مدة القراءة: 5 دقائق

الصفحات الأولى من “دراسة علميّة: المؤشرات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية 1994-2013 … د.محسن محمد صالح، أ.إقبال وليد عميش وأ.غنى سامي جمال الدين” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (55 صفحة، 2.7 MB)

دراسة علميّة: المؤشرات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية 1994-2013 … د.محسن محمد صالح، أ.إقبال وليد عميش وأ.غنى سامي جمال الدين* [1]

تمهيد:

بالرغم من وجود مادة غزيرة ومفصلة تحتاج إلى الكثير من المقارنة والتحليل، إلا أننا سنكتفي هنا بالتحدث عن أبرز المؤشرات بما تسمح به المساحة المتاحة في هذا الكتاب؛ مع الحرص على تشكيل صورة عامة مناسبة عن الجانب الاقتصادي للسلطة الفلسطينية (التي تغطي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة) خلال عشرين عاماً.

أولاً: محددات الأداء الاقتصادي:

هناك مجموعة من المحددات والظروف التي تحكم الأداء الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، والتي يجب وضعها في الاعتبار لفهمه وتقييمه، وهو أداء لا ينطبق عليه التطبيق المجرد للطرق النمطية المعتادة في تقييم أداء الدول. وأبرز هذه المحددات:

1. الاحتلال الإسرائيلي وتبعاته: تعاني مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة من احتلال صهيوني استعماري استيطاني إحلالي، يسعى لاستجلاب المستوطنين الصهاينة ووضع أبناء الأرض الفلسطينيين في بيئة طاردة تضطرهم للنزوح والهجرة. ولئن انسحب الاحتلال من قطاع غزة سنة 2005 إلا أنه أبقى سيطرته على معابرها ومنافذها البرية والبحرية والجوية، وما يزال يمارس حصاراً قاسياً بحق أبنائها. وفي الضفة الغربية ما يزال يسيطر أمنياً وإدارياً على نحو 60% من أرضها، وما زال يتحكم بمنافذها، ويتابع سياسة استيطانية منهجية أدت إلى بناء نحو 200 مستعمرة، وإلى إسكان 700 ألف مستوطن يهودي تقريباً. ويتابع الاحتلال التحكم بحركة الأفراد والبضائع ويضع مئات الحواجز في داخل الضفة، كما بنى جداراً عنصرياً عازلاً أضرّ بشكل هائل بالحياة الاقتصادية والاجتماعية لمئات الآلاف من الفلسطينيين، ويسيطر الاحتلال على نحو 85% من مصادر المياه في الضفة.

ومنذ بدء هذا الاحتلال سنة 1967 مارس سياسات إلحاق اقتصادي لمناطق الضفة والقطاع بالاقتصاد الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه منع الاحتلال تنفيذ السلطة لمشاريع استراتيجية كالمطار والميناء وإنتاج الكهرباء، أما حفر الآبار وبناء الطرق السريعة والبنى التحتية فتتم بالحدود الدنيا، وبما لا يتعارض مع استغلال الاحتلال لما فوق الأرض وما تحتها، وتلبية احتياجات الاحتلال وليس احتياجات الشعب الفلسطيني. وفوق ذلك، لا يتردد الاحتلال في استخدام كافة الوسائل الوحشية في القتل والاعتقال والحصار، وتدمير المنازل والمؤسسات والمشاريع الاقتصادية والبنى التحتية إذا ما واجه مقاومة من الشعب الفلسطيني. وعلى سبيل المثال فقد تسببت أساليب التنكيل والتدمير الإسرائيلية في أثناء انتفاضة الأقصى (2000-2005) بخسائر اقتصادية تقدر بنحو 15.6 مليار دولار. وتسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر 2008 ومطلع 2009 بخسائر مباشرة تقدر بنحو 2 مليار دولار ، بينما تسبب عدوانه على القطاع في صيف 2014 بخسائر مباشرة تقدر بنحو 2.8 مليار دولار .

كما أن سياسة الإلحاق الاقتصادي أدت إلى أن ما يزيد عن 80% من صادرات السلطة تذهب إلى “إسرائيل” بينما تأتي نحو 72% من وارداتها من “إسرائيل” (انظر بند التبادل التجاري). وعلى هذا، فإن الاحتلال الإسرائيلي هو جوهر الإشكالية الاقتصادية الفلسطينية، ولا يمكن فهم اقتصاد السلطة دون فهم الاحتلال الإسرائيلي وأساليبه وسياساته.

2. بروتوكول باريس: نظم هذا الاتفاق، الذي وقعته السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي سنة 1995، العلاقة الاقتصادية بين الطرفين. غير أن هذا الاتفاق لم يكن اتفاقاً اقتصادياً بين بلدين بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكنه اتفاق تمّ من خلاله تنظيم علاقة الحكم الذاتي الاقتصادية بالاحتلال، وتكريس هيمنة الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني. وكان من أبرز معالمه استمرار تحكُّم الاحتلال بحركة البضائع والأفراد، وبالمعابر البرية والبحرية والجوية، وبالتالي التحكم بحركة الصادرات والواردات، كما تولى الاحتلال تحصيل عائدات الضرائب (المقاصة) للسلطة الفلسطينية، والتي تشكل نحو 60% من إيراداتها المحلية، واستخدم عملية تسليم أو منع تسليم هذه العائدات للسلطة كأداة ابتزاز وتركيع للشعب الفلسطيني.

