة ذات شعبية واسعة، والتغافل عن إعادة بناء المنظمة وإعادة الاعتبار لمؤسساتها.

السيناريو الثاني: إعادة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية النظر في قراراتها السابقة، وظهور مستجدات تستدعي التراجع باتجاه تنفيذ اتفاقات المصالحة، كتعرضها لمزيد من الضغوط التي تنتقص من قدرتها على الإمساك بزمام الأمور، مثل اتساع دوائر المعارضة الفلسطينية الفصائلية والشعبية، ووفاة أبو مازن، وتزايد النزاع الداخلي داخل فتح، وتراجع الغطاء العربي والدولي.

السيناريو الثالث: انتهاء دور المنظمة و”وفاتها”، من خلال حلول السلطة الفلسطينية مكانها خصوصاً إذا ما أعطيت شكل “دولة”، وهو الدور العملي الذي لعبته السلطة طوال ربع قرن من الزمن دون إلغاء عنوان المنظمة التي كانت تُستدعى وقت الحاجة؛ كما حدث في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في 30/4/2018. غير أن المنظمة ما تزال عنواناً ضرورياً في كثير من الأحيان لقيادة حركة فتح والسلطة، استمراراً لاحتكار الشرعية التمثيلية التي تتمتع بها من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، ولمواجهة القوى الفلسطينية الأخرى، بالإضافة إلى ذلك فإن إنهاء عمل المنظمة نهائياً يتطلب توافقاً إقليمياً ودولياً، وهو أمر مستبعد في الوقت الحاضر.

السيناريو الرابع: اتساع دائرة المعارضة الفصائلية والشعبية وتكوينها غالبية واسعة قوية في الساحة الفلسطينية في مواجهة إصرار جهة متراجعة الشعبية والنفوذ على استمرار التحكم بالمنظمة وقيادتها، بما يدفع هذه المعارضة لتشكيل تكتل وطني تمثيلي يفرض على قيادة حركة فتح فكّ الأبواب الموصدة للمنظمة نحو شراكة حقيقية فاعلة، أو يعمل على إعادة ترتيب المشروع الوطني الفلسطيني بمرجعية بديلة.

وعلى الرغم من عمق الأزمة التي يعانيها المشروع الوطني، إلا أن القوى الفلسطينية الرئيسية مثل حماس والجهاد غير الممثلة في المنظمة لا تطرح خيار المرجعية البديلة، ومن جهة أخرى، فإن الفصائل الممثلة في المنظمة على الرغم من تحفظها على أداء المنظمة والاحتكار الفتحاوي لها، إلا أنه لا يبدو أن لديها الرغبة في تجاوز المنظمة عبر جسم بديل على اعتبار أن المنظمة استطاعت انتزاع اعترافات إقليمية ودولية بتمثيلها للشعب الفلسطيني. وما زالت البيئة الفلسطينية العامة تميل إلى الضغط على فتح باتجاه فتح أبواب المنظمة لشراكة حقيقية وإعادة بناء المشروع الوطني تحت سقف المنظمة.

رابعاً: نقاش في السيناريوهات والسيناريو المرجح والسيناريو المرغوب:

على ما يبدو فإن السيناريو الأول هو المرجح في المدى القريب والمتمثل ببقاء الأمور على ما هي عليه واستمرار القيادة والهيمنة الفتحاوية على منظمة التحرير الفلسطينية، ومما يعزز قوة هذا السيناريو:

1. الخطوة التي قام بها عباس بعقد لقاء المجلس الوطني في رام الله؛ والتي كرس من خلالها حالة الوضع الراهن بشكله المأزوم والمنقوص أو فاقد الشرعية.

2. البيئة العربية والدولية الداعمة لمسار التسوية والمُحارِبة لمسار المقاومة، وللتيارات الإسلامية الحركية.

أما بالنسبة للسيناريو “المرغوب” فهو السيناريو الثاني، أي إعادة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية النظر في قراراتها السابقة، وتنفيذ اتفاقات المصالحة وخصوصاً ما يتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية في إطار المحافظة على الثوابت. وهو ما ينسجم مع متطلبات المرحلة ويحمي القضية الفلسطينية من كافة ما يحوم حولها من صفقات ملغومة تعمل على تصفيتها، ويحافظ على المشروع الوطني الفلسطيني، ويعيد ترتيب النظام السياسي الفلسطيني، إلا أن هذا السيناريو ما زال مستبعداً للأسف في الوقت الراهن للاعتبارات التالية:

1. إن هذا السيناريو لا ينسجم مع عقلية وممارسات القيادة الفلسطينية في رام الله التي تعودت على الاستئثار بصناعة القرار الفلسطيني طوال الخمسين سنة الماضية.

2. عجز القوى الفلسطينية المنضوية في المنظمة والمعارضة لمسار التسوية ولاتفاق أوسلو عن الضغط من داخل المنظمة بشكلٍ كافٍ لدفع قيادة فتح لتفعيل عملية إصلاح وإعادة بناء المنظمة.

3. الفيتو الأمريكي والإسرائيلي “الغائب الحاضر” في تحديد مسارات المصالحة الفلسطينية وضمّ قوى المقاومة والقوى الإسلامية إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

4. البيئة العربية الضعيفة والمنقسمة، واندفاع بعض الدول العربية نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلية والانسياق مع السياسة الأمريكية في المنطقة.

خامساً: مقترحات وتوصيات:

1. عقد ملتقيات وطنية فلسطينية في مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، تشارك فيها مختلف القوى الفلسطينية للضغط باتجاه إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني ومواجهة “صفقة القرن” والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

2. تشكيل لجان وطنية في كل مكان تضم كافة القوى الفلسطينية، بالإضافة إلى شخصيات فلسطينية مستقلة للضغط باتجاه تطبيق اتفاق المصالحة وفق وثيقة الوفاق الوطني.

3. مطالبة كافة الفصائل الفلسطينية المعارضة لمسار التسوية، وخصوصاً المشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية بالضغط لتفعيل إصلاح المنظمة ولرفع العقوبات عن قطاع غزة.

4. تسريع إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية للسلطة الفلسطينية.

5. دعوة الإطار القيادي المؤقت للشعب الفلسطيني، لترتيب إجراء انتخابات جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج، على أسس ديموقراطية نزيهة وشفافة، بحيث يعبر عن الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني، وينتخب قيادة تُمثِّل تطلعاته الحقيقية في الحرية والعودة والتحرير.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ وائل سعد بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.


لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

>> تقدير استراتيجي (106): منظمة التحرير الفلسطينية: إلى أين؟!
(12 صفحة، حجم الملف 738 KB )



>> تقدير استراتيجي (106): منظمة التحرير الفلسطينية: إلى أين؟!
(12 صفحة، حجم الملف 648 KB )


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 7/7/2017