مدة القراءة: 24 دقائق

 “نص مهم: العلاقات الدولية لحركة حماس … أ. أسامة حمدان” (نسخة نصيّة HTML)

 لتحميل النص اضغط هنا  (25 صفحة، 741 KB)

هذا النص هو نصّ مقابلة مكتوبة (تمت بالمراسلة الإلكترونية) أجراها الدكتور محسن محمد صالح (بيروت، لبنان) مع الأستاذ أسامة حمدان (بيروت، لبنان)، وتمّ اعتماد النص من أ. أسامة في 3/3/2014. وقد وُضعت التساؤلات هنا على شكل عناوين ومحاور للمساعدة في انسيابية النص وسلاسته. وقد تمّ نشره في كتاب “حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة”، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح، والذي صدر نصه العربي عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت سنة 2014.

تمّ رفع هذه النسخة الإلكترونية على موقع الزيتونة في آب/ أغسطس 2015.

نص مهم: العلاقات الدولية لحركة حماس … أ. أسامة حمدان* [1]

مقدمة:

يركز هذا الفصل على أسس العلاقات الخارجية لحركة حماس وضوابطها؛ كما يدرس تطور علاقات الحركة والمصاعب والتحديات التي واجهتها منذ انطلاقتها سنة 1987؛ خصوصاً مع التزامها ببرنامج المقاومة وبمنهجها الإسلامي، ورفضها الاعتراف بـ”إسرائيل”، والدور الذي تلعبه هذه الأخيرة واللوبي Israel Lobby المؤيد لها في تشويه صورة حماس الخارجية. كما يتعرض الفصل إلى تأثير اعتبار حركة حماس “حركة إرهابية”، وفق اللائحة الأمريكية لـ”الإرهاب”، على علاقاتها الخارجية، ويقدم في النهاية ملاحظات حول نجاحات الحركة وإخفاقاتها في مجال العلاقات الخارجية.

أولاً: أسس وضوابط علاقات حماس الخارجية:

منذ بدايات علاقاتها السياسية الخارجية اعتمدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جملة من المبادئ والسياسات، التي شكلت ركيزة أساسية لإقامة هذه العلاقات ابتداء، ثم لتطويرها وتوسعتها. ومنذ بدايات علاقاتها السياسية، ومن خلال دراسة تجربة العلاقات السياسية للفصائل والقوى الفلسطينية، بشكل خاص، وقوى التحرر الثوري بشكل عام، أدركت قيادة الحركة أن النجاح في هذه العلاقات وتحقيق الأهداف المطلوبة منها منوط بمبادئ يمكن إيجازها بالنقاط التالية:

1. العلاقات السياسية للحركة جزء من منظومة نضال متكاملة ضدّ الاحتلال، وهي وإن استندت إلى المقاومة فكراً وفعلاً، فهي تتكامل مع فعل المقاومة المسلحة، وتدعم سياسياً إنجازاتها الميدانية.

2. لا بدّ لعلاقات الحركة أن تستند إلى رؤية استراتيجية للعمل السياسي واضحة الأهداف (مرحلياً واستراتيجياً)، والتي بدورها لا بدّ أن تكون منبثقة من استراتيجية التحرير.

3. ولتحقيق ذلك فلا بدّ أن تدار العلاقات السياسية للحركة بطريقة مؤسسية كاملة، تضمن سلامة المسار السياسي للحركة، واستمرارية الأداء السياسي، وحسن أداء العلاقات السياسية، ولا تتأثر سلباً بالتغيرات التي قد تحصل في البيئة الداخلية للحركة وفي أطرها القيادية، وتنجح في التعامل مع كل تطورات البيئة الخارجية، وتكون قادرة على المواصلة في مواجهة كل التحديات في معركة طويلة النفس مع العدو.

4. وفي هذا السياق فإن قاعدة المصالح في علاقات الحركة السياسية تستند دائماً الى مصالح الشعب الفلسطيني وقضيته، وبغض النظر عن طبيعة العلاقات السياسية المتاحة، وفرصها التي قد تبدو أحياناً مغرية، فإن علاقات الحركة يجب ألا تتعارض أو تؤثر سلباً على المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني وقضيته.

5. ومن هذا المنطلق فإن الاستفادة من دروس التجربة الفلسطينية مسألة حيوية، منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين وحتى انطلاق الحركة سنة 1987، مروراً بكل التجارب الناجحة والمريرة في مسيرة نضال الشعب الفلسطيني. ولم تتعامل الحركة مع تجربة العلاقات السياسية الفلسطينية من منطلق سلبي، أو من منطلق أن كل ما فعله غيرها خاطئ، بل تعاملت معها من منطلق نقدي وطني، استفاد من تجاربها الناجحة، واجتهدت الحركة في الوقت عينه بتجاوز عثراتها وأخطائها.

6. وكان لإيمان الحركة بانتماء الشعب الفلسطيني لأمته، مكانة مهمة في إدارة علاقاتها السياسية، إذ آمنت الحركة أن الشعب الفلسطيني جزء أصيل من الأمة العربية والإسلامية، وهي بهذا المعنى تمثل عمقه الاستراتيجي، والحضن الأساسي لحمايته ودعم قضيته. دون إغفال للبعد الإنساني الذي يدفع كثيراً من أحرار العالم لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته، ويفتح الباب لدعم مقاومته ودعم نضاله حتى نيل حقوقه كافة.

7. البحث عن المشترك في العلاقات، والاتفاق على نقاط الالتقاء والعمل لتعزيزها وتوسيعها مهما كانت التباينات الأخرى، شكل أساساً في بناء علاقات الحركة السياسية، إذ لا يمكن أن يكون أساس العلاقات السياسية التطابق الكامل دائماً. كما أن التباين في المواقف أو الرؤى تجاه قضايا غير قضية فلسطين يجب ألا يكون مانعاً لبناء علاقات تخدم القضية الفلسطينية.

8. وفي سياق علاقاتها السياسية، حرصت الحركة دائماً على استقلالية قرارها مع انتمائها للأمة، ورفض التبعية في أيّ من علاقاتها السياسية، ورفضت الحركة دائماً أن تكون تحت جناح طرف أو فريق مهما كانت حالة الانسجام والتوافق وحسن العلاقات، كما رفضت الحركة بناء أيّ شكل من العلاقات على قاعدة التوظيف السياسي لها أو لأدائها لصالح أجندات قد تتعارض مع مبادئها، أو مع مصالح الأمة أو مع مصلحة إنسانية عامة.

9. وفي كل أدائها السياسي ظلت قاعدة الأخلاقيات والضوابط الإسلامية حاكمة في أداء الحركة وعلاقاتها، ونجحت الحركة في نحت تجربة جديدة في بناء وإدارة العلاقات السياسية، تتعامل فيها مع الواقع بكل مكوناته، ومع احتياجات العمل السياسي بتفاصيله، دون أن يكون ذلك متناقضاً أو متعارضاً مع منظومة القيم والأخلاق والضوابط الإسلامية.

معايير وضوابط بناء حماس لعلاقاتها الخارجية:

بناء على المبادئ والأسس التي انطلقت منها الحركة في بناء علاقاتها السياسية الخارجية، فقد اعتمدت الحركة جملة من السياسات في إنشاء وإدارة وتطوير علاقاتها الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي، ويمكن تلخيص أهم هذه السياسات في النقاط التالية:

1. الكيان الصهيوني العدو الوحيد للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة، ومنها حركة حماس، وينطلق العداء له من كونه محتلاً للأراضي الفلسطينية ومغتصباً لحقوق الشعب الفلسطيني، والحركة بناء على ذلك ليس لديها مشكلة في التعاطي مع أيّ طرف إقليمي أو دولي، فالطرف الوحيد الذي لا تتعامل معه هو الذي احتل الأراضي الفلسطينية ودمر الحياة الفلسطينية وشرد اللاجئين.

2. اعتمدت الحركة منهج الانفتاح على قاعدة الحقوق الوطنية الفلسطينية وفي إطار حقّ الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره وعلى قاعدة إنهاء الاحتلال.

3. التزمت الحركة سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت أيّ ظرف.

4. بنت الحركة علاقاتها على المستويين الشعبي والرسمي، بطريقة تحافظ فيها على علاقتها مع الدولة ومؤسساتها، كما أقامت علاقات على المستوى الشعبي إدراكاً من الحركة لأهمية العلاقات الشعبية، ونجحت الحركة في تحقيق ذلك من خلال الوضوح في العلاقات. وكانت سياسة الحركة عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول عاملاً مهماً في نجاح الحركة في بناء علاقات رسمية وشعبية في آن واحد.

5. علاقات حماس مع الدول ليست موجهة ضدّ دول أو أطراف أخرى، إنما هي علاقات موجهة لصالح القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، لذلك لا يمكن لحركة حماس أن تكون في محور يخوض معركة ضدّ تكتل أو محور آخر على صعيد السياسة الإقليمية والدولية، لكنها تسعى لأن تكون علاقاتها قائمة مع الجميع على أساس دعم القضية الفلسطينية.

6. الوضوح في مواقف الحركة ورؤيتها السياسية؛ ما أكسبها مصداقية مهمة على صعيد العلاقات السياسية.

7. عمل الحركة هو في داخل الأراضي المحتلة، وهو موجود بشكل مباشر ضدّ الاحتلال على أرض فلسطين، وبالتالي فإن الحركة لا تمارس عملاً عسكرياً ضدّ أيّ دولة أو على أرض أيّ دولة. وقد أدت هذه السياسة إلى إدراك جميع الأطراف الإقليمية والدولية، أن العمل المقاوم ضدّ الاحتلال ليس أمراً عبثياً، أو رغبة مجردة في القتال، بل هو أداء نضالي وطني موجه ضدّ محتل. وعلى الرغم من كل الاتهامات التي كالها الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) ضدّ الحركة، لكن هذه السياسة كان لها بشكل عام أثر إيجابي داعم في علاقات الحركة الخارجية.

8. شكل وطبيعة العلاقات الثنائية يتم تحديدها بالتوافق مع الجهات التي تقوم العلاقات معها.

ثانياً: المصاعب والتحديات الخارجية:

تواجه عملية بناء العلاقات السياسية لأي طرف جملة من المصاعب والتحديات، ولم تكن حركة حماس استثناء في ذلك. فقد واجهت، وما تزال، جملة من المصاعب والتحديات ارتبط بعضها بالبيئة السياسية والإقليمية، وارتبط بعضها بظروف الحركة الذاتية وتطور أدائها ونموها، ويمكن استعراض هذه التحديات في السياق التالي:

1. مرحلة الانطلاقة (1987-1990):

كانت بدايات ظهور الحركة على الساحة السياسية الفلسطينية كفصيل وطني فلسطيني بمرجعية إسلامية، وقد كانت التحديات في معظمها فلسطينية. إذ لم تكن حركة فتح ومنظمة التحرير سعيدة بهذا التطور في البيئة السياسية الفلسطينية، لا سيّما أن الإعلان عن انطلاقة حماس تزامن مع انطلاق الانتفاضة المباركة (وهي التسمية التي انتشرت في تلك الفترة، وتبنتها حركة حماس). وفي ظلّ بيئة عربية سياسية تعاملت مع الحالة الفلسطينية في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 كعبء، وفي ظلّ حالة من التقلُّب السياسي والقلق من قبل قيادة فتح وم.ت.ف، الناشئ عن الخوف من نهاية الدور السياسي. وفي ظلِّ الضغوط التي كانت تستعجل هذه القيادة في الذهاب لعملية سياسية مع الاحتلال، لم تكن تمانع فيها، ولكنها لم تكن مقبولة للانخراط فيها بشكل مباشر، بل عبر ممثلين من الداخل الفلسطيني ومن خلال دور إقليمي يقوده الأردن. وبالرغم من استعدادها لذلك من خلال زيارة ياسر عرفات للقاهرة سنة 1983، ثم التفاهم الأردني الفلسطيني سنة 1984، إلا أن قيادة فتح وم.ت.ف لم تكن مستعدة للقبول بما يمكن أن يؤدي لتشكيل قيادة فلسطينية يمكن أن تَحُلَّ مكانها، بل حتى وجود رموز سياسية وطنية منافسة.

مع انطلاق الانتفاضة الأولى، شعرت هذه القيادة أنها أمام فرصة ذهبية لتكريس زعامتها وقيادتها للشعب الفلسطيني والمضي في عملية تسوية سياسية مباشرة مع الاحتلال، لكن الإعلان عن انطلاقة حماس أوجد لدى هذه القيادة تحديان أساسيان، تمثل أولهما في شرعية القيادة في ظلّ حركة تنطلق داخل الأراضي المحتلة مستندة إلى إرث الحركة الإسلامي الطويل والعميق في الواقع الفلسطيني، وثانيهما، في رفض هذه الحركة لتسوية مع العدو، والدعوة للجهاد من أجل تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ما شكل أزمة لنظرية “الأرض مقابل السلام”.

وقد حاولت قيادة فتح وم.ت.ف آنذاك تشويه صورة الحركة والتحريض عليها لدى الأطراف العربية والإسلامية أملاً في عزلها سياسياً، ومن ثم التعامل معها كشأن داخلي فلسطيني محدود. وبالرغم من كل ما فعلته قيادة م.ت.ف آنذاك، فقد ظلّ أثر هذه الجهود محدوداً لقرب حماس من الحالة الشعبية عربياً وإسلامياً، والتي استقبلت انطلاقة حماس بترحاب واستعادة للأمل بالتحرير بعد أحداث الفترة الممتدة (1982-1986).

وبالرغم من أن الحركة كانت تمارس عملها السياسي منذ البداية، إلا أنه قد تمّ تشكيل أول لجنة سياسية متخصصة فيها سنة 1989؛ حيث قامت بوضع أسس عملها وحدَّدت مسؤولياتها، وتابعت التطورات السياسية والإعلامية، وقدمت العديد من الدراسات والاقتراحات. كما حاولت في السنة نفسها ترتيب بعض اللقاءات السياسية وإرسال وفود إلى بعض الدول. وكانت أول محاولة اللقاء مع القيادة العراقية لكنها لم تتم.

2. مرحلة (1990-1992):

تميزت هذه المرحلة، على قصرها، بحدثين أساسيين على المستوى الإقليمي تركا أثراً بارزاً على القضية الفلسطينية وعلى علاقات حركة حماس السياسية.

تمثل الحدث الأول في احتلال الكويت وما أعقبه من عملية عاصفة الصحراء، أما الحدث الثاني فقد كان عقد مؤتمر مدريد للسلام. وقد أتاح الحدث الأول حضوراً بارزاً لحماس على صعيد العلاقات السياسية، فقد شاركت الحركة في وفد الوساطة الشعبي العربي الذي سعى لإنهاء احتلال الكويت من خلال تسوية عربية، ما أعطى الحركة فرصة على صعيد العلاقات السياسية على المستوى العربي، لا سيّما مع دول الخليج العربي، وخصوصاً المملكة العربية السعودية والكويت، بالإضافة إلى العراق وليبيا والأردن واليمن والسودان، من خلال زيارات لعواصم هذه الدول، كما بدأت اتصالات ولقاءات مع ممثلين لدول إسلامية (إيران وباكستان).

أما فيما يتعلق بانعقاد مؤتمر مدريد فقد عدَّت الحركة هذا المؤتمر تهديداً للقضية الفلسطينية، لا سيّما أنه جاء في أعقاب عاصفة الصحراء، والتي كان من آثارها السياسية إضعاف الموقف السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانقساماً عربياً من شأنه إضعاف الموقف العربي عموماً.

وفي أواخر سنة 1991، تمّ تعيين إبراهيم غوشة ناطقاً رسمياً باسم حماس، وسعت الحركة في هذه المرحلة لتأسيس العلاقات مع جميع هذه الأطراف التي تراوحت مواقفها بين عملية استطلاع وتعرّف على الحركة وأفكارها ومنطلقاتها الفكرية ورؤيتها السياسية، فيما كانت مواقف أطراف أخرى تصل إلى حدّ الانفتاح والتجاوب مع سعي الحركة لبناء هذه العلاقات.

