مدة القراءة: 4 دقائق

 “ورقة عمل: المصالحة الفلسطينية: الواقع والآفاق …  أ.أبو عماد الرفاعي” (نسخة نصيّة HTML)

للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (7 صفحات، 466 KB)

قدم أ. أبو عماد الرفاعي هذه الورقة في مؤتمر “المصالحة الفلسطينية: الآفاق والتحديات”، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت بالتعاون مع مركز إفريقيا والشرق الأوسط AMEC (ومقره جنوب إفريقيا) في 25-26/3/2015.

ورقة ورقة عمل: المصالحة الفلسطينية: الواقع والآفاق …  أ.أبو عماد الرفاعي* [1]

تقف قضيتنا اليوم أمام تحديات كبرى تحيط بها من كل حدب وصوب. لقد فرضت التطورات التي شهدتها منطقتنا، على مدى السنوات الخمس الماضية، نفسها على قضية فلسطين، أدت إلى تراجع الاهتمام الشعبي والرسمي بها، الأمر الذي مكّن العدو الصهيوني ورعاته الإقليميين والدوليين من الاستفراد بالواقع الفلسطيني، وفرض وقائع هدفها تصفية القضية برمتها، والمضي في محاولات شطبها وإلغائها. وقد تجلّى هذا التراجع في التهميش المتعمد لمكانة القضية الفلسطينية من على سلّم الأولويات، الرسمي والشعبي، لصالح قضايا أخرى.

وسط هذه التطورات، سيطر على المشهد الفلسطيني نموذجان من الأداء: نموذج التسوية واستمرار الرهان على المتغيرات السياسية الصهيونية والأميركية والغربية، ونموذج المقاومة التي راكمت من قدراتها، نوعاً وكمّاً، وخاضت ثلاث حروب متتالية، استطاعت خلالها أن تفرض تحدياً وجودياً على الكيان الصهيوني، وأن تفشل جميع أهدافه في كل الاعتداءات التي شنها، وحافظت على قدراتها.

لم يستطع خيار التسوية تحقيق أيّ من أهدافه، على مدى عقدين من الزمن، تمتّع خلالها بكامل الدعم الدولي وبعض النظام العربي، رغم كل التمويل الذي أغدق عليه، ورغم كثرة المبادرات والمؤتمرات التي عقدت لأجله. لم ينتج الرهان على الإدارة الأميركية، وعلى التمويل الأوروبي، وعلى المتغيرات الداخلية الصهيونية، سوى تعميق مأزق الفريق الفلسطيني المفاوض، الذي يجد نفسه اليوم مكبلاً باتفاقات مع العدو، ومرتبطاً به، بحيث لم يعد بمقدوره تنفيذ قرار تتخذه أعلى مؤسسة سياسية. وكلنا يعلم أن قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير بوقف التنسيق الأمني مع العدو هو قرار غير قابل للتطبيق. أما ما هو أشد من ذلك وأنكى، فهو أن خيار المفاوضات لم يستطع وقف الاستيطان في الضفة والقدس، والتي من المفترض أنها وبمقاييسهم أراض الدولة الفلسطينية التي اختزل فيها كامل حقنا في وطننا فلسطين.

في المقابل، استطاع خيار المقاومة أن يفرض على العدو الصهيوني تحدياً وجودياً، رغم الحصار المفروض على المقاومة، دولياً وعربياً، ورغم المؤامرات التي تستهدف تقويضها وإنهاكها وابتزازها. وإن كانت مقولة إن عدم قدرة الكيان الصهيوني على القضاء على المقاومة كافياً لإعلان انتصارها صحيحة، إلا أن المقاومة فعلت أكثر من مجرد الحفاظ على نفسها. لقد أثبتت المقاومة أن جيش العدو الصهيوني قابل للهزيمة، بعد أن دمرت ألوية النخبة لديه، وبعد أن سحقت جنوده، ومنعت قيادته من تحقيق أي من أهدافها، واستطاعت قصف مستعمرات العدو وعاصمته. لقد أثبتت المقاومة أنه يمكن تحدي كل الإملاءات، وإفشال كل المؤامرات، بالرهان على إرادة شعبنا وصموده وقدراته.

أيها السادة،

يتحدث البعض أن كلا الخيارين، خيار المفاوضات وخيار المقاومة، في مأزق، وهو استنتاج غير صحيح، لأنه مبني على الشكل دون المضمون. فمأزق التسوية ناتج عن خلل في فهم طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني والدور الذي يلعبه الكيان في المشروع الغربي في منطقتنا. مأزق مشروع التفاوض هو أنه يراهن على رعاة المشروع الصهيوني لفرض تنازلات عليه، ويتوهم أن بإمكانه الرهان على الخلافات الثانوية بين الغرب والكيان. ولذلك، فهو لا يتورع عن قمع أي تحرك فلسطيني في وجه الاحتلال، والقضاء على كل إمكانية لانتفاضة جديدة في مهدها. أما مأزق مشروع المقاومة فهو ناتج عن حجم الحصار المفروض عليها، وعن محاولات فرض شروط عليها عبر ابتزازها بحاجات أهلنا الأساسية، من دواء وغذاء وماء وكهرباء وغيرها. إن الرهان الأساسي للمقاومة هو على شعبها وإرادته واحتضانه لها، واستعداده لتقديم كل التضحيات. ولذلك، نرى أهالي غزة يدفعون اليوم غالياً ثمن صمودهم، عبر منع إعادة الإعمار، وتشديد الحصار.

