مدة القراءة: 9 دقائق

بقلم: د. مهند مصطفى* (خاص – مركز الزيتونة).

مقدمة:

جاءت انتخابات الكنيست الحالية بعد أن بادر رئيس الحكومة إلى حلّ الكنيست والإعلان عن انتخابات مبكرة، إذ تعاني السياسية الإسرائيلية من أزمة بنيوية ناهيك عن الثقافة السياسية، وتتلخص الأزمة البنيوية في غياب الاستقرار السياسي في النظام الإسرائيلي؛ فمنذ سنة 1992 لم تكمل حكومة إسرائيلية مدتها، وكانت الحكومة الأخيرة أكثر الحكومات إشكالاً، فكل رؤساء أحزاب الائتلاف الحكومي كانوا يعتقدون بأنهم مرشحون مستقبليون لرئاسة الحكومة. جابهت الحكومة الكثير من الأزمات الداخلية مثل ميزانية الدولة، ومشروع قانون القومية اليهودية، وضعف نتنياهو بسبب ضعف حزبه، والصراعات الداخلية التي انكشفت خلال الحرب على غزة. اعتقد نتنياهو أن الفرصة سانحة لليكود لخوض انتخابات والعودة كحزب قوي سياسياً ويقود حكومة، ويكون هو الحزب الأكبر بفارق كبير عن شركائه السياسيين، وخصوصاً أن شعبيته كانت تفوق شعبية أي سياسي في “إسرائيل”. اعتقد نتنياهو أن تعزيز قوة حزب الليكود سيعيد تجربة حكومته الثانية (2009–2013) التي أمضت أطول فترة حكومة في العقدين الماضيين.
 
قراءة في نتائج الانتخابات:

1. المعسكر الصهيوني:

ظهر المعسكر الصهيونية كتحالف انتخابي بين حزب العمل برئاسة إسحق هرتسوغ، وحزب الحركة (هتنوعا) برئاسة تسيفي ليفني. كانت الأخيرة وزيرة القضاء في حكومة نتنياهو وقد فصلها نتنياهو مع وزير المالية يائير لابيد عشية إعلان حلّ الحكومة والكنيست.


حصلت هتنوعا في انتخابات 2013 على 6 مقاعد بينما حصل حزب العمل على 15 مقعداً، جاء التحالف بهدف بناء جسم انتخابي يتفوق على حزب الليكود، سمي التحالف “المعسكر الصهيوني”، وذلك كرد فعل على دعاية الليكود أن حزب العمل يحمل توجهات ما بعد صهيونية وحتى معادية للصهيونية، وقد اتفق الطرفان على مبدأ المناوبة في رئاسة الحكومة إذا قام المعسكر الصهيوني بتشكيلها. توقعت استطلاعات الرأي في فترة الحملة الانتخابية حصول المعسكر الصهيونية على 24 مقعداً، وهذا ما حصل في الانتخابات، إلا أن أزمة هذه القائمة كانت عدم قدرتها على زيادة مقاعدها خلال الفترة الانتخابية التي استمرت ثلاثة أشهر، فقد بقيت قوتها الانتخابية ثابتة ولم تحقق تقدماً ملموساً في أوساط اجتماعية جديدة، وبالرغم من أن تسيفي ليفني تنازلت عن مبدأ المناوبة وأبقت هرتسوغ مرشحاً وحيداً —مرشحاً لتشكيل الحكومة— على أمل أن يزيد ذلك من قوة القائمة، إلا أن ذلك لم يزد من عدد مقاعد المعسكر الصهيوني.

حصل المعسكر الصهيوني على أصواته من التجمعات المدنية ذات الدخل المرتفع أي من الطبقة الوسطى العليا، وفي مدينتين كبيرتين (تل أبيب وحيفا) حقق المعسكر الصهيوني فوزاً على الليكود، بينما في بلدات الطبقات الوسطى الدنيا كان حضور المعسكر هزيلاً. ركز المعسكر الصهيوني حملته الانتخابية على القضايا الاجتماعية الاقتصادية وغيّب القضايا السياسية والاحتلال والتسوية مع الفلسطينيين.