وقبل نحو أسبوعين من نهاية سنة 1992، قام الكيان الإسرائيلي بإبعاد 415 قيادياً إسلامياً من الضفة والقطاع منهم 385 محسوبين على حماس و15 محسوبين على الجهاد الإسلامي. وقد أدت قضيتهم الإنسانية وصمودهم في مرج الزهور ورفضهم للإبعاد، إلى أن تأخذ قضيتهم أبعاداً عالمية. ومثَّل ذلك قفزة نوعية لعمل حماس السياسي والإعلامي الدولي.

3. مرحلة أوسلو (1993-2000):

مثّل انعقاد مؤتمر مدريد في 30/10/1991 نقطة تحول على صعيد النضال الوطني الفلسطيني، وقد ترك الإجماع العربي والدولي على دعم المؤتمر آنذاك، والمشاركة العربية فيه آثارهما على علاقات الحركة التي رفضت انعقاد المؤتمر ورأت أنه يهدد القضية، وأن الهدف من المؤتمر هو تصفية القضية الفلسطينية. وجاء اتفاق أوسلو في نهايات سنة 1993 ليؤكد صدق تقدير الموقف الذي تبنته الحركة.

وعلى الرغم من تشكيك أطراف عديدة حول إمكانية تحقيق السلام، إلا أن قوة الدفع الإقليمية والدولية كانت تقف في مجملها إلى جانب عملية التسوية، لا سيّما بعد تشكيل السلطة الفلسطينية في غزة وأريحا أولاً، ثم توسعها في مناطق عديدة في الضفة الغربية.

وعلى الرغم من أن العلاقات على المستوى العربي لم تشهد حالة من القطيعة، لكنها شهدت تحفظاً وبروداً لدى عدد من الأطراف العربية، وصولاً إلى مشاركة كثير من هذه الأطراف في مؤتمر شرم الشيخ سنة 1996 الذي استهدف تصفية المقاومة الفلسطينية، لا سيّما حركة حماس. وفي المقابل، فقد توسعت العلاقات وتطورت إقليمياً مع عدد من الدول العربية، ومع إيران.

وكان لأجواء صمود الأخوة المبعدين في مرج الزهور أثر مهم في علاقات الحركة السياسية، إذ دفعت إلى الأمام الاتصالات مع العديد من الدول العربية، كما فتحت أفاقاً مهمة في العلاقة مع دول إسلامية، وقامت حماس بعدد من الاتصالات مع السفارات الغربية في الأردن، سعياً لدعم قضية المبعدين وعودتهم؛ فجرت اتصالات ولقاءات مع سفراء بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، والنرويج، ومع المستشار السياسي في السفارة الأمريكية. غير أن الخارجية الأمريكية أصدرت في أواخر آذار/ مارس 1993 قراراً بحظر الاتصال بحماس. فيما اتجهت الدول الغربية الأخرى إلى تجميد إتصالاتها مع الحركة.

وفي أواخر هذه المرحلة، وإثر فشل محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة الأخ خالد مشعل في عمّان، وفي ظلّ الحرج السياسي الصهيوني نتيجة هذه العملية تمّ الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى، الذي غادر بعد ذلك قطاع غزة للعلاج، ونجحت الحركة في ترتيب جولة زيارات واسعة للشيخ ياسين، شملت: السعودية، وقطر، وإيران، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، وسورية، والسودان، ومصر، أدت هذه الجولة إلى آثار إيجابية في علاقات الحركة، وفتحت لها العديد من الآفاق على المستوى العربي والإسلامي. كما تلقى الشيخ ياسين دعوة لزيارة جنوب إفريقيا، جرى تعطيلها لاحقاً بضغوط من سفارة فلسطين في جنوب إفريقيا.

وبشكل عام فقد تميزت هذه المرحلة بمميزات رئيسية:

‌أ. برود في التعاطي من قبل عدد من الأطراف العربية الرئيسية، ما شكل تحدياً للحركة في القدرة على الحفاظ على هذه العلاقات دون أثر سلبي على مشروعها المقاوم ضدّ الاحتلال. ويمكن القول إن الحركة نجحت في تجاوز هذا التحدي دون تقديم أيّ تنازلات على حساب برنامج الحركة وأهدافها، ونجحت الحركة في التعامل بحكمة بالغة وفي تجنب خوض معركة جانبية عبر تجاوز أزمة علاقتها مع الأردن الذي قرر قطع العلاقة مع الحركة، واعتقل رئيس مكتبها السياسي وعدد من أعضائه سنة 1999.

‌ب. تطور العلاقة مع إيران وأطراف عربية سعت لتوثيق علاقتها مع الحركة، وشهدت هذه المرحلة تركيزاً أساسياً من قيادة الحركة لدفع علاقاتها مع هذه الأطراف المتجاوبة مع برنامجها إلى أفضل مستوى ممكن.

‌ج. بداية اتصالات وعلاقات مع دول إفريقية.

‌د. تصنيف الحركة على لائحة الإرهاب الأمريكية في تجاوب واضح مع المطالب الإسرائيلية، وفي ضغط جليّ على الحركة لتتجاوب مع التسوية السياسية التي كانت آنذاك تعيش المرحلة الذهبية لاتفاق أوسلو.

4. مرحلة انتفاضة الأقصى (2000-2005):

شهدت هذه المرحلة وفي ظلّ فشل عملية التسوية في الوصول إلى حلّ نهائي (كما كان متفقاً في أوسلو) وفي ظلّ انتفاضة الأقصى وتصاعد العمل المقاوم لحركة حماس، تطوراً كبيراً في علاقات الحركة السياسية.

فقد نجحت الحركة في إثبات قدرتها ليس على الصمود في الظروف الصعبة وحسب (1993-2000)، بل ورفع سقف المواجهة مع الاحتلال، واختراق كل إجراءاته الأمنية وخطوطه الحمراء على الرغم من حجم التضحيات الكبير. وبموازاة ذلك، نجحت الحركة في تقديم مبادرات سياسية تنسجم مع فعلها المقاوم (تهدئة سنة 2003، وفكرة الهدنة والتهدئة سنة 2005، وإعلان مشاركتها في انتخابات المجلس التشريعي). وقد نجحت الحركة في ظلّ انتفاضة الأقصى في تطوير علاقتها السياسية، وتمكنت في هذا السياق من تعزيز علاقتها مع حلفائها.

كما نجحت في دفع علاقاتها قدماً إلى الأمام مع عدد من الأطراف الإقليمية على الرغم من الجمود الذي اعتراها خلال المرحلة السابقة لا سيّما مصر. واستطاعت الحركة تحقيق اختراقات مهمة في علاقاتها على المستوى الدولي، ما أدى إلى لقاءات مع مسؤولين في معظم دول الاتحاد الأوروبي، واتصالات مباشرة مع ممثلين لمفوض الشؤون السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي آنذاك خافيير سولانا Javier Solana، وزيارات لعدد من العواصم الأوروبية (بشكل رسمي غير معلن)، وبداية اتصال مباشر مع الاتحاد الروسي، حيث وجهت الدعوة لوفد من الحركة لزيارة موسكو، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، وتمت الزيارة في كانون الثاني/ يناير 2006، لتكون بداية لعلاقة ما تزال متواصلة بشكل جيد.

وقد أثبتت الحركة في هذه المرحلة قدرتها على تشكيل شبكة واسعة من العلاقات في ظلّ استمرار عملها المقاوم، ولا يمكن إغفال أهمية قدرة الحركة الميدانية والجماهيرية في تكريس دورها السياسي، علاوة على ذلك، فإن وجود علاقات تحالفية على قاعدة مقاومة الاحتلال تركت آثار مهمة على علاقات الحركة السياسية. غير أن هذه المرحلة شهدت أيضاً ضغوطاً أمريكية غير مسبوقة على الاتحاد الأوروبي لإدراج حركة حماس على لائحة الإرهاب الأوروبية. وعلى الرغم من مقاومة العديد من دول الاتحاد لهذا الأمر، إلا أن هذه الضغوط أدت إلى ذلك سنة 2003. وهو الأمر الذي رفضته الحركة، ورأت أنه يعبر عن نفاق سياسي وازدواجية في المعايير كانت دوماً تستخدم ضدّ الشعب الفلسطيني ونضاله.

5. مرحلة الشروط الدولية (2006-2007):

خاضت الحركة في هذه المرحلة انتخابات المجلس التشريعي التي فاجأت نتائجها الجميع بفوز كبير للحركة، حازت على إثره على غالبية مريحة من مقاعد المجلس التشريعي. وبدل التجاوب مع إرادة الشعب الفلسطيني، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاصرة فوز الحركة؛ مطلقة ما عرف آنذاك بـ”شروط الرباعية” للتعامل مع أيّ حكومة تشكلها أو تشارك فيها حماس. وإزاء رفض حماس لذلك تدخلت أطراف دولية وإقليمية لمنع تشكيل حكومة وحدة وطنية سعت لتشكيلها حركة حماس، وراهنت هذه الأطراف على فشل الحركة. وبالرغم من الصعوبات، فقد نجحت الحكومة التي شكلتها حماس في الصمود في وجه التحديات، ما أدى إلى إطلاق مخطط أمني بقيادة أمريكية “مشروع دايتون” لإسقاط الحكومة التي شكلتها حماس. وبالرغم من موافقة حماس على تشكيل حكومة وحدة وطنية في اتفاق مكة آذار/ مارس 2007، إلا أن مشروع مواجهة حماس لم يتوقف بإشراف أمريكي وبأدوات فلسطينية (الأمن الوقائي)، ما أدى وبعد اتساع دائرة الاغتيالات والإخلال بالأمن إلى قرار الحكومة ضبط الأجهزة الأمنية وتفلتها، الأمر الذي لم يتفهمه أبو مازن أو يتجاوب معه كرئيس للسلطة يفترض أن يدعم الحكومة، وكرئيس لحركة فتح يفترض أن يلتزم بما تمّ التوقيع عليه في اتفاق مكة.

وانتهت هذه المرحلة إلى حالة انقسام فلسطيني، ووجود حكومتين في غزة ورام الله.

ولعل أبرز ما واجه حماس في هذه المرحلة هو الحصار السياسي الذي فرضته الولايات المتحدة والرباعية الدولية على حكومة حماس وحكومة الوحدة الوطنية، وعملية الخلط المقصودة من هذه الأطراف بين العلاقة مع حماس والعلاقة مع الحكومة. كما أن انهيار اتفاق مكة ترك آثاراً سلبية على العلاقة بين الحركة والسعودية.

وحظيت الحركة في هذه المرحلة بإسناد كبير من حلفائها، كما حظيت بإسناد من أطراف عربية أدركت دور الحركة وعمق تأثيرها على المستوى الوطني، وسعت لبناء علاقة إيجابية مع الحركة، على الرغم من انعكاسات الانقسام على هذه العلاقات لاحقاً.

وعلى المستوى الدولي وبالرغم من الحصار، فقد تطورت العلاقة مع الاتحاد الروسي، ومع عدد من الدول الأوروبية التي رأت بعضها (بالرغم من عضويته في الاتحاد الأوروبي) أن قرارات الاتحاد ملزمة لمؤسسات الاتحاد، وليس للدول الأعضاء فيه، كما شهدت هذه المرحلة تطوراً للعلاقة مع جنوب إفريقيا، وسلسلة من الاتصالات مع عدد من الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية.

6. مرحلة الحصار والحرب (2007-2011):

سعت الولايات المتحدة لتشديد الخناق على حركة حماس من خلال حصار غزة، واستفاد الاحتلال من ذلك فشن عدواناً واسعاً على غزة في كانون الأول/ ديسمبر 2008، وراهنت أطراف عديدة إقليمية على إنهاء المقاومة في غزة وتقويض حركة حماس خلال هذه العملية، التي رأت فيها رام الله فرصة لاستعادة غزة!!

وشكل صمود حركة حماس والالتفاف الشعبي حولها، وفشل “إسرائيل” في اجتياح قطاع غزة، لطمة للاحتلال لم يكن يتوقعها، ونصراً عزز مكانة الحركة إقليمياً ودولياً. وانعكس ذلك على علاقات حماس السياسية إقليمياً ودولياً.

وتطورت علاقات الحركة الإقليمية في هذه المرحلة وترسخت تحالفاتها واتسعت دائرة علاقاتها الدولية وأصبحت محط اهتمام دوائر صنع القرار الأوروبية، وفي هذه المرحلة تطورت العلاقة مع روسيا لتصل إلى لقاءات رسمية على مستوى الرئاسة، كما شهدت بداية لعلاقات الحركة مع الحزب الشيوعي الصيني.

كما كان لجهود النشطاء من مختلف دول العالم في كسر الحصار عن قطاع غزة أثر مهم في فتح العديد من قنوات الاتصال مع الحركة، وهزت هذه الجهود الصورة النمطية التي حاول الكيان الصهيوني دوماً رسمها للمقاومة.

7. مرحلة الثورات العربية:

من المبكر الحديث عن آثار هذه المرحلة على علاقات الحركة السياسية لسببين: أولهما أن هذه المرحلة لم تصل إلى نهاياتها التي يمكن أن يتم الاستنتاج القطعي على أساسها. أما السبب الثاني فهو مرتبط بطبيعة التقلبات والصراعات الإقليمية، والتي شكلت بالنسبة لأطراف عديدة منطلقاً لتحديد مواقفها تجاه الحركة، بعد أن كان مشروع الحركة المقاوم هو المعيار الأساسي بل وربما الوحيد لسنوات مضت.

ولعل التحدي الأبرز الذي يواجه حماس وعلاقاتها السياسية إقليمياً في ظلّ البيئة الإقليمية المتقلبة هو حالة الانقسام الكبير أفقياً وعمودياً على صعيد الإقليم بشكل عام، وعلى صعيد كل قطر بشكل خاص. وهو تحدٍّ من جانبين، إذ يذكي هذا الانقسام صراعات داخلية تضعف الاهتمام بالقضية الفلسطينية، كما أن أطرافاً عديدة تحاول إقحام حماس في خصوماتها وصراعاتها، وهو ما قررت حماس ألا تتورط فيه.

دور “إسرائيل” واللوبي المؤيد لها في تشويه صورة حماس الخارجية:

لا شكّ أن “إسرائيل” نظرت بقلق كبير إلى علاقات حماس واتصالاتها على المستوى الدولي، ونحن نعتقد أن وضع حماس على لائحة الإرهاب الأمريكية سنة 1993 كان نتيجة ضغوط “إسرائيل” واللوبي الصهيوني الذي ركز منذ مطلع التسعينيات هجومه على حركة حماس أكثر من هجومه على مجمل الفصائل الفلسطينية، فصائل منظمة التحرير وغيرها، ولا شكّ أن بعد توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993، تراجع هجوم اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل” على فصائل م.ت.ف وتزايد وتصاعد هجومه على حركة حماس. وبلغت جرأة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وسطوته أنه شنَّ هجوماً على الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر Jimmy Carter على الرغم من دعمه للمشروع الصهيوني، وعلى الرغم من كل الوزن السياسي الذي يتمتع به في الولايات المتحدة، ودوره في إبرام اتفاق كامب ديفيد، وذلك بعد لقائه الأخ خالد مشعل.

عمل اللوبي الصهيوني على العمل ضدّ حركة حماس في ثلاثة اتجاهات متوازية:

1. الاختباء خلف قضية “الإرهاب”، العمل على تشويه صورة الحركة وتقديمها بالذات بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 كـ”حركة إرهابية”، وأن الصورة التي عانت منها الولايات المتحدة في هذه الأحداث هي الصورة نفسها التي تعانيها “إسرائيل”.

2. الضغط على كل السياسيين الذين يعبّرون عن مواقف يتفهمون فيها شيئاً من سلوك المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن سلوك حماس ومواقفها والضغط على كل السياسيين الذين يحاولون الاتصال مع حركة حماس أو عقد لقاءات معها، أو اللذين التقوا مع الحركة بغض النظر على مواقعهم.

3. ضغط اللوبي الصهيوني عبر وسائل الإعلام المختلفة لتقديم الحركة بصورة سلبية ومستفيداً من الصورة النمطية العالقة في الذهن الأمريكي للنضال الفلسطيني وللشخصية العربية.

فيما يتعلق بأوروبا، لم تحقق جهود مجموعات الضغط الصهيونية على المستوى الأوروبي النجاح المطلوب إسرائيلياً، لذلك لجأت “إسرائيل” لاستخدام الضغط الأمريكي على أوروبا لتدرج حركة حماس على “لائحة الإرهاب” بعد أكثر من عشر سنوات من إدراج حماس على لائحة الإرهاب الأمريكية. ويمكن القول إن الجهود التي بذلتها الحركة ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وقوى وأطراف مؤيّدة للحق الفلسطيني في أوروبا، نجحت الى حدّ معقول في إيضاح كثير من الصور التي كان يحاول اللوبي الصهيوني نقلها، كما نجحت في تحقيق بعض الإنجازات لصالح القضية الفلسطينية من قبيل منع التعامل مع أيّ شركات تعمل في مجال الاستيطان في الكيان الصهيوني، ورفض التعامل مع المؤسسات والجامعات الصهيونية من قبل عدد معتبر من الجامعات الغربية والأوروبية بشكل عام.

إن المواجهة الفاعلة للجهود التي تبذلها اللوبيات الصهيونية، والحكومة الإسرائيلية تتطلب توحيداً للجهود العربية والفلسطينية على هذا الصعيد.

تأثير اعتبار حركة حماس “حركة إرهابية” على علاقاتها الخارجية:

لا شكّ أن اعتبار حركة حماس “حركة إرهابية” ترك آثاراً على علاقاتها الخارجية ابتداء مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تلتزم السياسات الأمريكية بشكل كامل، بالذات دول في الجوار الأمريكي ككندا واليابان. ولا شكّ أن تصنيف حماس كـ”حركة إرهابية” وفق اللائحة الأمريكية للإرهاب أدى لتعثر بناء العلاقات مع هذه الدول ودول شبيهة بشكل كبير. أيضاً، هذه الدول لم تبدي أيّ محالة لفهم موقف حركة حماس والتزمت الموقف الأمريكي.

هناك دول أوروبية عديدة تعاملت مع حركة حماس وبدأت تشكل صور ورؤية مختلفة عن الرؤية الأمريكية، إلا أن هذه الدول ونتيجة الضغوط الأمريكية واتهام الحركة بـ”الإرهاب” لا تعلن عن علاقاتها، وإن كنا نعتقد أن هناك إدراك أمريكي ومعلومات أمريكية عن اتصالات هذه الدول بالحركة؛ لكن اتهام الحركة بـ”الإرهاب” جعل الأمر متعذراً على سياسيي هذه الدول الإفصاح بشكل واضح وجليّ عن علاقاتهم مع الحركة.

 هناك دول أخرى لم تعبأ كثيراً بالموقف الأمريكي لكنها تتعرض لضغوط أمريكية متواصلة ما يعيق نمو هذه العلاقات بشكل مريح، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن هناك فئة رابعة من هذه الدول استطاعت أن تواجه الضغوط الأمريكية واستطاعت أن تتعامل مع حركة حماس بشكل واضح ومعلن وصريح وما زالت هذه العلاقات قائمة وتتواصل وتنمو.

إذاً، بالمجمل فإن اتهام حركة حماس بـ”الإرهاب” ترك آثاره على علاقات الحركة بالدول التي تربط كثيراً من سياساتها بشكل كلي أو جزئي بسياسات الولايات المتحدة الأمريكية أو تتحالف معها بشكل كبير على صعيد المنطقة. وهذا يشير أن اتهام الحركة بـ”الإرهاب” لم يترك أثراً كبيراً لدى الشعوب، التي أدركت أن اتهام الحركة بـ”الإرهاب” هو مسألة سياسية ولا علاقة له بالواقع، وكثيراً ما كان يحدث تجاوب شعبي كبير مع التوضيح الذي تقدمه الحركة لبعض الاتهامات، بل كنا نجد أن بعض الأطراف كانت تقوم بالدفاع عن حركة حماس أو التعبير عن موقف مؤيد للحركة بصورة أو بأخرى. وظلّ الُبعد الشعبي أكثر قدرة على التمييز بين الموقف السياسي وبين أن يعدّ حركة حماس “حركة إرهابية” بالفعل.

هل يشكل التزام حماس الإسلامي، والتزامها ببرنامج المقاومة، ورفض الاعتراف بـ”إسرائيل” عائقاً أمامها في علاقاتها الخارجية:

لا شكّ أن كون حماس حركة تحرر وطني بمرجعية إسلامية في ظلّ الموقف السلبي من الإسلاميين على الصعيد الغربي وفي الولايات المتحدة، شكَّل في بدايات انطلاق الحركة إشكالاً وكنا نلمس في اتصالات الشخصيات والمؤسسات الأمريكية المختلفة التباساً لا يلبث أن يتحول الى حالة من المفاجأة عندما يتم التعامل مع الحركة، إذ أن ما يرونه يختلف تماماً عن الصورة النمطية، كان هؤلاء يكتشفون أن حركة حماس هي حركة وطنية سياسية واعية، المقاومة سياسة واضحة لها في مواجهة الاحتلال، ولغة الخطاب السياسي والحجة السياسية والرؤية السياسية لغة واضحة، وهي لا تتناقض مع القيم التي يطرحها الغرب من حيث الديموقراطية والحرية وتقرير المصير وحقوق الإنسان، واستطاعت الحركة أن تترك أثراً وانطباعاً إيجابياً لدى هذه الأطراف حول طبيعة الالتزام الديني. وهذا أعطى الحركة مصداقيةً، وأثبت أن التزام الحركة الإسلامي له أثر إيجابي، وليس سلبياً كما كان يُروَّج في الدعاية الصهيونية. كوننا حركة وطنية بمرجعية إسلامية لم نجد له آثاراً سلبية مع دول أخرى كروسيا والصين ودول أمريكيا اللاتينية وإفريقيا ودول أخرى، بل نلمس احتراماً لالتزام الحركة الإسلامي وتقديراً للحركة التي يحترم أبناؤها قيم المجتمع الذي ينتمون إليه.

وبشكل واقعي، فإن الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة بعد فوز الحركة بانتخابات 2006 تحت مسمى شروط الرباعية، تركت أثراً على علاقات الحركة الخارجية وبالذات على الصعيد الدولي، إذ إن كل الأطراف الدولية، حتى ذات العلاقة الإيجابية مع الحركة، سعت لإقناع الحركة في المرحلة الأولى لتعلن قبولها لهذه الشروط، وقد تعاملت الحركة مع هذه المسألة بوضوح. إذ أكدت أن هذه الشروط إنما جاءت لتعطيل دورها السياسي بعد فوزها في الانتخابات، وهو ما كان مفاجأة لـ”إسرائيل” والولايات المتحدة، وأن المطالب التي قدمتها الرباعية هي شروط التزم بها ياسر عرفات منذ الثمانينيات، ولم تحقق ما وعد به من تسوية ومن حلّ للقضية الفلسطينية.

وهكذا فإن المرحلة الأولى كانت مرحلة نقاش لهذه الشروط وتوضيح لموقف الحركة منها. ولا شكّ أن هذه المرحلة أثمرت تفهماً للعديد من الأطراف لكنها لم تحدث تغييراً في شروط الرباعية.

أما المرحلة الثانية في مواجهة هذه الشروط، فكانت بالتأكيد على تمسك الحركة بثوابتها وتعزيز قدرتها الميدانية. ولا شكّ أن تمسك الحركة بثوابتها من رفض التنازل عن الحقوق الفلسطينية والتمسك بالمقاومة تعزز على أنه موقف أساسي لا تقبل الحركة التنازل عنه بعد صمود الحركة أمام العدوان الإسرائيلي في عملية “الرصاص المصبوب” Cast Lead عام 2008/2009، وصمود الحركة في مواجهة العدوان الصهيوني، وفي تحقيق ضربات مؤثرة على الكيان الصهيوني سنة 2012. أيضاً، أكدت الحركة لكل الأطراف أن الحديث عن شروط الرباعية هو محاولة للضغط لن يكون لها نتائج. في الآونة الأخيرة منذ مطلع سنة 2013 وحتى الآن تراجع الضغط الدولي على حركة حماس للقبول بشروط الرباعية، مع قناعتنا بأن أسباب هذا التراجع عديدة؛ منها بشكل أساسي صمود حركة حماس في مواجهة الضغوط والعدوان، إضافة الى تعثر مسار التسوية، وتصاعد حدة التغييرات، ما أدى لعدم الاستقرار في المنطقة.

ثالثاً: تطور العلاقات الدولية لحركة حماس:

اهتمت حماس في علاقاتها الدولية بالبعدين الرسمي والحزبي، إذ بالرغم من وجود المؤسسات ودورها في صناعة القرار السياسي، إلا أن تداول السلطة، والحياة الديموقراطية في تلك الدول تفرض عدم الاكتفاء ببناء العلاقات مع السلطة وحدها، بل مع الأحزاب وقوى المجتمع المدني الفاعلة. لذلك كان من أساسيات بناء علاقات حماس السياسية على المستوى الدولي الاهتمام بالعلاقة مع المؤسسات الرسمية (الخارجية، رئاسة الدولة أو الحكومة…إلخ) ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية بموازاة ذلك.

وضعت قيادة حماس جملة من القواعد لتطوير علاقاتها الدولية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1. يحكم العلاقات الدولية ذات المبادئ والسياسيات التي تحكم علاقات الحركة السياسية.

2. على الرغم من أهمية العلاقات الدولية في الحركة وضرورة كسب أصدقاء ومؤيدين لحقوقنا المشروعة، إلا أن ذلك لا يتحقق على أساس تنازلات تمس الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني أو مشروع المقاومة والتحرير كمشروع وطني فلسطيني.

3. إن العامل الأساسي في العلاقات الدولية هو امتلاك القوة، القوة على الأرض في ارتباطنا بشعبنا وبحقوقنا، والقوة في مواجهة الاحتلال مقاومة وصموداً، والقوة في عمق ارتباطنا بأمتنا كعمق استراتيجي وارتباطها بنا.

4. إدراك حجم الاختراق الصهيوني ووسائل ضغطه في البيئة الدولية، والحاجة إلى مواجهة هذا الاختراق بأساليب تكافئ في نتائجها أثره قدر المستطاع.

5. عدم اقتصار العلاقات الدولية على الغرب ولا سيّما الولايات المتحدة ودول أوروبية محددة، بل اتساع هذه الدائرة إلى قارات العالم كلها في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية كذلك.

6. إن العلاقات لا تستقيم إذا كان منطقها العقلية الضيقة التي تسعى لإعادة تأهيل الجانب الفلسطيني ليقبل بالاحتلال، أو التغيير بما يناسب عملية التسوية وشروطها، بل لا بدّ لنجاح مسار العلاقات السياسية أن تتم في إطار من الفهم للمبادئ وإدراك عميق لحقوق الشعب الفلسطيني وقبول التعامل مع حماس كما هي، وليس من خلال عملية تأهيل لم تنجح من تحقيق المراد منها مع أطراف أخرى.

وقد ساعدت هذه المبادئ في دفع علاقات الحركة باتجاهات عديدة، أثمرت في تطوير العلاقة مع روسيا، وشرق آسيا، وفي إفريقيا وأمريكا اللاتينية. كما أنها جعلت الحركة معنية ببناء علاقات على أسس صحيحة دونما استعجال لهذه العلاقات، قد يخل بالتوازن المطلوب في العلاقات بين الأطراف.

 بدأت حماس اتصالاتها الدولية (عبر سفارات الدول المختلفة في عدد من العواصم العربية والإسلامية) منذ سنة 1993، وشملت هذه الاتصالات سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، إضافة لعدد من الدول الأوروبية الأخرى. وكانت بعض الاتصالات تتم بمبادرة من سفارات هذه الدول.

وقد قررت الحركة الاعتذار عن استمرار اللقاءات مع سفارة الولايات المتحدة ما لم يتطور مستوى اللقاءات ويتغير أسلوبها. ثم ما لبثت الولايات المتحدة أن أدرجت الحركة على “لائحة الإرهاب” نتيجة تمسكها بالمقاومة ورفضها للتسوية آنذاك، ما أدى إلى وقف بعض السفارات الأوروبية لتواصلها مع حماس في عمّان، فيما تواصلت اتصالات سفارات أوروبية عديدة مع الحركة من خلال ممثليها في طهران والخرطوم وبيروت، غير أنها ظلت في حدود الاتصالات المرتبطة بالتطورات والأحداث. وفي سنة 1995، بادرت أطراف أوروبية للتواصل مع حماس في محاولة لإقناع الحركة بأهمية المشاركة في انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني، وأكدت حماس آنذاك عدم مشاركتها في هذه الانتخابات، وكحق ديموقراطي في التعبير عن موقف سياسي.

وفي سنة 1998، ومع بداية الاستعداد لمفاوضات “الحل النهائي”، تلقت حماس رسالة من ألمانيا حملها كبير مستشاري رئيس وزرائها آنذاك، تهدف إلى حثّ الحركة على دعم جهود التسوية، وتعد بإعطاء الحركة دوراً في المفاوضات وفي إدارة شؤون السلطة، ودوراً في “الحل النهائي” في حال موافقتها على ذلك. وكانت سنة 2000 سنة فتح الاتصالات مع العديد من العواصم الأوروبية، لا سيّما دول حوض المتوسط، إضافة إلى سويسرا والنرويج.

1. حماس والولايات المتحدة:

انطلقت حماس في علاقاتها السياسية من رؤية واضحة، وبأفق سياسي منفتح على العلاقة مع كل مكونات المجتمع الدولي باعتبار الاحتلال الإسرائيلي العدو الذي تواجهه حماس وشعبنا الفلسطيني، وتعاملت حماس بهذه الروح في كل اتصالاتها مع أطراف المجتمع الدولي. غير أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاملت دوماً مع حماس وفق الحسابات الإسرائيلية، فإدراج حماس على “لائحة الإرهاب” الأمريكية جاء بضغوط إسرائيلية، وإدراج حماس على “اللائحة الأوروبية للإرهاب” جاء بضغوط أمريكية لصالح مطلب إسرائيلي لم يكن يجد التجاوب أوروبياً.

ومع أحداث أيلول/ سبتمبر 2001، ازداد الموقف الأمريكي من سلبيته، وزاد من سوء التصرف الأمريكي عدم وجود تعريف محدد لمصطلح الإرهاب. وأصبح الاتصال بحماس من طرف أيّ مواطن أمريكي جريمة يحاسب عليها أمام القضاء والقانون الأمريكي.

وبالرغم من ذلك فقد انعقدت وبشكل دائم لقاءات مع شخصيات أمريكية (ليس لها مناصب رسمية) وإن كانت قد شغلت سابقاً مواقع سياسية، وكل هذه اللقاءات كانت بضوء أخضر من السلطات الرسمية، وكان أبرزها اللقاء مع الرئيس الأسبق جيمي كارتر سنة 2008 وبعد فوز الرئيس أوباما بالانتخابات.

وفي مناسبات محددة التقت شخصيات في مواقع رسمية مع الحركة، مع تأكيدها على ضرورة عدم الإعلان عن اللقاء على الرغم من موافقة مرجعياتها عليه.

ويمكن تقييم العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في النقاط التالية:

‌أ. تعاملت الولايات المتحدة مع حماس من منطلق المصالح الإسرائيلية، وما زالت هذه القاعدة حاضرة في تعامل الإدارة مع حماس.

‌ب. على الرغم من الانفتاح الذي أبداه العديد من الشخصيات الأمريكية التي التقت الحركة، فإن الولايات المتحدة لم تحاول أن تكون منفتحة في فهم مواقف حماس، بل حاولت أن تضغط دائماً لتقبل حماس ما تشترطه الولايات المتحدة.

‌ج.  لم تنجح كل الاتصالات في تحقيق اختراق جدّي على مستوى العلاقة بسبب إصرار الولايات المتحدة على الانطلاق في العلاقة مع حماس من الاستجابة للشروط الإسرائيلية.

2. حماس والدول الأوروبية:

تأثرت العلاقات الأوروبية بشكل كبير بمحطتين أساسيتين، المحطة الأولى التي فرضت الضغوط الأمريكية فيها على أوروبا وضع حركة حماس على “لائحة الإرهاب” في أعقاب انتفاضة الأقصى. وبالرغم من أن وضع حماس على “لائحة الإرهاب” منع مؤسسات الاتحاد الأوروبي من الاتصال بها، إلا أنه لم يمنع العديد من الدول الأوروبية من الاتصال. وكان الأثر الأبرز لهذا الحصار في الشهور الأولى هو تجميد اتصالات الدول الأوروبية بحماس، لكنها سرعان ما عادت لتتصل بحماس بعد المحطة الثانية المهمة المتمثلة بالانتخابات.

إذ على الرغم من شروط الرباعية الدولية، شعرت أوروبا بأن الاتصال بحركة حماس أمر مهم خصوصاً بعد فوزها بالانتخابات، وما يمكن أن يشكله عدم التعامل مع حماس من عقبات سلبية أو من إساءة للصورة التي لطالما تحدثت عنها أوروبا فيما يتعلق بالديموقراطية وحرية اختيار الشعوب باحترام نتائج الانتخابات.

ويمكن الإشارة إلى بعض العوامل المؤثرة في العلاقات الأوروبية مع حماس:

أ‌. أن أوروبا ليس لها دور سياسي أوروبي مُوَحَّد تماماً، وإنما تلعب الدول الأوروبية أدواراً لا تتجاوز السقف الأمريكي، وهو ما يضعف الدور الأوروبي على صعيد القضية الفلسطينية وفي الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه هذا الدور الأوروبي لا يستطيع أن يكون أوروبياً بقدر ما تكون هناك سياسات عامة، وكل دولة تتصرف بما تعتقد أنه مصالحها.

ب‌. أن مجمل الدور الأوروبي مرفوض إسرائيلياً لذلك فهو يأتي في سياقات محددة لا تتعارض مع المصالح الإسرائيلية والأمريكية، وبذلك يبقى الدور الأوروبي قاصراً عن لعب دور فاعل، ويكاد ينحصر في ملئ فراغ الدور الأمريكي، سواء في حال عجزه عن تحقيق أي تقدم، أم تركيزه على أولويات أخرى، أم انشغاله في أزمات أشد سخونة.

ج‌.  إن أوروبا تلعب دور المُموِّل لـ”عملية السلام” ولم تلعب دور المؤثر، لذلك لم يكن دورها في العلاقات مع القضية الفلسطينية دوراً أساسياً.

د‌. وبالرغم من ذلك فقد حرصت حماس على علاقة إيجابية مع الدول الأوروبية، وربما من السابق لأوانه الكشف عن هذه العلاقات نتيجة الالتزام المتبادل بين حركة حماس وهذه الدول بعدم الإفصاح عن هذه العلاقات. ويمكن القول إننا ومنذ سنة 2006 نشهد نمواً وتطوراً في هذه العلاقات، وهناك دول لا تمانع في الحديث عن هذه العلاقات كسويسرا والنرويج، لكن هناك دول أخرى تتعامل مع الحركة بمستويات سياسية رسمية وبشكل دائم وليس مجرد اتصالات، وهناك خمس دول من دول الاتحاد الأوروبي بينها وبين الحركة هذا الشكل من العلاقات.

والحركة حريصة على تطوير هذه العلاقات وهناك جهد سياسي من قِبل الحركة في الوقت الراهن لرفع اسم الحركة عن “لائحة الإرهاب” الأوروبية. وعلى الرغم من وجود تجاوب من بعض الدول إلا أن ما يعيق الأمر هو أن القرار الأوروبي لا بدّ من أن يكون بالإجماع. وهناك بعض دول الاتحاد الأوروبي الجديدة والتي ربما تلتزم بسياسيات الإدارة الأمريكية أكثر منها كونها قريبة من السياسات الأوروبية.

3. حماس وروسيا:

هناك تفاوت في هذه العلاقات على الرغم من أن هذه الدول تنتمي الى مجموعة البريكس BRICS إضافة إلى البرازيل وجنوب إفريقيا، لكن علاقة حماس بروسيا بدأت سنة 2005 ويُشهَد للقيادة الروسية أو للرئيس فلاديمير بوتين Vladimir Putin بأنه دعا إلى هذه العلاقة قبل دخول الحركة الانتخابات. وفي أعقاب إعلان الحركة عن الدخول بالانتخابات بدأت الاتصالات مع الحركة، وزار وفد من الحركة روسيا، وكانت له لقاءات رسمية أولية فيها.

وبعد فوز الحركة بالانتخابات، دعت روسيا حماس لزيارتها، حيث استقبل رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيدف Dmitry Medvedev في مطلع آذار/ مارس 2006 وفداً من الحركة في موسكو برئاسة الأخ خالد مشعل. وبعد ذلك تطورت اللقاءات بين الحركة وروسيا، وكان هناك العديد من الزيارات والعلاقات على مستويات مختلفة، تُوّجت باللقاء الذي جمع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة بالرئيس الروسي ديميتري ميدفيدف (الذي أصبح رئيساً لروسيا في الفترة 2008-2012) وبحضور الرئيس بشار الأسد في أيار/ مايو 2010، وما تزال العلاقة بين الحركة وروسيا قائمة على أساس الاحترام المتبادل.

تقدر روسيا دور الحركة وتدركه، وتستطيع روسيا أن تلعب دوراً أفضل على صعيد القضية الفلسطينية وأكثر تأثيراً لصالح مصالح الشعب الفلسطيني. ولعل أبرز مظاهر هذه العلاقات اللقاءات المتعددة والمتتابعة بين قيادة الحركة والمسؤولين الروس لا سيّما وزير الخارجية الروسي، وأعضاء مجلس الدوما، ومساعدي رئيس الجمهورية، والمندوب الخاص للشرق الأوسط. ولم تكن هذه الزيارات ذات طابع يغلب عليه البروتوكول والحوار السياسي، بل تجاوزها إلى عمل جدي وحقيقي لبناء تفاهمات تخدم القضية والشعب الفلسطيني.

4. حماس والصين:

أما فيما يتعلق بالصين، ففي إطار حرصها على بناء علاقات إيجابية مع المنطقة، فإن هناك بدايات للاتصال بين الحركة والصين ولقاءات سياسية مشجعة تهدف لتطوير العلاقة مع الصين، خاصة أن الذاكرة العربية نظرت للصين على أنها وما تزال تشكل دعماً للقضية الفلسطينية في محطاتها المختلفة. وفي ظلّ الاعتقاد السائد أن الصين ستكون لاعباً أساسياً على المستوى الدولي خلال العقد القادم، في سياق ما تفرضه الولايات المتحدة من تحديات على المستوى الدولي ما يدفع بأكثر من طرف لإعادة النظر في شكل علاقاته مع المنطقة وطبيعتها، فإن من المتوقع أن يتصاعد دور الصين كقطب سياسي دولي، الأمر الذي يفتح الآفاق لعلاقات إيجابية مع الصين؛ بوادرها قائمة، وتسعى الحركة إلى تطويرها.

5. حماس والهند:

العلاقات مع الهند على الصعيد الرسمي ما تزال في إطار الاتصالات الأولية ولا يمكن تصنيفها في دائرة العلاقات الرسمية، في حين أن العلاقات على المستوى الحزبي ومؤسسات المجتمع المدني ينمو بشكل إيجابي، وقد يترك آثاراً إيجابية على الصعيد الرسمي.

ويجب ألا يتم إغفال أثر العلاقات الفلسطينية التاريخية لـ م.ت.ف مع الهند على أيّ علاقة على الصعيد الفلسطيني، كما لا يمكن إهمال التأثير الإسرائيلي على مثل هذه العلاقات، والتي تحاول استخدام قضية “الإرهاب” للضغط على العلاقات الفلسطينية مع الهند بشكل عام. وبالرغم من كل ذلك، فإن فرص العلاقة مع الهند تظل قائمة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تاريخ علاقة الهند ودعمها للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية المختلفة، وحداثة العلاقات الهندية – الإسرائيلية.

6. حماس وجنوب إفريقيا:

أما فيما يخص العلاقة مع جنوب إفريقيا، فهي علاقة يمكن وصفها بالجيدة، وهي علاقة بدأت مبكراً. وقد نظرت جنوب إفريقيا إلى النضال الفلسطيني بعد إنهاء نظام الفصل العنصري نظرة دعم وتأييد. وبعد خروج الشيخ أحمد ياسين من السجن سنة 1998 جرى توجيه دعوة رسمية له لزيارة جنوب إفريقيا، إلا أن الزيارة لم تتم بسبب ضغوط من منظمة التحرير آنذاك، وياسر عرفات شخصياً، وبالرغم من ذلك فإن علاقة الحركة وجنوب إفريقيا، وعلى مدى الأعوام التي تلت ذلك، تطورت بشكل ثابت، وجرى عقد العديد من اللقاءات على مستوى قيادي، والتقى رئيس المكتب السياسي للحركة نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وعدداً من المسؤولين. كما تمت العديد من الزيارات لجنوب إفريقيا لوفود من الحركة، علاوة على لقاءات مع شخصيات أساسية في جنوب إفريقيا كان إطارها العام تطوير العلاقة وتعزيزها بين الطرفين.

وتبدي جنوب إفريقيا حرصاً واضحاً على تقديم خبرتها في مواجهة الكيان العنصري للجانب الفلسطيني، لا سيّما وأن جنوب إفريقيا تمثل نموذجاً في إدارة الصراع مع كيان عنصري، يمكن أن يستفاد منه في جوانب أساسية في مواجهة الكيان الصهيوني.

 إبان العدوان على غزة عام 2008/2009، عبَّرت جنوب إفريقيا عن دعمها للشعب الفلسطيني ومقاومته، وعبَّر رئيس جنوب إفريقيا وبرلمان جنوب إفريقيا عن إدانة العدوان، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في حقه في مقاومة الاحتلال. وفي سنة 2012، زار عدد من الوفود الرسمية قطاع غزة، وفي العديد من الزيارات التي قام بها موفدون رسميون إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 التقوا خلالها قيادات من الحركة، وهناك سعي من الطرفين لتطوير العلاقات الثنائية وتعزيزها.

7. حماس ودول أمريكا اللاتينية:

على صعيد أمريكا اللاتينية هناك اتصالات مع عدد من الدول، وهناك لقاءات منتظمة مع عدد من الدول لا سيّما فنزويلا والبرازيل وكوبا. كما جرت لقاءات عدد من وزراء الخارجية في أمريكا اللاتينية، ولقاءات المبعوثين للمنطقة إضافة إلى قنوات إتصال دائمة مع عدد من دول أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها اللوبيات الصهيونية لتعطيل العلاقات اللاتينية الفلسطينية بشكل عام وعلاقات حماس مع أمريكا اللاتينية بشكل خاص، والتغلغل الأمني الصهيوني في هذه المنطقة، فإن فرص العلاقة بين الحركة وأمريكا اللاتينية ما تزال واعدة بشكل كبير.

رابعاً: حول نجاحات حماس وإخفاقاتها في علاقاتها الخارجية:

لا شكّ أن حركة حماس نجحت في الخارجية في كثير من العناوين والقضايا. أولاً، نجحت الحركة في تقديم خطاب سياسي متماسك يتمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية، ويتمسك بالمقاومة، وفي الوقت ذاته ينسجم مع القانون الدولي من حيث حقّ الشعوب في الحرية وتقرير المصير، وهو ما أزعج الكيان الصهيوني وداعميه، لأن خطاب الحركة السياسي في هذه المجال كان متماسكاً بقدر لم يكن الإمكان الرد عليه بسهولة، بل كان الرد عليه يؤدي لنتائج خلاف ما يريد الكيان الصهيوني وداعميه.

نقطة النجاح الثانية، أن الحركة تعاملت بشكل عام بانفتاح مع العلاقات السياسية، والعلاقات الدولية كجزء من هذه العلاقات، وهو ما كشف عن قدرة ومرونة عالية للحركة شكلت لدى الأطراف قناعات إيجابية، يعبر عنها البعض فيما لا يعبر عنها أطراف أخرى، وتتعاطى من خلالها أن حركة حماس قادرة على بناء العلاقات وعلى الإيفاء بما تلتزم به في سياق هذه العلاقات دون أن يؤثر ذلك على مبادئها.

واستطاعت حركة حماس إنشاء وتطوير شبكة من العلاقات على الصعيد الدولي في ظلّ هجوم يقوم به اللوبي الصهيوني عليها، وفي ظلّ هجوم ومحاولة لتعطيل علاقاتها تقوم بها السلطة الفلسطينية وسفاراتها، وأيضاً في ظلّ جزء من البيئة الإقليمية لا يتعامل بشكل إيجابي مع الحركة، وهذا بلا شكّ من نجاحات حماس.

من نجاحات الحركة تمكنها من تقديم صيغة من العلاقات السياسية التي احترمت فيها الخصوصيات التي قامت بين الحركة والدول، واحترمت رغبة كثير من الدول ببقاء العلاقات غير معلنة، مما شكَّل مصداقية وثقة في العلاقة مع حماس، وهو ما أثمر شبكة واسعة من العلاقات في أوروبا، والأمريكيتين، وآسيا، وإفريقيا.

أيضاً من النجاحات التي حققتها حركة حماس أنها جمعت بين العلاقات على الصعيد الرسمي والعلاقات على صعيد مؤسسات المجتمع المدني والقوى والشخصيات المؤثرة في البيئة السياسية، وهو ما شكَّل لحماس وما زال فرصة على صعيد العلاقات السياسية.

ومن الواضح أن مستويات علاقات الحركة في البيئة الدولية ما تزال متباينة بشكل واسع من دول ما تزال العلاقات معها في محطة الاتصال الأولي، وصولاً إلى دول تتمتع الحركة بعلاقات قوية وراسخة معها، ما يملي على الحركة أداء متعدد الأشكال والأدوات، وربما ينتج أحياناً بعض الارتباكات.

ومن الثغرات التي واجهت الحركة في علاقاتها الدولية، الاتهام بـ”الإرهاب” الذي تبناه اللوبي الصهيوني والولايات المتحدة، وهو ما شكل عقبة ما بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001.

من التحديات التي واجهت الحركة على صعيد علاقاتها الدولية محاولة العديد من الأطراف ربط مستوى تقدم علاقاتها بحماس، بإعادة حماس لصياغة موقفها ورؤيتها تجاه التسوية، بدل التعامل مع الحركة كما هي.

ومن التحديات حاجة العلاقات مع المجتمع الدولي إلى ديناميات تختلف عنها في بيئة العلاقات العربية أو الإقليمية.

وفي مرحلة من المراحل شكَّل الخطاب والأداء الإعلامي العام للحركة أحد الثغرات في إدارة العلاقات السياسية للحركة.

وبكل الأحوال فإن ما حققته الحركة على صعيد العلاقات الدولية بإيجابياته يتفوق على ثغراته، غير أن معالجة الثغرات، على ضرورته، من شأنه أن يؤدي إلى تحسين مستوى وشبكة علاقات الحركة الخارجية بشكل عام والدولية على وجه الخصوص.

[1] عضو قيادي في حركة حماس، من قرية البطاني الشرقي بفلسطين، ومواليد الكويت سنة 1965، وظلَّ مقيماً فيها حتى سنة 1991. كان ناشطاً داخل الحركة الطلابية الإسلامية في جامعة اليرموك في الأردن خلال الفترة 1982-1986. شغل منصب الممثل الرسمي لحركة حماس في طهران سنة 1993 حتى سنة 1998، ثم عين ممثلاً لحركة حماس في لبنان في الفترة 1998-2010، وتولى مسؤولية العلاقات الدولية للحركة في الفترة 2009-2013. وهو عضو في المؤتمر القومي العربي والمؤتمر الإسلامي، وعضو في مجلس أمناء مؤسسة القدس.

 لتحميل النص اضغط هنا  (25 صفحة، 741 KB)