3. ضعف الرؤية التنموية للسلطة الفلسطينية: عانت السلطة الفلسطينية من الكثير من التخبط والعشوائية في بناء وتنفيذ رؤيتها التنموية والاقتصادية. ولم تقم بانتهاج سياسات تنموية تعمل على تعزيز القدرات الذاتية للشعب الفلسطيني وتقوية المناعة المجتمعية، ولم تُقدم برامج حقيقية تسعى للانفصال والانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي. ونحت العديد من الجوانب الاقتصادية منحى استهلاكياً… بينما انشغل بعض المتنفذين بفكرة “الرفاه تحت الاحتلال” بدل أن ينشغلوا بالتفكير في “اقتصاد مقاوم” أو “اقتصاد صمود” يكون رافعة للتخلص من الاحتلال.

ويلحق بهذه الإشكالية أن جانباً كبيراً من ميزانية السلطة يذهب إلى جوانب غير تنموية، وخصوصاً ما يتعلق بالأمن، حيث يحظى هذا القطاع بأكثر من 40% من مجمل الرواتب والأجور؛ بينما تضيع الكثير من جهوده في تنفيذ الالتزامات تجاه الطرف الإسرائيلي، بما في ذلك منع العمل المقاوم وملاحقة فصائله ورجالاته.

4. الفساد المالي والإداري: عانت مؤسسات السلطة من استشراء الفساد المالي والإداري، ومن مظاهر الترف والتنفيع والواسطة والمحسوبية، ومن التعيين وفق الولاء الحزبي والفصائلي، ومن البطالة المقنّعة. وبالرغم من عدد من السياسات الإصلاحية التي تمّ تنفيذها في السنوات الأخيرة، إلا أن العديد من هذه المظاهر ما زال حاضراً وإن بدرجات متفاوتة.

5. المال السياسي، والاعتماد على المساعدات الخارجية: وُجدت السلطة الفلسطينية منذ البداية في بيئة لا تُمكّنها من القيام على رجليها، سواء بسبب استمرار الاحتلال، أم بسبب طبيعة اتفاقات التسوية السلمية، أم بسبب حداثة سنّ السلطة. ولذلك أصبحت المساعدات والتمويل الخارجي مصدراً رئيسياً من المصادر التمويلية للسلطة؛ غير أن هذا المال الذي يأتي معظمه من دول غربية على علاقة قوية بـ”إسرائيل”، ولها رؤيتها الخاصة بمسار التسوية واستحقاقاتها؛ هو مال مُسيَّس يرتبط بأجندات هذه الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الحليف الأكبر لـ”إسرائيل”. ولذلك تعطل تدفق هذا المال عندما فازت حماس في الانتخابات وشكلت حكومة السلطة واستُخدم كأداة في إفشالها وإسقاطها، كما استُخدم قبل ذلك وبعد ذلك مع حكومات فتح لضبط التزامها بمسار التسوية وشروط الرباعية… وأصبح هذا المال أحد معوقات الوحدة الوطنية الفلسطينية… كما استُخدم جانب من هذا المال لتلبية الالتزامات الأمنية الفلسطينية تجاه الاحتلال الإسرائيلي.

6. محدودية الموارد الطبيعية: تُعدّ الضفة والقطاع، نسبياً، مناطق محدودة بإمكاناتها الطبيعية من النفط والغاز والمعادن والمياه والغابات، بالإضافة إلى مساحتها الضيقة نسبياً، خصوصاً في قطاع غزة، والتي تجعل إمكانات التوسع الاقتصادي والاستثماري عملاً صعباً وتحدياً كبيراً. وبالرغم من محدودية هذه الإمكانات فإن الاحتلال الإسرائيلي لا يألو جهداً في مصادرتها واستغلالها، وتعطيل القدرات الفلسطينية عن الاستفادة منها.

7. الإمكانات البشرية: يحفل الشعب الفلسطيني بإمكانات بشرية هائلة ومتميزة في شتى المجالات، وهي إحدى أبرز المزايا التي يمكن للشعب أن يواجه بها التحديات والعقبات الاقتصادية. وهي عندما يُحسن استثمارها في داخل فلسطين وخارجها، فإنها يمكن أن تحقق قفزات كبيرة ونوعية في النشاط الاقتصادي الفلسطيني.

[1] د. محسن محمد صالح: حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر سنة 1993. رئيس قسم التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا سابقاً، والمدير التنفيذي لمركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان سابقاً. وهو يشغل منصب المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات منذ سنة 2004. صدر له 13 كتاباً كما قام بتحرير نحو 60 كتاباً آخر، بالإضافة إلى كتابته للدراسات المحكّمة والمقالات، ومشاركاته في المؤتمرات.

إقبال عميش: رئيسة وحدة التدقيق الأكاديمي، باحثة في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، متخصصة في الشأن الفلسطيني. شاركت في إعداد المؤشرات السكانية والاقتصادية والتعليمية في التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لعدد من السنوات، وفي إعداد كتاب قطاع غزة: التنمية والإعمار في مواجهة الحصار والدمار. كما شاركت في التدقيق الأكاديمي للكثير من كتب ومنشورات مركز الزيتونة.

غنى جمال الدين: باحثة في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، متخصصة في الشأن الفلسطيني. شاركت في إعداد المؤشرات السكانية والاقتصادية والتعليمية في التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لعدد من السنوات، وفي إعداد كتاب قطاع غزة: التنمية والإعمار في مواجهة الحصار والدمار. كما شاركت في التدقيق الأكاديمي للكثير من كتب ومنشورات مركز الزيتونة.

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (55 صفحة، 2.7 MB)