على يسار المعسكر الصهيوني خاضت حركة ميرتس اليسارية الانتخابات، وقد ركزت ميرتس على قضايا المساواة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإن بدرجة أقل. حصلت ميرتس على خمسة مقاعد وبذلك تراجعت مقعداً واحداً عن انتخابات سنة 2013، ويتوقع أن هذا المقعد ذهب للمعسكر الصهيوني لأن الناخبين من اليسار كانوا يرون بأن تعزيز قوته سيعزز آماله بتشكيل الحكومة.

2. الليكود:

ذهب الليكود إلى انتخابات مبكرة من أجل تعزيز قوته الانتخابية في الكنيست، ففي انتخابات 2013 حصل الليكود على 19 مقعداً (31 مقعداً بتحالف مع ليبرمان)، وكان طرفاً ضعيفاً في الحكومة على الرغم من أنه يقودها، وقد حاول الليكود خلال الحملة الانتخابية أن يجر النقاش العام إلى القضايا الأمنية والأخطار التي تحدق بـ”إسرائيل” والتغيرات في المنطقة، وحاول تغييب القضايا الاقتصادية والاجتماعية، لدرجة أن الليكود لم ينشر برنامجاً انتخابياً، لتبقى مواقفه ضبابية حول هذه القضايا.


تجندت الكثير من النخب الإعلامية والعسكرية والأمنية والأدبية لإسقاط نتنياهو، فقد وقَّعت 200 شخصية أمنية وعسكرية مهمة في “إسرائيل” على عريضة تحذر من المخاطر الأمنية لـ”إسرائيل” في حالة انتخاب نتنياهو، ونشر مراقب الدولة تقريرين أضرا بنتنياهو؛ تقرير مصروفات بيت رئيس الحكومة وتقرير أزمة السكن في “إسرائيل”.


لم ينشر التقرير لدواعي سياسية، ولكن توقيت النشر جاء في ظلّ الحملة الانتخابية، والتي كانت كانت موجهة ضدّ نتنياهو وحكومته. على الرغم من ذلك فإن الليكود استطاع أن يحقق نجاحاً باهراً بحصوله على 30 مقعداً، على عكس كل الاستطلاعات التي أجريت خلال الحملة الانتخابية التي كانت تعطيه بين 22–24 مقعداً.

حسم نتنياهو المعركة في آخر ثلاثة أيام، فقد قرر كسر استراتيجيته الانتخابية (الانكفاء عن وسائل الإعلام)، ووافق على إجراء عشرات المقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلا أن مقولتين غيرتا موقع الليكود الانتخابي، المقولة الأولى إعلان نتنياهو عن معارضته إقامة دولة فلسطينية، وهو بذلك ضرب حزب البيت اليهودي عن يمينه الذي أعلن أنه الوحيد الذي يعارض إقامة دولة فلسطينية، فانتقلت أصوات منه إلى الليكود تقدر بأربعة مقاعد، والمقولة الثانية قالها نتنياهو في يوم الانتخابات، حيث نشر تسجيلاً يدعو فيه قواعد اليمين النائمة إلى الخروج للتصويت لأن المواطنين العرب “يتوافدون” على صناديق الاقتراع وهنالك خطر على حكم الليكود. استفزت هذه المقولة العنصرية والكاذبة قواعد الليكود الغاضبة أو المتحفظة، والتي كانت قد قررت عدم التصويت، عادت وصوتت لصالح الليكود؛ سلوك يتسم بالقبلية وخصوصاً وأن الحملة الانتخابية أعادت إلى الأذهان انتخابات 1981 التي اتسمت بالانقسام الطائفي بين الشرقيين والأشكنازيين.

3. أحزاب اليمين:

تراجعت أحزاب اليمين وتحديداً البيت اليهودي من 12 مقعداً إلى 8 مقاعد، وحزب “إسرائيل بيتنا” (يسرائيل بيتينو) برئاسة ليبرمان من 12 مقعداً إلى 6 مقاعد، وكلها صبت لصالح الليكود. تراجع الأول بسبب سياسات رئيسه نفتالي بينت الذي تعامل مع الحزب كشركة اقتصادية وحاول أن يغيره بسرعة، ولم يفهم أن قواعد الحزب الاجتماعية قادمة من أبناء الصهيونية الدينية، الذين يريدون الحفاظ على طابع الحزب الديني.


كما أن تصريح نتنياهو حول الدولة الفلسطينية أضعف الحزب الذي خاطب قواعد اليمين بأنه سيحافظ على الليكود من اليمين، لكي يمنعه من التنازل عن أجزاء من “أرض إسرائيل”، إلا أن إعلان نتنياهو عن موقفه من الدولة الفلسطينية أفقد الحزب بعض المقاعد لصالح الليكود، كما أن قواعد اليمين لم تتحمس لمشروع بينت بضم مناطق ج وإعطاء صفة المواطنة لسبعين ألف فلسطيني، فهم يريدون الإبقاء على المناطق الفلسطينية سنة 1967 كما هو الوضع الآن دون حقوق، وهذا ما يقوم به الليكود حالياً.


أما حزب يسرائيل بيتينو فقد تراجع كثيراً بسبب تورط العشرات من قيادات الحزب وأعضائه في تهم فساد مالي وسياسي، وطالت التهم نائبة وزير الداخلية عن الحزب، وهي ليست المرة الأولى التي يتورط فيها أعضاء من الحزب في قضايا فساد أو قضايا جنائية.

4. الأحزاب المتدينة:

خاض انتخابات الكنيست حركتان دينيتان. حركة يهود التوراة (يهدوت هتوراة)، وهي حركة دينية أرثوذكسية غير صهيونية تحظى بدعم من القواعد الدينية الأرثوذكسية الأشكنازية، وخصوصاً في القدس، وتتميز قواعدها الاجتماعية بالثبات، مما ينعكس على استقرار نسبة تأييدها في الانتخابات، حيث تصوت هذه القواعد للحركة لاعتبارات دينية مجردة، وهي قواعد يزداد ثقلها الانتخابي بسبب الزيادة السكانية الطبيعية في صفوفها. تتركز قواعدها في التجمعات الدينية الأرثوذكسية ذات الطابع الأشكنازي، مثل مدينة القدس، وموديعين، وبيت شيمش، حيث تحصل الحركة فيها على أكبر نسبة تأييد نظراً للطابع الديني الأرثوذكسي لها. وقد مرت الحركة بعملية “صهينة” ضعيفة مقارنة مع حركة شاس الدينية الشرقية. وقد حصلت على 6 مقاعد مثل الدورات الثلاث الأخيرة.

أما حركة شاس الأرثوذكسية التي تأسست في بداية الثمانينيات، هي حركة دينية يتزعمها رجال دين من أصول شرقية، وتقوم باستعمال مكثف لسياسات الهوية في صفوف اليهود الشرقيين، وتتوزع قواعدها بين القواعد الدينية الأرثوذكسية الشرقية، وبين القواعد الاجتماعية الضعيفة اقتصادياً من اليهود ذوي الأصول الشرقية. وعلى عكس حركة يهدوت هتوراة فإن قواعدها الاجتماعية غير ثابتة، فهي تنافس حزب الليكود على القواعد الاجتماعية الشرقية الضعيفة، وتحاول مواجهة الليكود من خلال استعمال مكثف لسياسات الهوية أمام الليكود “الأشكنازي” القيادة. مرت الحركة بعملية صهينة كبيرة، فهي تصنف نفسها كحركة يمينية في القضايا السياسية والأمنية، ومن الصعوبة الادعاء أن هذه الحركة هي حركة دينية أرثوذكسية غير صهيونية.

واجهت الحركة في هذه الدورة أزمة كبيرة وذلك بعد وفاة زعيمها الروحي ومؤسسها الحاخام عوفاديا يوسف الذي حافظ على وحدة الحركة، وعشية الانتخابات انشق عن الحركة إيلي يشاي رئيس الحركة خلال الفترة 1999–2013، بسبب خلافات داخلية مع رئيس الحركة الحالي أرييه درعي، الذي قاد الحركة قبل يشاي ودخل السجن بسبب قضايا فساد مالية، وعند استلامه رئاسة الحركة سنة 2013 دبت خلافات بينه وبين يشاي، إلا أن وجود الحاخام يوسف حافظ على وحدة الحركة. أثر انشقاق يشاي وتأسيسه حزباً بعنوان الشعب معنا، على نتائج الحركة التي حصلت على 7 مقاعد. وهو تراجع كبير في شعبية الحركة وخصوصاً أن عشرات الآلاف من الأصوات ذهبت إلى الليكود من جهة، وإلى حزب يشاي الذي لم يتجاوز نسبة الحسم.

5. أحزاب المركز:

عرَّفا حزبان نفسيهما أنهما أحزاب مركز. حزب “يش عتيد” “يوجد مستقبل” برئاسة يائير لابيد، وحزب “كلنا” (Kulanu) برئاسة موشيه كحلون. حصل حزب لابيد على 11 مقعداً مقابل 19 مقعداً في انتخابات 2013، بينما حصل حزب “كلنا” على عشرة مقاعد.


خاض موشيه كحلون، وهو أحد قيادات الليكود البارزين سابقاً، الانتخابات بشعار أنه يريد أن يكون وزير المالية في الحكومة القادمة وهذا الشرط الذي يضعه للانضمام لأي حكومة، إلا أنه لم يوصِ على أي شخص لتشكيل الحكومة قبل الانتخابات، وكانت هذه خطوة ذكية من طرفه لأن نتنياهو حاول انتزاع مقاعد منه خلال الحملة الانتخابية بالإعلان أنه سيضم كحلون إلى حكومة يشكلها كوزير مالية بغض النظر عن المقاعد التي سيحصل عليها الأخير، وذلك بهدف طمأنة مؤيديه بأن يعودوا لليكود لأن هدفهم بتعيين كحلون وزيراً للمالية سيحدث بكل الأحوال.


إلا أن كحلون أصر على موقفه ولم يعلن تأييده لنتنياهو لتشكيل الحكومة قبل الانتخابات وبذلك حافظ على قواعده الانتخابية، مؤكداً لهم أن نتنياهو يلعب لعبة انتخابية ليس إلا.

جاءت أصوات كحلون من مركز ويمين الخارطة السياسية، فقد حصل على مقاعد من حزب لابيد ومقاعد من الطبقات الاجتماعية الوسطى، وأظهر كحلون بأنه سيكون وزير مالية اجتماعي وناجح على عكس لابيد الذي فشل في هذا المنصب ولم يحقق وعوده لناخبيه. لذلك كانت الحملة الدعائية موجهة ضد حزب لابيد لأن كحلون كان يعرف أن قواعد لابيد الانتخابية سنة 2013 التي أوصلته إلى 19 مقعداً هي قواعده الطبيعية، أي قواعد الطبقة الوسطى ذات التوجهات اليمينية.

6. القائمة المشتركة:

حصلت القائمة المشتركة على 13 مقعداً في الانتخابات، وتُعدُّ القائمة المشتركة تحالفاً انتخابياً بين الكتل الانتخابية العربية التي تنافست في انتخابات الكنيست منذ عقدين: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية البرلمانية والحركة العربية للتغيير. حصلت القوائم العربية مجتمعة في انتخابات 2013 على 11 مقعداً وزادت قوتها إلى 13 مقعداً بسبب تحالفها. جاء تشكيل القائمة المشتركة بسبب رفع نسبة الحسم إلى 3.25%، وبسبب التخوف من ازدياد نسبة المقاطعة والامتناع عن التصويت إذا لم تلتئم القوائم العربية بقائمة مشتركة، وذلك انسجاماً مع مطلب قطاعات اجتماعية في المجتمع العربي. ركزت القائمة المشتركة على الخطاب المدني وعلى قضايا الناس اليومية. ارتفعت نسبة التصويت في المجتمع العربي من 53% سنة 2013 إلى نحو 63% في هذه الانتخابات. كما حصلت القائمة المشتركة على قرابة 80% من الأصوات العربية الصحيحة.

جدول يبين نتائج الأحزاب المشاركة في الدورات الانتخابية الأربعة الأخيرة

 2006 2009 2013 2015

 
   %  المقاعد  %  المقاعد  %  المقاعد  المقاعد
 الليكود  9  12  21.6  27  23.3  31  30
 كاديما   22  29  22.5  28  2  2  –
 العمل 15.1  19  9.9  13  11.3  15  24
 يش عتيد    14.3  19  11
 شاس  9.5  12  8.5  11  8.7  11  7
 يهدوت هتوراة  4.7  6  4.4  5  5.1  7  6
 يسرائيل بيتينو  9  11  11.7  15  تحالف مع الليكود  6
 ميرتس  3.8  5  3  3  4.5  6  5
 المفدال – البيت اليهودي  7.1  9  2.9  3  9.1  12  8
 الاتحاد الوطني    3.3  4  تحالف في إطار البيت اليهودي  –
 حزب المتقاعدين  5.9  7    –
  الحركة (هتنوعا)    4.9  6  تحالفت مع حزب العمل
 التجمع الوطني الديمقراطي  2.3  3  2.5  3  2.5  3  13 مقعدا
ضمن القائمة المشتركة
 الجبهة الديمقراطية  2.7  3  3.3  4  2.9  4
 القائمة العربية الموحدة  3  4  3.4  4  3.6  4

المصدر: تقارير لجان الانتخابات المركزية. (تصميم وإعداد الكاتب).
لجنة الانتخابات المركزية للكنيست الـ 20: اضغط هنا
لجنة انتخابات الكنيست الـ 19: اضغط هنا
لجنة انتخابات الـ 18: اضغط هنا
لجنة انتخابات الـ 17: اضغط هنا

خلاصة:

دشنت نتائج الانتخابات العشرين للكنيست الإسرائيلي مرحلة جديدة في المشهد السياسي الإسرائيلي على المستوى البنيوي، وهي مرحلة الحزب المهيمن على المشهد السياسي، متمثلةً في حزب الليكود. يعود ذلك إلى أسباب كثيرة؛ نهاية المرحلة البرجماتية في السياسية الإسرائيلية، وأقصد بالبرجماتية الداخلية، خيارات التحالف قبل الانتخابات والائتلافات الحكومية الواردة بعد الانتخابات، التي باتت تتقلص مقارنة مع دورات الانتخابات السابقة. فعلى سبيل المثال، كان حزب الصهيونية الدينية سابقاً، حزب المتدينين الوطنيين (المفدال) مستعداً لدخول ائتلافات حكومية مع أحزاب اليسار الإسرائيلي، إلا أن حزب الصهيونية الدينية اليوم (البيت اليهودي) غير مستعد لذلك. ويعود ذلك إلى الفرز الأيديولوجي ليس على مستوى الأحزاب فقط، بل أيضاً على مستوى القواعد الاجتماعية للأحزاب والتي بدأت تصطدم (لا تتشكل، لأنها تشكلت قبل ذلك) بعد توقيع اتفاق أوسلو وانتفاضة الأقصى سنة 2000. وظهر ذلك أيضاً في الحراك الانتخابي بين المعسكرات السياسية، لتنحصر بالأساس داخلها.

ففي قراءة لنتائج الانتخابات النهائية مقارنة مع استطلاعات الرأي المتكررة خلال الشهرين اللذين سبقا الانتخابات، تدل على أن صعود الليكود إلى 30 مقعداً جاء على حساب الأحزاب اليمينية وصعود نسبة التصويت في صفوف قواعد اليمين، وليس بسبب انتقال مصوتين من اليسار إلى اليمين. ففي مقارنة مع نتائج الانتخابات التي حصل عليها اليمين سنة 2013 مع نتائج انتخابات 2015 (الليكود، البيت اليهودي و”إسرائيل بيتنا”) يتبين أنها ارتفعت من 43 مقعداً سنة 2013 إلى 44 مقعداً فقط. الفرق الوحيد الذي حصل والذي جاء لصالح الحزب الحاكم وزعيمه أن الحزب الحاكم حصل وحده في هذه الانتخابات على 30 مقعداً، بينما حصل في الانتخابات السابقة (2013) على 31 مقعداً ضمن قائمة شراكة من حزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة ليبرمان. وهذا ما جعله في تقاليد السياسة الإسرائيلية قادر على تشكيل الحكومة القادمة.

ظهرت المرحلة البنيوية الجديدة خلال فترة الدعاية الانتخابية بتعبيرات كثيرة، ولكن أهمها أن تشكيل الحكومة بات يتبلور قبل موعد الانتخابات، وخصوصاً في اليمين، فالقواعد الاجتماعية لكل معسكر هي قريبة من بعضها أيديولوجياً وسياسياً وحتى طبقياً. ويحاول كل حزب داخل المعسكر أن يستقطب هذه القواعد إلى صفوفه، من خلال تكتيكات انتخابية وسياسية عديدة. فعلى سبيل المثال، استعملت أحزاب اليمين سياسة الإعلان مسبقاً أنها ستوصي على بنيامين نتنياهو كمرشح لرئاسة الحكومة أمام رئيس الدولة، وذلك بهدف استقطاب مصوتين من الليكود إلى هذه الأحزاب وطمأنتها أنها حتى لو صوتت لأحزاب يمين غير الليكود ستحصل على نتنياهو رئيساً للحكومة، لأنها ستوصي عليه أمام رئيس الدولة. وتتميز هذه المرحلة كذلك بثبات القواعد الاجتماعية للمعسكرات الحزبية في “إسرائيل”، وانحصار حراكها داخل المعسكر. ويتميز هذا السلوك عن العقود الماضية التي كانت الأصوات تنتقل من معسكر إلى آخر، في ظلّ نظام الحزبين الذي ساد حتى سنة 1992.

تتمثل هيمنة اليمين في “إسرائيل” ليس فقط في انفراد الليكود (وكاديما برئاسة شارون) على تشكيل الحكومة منذ سنة 2001، بل في سعي الليكود الحثيث إلى تغيير المشهد الإسرائيلي كلياً؛ إجراء تغييرات على محكمة العدل العليا، في المؤسسات الأكاديمية، التضييق على المجتمع المدني، تعريف مفاهيم الوطنية والصهيونية بما تنسجم مع توجهاته التنقيحية، ونزع شرعية عن مفاهيم مثل اليسار، حقوق الإنسان، وغيرها.

الحكومة التي سيشكلها نتنياهو ستكون حكومة يمينية، فحتى كحلون يميني ويتبنى مواقف يمينية واضحة من القضية الفلسطينية. تستطيع حكومة يمينية أن تكون مستقرة لفترة طويلة إذا لم تعمل شيئاً على المستوى السياسي مع الفلسطينيين، وتنكب على إدارة الصراع مع الفلسطينيين في إطار الحفاظ على الوضع القائم. هذه الحكومة قد تستمر لفترة طويلة تتجاوز السنتين كما كانت الحكومة السابقة، فالحفاظ على الوضع القائم يوفر لها جواباً لكل الشركاء، دون خسارة أو ربح لأحد على حساب الثاني، ولكن يبقى العامل الدولي عاملاً مركزياً في الضغط على حكومة نتنياهو في هذا الشأن، ولكن تجربة الأخير من الضغط الدولي هي كبيرة؛ فقد استطاع لمدة ست سنوات كرئيس حكومة أن يتعامل مع هذا الضغط، وخصوصاً وأن الأوضاع الإقليمية تلعب لصالحه في إدارة هذا الضغط، لانشغال الجميع بالأوضاع المأزومة في المنطقة العربية، والتي كلها تصب في صالح خطابه السياسي.

* محاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا، وباحث في “دراسات”- المركز العربي للحقوق والسياسات.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 11/4/2015