مدة القراءة: 8 دقائق

تقدير استراتيجي (73) – تشرين الثاني/ نوفمبر 2014.

ملخص:

شكلت المقاومة الشعبية تاريخياً مقدمة موضوعية لنشأة حالات مسلحة من أشكال المواجهة مع الاحتلال، وكانت الأداة الأكثر تكراراً على أرض فلسطين في وجه الاحتلال المباشر. تدفع مجموعة عوامل موضوعية نحو تعزيز المقاومة الشعبية كخيار في الضفة الغربية، من بينها الثورات العربية، ووصول التسوية السياسية إلى نهاية جديدة، وحرب غزة 2014 والمفارقة التي رافقتها بين غزة والضفة، واعتداءات المستوطنين والتهويد المتواصل للقدس وحالة المواجهة فيها وأسباب أخرى.

في الوقت عينه تعمل أسباب موضوعية أخرى على تثبيطها مثل العقلية السياسية للقيادة الفلسطينية الحالية، والتنسيق الأمني، ومشروع التخدير الاقتصادي، والانقسام السياسي.

في ظلّ ذلك تلوح ثلاثة سيناريوهات محتملة: أن تترجم القوى الموضوعية الدافعة إلى مقاومة شعبية شاملة، أو تواصل الوضع الحالي، أو إعادة إطلاق مرحلة جديدة من المفاوضات وتمديد المشروع الاقتصادي ليعني سنوات أخرى من الهدوء في الضفة.

مقدمة:

أعادت حرب غزة 2014 التساؤل حول المقاومة في الضفة الغربية إلى الواجهة، فصورة المفارقة بدت شديدة الوضوح بين قطاع محاصر يخوض حرباً طويلة بأدوات عسكرية فعالة ويتمكن من الصمود ومن تحقيق إنجازات ميدانية، وبين الضفة الغربية التي لم تستطع أن تلتحق أو حتى أن تجاري هذه المواجهة، وبدت الحاجة جلية لفهم الأسباب الموضوعية التي أنتجت هذا الواقع “التضامني الرمزي” في الضفة أمام مواجهة حقيقية تحصل على الضفة الأخرى من جغرافيا نكسة سنة 1967.

وهذا التقدير هو محاولة لاستجلاء آفاق استعادة صورة فعالة من صور المقاومة خَبِرها الشعب الفلسطيني على مدى محطات متتالية من تاريخه الحديث؛ هي المقاومة الشعبية، ونعني بها هنا التبني الشعبي الواسع والانخراط المباشر لمختلف فئات الشعب في المواجهة المباشرة مع المحتل بمختلف الوسائل، والمشاركة الفاعلة لهم في تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية. وتتركز الدراسة هنا على محاولة تشخيص العوامل الموضوعية الدافعة للمقاومة الشعبية، أو تلك المثبطة، ومن ثم الخروج بسيناريوهات محتملة وتوصيات.

لقد شكلت المقاومة الشعبية جزءاً أساسياً من أدوات المشروع الوطني الفلسطيني منذ المراحل المبكرة لمقاومته للاحتلال البريطاني سنة 1920 في انتفاضة موسم النبي موسى، وثورة البراق 1929، والثورة الفلسطينية الكبرى وبالذات في مرحلتها الأولى 1936-1937، وكانت حاضرة كأداة مركزية في محطات المقاومة الأقرب زمنياً؛ في الانتفاضة الفلسطينية الكبرى سنة 1987 أو في هبة النفق 1996 وصولاً إلى بدايات انتفاضة الأقصى سنة 2000، والقراءة التحليلية لتاريخ التجربة الوطنية الفلسطينية، والتي لا مجال للاستفاضة فيها هنا، تخبر باستنتاجين مهمين في طبيعة دور المقاومة الشعبية في فلسطين:

الأول: أن المقاومة الشعبية والهبات الشعبية الواسعة شكلت شرطاً سابقاً لنشأة أي حالة مسلحة ومنظمة، لأنها الحالة التي كانت تبنى فيها الحاضنة الشعبية التي تسمح بالتطور نحو العمل المسلح المنظم والمستقر نسبياً، وتوفير ملاذاته الآمنة ومده بالرجال وبالموارد.

الثاني: أن المقاومة الشعبية كانت أداة المقاومة الأكثر تكراراً على أرض فلسطين، وأنها كانت حاضرة تقريباً في كل محطات المواجهة التي جرت على أرض فلسطين؛ شرط أن تكون قد جرت تحت الاحتلال المباشر.

أولاً: العوامل الموضوعية الدافعة للمقاومة الشعبية في الضفة الغربية:

1. الثورات الجماهيرية العربية: أو ما اصطلح عليه بـ”الربيع العربي”، لقد أعادت هذه الثورات ومنذ سنة 2010 حضور مفهوم قوة الشعب، ودور الجماهير في التغيير، وأعادت طرح التساؤل حول دور الجماهير في الحالة الفلسطينية والتي لطالما كانت سباقة وفاعلة في مواجهة المحتل، لكنها غابت بينما كانت حركة الجماهير تتصدر المشهد في تونس ومصر واليمن، ويمكن اعتبار هذا العامل بمثابة عامل تأسيسي بات اليوم أقل حضوراً في المشهد.

2. وصول التسوية السياسية إلى نهاية جديدة: كان الطريق المسدود الذي وصلت إليه مفاوضات أوسلو وما بعدها في كامب ديفيد سنة 2000، والفشل في الاتفاق على ملف القدس أو في إعلان دولة فلسطينية مستقلة، أحد أبرز العوامل التي مهدت الأرضية لانتفاضة الأقصى سنة 2000، وقد حرصت الولايات المتحدة والقوى العالمية على إعادة إطلاق “عملية سلمية” والمحافظة عليها مستمرة انطلاقاً من هذا الفهم، فانطلقت تجربة أنابوليس سنة 2007، لكن الاستمرار فيها للأبد دون نتائج كان مستحيلاً. وجاءت محاولة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في تقديم مبادرة جديدة لاتفاق إطار محاولة منه لتقديم إنجازات تحيي هذه العملية وتحافظ عليها، وهذا ما يفسر الطابع “الرسالي” في إصرار كيري عليها، لكن فشله في إقرارها وفي الحصول على موافقة “إسرائيلية” عليها أوصل تجربة أنابوليس إلى طريق مسدود جديد، وأعاد، بشكل من الأشكال، إنتاج المشهد المؤسس لانتفاضة الأقصى سنة 2000.

3. حرب غزة 2014: وحالة المفارقة التي أنشأتها بين “مجتمعين” و”سلطتين” و”واقعين” تقوم الازدواجية بينهما على الاستراتيجية والرؤية للمشروع الوطني، الأول مقاوم ومحاصر ومعزول ويتمكن من تحقيق إنجازات، والثاني ممول ومدعوم ومنفتح ويفشل في تحقيق الأمن الذاتي لأفراده.

4. اعتداءات المستوطنين وتغول الاستيطان: لقد أنتجت حالة التنسيق الأمني والمشروع الاقتصادي التخديري اللذين انبثقا من تجربة قيادة السلطة في رام الله وحكوماتها المتعاقبة منذ 2007 مجتمعاً بلا مخالب، وأنتجت السلطة الإسرائيلية التي تتجه أكثر فأكثر نحو سيطرة مطلقة لليمين الإسرائيلي مزيداً من الاستيطان ومن دعم المستوطنين، وهذا أنتج حالة تغول غير مسبوقة للمستوطنات على الموارد والكتل السكانية الفلسطينية، وللمستوطنين على سكان الضفة الغربية بالذات في القرى وفي الطرق بين المراكز الحضرية المصنفة تحت المنطقة “أ” في جغرافيا اتفاق أوسلو، وهذا ما عزز ويعزز الشعور بالحاجة للمواجهة والحماية الذاتية لدى جمهور الفلسطينيين، خصوصاً في ظلَ قرار سياسي بعدم مواجهة الشرطة الفلسطينية لهم، وعجزها التام بالتالي عن تقديم أي حماية للجمهور.

5. التهويد المتواصل للقدس وحالة المواجهة المستمرة: فالمسجد الأقصى مستهدف بالتقسيم الزماني والمكاني، والاستيطان يتغول في القدس، والمقدسيون يوضعون تحت أسوأ الظروف المعيشية لدفعهم للهجرة، وإمكانية أن تكون القدس جزءاً، ولو بشكل رمزي، من أي دولة فلسطينية تنشأ عن التسوية باتت مستحيلة في عين من يعيش الواقع في الضفة الغربية، وبات واضحاً أن المقدسات والثوابت والهوية والوجود في القدس تواجه ضياعاً محققاً إن استمرت الأمور على ما هي عليه، وهذا أيضاً يعيد بشكل من الأشكال إنتاج أحد الظروف المؤسسة لانتفاضة الأقصى سنة 2000. لكن إضافة لذلك، تشهد القدس اليوم حالة مستمرة من الاشتعال، والمواجهات اليومية تتنقل فيها بين باب حطة وسلوان ورأس العامود وشعفاط ومخيم شعفاط وحاجز قلنديا والعيسوية، والمواجهات تندلع على خلفيات لا تنتهي: اقتحام الأقصى، منع من الصلاة، محاولات اعتقال، إخلاء منازل، هدم منازل، أو حتى افتتاح منشآت جديدة تابعة للبلدية، ويمكن القول أن القدس تشهد على مدى سنتين مضتا حالة مواجهة شعبية مستمرة لم تتح الظروف لها للانتقال إلى محيطها الملاصق في الضفة الغربية.

6. تواصل العمليات العسكرية الفردية: شهدت سنتا 2013 و2014 تصاعداً كبيراً في عمليات المقاومة الفردية، من الدهس بالجرافات والسيارات إلى عمليات القنص وإطلاق النار من سلاح ناري، إلى اختطاف المستوطنين، وهذه العمليات على الرغم من أنها لم تتسع لتصبح حالة شاملة، إلا أنها تؤشر إلى حالة مقاومة كامنة ومستمرة تعوق الظروف الحالية، والتي سنبحثها بالتفصيل أدناه، تعبيرها عن ذاتها، لكنها قد تتمكن من التطور والتأقلم لتظهر بصورة أخرى أكثر قابلية للاحتضان والانتشار، والمقاومة الشعبية هي إحدى هذه الصور.

7. البيئة السياسية المحيطة بالضفة الغربية: تشكل الضفة الغربية وحدة جغرافية معزولة، تحيطها “إسرائيل” من ثلاث جهات، بينما يحيطها الأردن من الجهة الرابعة، وكلتا الدولتين متفقتان على عدم السماح بنشأة قوة مقاومة مسلحة في الضفة الغربية، وعدم توفير فرص التسلح والإمداد والتنظيم لها، وهذا يجعل نشأة أرض آمنة للتصنيع والتدريب والتنظيم أمراً يكاد يكون مستحيلاً، كما أن الوجود الاستيطاني والعسكري الإسرائيلي يتخلل الضفة من كل الاتجاهات، وهذا ما يجعل المقاومة الشعبية أقرب إمكانية، بالرغم من كون المراكز المدنية الأساسية خاضعة للسلطة الفلسطينية، إلا أن إيجاد نقاط التحام مع الاحتلال ليس صعباً ولا مستعصياً. في الوقت عينه، يلوح في الأفق متغير محتمل يتمثل في المحاولات المتتالية للحكومة الإسرائيلية لإخراج الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة سنة 1948 عن القانون، وهذا إن حصل سيجعل المقاومة الشعبية والعصيان المدني الواسع أحد أبرز خياراتها.

8. الاتفاق الشكلي على المقاومة الشعبية: فالمقاومة الشعبية كانت الاستراتيجية المستقبلية التي اتفق عليها بين فتح وحماس في اتفاق مكة سنة 2007، والتي تبنتها حركة فتح في مؤتمرها السادس في بيت لحم سنة 2009، كما أنها شعار ترفعه فصائل اليسار وبعض قوى الساحة الفلسطينية مثل المبادرة الشعبية، وهذا ما يمنح هذا الشكل من المقاومة مشروعية واسعة، على الرغم من أن تبنيها في واقع الأمر كان مخرجاً من مأزق ثنائية المقاومة، المفاوضات، أكثر مما كانت أداة استراتيجية قصدت مختلف الأطراف فعلاً استخدامها.

ثانياً: العوامل الموضوعية المثبطة:

1. التوجه الوظيفي للقيادة الفلسطينية: فقد نجح اتفاق أوسلو على مدى سنوات تطبيقه في إعادة قولبة القيادة الفلسطينية وتعريفها للـ”مصالح الوطنية”، فهي قيادة انتقلت للتفكير بمنطق البقاء والحفاظ على الكينونة، الذي هو منطق الدول، قبل أن تمتلك دولة، وباتت تعرف كل ما يؤثر على كينونة وبقاء السلطة “خطراً”، والمقاومة المسلحة أو الانتفاضة الشعبية من هذا المنطلق يصبح مجرماً، وكل ما يؤدي إلى قطع المساعدات والاعتماد الدولي يصبح “خطراً”، ومن هذا الباب نفسه تقرأ انتفاضة سنة 2000 على أنها “هزيمة” لأنها أعادت بنى السلطة إلى الخلف وأدت لتدمير جزء منها، وتقرأ أي مخاطرة بهذه البنى على أنها “عبث”، وتقرأ ضمان تدفق الدعم الدولي للموازنة على أنه “تحقيق للمصالح الوطنية”، بغض النظر عن الثمن المدفوع لتحقيقه، ودون أدنى نقد أو تفحص لفكرة الدولة التي تعيش على المساعدات وتعرف مصالحها الوطنية من منظورها. هذا التوجه يعني ببساطة تجريم أي فعل يجر ثمناً على الفلسطينيين، وباختصار تجريم أي فعل مقاوم، شعبياً كان أم مسلحاً، وإعادة تعريف المقاومة في أشكال لا يترتب عليها ثمن باهظ.

2. التنسيق الأمني: وهو المظهر الأمني لهذه العقلية السياسية، فالمشروعية الإسرائيلية مدخل للشرعية العالمية واستمرار الدعم والحفاظ على المؤسسات، ومن هذا الباب يغدو “مقدساً”. لقد أنتجت القيادة المقولبة في ظلّ أوسلو “فلسطينياً جديداً” في أجهزتها الأمنية ليست المواجهة مع “إسرائيل واحدة من خياراته، وهو ما لم تفعله القيادة التي أسست أوسلو كحقبة سياسية، واحتفظت بمختلف أوراقها بما فيها توجيه قوى الأمن الفلسطيني تجاه المحتل عند الضرورة. وللتنسيق الأمني علاقة مركبة بالمقاومة الشعبية، فهو إذ يجعل تشكيل الخلايا العسكرية والتنظيمية صعباً، ويجعل التفكير بمثل هذا الخيار مخاطرة يبتعد عنها الجمهور، إلا أنه بهذه الطريقة يعيد توجيه البوصلة نحو المقاومة الشعبية كشكل أقدر على تجاوز هذا التنسيق وأقرب إلى التحقق حتى في ظلّ وجوده.

3. التخدير الاقتصادي: المبني على تضخم في الكادر والرواتب، وانتزاع الجمهور من الأعمال المنتجة زراعياً وحرفياً إلى وظائف ريعية تعتمد على الدعم الخارجي، وبناء فكرة “أسهل” عن الدخل، تقابلها تسهيلات واسعة في القروض البنكية تبني نمطاً استهلاكياً من الحياة، وتجعل التفكير بعمل مقاوم أو خارج إطار موافقة السلطات ضرباً من المخاطرة المذلة لصاحبها الذي سيغدو مهدداً بفقدان مسكنه وأثاثه ووسيلة تنقله. هذا العامل هو العامل الأساس في تحويل خيار المقاومة إلى خيار مستبعد شعبياً، وهو أبعد أثراً وأعمق وصولاً من التنسيق الأمني، ولا يمكن استعادة حالة مستعدة للمقاومة ومنتشرة جماهيرياً دون تأسيس حالة مضادة له.

4. الانقسام السياسي: الذي منح الخيارات السياسية الوظيفية لقيادة السلطة غطاء وطنياً من “العصبية” التي تمثلها نتيجة الاستقطاب، وأنشأ حالة غريبة ومركبة: فالقيادة السياسية تتبنى باسم فتح خيارات لا يرضى عنها معظم أفراد فتح، لكنها تكتسب المشروعية لكونها تمثل العصبية في مواجهة العصبية المناقضة. هذه الحالة تجعل تثبيط المقاومة ومواجهة المقاومة أسهل، وتكتسب مرجعية وطنية، وتصبغ عليها حالة من الضياع بين كونها أجندة تناقض أهداف المشروع الوطني الفلسطيني، أو تناقض أهداف وسلوك فصيل منافس يسعى إلى السلطة.

5. تشوه مفهوم المقاومة الشعبية: في ظلَ ثنائية المقاومة المسلحة في مواجهة المقاومة السلمية واللاعنفية، إذ نشأت في بعض أوساط النخبة اليسارية والنشطاء الفلسطينيين حالة تمجد المقاومة السلمية، وتعيد تأويل ورسم تاريخ النضال الفلسطيني بوصفه نضالاً سلمياً رومانسياً “تشوه” بالمظاهر المسلحة لانتفاضة سنة 2000، ونشأت حالة تبني على وجود المتضامن الأجنبي والإسرائيلي اليساري أحياناً، وتسمح بتسلل تعريفاتهما لأهداف المشروع الوطني الفلسطيني وأولوياته وأدواته، أو تحولت إلى حالة طقوسية أسبوعية في بؤر محددة ضدَ الجدار، لم تفلح على الرغم من تضحيات أهل تلك القرى والمشاركين في تلك المواجهات في اكتساب الشعبية والتحول لخيار جماهيري حتى الآن. إن المقاومة الشعبية ليست رديفاً للمقاومة السلمية أو اللاعنفية، وهي تعني ببساطة التبني الشعبي لخيار المقاومة الشاملة، وانخراط أكبر عدد من الجماهير فيه، سواء استخدم أدوات اللاعنف أم الشغب أم التخريب أم السلاح، لكن الثنائية أعلاه دفنت تحتها هذا المفهوم.

ثالثاً: السيناريوهات المتوقعة:

في ظلّ هذه الصورة، فيمكن حصر الاحتمالات الممكنة لتطور المقاومة الشعبية في الضفة الغربية في احتمالات ثلاثة:

1. أن تستمر عناصر الدفع الموضوعي في الفعل، وأن تجد من يترجمها من أفراد وقوى وتيارات، وأن تنشأ حالة مقاومة شعبية فعالة، تستفيد من الحجم الكبير نسبياً للكتلة السكانية الفلسطينية وتسبب حالة إزعاج وضغط حقيقية على المكون السكاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وحتى في الأراضي المحتلة سنة 1948.

2. أن تستمر الحالة القائمة من حالات المقاومة الفردية، وعجز المجتمع وقواه عن ترجمة الدوافع الموضوعية إلى حالة شعبية حيوية وقابلة للاستمرار.

3. أن تتمكن الجهات الدولية وبالذات الولايات المتحدة بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين من إعادة إطلاق مرحلة جديدة من العملية السلمية، وأن تؤسس لظروف تستديم الدعم الاقتصادي وتتيح أفقاً موعوداً في المستقبل، فتتجدد حالة الهدوء في الضفة لسنوات قادمة.

ويبدو في ظلّ تعدُّد العناصر الموضوعية الدافعة واستمرارها في التعمق على محور القدس والمقدسات والمستوطنين، والعجز الدولي عن إطلاق عملية تفاوضية جديدة بأن السيناريو الأول هو الأقرب للتحقق إن توفر شرط الحالة التنظيمية من قبل قوى وتيارات قادرة على تأسيس المقاومة الشعبية وإيجاد حلول فعالة تتيح تبنيها الواسع أولاً، وتتيح استمراريتها ثانياً، وإلا فإن السيناريو الثاني هو ما سنشهده، ويبدو السيناريو الثالث هو الأبعد احتمالاً.

رابعاً: توصيات:

تشكل المقاومة الشعبية أداة تحظى بالقبول والشرعية السياسية، ويمكن لها أن تحقق الانتشار وتتغلب على حالة التنسيق الأمني المخابراتي، وينبغي أن تكون أحد الخيارات الأساسية لأصحاب استراتيجية المقاومة، وتحقيق ذلك يتطلب:

1. إعادة تركيز الخطاب على المشروع الوطني الفلسطيني وعلى التحرر كهدف نهائي له، وإعادة تقييم الأدوات والخطابات السياسية بناء عليه، بعيداً عن مثيرات “العصبية” الفصائلية.

2. دعم المقاومة الشعبية (دونما إغفال لحصة المقاومة المسلحة) باعتبارها قابلة للانتشار الشعبي ولا تتطلب عملاً تنظيمياً مغلقاً ومعقداً، واستعادة أشكال العصيان المدني ورفض التجاوب مع الاحتلال في الجغرافيا المتصلة تماماً به في القدس ومناطق “ج” على الأقل.

3. تأسيس اقتصاد شعبي قائم على إعادة التوجه لأدوات الإنتاج الزراعي والحرفي، والدفع باتجاه إعادة تأسيس دائرة اقتصاد فلسطيني داخلي تسمح باستدامة المواجهة الشعبية في حال حصولها.

4. الدفع لتأسيس إطار أو أطر مناطقية جامعة وعابرة للفصائل، ترعى حالة المقاومة الشعبية وتعمل على التأسيس لها وتوجيه خياراتها.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ زياد ابحيص بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 4/11/2014