مدة القراءة: 6 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات والمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) يوم الخميس 23/10/2014 مؤتمراً علمياً تحت عنوان “انضمام دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية ونتائجه المحتملة” في فندق كراون بلازا في بيروت.

وقد شارك في المؤتمر، الذي توزعت أعماله على ثلاث جلسات نخبة من القانونيين والمتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، ناقشوا خلالها انضمام دولة فلسطين لنظام روما، ومحاكمة الكيان الإسرائيلي وقيادته، والنتائج المتوقعة لتوجه فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية.

وتناول المشاركون بالنقاش التوصيف القانوني للأراضي الفلسطينية، ودور المؤسسات الحقوقية الدولية ودورها في إعمال العدالة الدولية، والانتهاكات الإسرائيلية في العدوان على غزة وتصنيفها حسب القانون الدولي.

الافتتاح والجلسة الأولى:

في البداية ألقى د. محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة، كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور، واستعرض أبرز النقاط التي سيتناولها برنامج المؤتمر، مشيراً إلى أهمية وضع النقاط على الحروف، وتحديد المسارات الصحيحة للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية بشكل خاص، والمؤسسات الدولية بشكل عام، وخدمة صانع القرار الفلسطيني والعربي.

وأضاف: عانينا بما فيه الكفاية من عدم الاختصاص، وضعف الخبرة والكفاءة وسوء التسويق، ولفت إلى أن البعض رفع أكثر من 280 قضية إلى محاكم دولية أو الدول في أوروبا الغربية ضدّ الكيان الإسرائيلي، أغلبيتها الساحقة تمّ ردّها بسبب عدم الاختصاص، أو عدم استكمال الإجراءات والأوراق اللازمة.

وأدار الجلسة الأولى، د. باسم عالم، المحامي والمستشار القانوني، وتحدث خلالها كلٌ من د. محمود الحنفي، المدير العام للمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، وأ. نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، ود. سهيل الناطور، الكاتب والباحث القانوني.

وفي إطار حديثه عن التوصيف القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة (قطاع غزة نموذجاً)، أكد حنفي أن الأدلة والنصوص القانونية تظهر جلياً أن “إسرائيل” محتلة لقطاع غزة، وبالتالي هناك حالة احتلال موجودة، وواجبات “إسرائيل” ستكون ملزمة لها بقدر أكثر؛ لكونها أعلنت حالة عداء، إضافة إلى احتلالها المستمر للقطاع.

وقال: إن أحكام القانون الدولي، وخاصة الأحكام الجنائية لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيليين، ستكون من منطق القانون واجبة التطبيق أكثر من ذي قبل، وخاصة أنها في هذه الحالة تكون قد ضربت بكلّ وضوح الجوانب الإنسانية، عندما أعلنت وقف كافة الإمدادات الغذائية، وحاجات السكان من مواد أساسية ومصادر الطاقة وغيرها، وفق أهوائها وتوجهاتها من دون مراعاة الحدّ الأدنى من هذه الحاجات للسكان المدنيين.

وتحدث حوري عن دور المؤسسات الحقوقية والدولية في أعمال العدالة الدولية (منظمة هيومن رايتس ووتش نموذجاً)، وقال إن الادعاء على “إسرائيل” في المحكمة الجنائية الدولية هو دعاية إعلامية، لأن هذا لا يُفيد أحداً؛ لأنه لا يمكن محاسبة “إسرائيل” بل الممكن هو محاسبة قيادات وأشخاص محددين فقط، مشيراً إلى أهمية تسليط الضوء على مرتكبي الجرائم وتسميتهم.

من ناحيته استهل الناطور ورقته بالحديث عن الانتهاكات الإسرائيلية في أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتصنيفها حسب القانون الدولي، مشيراً إلى أن هناك إشكالية لدى الجانب الفلسطيني تكمن في أنه لا يبادر في إجراءات المحاكمة، موضحاً أن الذي حرك الموضوع في سنة 2009 وفي الوقت الحالي هو مجلس حقوق الإنسان الدولي.

وقال إن الكيان الإسرائيلي يُسمّي حربه على غزة “عملية”، وليس حرباً؛ تحسباً لأيّ ملاحقة قانونية دولية، أو تحمل أيّ تبعات لتسميتها حرباً. ويجب على الفلسطينيين أن يدركوا أهمية التسميات والتبعات القانونية التي تُبنى عليها.

الجلسة الثانية:

أدار الجلسة الثانية أ. معن بشور، الكاتب السياسي والمفكر القومي العربي، وتحدث خلالها كلٌ من أ. د. شفيق المصري، أستاذ القانون الدولي، وأ. عمار ملحم، الباحث القانوني في الشؤون الفلسطينية، ود. عبد الرحمن علي، أستاذ القانون الدولي.

وتحدث المصري، في ورقته عن انضمام دولة فلسطين لنظام روما الأساسي وموازين الربح والخسارة، والسبل الأفضل للتعامل معها، وتساءل عن إمكانية السلطة الفلسطينية استيفاء شروط الانضمام إلى نظام روما. وأشار المصري إلى أن دولة فلسطين قبل تقديم طلب الانضمام تشكّل بالنسبة إلى المحكمة الجنائية الدولية “دولة غير طرف” في هذه المحكمة، وهذا يعني أنها غير ملزمة بأحكامها وقراراتها إلا إذا قبلت ذلك الالتزام طوعاً وصراحة وخطياً.

وذكر أن للانضمام إلى المحكمة الجنائية بعض المخاطر، منها موضوع التوصيف القانوني للأراضي المحتلة، حيث سعت “إسرائيل” فرض توصيف جديد اعتمدته بعد اتفاق أوسلو 1993 وهو “الأراضي المتنازع عليها”. ومنها أيضاً مطالبة “إسرائيل” بالتحقيق مع عدد من الفلسطينيين أمام “الجنائية الدولية”.

وفي ختام كلمته شدد المصري على ضرورة الإبقاء على توصيف الأراضي الفلسطينية على أنها “أراضٍ محتلة” من قبل “إسرائيل”، وعلى التمسك بالرأي الاستشاري بشأن الجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية، وعلى التشبث بالنصوص الدولية حول الضمانات الدولية لحقوق اللاجئين وتقرير المصير والحقوق الأخرى غير القابلة للتصرف، وعلى العمل على الانضمام إلى المنظمات الدولية الأخرى، وعلى العمل الحثيث على إعادة إحياء اعترافات الدول بالدولة الفلسطينية.

في حين قدم ملحم ورقته حول محاكمة الكيان الإسرائيلي وقياداته، مشيراً إلى أن من المسارات القانونية التي يمكن مباشرتها لدى محاكم وهيئات دولية، ضدّ الكيان الصهيوني هي اللجوء للقضاء الوطني الذي يتبنى “مبدأ الاختصاص الدولي”، والمحاكم الخاصة المؤسسة على قرار تتخذه الجمعية العامة الاستثنائية الطارئة، ومحكمة العدل الدولية، والشكاوى والطلبات الممكن واللازم مباشرتها لدى العديد من المنظمات والوكالات الدولية، وقيام المجموعة العربية في الأمم المتحدة أو حلفائها الدوليين بمعاودة تنشيط دور الجمعية العمومية الاستثنائية الطارئة للأمم المتحدة، والسعي لدى جامعة الدول العربية للقيام بإنجاز “معاهدة قضائية عربية” وضمان استقلاليتها وتنفيذ أحكامها من خلال إسنادها مالية، والمحكمة الجنائية الدولية، التي هي مدار حديث المؤتمر.

وفي ورقته حول فلسطين والمحكمة الجنائية الدولية شرح عبد الرحمن علي اختصاص المحكمة الجنائية الدولية؛ الموضوعي، والزماني، والإقليمي، وتقييد اختصاص المحكمة عن طريق مجلس الأمن.. ومن ثم أبرز أهمية المادة (12) فقرة (3) من نظام روما؛ والتي أجازت للدولة، إن كانت طرفاً في معاهدة روما أو لم تكن، إعطاء المحكمة اختصاصاً للتحقيق بالجرائم التي ارتكبت منذ 1/7/2002.

ثم أوضح علي أن هناك ثلاثة خيارات مطروحة أمام الجانب الفلسطيني للاستفادة من نظام روما، خاصة بعد أن أصبحت فلسطين دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، وهي؛ أولاً: اللجوء إلى المادة (12) فقرة (3) فقط بدون الانضمام للمعاهدة، وهذا الإعلان يتضمن قبول فلسطين بالتعاون مع المحكمة في تحقيقها المتعلق بجرائم قد يكون ارتكبها الجيش الإسرائيلي أو بجرائم ارتكبت عن طريق الفصائل الفلسطينية على حدّ سواء.

ثانياً: الانضمام إلى المعاهدة مع استخدام المادة (12) فقرة (3)، وهذا الانضمام يمنح المحكمة اختصاصاً بالتحقيق في الجرائم الواقعة بعد تاريخ انضمامها وبعد دخول المعاهدة حيز التنفيذ بالنسبة لفلسطين، بالإضافة لما تمّ ذكره من متطلبات هذه المادة. أما الخيار الثالث، والذي يفضله علي، هو الانضمام إلى المعاهدة بدون إضافة الإعلان بموجب المادة (12) فقرة (3)؛ ما يعني أن المحكمة ستنظر في الجرائم اللاحقة على تاريخ الانضمام دون التحقيق مع الفصائل الفلسطينية. كما دعا الجانب الفلسطيني إلى التركيز على موضوع الاستيطان كجريمة حرب، الاعتقال غير القانوني وعدم وجود محاكمات عادلة بالإضافة إلى جرائم أخرى تحث المحكمة على التحقيق بشأنها.
 
الجلسة الثالثة:

تضمنت الجلسة الثالثة، التي أدارها المحامي عبد العزيز جمعة مداخلات وحوارات حول القيمة العملية لمشاركة فلسطين في محكمة الجنايات الدولية، وتقييم دور المحكمة وقدرتها على الإنجاز، واحتمالات تجريم قيادات ورموز المقاومة الفلسطينية، والطرق الأفضل للتعامل مع محكمة الجنايات.

وقال د. حسين أبو النمل إن المعركة القانونية تأتي كجزء من المعركة السياسية التي هي جزء من الصراع مع العدو، وهي ذات أبعاد متعددة، مشيراً إلى أن البنية القانونية حين نبحث لها عن شرعية وقضاء بالخارج علينا أن نبحث عنها قبل ذلك بالداخل.

وبين أ. خالد الشولي أن هناك أربعة نقاط ينبغي التركيز عليها هي القيمة العملية في توجه فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتقييم دور المحكمة وقدرتها على الإنجاز، والطرق الأفضل في التعامل مع المحكمة، والبعد السياسي للانضام.

وأشار د. أمين حطيط إلى أن القانون والسياسة يتبادلان التأثير وهذا في أقصى درجات الإيجابية. وفي الواقع الفعلي القانون هو تحت تأثير السياسة، ومن هذا المنطلق يجب مناقشة دخول فلسطين للمحكمة الدولية. مضيفاً أنه منذ عقدين أوثلاثة توصلنا إلى قناعة أن القضاء الدولي هو قضاء مسيس تتخذه الدول العظمى كأداة لمن لا تستطيع أن ترسل له الجيوش.

وتساءل أ. مصطفى نصر الله عن عدم تجريم الكيان الإسرائيلي في الدول التي يحمل قادة الاحتلال جنسيتها، مشدداً على أهمية تفعيل القانون الوطني في هذا الإطار، وهذا لا يحتاج إلى كثير من الشجاعة والاختلاف عليها، حسب قوله.

من جهة أخرى بين علي بركة، ممثل حركة حماس في لبنان، أن طريق التحرير هو طريق المقاومة المسلحة، ولكن دور المجاهد أن يقاتل في الميدان لا يعني ألا نستخدم وسائل أخرى، فليس الشعب الفلسطيني وحده من سيحرر فلسطين، نحن بحاجة لإسناد من كل العالم.

وبين أن تأييد حماس للذهاب الفلسطيني للأمم المتحدة لنيل صفة عضو مراقب، كان من ضمنه القدرة على محاكمة “إسرائيل”؛ أي القدرة على التوقيع على ميثاق روما.

وفي الحديث عن الإشكاليات قال أ. وسام أبي عيسى إن المشكلة تتمثل في عدم وجود قيادة فلسطينية موحدة، أو مشروع وطني موحد، مشيراً إلى أن الخطوات الفلسطينية عبارة عن تكتيكات تخدم رؤى شخصية وتخضع لسياسات معينة.

وأوضح د. سهيل الناطور أن النظام العربي يحول دون محاكمة بعض قيادات الاحتلال التي تحمل جنيسات عربية، وعلى سبيل المثال منع محاكمة ضابط إسرائيلي من المغرب شارك في عملية الجرف الصامد، وقال بدل أن تُدعى تسيبي ليفني لإلقاء محاضرة في بلد عربي كان ينبغي محاكمتها في ذلك البلد.

وأكد أ. ماجد أبو دياك كلام أبي عيسى في أن المشكلة تكمن في عدم وجود قرار فلسطيني موحد، لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون إيجاد آلية لإدارة الصراع.

وشدد أ. عمار ملحم على ضرورة الالتزام بالقانون الفلسطيني أولاً قبل القانون الدولي؛ من خلال تفعيل المجلس الوطني الفلسطيني، الذي هو السلطة العليا لمنظمة التحرير ويضع سياساتها وبرامجها.

بدوره أشار أ. علي هويدي إلى ضرورة وجود جيش من الخبراء القانونيين لخوض هذه المعركة القانونية، وهذا يحتاج إلى وقت وبذل جهود، مشدداً على أن الحراك القانوني لا يُلغي الحراك السياسي والضغط السياسي للتأثير على القرارات.

وأيد د. عبد الرحمن مبشر ما قاله هويدي من ضرورة تشكيل فريق من الخبراء القانونيين، منوهاً إلى أن محاكمة قادة الاحتلال وإن كانت ستبدو رمزية إلى أن مردودها الاستراتيجي مهم جدّاً.

وردّاّ على المخاوف التي أثيرت من أن الانضمام للمحكمة الجنائية قد يعطي المحكمة الحق بملاحقة قيادات المقاومة، أجاب بأنه من الناحية الإجرائية قد تفتح المحكمة الجنائية الدولية جميع الملفات بما فيها ملف التحقيق إن كان هناك جرائم مرتكبة من قبل المقاومة مع التنبيه إلى أن المحكمة لا تلاحق أفراداً بل أصحاب القرار المباشر. منوهاً إلى أن ذلك لا ينبغي أن يحول دون التوجه للمحكمة، بل ينبغي جعله منبراً لبعض قادة المقاومة وتقديم وجهات نظرهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وأشار د. عبد الرحمن علي إلى أنه في حال توجه السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الدولية فإن المدعي العام قد يجعل المحاكمة شاملة، لتضم بعض أطراف المقاومة، منوهاً إلى أن ذلك لا ينبغي أن يحول دون التوجه للمحكمة، بل ينبغي جعله منبراً لبعض قادة المقاومة وتقديم وجهات نظرهم أمام المحكمة الدولية.

الختام:

وفي ختام حلقة النقاش، شكر د. محسن محمد صالح الحضور، لا سيّما د. محمود حنفي صاحب الفكرة لهذا المؤتمر، منوهاً بما تمّت مناقشته من أفكار وطروحات، مشدداً على ضرورة إيلاء مثل هذه القضايا أهمية في الدراسات العلمية. وأضاف أن الكيان الإسرائيلي ليس جمعية خيرية، وسينتقل من صراع إلى صراع، ولا مناص عن المواجهة بأساليب متعددة لانتزاع الحقوق الفلسطينية.

من جهته شكر د. محمود الحنفي الحضور، مؤكداً أن الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية يحتاج لقرار سياسي فلسطيني، وشبكة علاقات وموازين قوى، ولا مناص عن الوحدة السياسية الفلسطينية التي تؤسس لإنجاز سياسي وقانوني.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 24/10/2014