أيها الإخوة،

أمام هذا المشهد، يمثل استمرار الانقسام الفلسطيني مقتلاً للقضية الفلسطينية. ذلك أن استمرار الانقسام يسمح للدول الغربية بطرح مبادرات مسمومة، كتلك التي نسمع عنها بين الحين والآخر، مثل فصل القطاع عن الضفة، وعن كامل فلسطين، مقابل إغراءات ببناء مطار أو ميناء، يصل القطاع بالعالم أجمع، بعد أن يفصله عن عمقه العربي وعن فلسطين. أو كتلك التي نسمعها عن ترحيل أهلنا من داخل المناطق المحتلة سنة 1948. ومشاريع تصفية قضية اللاجئين أكثر من أن تحصى في هذا المقام.

شكّل الانقسام فرصة للعدو الصهيوني، عمل على استغلالها، لتسريع مشاريعه في تهويد القدس، وتقسيم المسجد الأقصى، وطرد المقدسيين، ومصادرة الأراضي في الضفة والجليل، وسرقة الآثار وتزوير التاريخ. صحيح أن العدو كان يمارس كل هذه الاعتداءات قبل الانقسام، ولكنه وجد في الانقسام فرصة سانحة لتسريع وتيرة تنفيذ مخططاته، ولا سيما في ظلّ التنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة، واعتقال المقاومين في الضفة، والتعهد بقمع أيّ انتفاضة جديدة. والدليل على ذلك أن العدوان الأخير على غزة جاء رداً على إعلان حكومة التوافق الوطني، كما صرح نتنياهو نفسه، الذي أحس أنه يستطيع الاستفراد بالضفة الغربية، وبالقدس، ويذهب إلى حدّ اشتراط يهودية “إسرائيل” في المفاوضات.

إن الحال الذي وصل إليه وضع قضيتنا، في ظل التغيرات التي تشهدها منطقتنا، وفي ظل فشل سياسة التفاوض والرهان على الغرب، يفرض علينا جميعاً إنهاء حالة الانقسام والاتجاه نحو المصالحة، على قاعدة تحقيق مصالح شعبنا وأهدافه، والرهان على إرادتنا ومقاومتنا. فالمصالحة التي نتطلع عليها تعني إعادة الإمساك بأوراق القوة الحقيقية، قوة شعبنا وإرادتنا، والتوقف عن الرهان على الإرادة الغربية أو التناقضات الثانوية، أو الاستقواء بالمحاور الإقليمية.

ولذلك فإننا، في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ندعو إلى ضرورة إنهاء الانقسام، والذهاب إلى تحقيق المصالحة بشقيها: الشق التقني، المتعلق بالسلطة وأجهزتها وما يستتبع ذلك من إيجاد حلول لقضايا المعاشات والمعابر والتقاسم الوزاري ودمج الموظفين، وما إلى ذلك، والشق السياسي المتعلق ببلورة استراتيجية سياسية موحدة، تقوم على أساس تحقيق الأهداف التي لا نختلف حولها، ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف حوله، بما يحفظ حقوق شعبنا في كامل أرضه، ويصون حقّ العودة لشعبنا، ويحمي المقاومة ويقويها. هذا الشق من المصالحة له الأولوية في اهتمامنا، مع استعدادنا الكامل للمساعدة في تقريب وجهات النظر وإيجاد الحلول فيما يتعلق بالقضايا التقنية.

وإننا نرى أن المدخل الطبيعي لتحقيق المصالحة هو في الدعوة إلى عقد اجتماع للإطار القيادي الموحد، بهدف إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ووضع استراتيجية فلسطينية موحدة.

أيها الإخوة،

إن الرهان الحقيقي هو الرهان على وحدتنا الداخلية، التي ترتكز إلى قدرات شعبنا وتضحياته ومقاومته، وتحفيز طاقاته، في مشروع وطني مقاوم. والمصالحة هي المدخل إلى الوحدة الوطنية، التي نحتاج إليها لإعادة فرض قضيتنا على رأس سلّم الأولويات في المنطقة، وإعطائها المكانة التي تستحق كقضية مركزية للوطن العربي والعالم الإسلامي، الذي سيدرك عاجلاً أم آجلاً أنه يحتاج إلى فلسطين أكثر مما تحتاج هي إليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (7 صفحات، 466 KB)

[1] ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان.